الرياص - اسماء السيد - "الخليج 365" من لندن: لم تولد في واشنطن. لم تتخرج من هارفرد. لم تتدرب في مؤسسات النخبة التي تُدخِل المحامين عادة إلى دهاليز السلطة. لكنها وصلت. ألينا حبّا، التي ما زال اسمها حديث العهد عند كثيرين، صعدت فجأة إلى أحد أكثر المواقع نفوذاً في محيط دونالد ترامب، بعدما تحولت من محامية مغمورة إلى مستشارة قانونية أولى في البيت الأبيض ومدعية عامة بالوكالة في ولاية نيوجيرسي.
من نيوجيرسي إلى عدسات فوكس نيوز، ومن قاعات المحاكم إلى مقاعد الصف الأول في حملة ترامب... القصة لا تحتاج إلى رتوش. حبّا لم تتسلل، بل اندفعت.
ابنة الهجرة والرواية
ولدت عام 1984 في نيوجيرسي، لأسرة كلدانية هربت من عراق صدام حسين. هي ابنة مهاجر مسيحي، والدها طبيب نجا من البعث، واستقر في أميركا ليبدأ حياته من جديد. في الروايات التي ترويها حبّا عن نشأتها، نجد كل شيء: الاضطهاد، الأمل، الحرية، وحتى الفقر... رغم أن البعض يتساءل عن دقة هذه الروايات، خاصة حين تقول إنَّ والدها لم يكن يملك سوى ثمن "كوكاكولا وكيس فستق".
هي نفسها قالت لاحقاً إنها لا يمكن "أن تُفَنَّد في تفاصيل حياتها"، كأن الذاكرة حصانة.
من الموضة إلى المحكمة
تخرجت من Lehigh University، وعملت لفترة قصيرة في قطاع الأزياء، قبل أن تقرر دراسة القانون في جامعة ويدنر، وتنطلق بعدها في مهنة المحاماة. اشتغلت بداية في شركات متوسطة، لكن طموحها كان يتجاوز البقاء في الهامش. أسست شركتها الخاصة Habba Madaio & Associates LLP في نيوجيرسي، وبدأت تمارس دورها كمحامية تُحب أن تكون في الواجهة، لا في الظل.
قادت قضايا تشهير، عقارات، نزاعات تجارية، حتى وصلت إلى الدفاع عن ترامب.
وقال ترامب: "أريدها"
جاءت اللحظة الحاسمة في 2021. ترامب كان بحاجة إلى محامية شرسة، لا تنتمي إلى المؤسسة، ولا تحسب خطواتها مرتين قبل الظهور على الهواء. فاختار حبّا. سمع عنها من نادي الغولف في بدمينستر. جُرأة، ولاء، كاميرا... كل شيء بدا مناسباً.
رفعت دعوى ضد "نيويورك تايمز" وماري ترامب، ابنة شقيقه. ترافعَت عنه في قضايا مدنية وجنائية. وواجهت القاضية ليتشيا جيمس مباشرة. قدمت دفاعاً شرساً، وخسرت بعض المعارك، بل فرضت عليها غرامة تقارب المليون دولار بسبب قضية وُصفت بأنها عبثية. لكن ترامب لم يتراجع عن ثقته بها.
المحامية التي تُشبِه جمهورها
أجرت حبّا عشرات المقابلات. تحدثت عن "تسييس القضاء"، و"مطاردة النخبة لترامب"، وعن نفسها كمهاجرة تعرف كيف تبدو الحياة خارج أميركا. المحافظون يحبونها: امرأة، مهاجرة، شرسة، وذكية في آن واحد.
لكن منتقديها، وخاصة في الإعلام الليبرالي، يسخرون من أدائها في المحاكم، ويعتبرو أنها تفيض حماسة لا حنكة. في إحدى الجلسات، قال لها القاضي: "اجلسي"، بعدما تجاهلت قراراً له. وهي لحظة وثقتها الصحافة كما لو أنها حدث جلل.
من مكتب المحاماة إلى قلب الحملة
في آذار (مارس) 2025، عيّنها ترامب كمستشارة قانونية أولى في البيت الأبيض وهو ما يعني ببساطة: جميع القضايا، جميع الملفات، جميع "الاضطهادات"، تمر من مكتبها.
وبعدها بأسابيع، أصبحت المدعية العامة بالوكالة في ولاية نيوجيرسي. منصبان لا يُمنحان عادة لشخص بدأ للتو في دائرة السلطة، لكنه ترامب، وهي حبّا.
قال عنها: "محامية وفية. قاتلت لأجل الحقيقة. لا أحد مثلها". أما هي فقالت: "سنوقف تسييس القضاء... للأبد".
الظل أم الصوت؟
في المؤتمرات، تظهر بثقة. في وسائل الإعلام، لا تهاب الأسئلة. لكنها ليست من واشنطن، ولا تعرف كيف تُراعي توازناتها. تسير مباشرة نحو الهدف، حتى لو تعثّرت مرات كثيرة.
بحسب Politico، فإنَّ اختيار حبّا – التي لا تنتمي للمؤسسة القانونية التقليدية في واشنطن – يعكس "ثقة ترامب في الذين يقاتلون بشراسة، وليس فقط بكفاءاتهم الأكاديمية".
الليبراليون يتهمونها بالحماسة الزائدة. المحافظون يرون فيها صورة "المرأة الحديدية". أما الجمهور؟ فبعضه يرى فيها ما يريد أن يراه: قصة صعود، إرادة فردية، أو فقط... شخص لا يخاف من الكاميرا.
في النهاية، حبّا ليست مجرّد محامية لترامب. إنها جزء من عرضه المتواصل. من سرديته الكبرى: الملاحق، المظلوم، الخارج على المؤسسة، الذي يُحاكم... ثم ينجو، لأن له حبّا.