محمد اسماعيل - القاهرة - القاهرة- ( د ب أ):
أكد المرشح الرئاسي، رئيس حزب "مشروع تونس"، محسن مرزوق أن اهتمامه بالفقراء ومتوسطي الحال في البلاد لن يُختزل في التقاط صور "سيلفي" معهم، أو توزيع المساعدات عليهم خلال فترة الدعاية الانتخابية، وقال إن العمل على معالجة قضايا الفقر والبطالة والتهميش سيظل في صدارة أولوياته اذا ما وصل إلى سدة الحكم، ولن يقتصر الأمر على وعود انتخابية تتبخر فور وصوله إلى قصر قرطاج.
وشدد مرزوق في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) على أن القضايا السياسية، وفي مقدمتها منع وصول تيار الإسلام السياسي، ممثلا بحركة النهضة، من الوصول مجددا للحكم، ستحتل بالمقابل "حيزا كبير" من برنامجه وأولوياته.
وقال مرزوق: "لا يزال فكرهم المتطرف يفجر ويقسم المجتمع، بل ويقسم العائلات التونسية عبر توصيفهم وتصنيفاتهم للأشخاص، هذا علماني كافر، وهذا ابنه أو اخيه المؤمن، هذا معنا وهذا ضدنا... أي تلاش تام لفكرة الدولة والوطن الذي يجمع كل التونسيين، وهذا ليس أمرا هينا، ونرفض بشدة اختزال وتصوير البعض له على كونه محاولة لإذكاء الاستقطاب الانتخابي بطابع أيديولوجي... وموقفنا المناهض هذا ليس وليد الحسابات والمزايدات الانتخابية الراهنة، كما هو حال بعض المترشحين، بل هو موقف رئيسي وثابت والجميع يعلم به" .
وسخر السياسي البار، 54 عاما، من الذين حاولوا ترجمة تعهداته بالكشف عما يسمي بملفات الجهاز السري لحركة النهضة، كونه إشارة مبكرة على إمكانية استغلال موقعه الرئاسي لتصفية خلافاته وحساباته الشخصية مع الحركة.
وفي هذا الإطار، أكد مرزوق: " لا... لست مترشحا لتصفية خلافاتي أو حساباتي الشخصية مع أي طر ف، لا النهضة ولا غيرها... أنا مترشح لتصفية حساب تونس مع الفقر والتطرف والفوضى".
وتابع: "تعهدت في إطار حملتي بالتصدي بقوة القانون لكل أعداء تونس المتربصين بها بالخارج، وتحديدا المتطرفين المجاورين لها في ليبيا، وتعهدت أيضا بفتح كل الملفات العالقة والتي طالما خلقت جدلا واسعا وفي مقدمتها ما يسمي بـ "ملف الجهاز السري للنهضة" ومسؤوليته أو صلته بعمليات الاغتيال لمعارضين للنهضة، كقضية الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمى في عام 2013، وهناك أيضا ملف تسفير الشباب التونسي لسورية... هذه قضايا تهم الوطن، وليس شخص محسن مرزوق فقط".
ورغم ذلك، لم يشكك مرزوق في قدرة النهضة على الدفع بمرشحها عبد الفتاح مورو والوصول به إلى الدور الثاني من السباق الرئاسي.
وأوضح رئيس "مشروع تونس": "منافسي الرئيسي في السباق هو مرشح النهضة فقط، لا أي مترشح أخر من الذين تبرزهم استطلاعات الرأي أحيانا، كرئيس الوزراء يوسف الشاهد أو وزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي... نعم تجربة وجود النهضة بالسلطة لم تخدمها كونها نزعت عنها كل هالة الأوهام التي كانت تحيط بقياداتها من كونهم شخصيات يخافون الله وعادلين، واتضح أنهم أصحاب مصالح.، ولكنهم مع الاسف لا يزالون متقدمين، ليس لقوتهم وإنما لانقسام الحداثيين".
وتابع: "النهضة أيضا تعاني من بعض الانقسامات وهناك احتمال أنها ستوزع أصوات خزانها البشري على أكثر من مرشح بخلاف مورو، كأمينها العام السابق حمادي الجبالي... ولكن المشكلة أعمق بالأحزاب الحداثية، حيث هناك ما يقارب خمسة أحزاب تتشابه في برامج مرشحيها، وبالتالي فالتشتت وارد بالأصوا... عن نفسي وحزبي، عملت لمدة عام ونصف من أجل توحيد الصف الحداثي، ولكن للأسف لم يتفقوا ."
