الرياص - اسماء السيد - في عام 1987 صدر كتاب "فن الصفقة" من تأليف دونالد ترامب بالتعاون مع الصحفي توني شوارتز، ويجمع بين السيرة الذاتية والدليل العملي حول التجارة والعقارات والتفاوض.
ويسعى الكتاب إلى توضيح أسلوب ترامب في النجاح وتقديمه لجمهور أوسع عبر سرد تجربته الشخصية في مجال الأعمال، حيث يشارك استراتيجياته ومبادئه التي اعتمد عليها خلال صفقاته الكبرى.
وحصل الكتاب على المركز الأول في قائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعاً في ذلك العام، كما ظل لعدة أعوام بين قائمة الكتب الأكثر مبيعاً.
وكان لهذا الكتاب دور كبير في تأسيس صورة ترامب العامة كرجل أعمال جريء وطموح يسعى لتحقيق إنجازات ضخمة. وقد أسّس الكتاب لترامب بمكانة مرموقة في الإعلام، مما ساهم لاحقاً في صعوده السريع في عالم السياسة، لا سيما خلال حملته الرئاسية عام 2016.
الحياة المبكرة
وُلد دونالد ترامب في ضاحية كوينز بمدينة نيويورك في الـ 14 من حزيران / يونيو 1946. وكان الابن الرابع لثري العقارات النيويوركي فريد ترامب وزوجته ماري مكلاود.
وكان والده قد كوّن ثروته عن طريق بناء الشقق السكنية في نيويورك وتشييد مساكن للعسكريين الأمريكيين.
وانخرط ترامب في مدرسة كيو-فوريست في نيويورك، ولكنه نُقل منها، ولم يكن تجاوز الـ 13 من عمره لسوء سلوكه، إلى أكاديمية تعليمية في نيويورك ذات طابع عسكري.
ويقول دونالد ترامب في كتابه إن نجاحه في مجال العقارات يعود إلى التأثير الكبير الذي تركه والده فريد ترامب، والذي كان مطوّراً عقارياً ناجحاً في نيويورك.
ومنذ سن مبكرة، اكتسب ترامب المهارات الأساسية حول إدارة العقارات وتمويلها. وكان فريد ترامب يفضل التركيز على المشروعات العقارية الموجهة للطبقة المتوسطة في ضواحي نيويورك، وخاصة بروكلين وكوينز، حيث كان يسعى لتطوير وحدات سكنية منخفضة التكاليف وجيدة الربح. ومن خلال عمله مع والده، تعلم ترامب أهمية الإدارة المالية والتفاوض.
وفي الكتاب، يذكر ترامب كيف شكّل تعليمه وأولى تجاربه العقارية بعضاً من المبادئ التي طورها فيما بعد، فبعد سنتين من الدراسة في جامعة فوردام والتي كان قد بدأها في عام 1964، انتقل إلى مدرسة وارتون للأعمال بجامعة بنسلفانيا، التي كانت حينها من بين القلائل التي تدرّس برامج متقدمة في العقارات، وقد حصل من تلك الكلية على شهادة في الاقتصاد.
النصائح الأساسية
ويقدم كتاب "فن الصفقة" نظرة ترامب لفن التفاوض، حيث يعتقد أن الصفقة الناجحة تعتمد على مهارات الإقناع، واختيار التوقيت السليم، والقدرة على التحكم في الرأي العام.
وتعتبر استراتيجيته "التضخيم الصادق" جزءاً مهماً من فلسفته، حيث يشير إلى أن المزج بين المبالغة والتفاؤل يمكّنه من خلق اهتمام بمشروعاته، فمن خلال هذا النهج، يستطيع تشكيل تصورات إيجابية عن مشاريعه، وزيادة قيمتها، وتحقيق زخم يعزز النجاح.
ويعرض الكتاب أسبوعاً في حياة ترامب، حيث يسرد أنشطته اليومية وتفاصيل صفقاته، مما يسمح بتوضيح بعض النصائح التي يوجهها للقراء، ومن بينها:
- اطمح لأهداف كبيرة: ترامب يؤكد على أهمية التفكير الكبير ووضع أهداف عالية، مشيراً إلى أن أصحاب المليارات لا يختلفون في العمل عن الآخرين، ولكنهم يفكرون بشكل أكبر. ويوضح أن النجاح يأتي من التطلع إلى مشاريع ضخمة، سواء في العقارات أو غيرها من المجالات.
- استفد من خياراتك: ترامب يشدد على أهمية الاستعداد للمواقف غير المتوقعة وإعداد خيارات بديلة، ويقول إنه لا ينبغي الاعتماد على خطة واحدة فقط في التفاوض، بل يجب أن يكون لديك دائماً خطط احتياطية إذا لم تمضِ الأمور كما هو مخطط لها، فالمفاوضات تتطلب التحلي بالمرونة والتكيف السريع.
