كتبت: ياسمين عمرو في الأحد 30 مارس 2025 08:53 صباحاً - كل رحلة تبدأ بخطوة، ورحلة الأهل مع الطفل المصاب باضطراب طيف التوحد (ASD) ليست استثناءً، إنها رحلة مزيجها القلق والأمل، البحث عن إجابات، ولحظات مليئة بالاكتشاف، عندما يتلقى الأهل تشخيصاً لطفلهم، يجدون أنفسهم أمام عالم جديد من المعلومات والخيارات، مما قد يجعلهم يشعرون بالحيرة والارتباك، كيف يمكنهم دعم طفلهم بأفضل طريقة ممكنة؟ كيف يضمنون نموه وتقدمه؟ المفتاح يكمن في الفهم العميق لحالته، وتحديد احتياجاته، واتباع نهج شامل يساعده على تحقيق أقصى إمكاناته، بمناسبة اليوم العالمي للتوحد الذي يوافق في الثاني من أبريل القادم، يوضح الدكتور زيمر وانغ، المدير التنفيذي الطبي لمركز التميز الذهني والبدني التابع لموانئ دبي العالمية، قواعد هذه الرحلة، والخطوات التي يفترض أن يتبعها الآباء.

البداية: فهم التحديات من خلال التقييم

لا يوجد طفل مصاب بالتوحد يشبه الآخر، فلكل طفل نمط تفكير وسلوك فريد يعكس تفاعله الخاص مع العالم من حوله، البعض قد يواجه تحديات في تطوير اللغة والتواصل، بينما قد يواجه آخرون صعوبة في التكيف مع المحفزات الحسية عند الأطفال مثل الأصوات العالية أو اللمسات المفاجئة، قد يظهر لدى البعض الآخر صعوبات في التفاعل الاجتماعي، حيث يجدون صعوبة في فهم الإشارات غير اللفظية أو تكوين الصداقات.
لذلك، فإن الخطوة الأولى والأكثر أهمية في دعم الطفل هي إجراء تقييم دقيق وشامل يساعد في كشف نقاط قوته وتحديد التحديات التي يواجهها، التقييم الجيد لا يعتمد فقط على الملاحظات السطحية، بل يستخدم أدوات تشخيصية متقدمة، تشمل الاختبارات السلوكية والمعرفية، وتحليل أنماط التواصل، وتقييم المهارات الحسية والحركية، يتابع د. زيمر وانغ: "يجب أن تكون التقييمات متكاملة يقودها فريق متعدد التخصصات من الأطباء والمتخصصين في علم النفس العصبي والعلاج الوظيفي والتخاطب، هذه التقييمات تساعد في وضع خريطة شاملة لنقاط القوة والتحديات لدى كل طفل، ما يمكننا من تقديم توصيات علاجية مخصصة لكل حالة، واعرفوا أن الفهم العميق لهذه التحديات لا يساهم فقط في وضع خطة علاجية فعالة، بل يمنح الأهل القدرة على اتخاذ قرارات مدروسة ومبنية على العلم فيما يتعلق بالاستراتيجيات مع الأطفال التي يمكن تطبيقها في المنزل وفي البيئة التعليمية، من خلال هذا النهج العلمي والدقيق، يمكن ضمان أن كل تدخل أو برنامج علاجي يتم تقديمه مصمماً خصيصاً لتلبية احتياجات الطفل الفريدة، مما يعزز من فرص نجاحه وتكيفه بشكل إيجابي مع مجتمعه.
بناء التواصل: فتح الأبواب نحو عالم الطفل
التواصل يمثل تحدياً كبيراً للأطفال المصابين بالتوحد. بعضهم لا يتحدث، بينما يجد آخرون صعوبة في فهم الإشارات غير اللفظية أو تفاعلهم الاجتماعي، لمساعدة هؤلاء الأطفال، يمكن للوالدين:
- استخدام الوسائل البصرية مثل أنظمة تبادل الصور (PECS) التي تساعدهم على التعبير عن احتياجاتهم.
- تشجيع اللعب المنظم الذي يعزز مهارات التفاعل الاجتماعية.
- استكشاف وسائل بديلة للتواصل مثل لغة الإشارة أو الأجهزة المساندة.
بناء المهارات الاجتماعية: دمج الطفل مع الآخرين