وطالب مرزوق بالتعامل بشكل جدي وحذر مع "احتمالات تصاعد شهية النهضة للسيطرة على الرئاسات الثلاث"، موضحا أن "كل شىء ممكن... بالأساس، أي حزب متقدم للانتخابات من حقه أن يحلم بالفوز، بل والفوز الكاسح... علينا الاستعداد أيضا لأى محاولة من جانبهم لاستغلال المساجد أو توظيف عناصرهم المتغلغلة بالجهاز الإداري".
ودعا مرزوق إلى عدم التركيز على كيفية مهاجمة النهضة فحسب، دون العمل على تطوير البرامج المناهضة لها ولمشروعها، مشددا على أن السبيل الأفضل هو "تصحيح المسار، أو النظام السياسي الذي يسمح لها بالتحكم في التحالفات الانتخابية".
وأوضح: "ندعو إلى تعديل النظام الانتخابي بالتشريعات، فالنظام الحالي يجعل مهمة تشكيل الحكومة بدون تحالفات واسعة أمرا مستحيلا... نريد تغييرا يُمكِّن الجميع، بما في ذلك الأحزاب الناشئة أو الصغيرة، من التمثيل البرلماني، وبالتالي الدخول في ائتلافات وتشكيل حكومة متجانسة فكريا وأيديولوجيا... أي نتفادى الدخول في تحالفات ضد الطبيعة السياسية كتحالف نداء تونس والنهضة في عام 2014".
كما دعا مرزوق إلى تعديل الدستور وتركيز الصلاحيات بيد الرئيس، لا البرلمان أو الحكومة، مشددا على أن "مشكلة تونس تكمن بتعدد الرؤوس الحاكمة، وبالتالي طول مسار اتخاذ القرار، والأفضل تركيز السلطة بيد أحد رأسي السلطة التنفيذية، وبما أن الرئيس هو الوحيد الذي يتم انتخابه بشكل مباشر من الشعب بعيدا عن التحالفات وحسابات المصالح داخل البرلمان، فهو الأحق بتلك الصلاحيات".
وتطرق مرزوق إلى ظاهرة تقارب وعود كثير من المرشحين بشأن قضايا لطالما جرى التعامل معها كحقول الألغام بالمجتمع، كعودة العلاقات مع النظام السوري وفتح قناة للحوار مع المشير الليبي خليفة حفتر.
وقال: "مع الأسف، هناك بعض الشخصيات التي ترغب في الزعامة أو تدعيها دون أي محاولة لأخذ مواقف كبرى، لقد كنت السياسي الوحيد الذي ذهب إلى بنغازي وقابل المشير حفتر لأحدث توازنا في سياستنا الخارجية، في وقت وضعت فيه النهضة وحلفاؤها بحكومات الترويكا بيض تونس كله في سلة جماعة فجر ليبيا".
وأضاف: "ودعونا من البداية أن تقوم دبلوماسيتنا على الحياد الايجابي... خلال الأعوام من 2011، وتقريبا حتى 2014، كنا تحت سيادة محور إقليمي معين دون أن نحقق أي مصلحة جراء ذلك، وأُرسِل أبناؤنا في تسفير منظم للقتال في سورية وساهموا في تخريب البلد الشقيق وقتل أبنائه، بكل أسف، والآن أقل شيء نقدمه هو الاعتذار للشعب السوري، لا النظام السوري، وإن كان ليس بيننا وبينه أي خلاف... عودة العلاقات ستصب بمصلحتنا فيما يتعلق بالتنسيق الأمني بشأن وجود عدد غير هين من الارهابيين التونسيين في محافظة إدلب السورية".
وأردف بالقول: "علينا أيضا توظيف علاقتنا الخارجية في كل ما يخدم حل مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية... فالاقتصاد ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة والتهميش لهما الأولوية ببرنامجي ."
ولم يبد مرزوق غضاضة أو امتعاض إزاء الأحاديث عن مقدار التغيير في شخصيته بعد إعلان ترشحه وكيف انتقل بصورة ملفتة من التركيز على القضايا السياسية والدستورية إلي قضايا الفقر والمهمشين بصورة تجعله أقرب لظاهرة الشعبوية التي طالما عُرِف عنه مناهضتها، وقال ضاحكا " لا لا ...اُعرِف نفسي شعبيا ولست شعبويا، بالأساس أنا أبن عائلة فقيرة وأدرك جيدا الشعور بالتهميش والعجز والغضب حيال استمرار ذهاب المناصب الكبرى والثروات لأبناء الأثرياء ".
وتابع: "ربما باعتباري خبيرا في قضايا الانتقال الديمقراطي، كنت اتحدث كثيرا بالسياسة، ولكن هذا لا يعني عدم اهتمامي بكافة القضايا، وتحديدا البطالة وعدم تنفيذ القانون، إلا على الضعفاء فقط، لا الأقوياء... احلم برئاسة عصرية لدولة عصرية وأسعى إليها، ولذا اتكلم أيضا عن الطاقة البديلة والمشروعات العلمية التي من شأنها مساعداتنا بحل أزماتنا الاقتصادية ".
وطالب مرزوق الجميع بالتحلي بالمسؤولية فيما يتعلق بالحديث عن إيقاف وسجن المرشح الرئاسي نبيل القروي، ورأي أن الأمر قد تحول من شأن قضائي إلي مزاد للمنافسة الحزبية - على طريقة من يتعاطف مع القروي أكثر من الآخرين، ربما أملا في الحصول على أصوات مؤيديه إذا استمر حبس الرجل- وشدد على أن كل هذا "ساهم بزيادة منسوب التوتر بالمناخ العام وتبادل الاتهامات، بل ودفع البعض إلى التشكيك في حياد مؤسسات الدولة وسلطة القضاء".
وأوضح مرزوق: "أعتقد أن هناك تركيزا مبالغا فيه على هذا الخلاف السياسي، أي هل تم إقصاء القروي لأهداف وترتيبات سياسية، أكثر من التركيز على جوهر الأمر، أي إذا كان القروي المعني بالإجراءات القضائية له ما يجب أن يسأل عليه من عدمه، أي ارتكاب جريمة التهرب جبائي... بالطبع التداخل بين الزمن القضائي والزمن السياسي والانتخابي، وطريقة القبض على الرجل والتي اتسمت بالمبالغة غير المبررة، ساهمت في طرح المزيد من علامات الاستفهام ".
وأضاف: "لذا، طالبنا السلطة القضائية بشرح مبرراتها ونشرها بكل شفافية، في قضية التوقيف، ولماذا في هذا التوقيت تحديدا... لأنه لو خرج القروي بريئا في نهاية المطاف من التهم الموجهة إليه، فإن مسؤولية ضياع أي قدر من حظوظه الانتخابية ستقع على الجهة القضائية التي تابعت ملفه وأيضا على المنظمة الأهلية التي أقامت القضية ضده بالمقام الأول، وهي بالمناسبة أقامت قضايا ضد شخصيات أخرى، منها يوسف الشاهد الموجه له الاتهام ضمنيا بإزاحة القروي".
وقال مرزوق: "العبرة بالنتائج، ولذا أتشكك فيما يتردد عن استغلال الشاهد موقعه لإضعاف القروي... فالقضية لم تضعف القروي وإنما، على العكس، زادته قوة".
وتطرق رئيس حزب "مشروع تونس" إلى موقفه من حافظ السبسي، نجل الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، فلطالما شهد تاريخ علاقاتهما قدرا كبيرا من الخلافات، قال مرزوق: "هو اتهمني أخيرا بأشياء كثيرة، منها عدم القدرة على تنظيم مؤتمر عام لحزب نداء تونس حين كنت في صفوف قيادة الأخير، وأنني روجت لقضية وراثته للحكم... وأنا بالطريقة التونسية اقول له ربنا يهديك ... واقول أيضا إنني تحدثت بشأن التوريث خلال حياة والده الرئيس الراحلـ رحمه لله، بل وناقشتها معه، وظللت علاقتنا جيدة حتى رحيله... واحتراما للرئيس السبسي وذكراه، تعهدت بأنني لن أدخل في أي نزاع مع أي فرد من عائلته، لا الآن ولا في المستقبل".