- اعرف السوق: يعتبر فهم احتياجات وسلوك العملاء أساسياً، إذ ينصح ترامب بالبحث وتحديد الاستراتيجيات بناءً على هذه المعرفة لخلق استراتيجيات قوية.
- استغلال الفرص: يؤكد ترامب على أهمية استغلال الأوقات الصعبة، مثل فترات الركود الاقتصادي، من أجل اقتناص الأصول المتعثرة وإعادة إحيائها وتحقيق أرباح منها لاحقاً، ويرى أن السوق غير المستقرة تقدم فرصاً لا تتكرر.
- الإصرار والصمود: يُظهر ترامب كيف استمر في مطاردة أهدافه حتى عند مواجهة العقبات، وكيف أنه يبحث دائماً عن طرق بديلة للوصول إلى أهدافه، ما يعكس شخصيته المثابرة والمرنة.
- الترويج الذاتي والإعلام: يناقش ترامب قدرته على استغلال الإعلام لصالحه، حيث يستخدم وسائل الإعلام لإثارة الاهتمام بمشروعاته، وتحقيق الأرباح من خلال الاهتمام العام والمراجعات الإيجابية.
- استخدم تأثيرك: يقول ترامب إن أسوأ ما يمكنك فعله في أي صفقة هو أن تبدو متلهفاً لإتمامها، فهذا يجعل الطرف الآخر يشم رائحة الدم، والتأثير هنا يعني الحصول على شيء يريده الطرف الآخر، أو الأفضل من ذلك أنه يحتاج إليه، أو الأفضل من ذلك كله على الإطلاق إنه لا يستطيع الاستغناء عنه ببساطة، فاستخدام التأثير يتطلب الخيال والبراعة في البيع، وبعبارة أخرى، عليك إقناع الطرف الآخر بأن من مصلحته إتمام الصفقة.
- قوة التفكير السلبي: يقول ترامب إنه لا يؤمن بقوة التفكير الإيجابي وإنما بـ "قوة التفكير السلبي"، ويقول: "أدخل دائماً في الصفقة متوقعاً الأسوأ، إذا خططت للأسوأ وإذا كنت تستطيع التعايش مع الأسوأ، فإن الخير سيعتني بنفسه دائماً".
- الرد بقوة: يقول ترامب إن هناك أوقاتاً يكون فيها الخيار الوحيد هو المواجهة، فعندما يعاملني الناس بشكل سيء أو غير عادل أو يحاولون استغلالي، فإن موقفي طوال حياتي هو الرد بقوة وإلا فإن الموقف السيئ سيصبح أسوأ.
- تسليم البضائع: يقول ترامب إنه لا يمكن خداع الناس، على الأقل ليس لفترة طويلة حيث يمكنك خلق الإثارة، ويمكنك القيام بترويج رائع والحصول على جميع أنواع التغطية الإعلامية، ويمكنك إضافة القليل من المبالغة، ولكن إذا لم تسلم البضائع، فسوف يكتشف الناس الأمر في النهاية.
- التركيز على الجودة: يعتقد ترامب أن تقديم منتجات وخدمات ذات جودة عالية ضروري لبناء سمعة جيدة وكسب ولاء العملاء على المدى الطويل.
- استمتع بالرحلة: على الرغم من أن النجاح في الأعمال يمكن أن يكون صعباً، إلا أن ترامب يذكر أنه من المهم الاستمتاع بالرحلة نفسها، وليس فقط التركيز على النتائج، ويُعتبر هذا العنصر ضرورياً في الحفاظ على التحفيز على المدى الطويل، ذلك أن النجاح لا يأتي بين عشية وضحاها، بل هو نتيجة للعمل المستمر والتركيز على تحسين الأداء والتعلم من كل تجربة.
المشاريع الكبرى
ويتضمن الكتاب وصفاً لبعض المشاريع الكبرى التي ساهمت في بناء سمعة ترامب كرجل أعمال طموح، ومن هذه المشاريع:
- فندق كومودور: يعتبر هذا المشروع أحد أكثر صفقاته شهرة، حيث حوّل فندق كومودور المتعثر إلى فندق جراند حياة نيويورك عام 1980. ورغم الأزمة الاقتصادية التي كانت تواجهها نيويورك حينها، فقد حصل ترامب على إعفاءات ضريبية وتعاون مع شركة حياة لضمان التمويل اللازم، وكانت هذه الصفقة مثالاً على قدرته على تجاوز التحديات المالية والاستفادة من الظروف الاقتصادية.
- برج ترامب: يعد برج ترامب في شارع فيفث أفينيو من أهم إنجازاته في الثمانينيات من القرن الماضي حيث واجه ترامب تحديات تنظيمية وإنشائية كبيرة، ولكنه استطاع في النهاية التفاوض لتأمين تصاريح للبناء. ويعكس هذا المشروع مدى إصراره وقدرته على مواجهة الصعوبات للحصول على مكانة بارزة في السوق العقاري.