إلى جانب التواصل، يحتاج الأطفال إلى تطوير مهاراتهم الاجتماعية، يمكن تحقيق ذلك من خلال:
- توفير بيئات اجتماعية داعمة حيث يمكنهم التفاعل دون ضغوط.
- استخدام القصص لشرح المواقف الاجتماعية وتعليم كيفية التعامل معها.
- تعزيز التعرف إلى المشاعر عبر تمارين تربط التعابير الوجهية بالمشاعر المختلفة.
ضبط التحفيز الحسي: خلق بيئة مريحة
الأطفال المصابون بالتوحد يواجهون تحديات حسية مختلفة، بعضهم شديد الحساسية تجاه الضوضاء أو الروائح أو اللمس، بينما يحتاج آخرون إلى تحفيز حسي مستمر، يمكن للوالدين دعم أطفالهم من خلال:
- علاج التكامل الحسي لمساعدتهم على التعامل مع المدخلات الحسية بشكل أكثر فاعلية.
- تهيئة بيئة مريحة تقلل من العوامل المشتتة.
- استخدام أدوات تهدئة مثل البطانيات الثقيلة أو الألعاب الحسية التي توفر شعوراً بالأمان.
الجمع بين العلاجات: مفتاح التقدم

لا يوجد علاج واحد يناسب الجميع، ولكن الجمع بين عدة استراتيجيات يمكن أن يحقق نتائج فعالة، باستخدام نهج متكامل يشمل:
العلاج بالأكسجين عالي الضغط (HBOT)
يساعد هذا العلاج في تحسين وظائف الدماغ من خلال زيادة الأكسجين وتقليل الالتهابات عند الأطفال، مما يسهم في تعزيز التركيز وتحسين القدرات التواصلية.
علاج التكامل الحسي
يعمل على مساعدة الأطفال في تنظيم استجاباتهم الحسية، مما يحد من التوتر ويزيد من قدرتهم على التفاعل مع بيئتهم بشكل مريح.
التدريب الإدراكي
يركز على تطوير المهارات التنفيذية مثل الانتباه، حل المشكلات عند الطفل، والذاكرة، مما يساعد الأطفال على التعلم والتفاعل بشكل أفضل.
التغذية الصحية
تلعب التغذية دوراً أساسياً في تحسين الصحة العامة للأطفال المصابين بالتوحد، النظام الغذائي المتوازن الغني بالعناصر الغذائية، مثل أحماض أوميغا-3 الدهنية ومضادات الأكسدة، قد يساعد في تعزيز الوظائف العصبية وتقليل الالتهابات التي قد تؤثر على الأداء السلوكي والمعرفي.
التدريب البدني
يمكن للنشاط البدني أن يساعد الأطفال المصابين بالتوحد على تحسين التنسيق الحركي، وتعزيز قدرتهم على التركيز، وتقليل القلق والتوتر، يشمل ذلك تمارين التوازن، واليوغا، والتمارين الحسية التي تهدف إلى تحسين الإدراك الحسي والجسدي.
دور الأهل: الركيزة الأساسية في حياة الطفل
العلاج وحده لا يكفي، فدور الأهل في دعم أطفالهم أساسي ومؤثر، يمكن للوالدين:
إنشاء روتين واضح وثابت، يساعد الطفل على الشعور بالأمان والاستقرار.
تعزيز التعلم عبر اللعب، اللعب وسيلة فعالة لتطوير المهارات المعرفية والاجتماعية.
استخدام التعزيز الإيجابي، مكافأة السلوكيات الإيجابية تعزز من ثقة الطفل بنفسه.
التعاون المستمر مع المتخصصين، لضمان توافق الاستراتيجيات العلاجية بين المنزل والمركز.
الاهتمام بصحة الأهل النفسية، الحفاظ على رفاهية الأهل ينعكس إيجاباً على الطفل.
الأمل والمستقبل: كل طفل لديه إمكاناته الخاصة
التوحد ليس عائقاً، بل هو طريقة فريدة للنظر إلى العالم والتفاعل معه، يحمل الأطفال المصابون بالتوحد مواهب وقدرات استثنائية يمكن صقلها وتطويرها بالدعم المناسب، لا يتعلق الأمر بتغيير الطفل، بل بتهيئة بيئة تتيح له النمو بطريقته الخاصة.
عبر تقديم التقييمات الشاملة، واتباع استراتيجيات علاجية متكاملة، وتعزيز دور الأهل، يمكننا تمكين كل طفل من تحقيق إمكاناته الكاملة، قد تكون الرحلة صعبة أحياناً، لكنها حافلة بالفرص والمكافآت، واكتشاف قوة كل طفل هو أعظم إنجاز يمكن تحقيقه.
*ملاحظة من «الخليج 365»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص
