الرياص - اسماء السيد - في خطوة غير مسبوقة، قرر الجيش الإسرائيلي منع نشر هويات الجنود والضباط الأدنى من رتبة عميد "بريغادير"، ممن يشاركون في العمليات القتالية، وإخفاء أسماء وملامح، من يُسمح لهم منهم بإجراء مقابلات صحفية.
وجاء هذا القرار من جانب رئاسة الأركان الإسرائيلية، في ظل تكرار الدعاوى والملاحقات القضائية، التي تُرفع في عدد من دول العالم، ضد جنود إسرائيليين تتهمهم منظمات حقوقية، بارتكاب "جرائم حرب" خلال الحرب الحالية في قطاع غزة.
وفي الآونة الأخيرة، تحركت جمعيات حقوقية ضد عسكريين إسرائيليين في عدة بلدان تقع في إطار الاختصاص القانوني للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك بعد كشف وجود هؤلاء العسكريين فيها.
فما هو هذا القرار؟
ينص القرار الإسرائيلي على منع نشر أي معلومات حول هويات الجنود المقاتلين، وإخفاء وجوههم، والاكتفاء بوضع الأحرف الأولى من أسمائهم حينما تُجرى معهم لقاءات إعلامية، سواء أثناء العمليات العسكرية أو بعد انتهائها.
وينص القرار على أن التوجيهات المتعلقة بإخفاء هوية العسكريين، بما في ذلك صورهم وأسماؤهم، ستشمل جميع المقاتلين من رتبة بريغادير وما دونها، بدءًا من الآن.
ويشمل هذا العسكريين النظاميين والاحتياطيين، باستثناء المنتمين لبعض وحدات النخبة.
بعد هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، أُجريت مقابلات مع العديد من العسكريين، وكان يتم نشر صورهم وأسمائهم بشكل علني، وهو ما أدى إلى ظهور "قوائم سوداء"، أعدها نشطاء ومنظمات حقوقية لملاحقتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
وفي الحالات التي ستُجرى فيها مقابلات مع العسكريين مستقبلاً، سيحيط ممثلو قسم القانون الدولي في مكتب المدعي العام العسكري في إسرائيل العسكريين المعنيين، بما ينص عليه القانون في هذا الشأن، قبل إجراء المقابلة.
كما ستُمنح موافقات استثنائية لنشر صور العسكريين في مناطق القتال، بهدف إخفاء هوية الغالبية العظمى منهم، بغض النظر عن رتبتهم أو وحداتهم العسكرية.
"حماية الجنود الإسرائيليين"
قال يعقوب عميدرور، اللواء المتقاعد في الجيش الإسرائيلي، في مقابلة مع "بي بي سي" إن الهدف من التعليمات الجديدة هو منع المنظمات "المعادية لإسرائيل" من جمع معلومات عن الجنود الإسرائيليين، ومقاضاتهم في دول أخرى.
وأوضح أن هذه الإجراءات، لا تأتي رداً على مذكرتي الاعتقال اللتين صدرتا عن المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، وإنما تتعلق بالأحكام القضائية المحتملة من الدول التي يمكن مقاضاة العسكريين فيها.
وأكد القائد العسكري السابق أن غالبية العسكريين يفهمون دوافع هذه التعليمات ويدعمونها، لكنه أشار إلى أن الجيل الشاب، يواجه صعوبة في التكيف مع مثل هذه الإجراءات بسبب هيمنة ثقافة وسائل الإعلام والصور على حياتهم.
وفيما يتعلق بفعالية الإجراءات الجديدة في حماية العسكريين، قال اللواء المتقاعد إنه "لن نعرف إلا إذا حدث شيء"، لكنه أضاف أن هذه الإجراءات تجعل من الصعب على المنظمات "المعادية " مقاضاة العسكريين الإسرائيليين، على حد وصفه.
لماذا اتخذ الجيش هذه الخطوة؟
نشر العديد من الضباط والجنود الإسرائيليين مقاطع مصورة على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي تظهر تدميرهم لمنازل الفلسطينيين في قطاع غزة.
وفي مقاطع أخرى تم توثيق حالات اعتقال العديد من الفلسطينيين تظهر أيديهم مكبلة الأيدي وأعينهم معصوبة، وحينها كان جنود إسرائيليون يوثقون هذه اللحظات، وبعضهم يضحكون ويتهكمون في هذه المقاطع.
على إثر ذلك، جمعت مؤسسات حقوقية معلومات منشورة على شبكة الإنترنت عن هؤلاء العسكريين بما في ذلك وحداتهم العسكرية ومعلومات عن الأنشطة العسكرية التي شاركوا فيها، بهدف محاكمتهم في بلدان أجنبية.
ونتيجة لذلك، دعا الجيش جنوده الذين يقضون إجازاتهم في الخارج إلى الامتناع عن نشر الصور خلالها.
" قلق كبير من محاكمة الجنود في دول أجنبية "
يقول وزير القضاء الإسرائيلي الأسبق شمعون شتريت لبي بي سي إن هذه المقاطع التي نشرها العسكريون تعتبر مخالفة أصلاً للتعليمات العسكرية، مضيفاً أن هذه التوجيهات ستجبرهم على الالتزام بالتعليمات، ما من شأنه تقليل الملاحقات القضائية لهم أثناء سفرهم.
ورداً على سؤالنا له بشأن مدى قدرة القضاء في دول أجنبية على محاكمة عسكريين إسرائيليين، أجاب شمعون، وهو بروفيسور في القانون الدولي، بأن الدول التي تطبق ما يسمى بالصلاحيات القضائية العالمية تمكن هذه الدول من محاكمة عسكريين متهمين بارتكاب جرائم حرب أو مشتبه في ضلوعهم في ذلك.
" فرار جندي من البرازيل "
أحد أبرز الحالات التي دفعت الجيش الإسرائيلي للتحرك واتخاذ تعليماته الأخيرة، هو طلب محكمة برازيلية، فتح تحقيق في شبهات ارتكاب جرائم حرب بحق جندي إسرائيلي كان يزور البرازيل، قبل أن تنجح وزارة الخارجية الإسرائيلية في إخراجه من البرازيل بشكل عاجل.
فقد كان هذا الجندي متهماً من قبل بعض النشطاء، بأنه نشر "مقاطع مهينة" أثناء اعتقال فلسطينيين أو تدمير منزل وبنى تحتية تتبع للمدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.