- حلبة وولمان: عندما فشلت بلدية نيويورك في ترميم حلبة التزلج في حديقة سنترال بارك، تدخّل ترامب لإتمام المشروع في عام 1986، وأكمل المشروع في وقت قصير وتكلفة منخفضة، مما أكسبه شعبية ودعماً من الجمهور، وأكد قدرته على تنفيذ المشروعات العامة بنجاح.
ردود الفعل والإرث
حاز كتاب "فن الصفقة" على شهرة واسعة ولكنه كان محل جدل كبير حيث أُعجب به الكثير من القراء الذين وجدوا أسلوبه المباشر ونصائحه العملية ملهمة ودليلاً كلاسيكياً في مجال الأعمال وتجسيداً للحلم الأمريكي، بينما رآه آخرون عملاً يروج لصورة مبالغ فيها عن ترامب، وتحذيراً حول مخاطر الطموح غير المحدود والتلاعب الإعلامي.
ويرى النقاد أن أسلوب ترامب، كما يوصف في الكتاب، يشجع على نوع من الرأسمالية العدوانية التي تعطي الأولوية للمكاسب الشخصية على حساب النزاهة، بينما يجادل مؤيدو فلسفته بأن هذه الأساليب شائعة في الأعمال التجارية الرفيعة المستوى وأن نجاحه يبرر نهجه.
وقد جادل النقاد بأن الكتاب بالغ في تصوير نجاحات ترامب في الأعمال من تعاملاته في مجال العقارات في مانهاتن إلى إدارة كازينوهاته في أتلانتيك سيتي، وتجنب ذكر إخفاقاته.
وكان مصطلح "التضخيم الصادق" مثيراً للجدل، حيث اعتبره البعض قبولاً ضمنياً للّيونة في التعامل مع الحقائق لتحقيق مكاسب شخصية، مما أثار تساؤلات حول أخلاقيات بعض ممارساته التجارية.
وقد أعرب توني شوارتز، الذي شارك في كتابة الكتاب، لاحقاً عن ندمه على مشاركته في تصوير ترامب بهذا الشكل، حيث انتقد تركيز ترامب على مصلحته الشخصية وصورته العامة على حساب القيم الأخلاقية.
وانتقد شوارتز ترامب مدعياً أنه غالباً ما واجه صعوبة في التركيز وتذكر تفاصيل حياته ومسيرته المهنية. وقال شوارتز إنه تعمد جعل ترامب يبدو أكثر ذكاءً مما كان عليه في الواقع.
وغذّت تصريحات شوارتز الجدل حول مدى صدق الرواية التي يقدمها ترامب في فن الصفقة، وأثارت شكوكاً حول صحة بعض الادعاءات في الكتاب، مما أثار النقاش حول ما إذا كان نجاح الكتاب يعود لكتابة شوارتز أكثر من كونه يعكس فعلاً مهارات ترامب.
وقد أسهم كتاب "فن الصفقة" في بناء صورة ترامب العامة وتثبيت مكانته كرجل أعمال ناجح في الثقافة الأمريكية في الثمانينيات من القرن الماضي، وكان له دور أيضاً في تشكيل نهجه في العلاقات العامة، إذ استمر في استخدام "التضخيم الصادق" كاستراتيجية للفت الانتباه الإعلامي، سواء في أعماله أو لاحقاً في عالم السياسة.
وقال ترامب عن الكتاب إنه يعتبر واحداً من أعظم إنجازاته و"يعتبره كتابه المفضل الثاني بعد الكتاب المقدس".
وقد كشفت أوماروسا مانيغولت نيومان، المساعدة السابقة لترامب، في كتابها "المعتوه" أنه كان يرغب في أداء يمين القسم عند تنصيبه في يناير/ كانون الثاني من عام 2017 على كتابه "فن الصفقة" بدلاً من الكتاب المقدس، كما هو معمول به.
ونسبت لترامب قوله عن كتابه: "هذا أعظم كتاب عن الأعمال في التاريخ، ومن شأن القسم عليه أن يرمز إلى أنه على وشك إبرام صفقات ممتازة للبلاد".
وأوضحت نيومان أنه نتيجة لجهودها مع غيرها من مساعدي الرئيس، أمكن إقناع ترامب بأن يؤدي اليمين الدستورية بالقسم على الكتاب المقدس عند تنصيبه، مشيرة إلى أنه حاول في وقت لاحق إنكار أنه أراد القسم على كتابه، وقال إنه كان يمازح نيومان. ومع ذلك، أكدت نيومان أنها كانت تعرف أنه كان جاداً في اقتراحه تلك الفكرة.