اخبار العالم / اخبار اليابان

اليابان | هل يعيد شبح الانكماش الاقتصادي تشكيل مستقبل الصين والعالم؟

لا شك أن الصين، التي تُعَد إحدى أعظم القوى الاقتصادية في العالم، تواجه تحديات اقتصادية كبيرة في الآونة الأخيرة. فقد شهد اقتصادها انكماشًا ملحوظًا يُعزى إلى السياسات الاقتصادية التي تتبناها إدارة شي جينبينغ، والتي يُطلق عليها (Xinomics) ومع هذا التباطؤ، تتزايد المخاوف من تداعياته على الاقتصاد العالمي، حيث تُعتبر الصين مركزًا حيويًا للتجارة والاستثمار. السؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن على أعتاب كارثة مالية عالمية تضاهي الكساد العظيم الذي هزّ الولايات المتحدة عام 1929؟ في هذا المقال، نسلط الضوء على أسباب هذا الانكماش، ونتناول انعكاساته على الساحة الاقتصادية الدولية.

العلاقة الطردية بين ناطحات السحاب واقتصاد الدول

تعكس المباني الشاهقة ازدهار اقتصاد الأمة أو تدهوره. فمبنى إمباير ستيت المهيب المكون من 102 طابقاً في مانهاتن كان يُطلق عليه ذات يوم بسخرية ”مبنى الولاية الفارغ“، حيث إن الكساد العظيم الذي ضرب الولايات المتحدة في عام 1929 أثناء بنائه أدى إلى تركه شاغراً لفترة طويلة. بعد ذلك، ظل مبنى إمباير ستيت أطول مبنى في العالم لمدة 42 عامًا.

ثمة مبنى آخر في مدينة تيانجين الصينية يُعرف بأنه أطول مبنى غير مكتمل في العالم. إنها ناطحة السحاب غولدن فاينانس 117، التي يبلغ ارتفاعها حوالي 600 متر وتقف معرضة للرياح والأمطار. أما في مدينة شنتشن، فيوجد مركز التجارة العالمي في شنيانغ، الذي كان من المفترض أن يصبح ثاني أطول مبنى في العالم بعد برج خليفة في دبي (828 مترًا)، لكن العمل فيه توقف عند المرحلة الأولية من البناء بسبب الصعوبات المالية التي يواجهها المطور.

يشير مصطلح ”الدوامة الانكماشية“ إلى حلقة مفرغة من انخفاض الأسعار وانكماش الاقتصاد. ولقد حذرت وسائل إعلام مالية أجنبية مثل بلومبيرج وول ستريت جورنال من أن اقتصاد الصين قد يشهد مثل هذه الدوامة. حيث كان معامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي في الصين، والذي يعبر عن حركة الأسعار، سلبيا للربع الخامس على التوالي في أبريل/ نيسان ويونيو/ حزيران 2024، مما يؤكد أن الانكماش قد ترسّخ. كما ازدادت حالات تخفيضات الأجور وتأخير التسليمات على نطاق واسع، وظلت معدلات البطالة بين الشباب مرتفعة، فضلاً عن اختفاء العملاء من مراكز التسوق، وتصدر سلسلة مطاعم تقدم وجبة إفطار بثلاثة يوان (حوالي 60 ين) عناوين الأخبار.

من المرجح أن يُعزى الانكماش في الصين إلى انهيار فقاعة العقارات. فبعد أن نشر كينيث روجوف، الأستاذ في جامعة هارفارد، ورقة بعنوان ”ذروة الإسكان في الصين“ في أغسطس/ آب 2020، ظهرت الصعوبات المالية التي تواجهها شركة تطوير العقارات إيفرغراند جروب. إلا أن فقاعة الصين الاقتصادية لا تقتصر فقط على العقارات.

تكشف قاعدة بيانات صندوق النقد الدولي أنه منذ عام 2004، وبينما كانت إدارة هو جينتاو تدعو إلى تحقيق نمو اقتصادي سنوي بنسبة 8% أو أكثر، تجاوزت نسبة الاستثمار العام والخاص في الصين إلى الناتج المحلي الإجمالي 40%، واستمرت في التفوق على الإنفاق الاستهلاكي الخاص. ولم ينجح أي بلد آخر في قاعدة بيانات صندوق النقد الدولي من الاقتراب من سجل الصين. لنأخذ على سبيل المثال الاستثمار العام. فقد امتدت الطرق السريعة في الصين، والتي بدأت في منطقة شنغهاي في عام 1998، إلى طول إجمالي يبلغ 177 ألف كيلومتر بحلول عام 2022 متفوقة بذلك على الطرق السريعة التي أنشأتها أي دولة أخرى، مما يجعل شبكة الطرق هذه كافية للدوران حول العالم أربع مرات. كما نمت شبكة السكك الحديدية عالية السرعة في الصين بسرعة حتى وصل إجمالي طولها إلى أكثر من 40 ألف كيلومتر منذ إطلاقها في عام 2008، وهو ما يزيد على محيط الأرض. ولكن خط السكك الحديدية الرابط بين بكين وشنغهاي هو الوحيد الذي يدر أرباحاً، وقد تجاوز دين شركة مجموعة السكك الحديدية الصينية 6 تريليون يوان (أكثر من 120 تريليون ين ياباني).

كما أقرضت الحكومات المحلية، التي تعمل كنظام ظل مصرفي من خلال أدوات التمويل الحكومية المحلية، أموالاً للمطورين وتنافست على تمويل مشاريع التنمية. ويقال إن إجمالي ديون شركات التمويل الحكومية المحلية يزيد على 60 تريليون يوان (1.3 كوادريليون ين).

من بين عواقب الإنفاق الرأسمالي القوي لقطاع الشركات هو ازدياد القدرة الإنتاجية بشكل مبالغ فيه في الصين. فبفضل إعانات الدعم الحكومية، غمرت السوق السيارات الكهربائية الصينية وبطاريات السيارات الكهربائية والألواح الشمسية، مما دفع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى زيادة التعريفات الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية وغيرها من المنتجات بشكل كبير.

وعلى الرغم من الاستثمارات التي تتم واحدة تلو الأخرى، انخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى أقل من 8% في عام 2012، وهو العام الأخير لإدارة هو جينتاو. وفي وقت لاحق، تباطأ اقتصاد الصين بشكل عام.

إدارة شي جينبينغ والسير في الاتجاه المعاكس

كان الخطأ الذي ارتكبته إدارة شي جينبينغ التي تولّت بعد ذلك هو الاكتفاء بمراقبة انهيار فقاعة الاستثمار مع القيام بعكس سياسات الإصلاح والانفتاح التي كانت تمثل استراتيجية النمو التي تبناها دنغ شياوبنغ.

كانت السياسات الاقتصادية لإدارة شي (Xinomics)، التي دعت إلى جعل الشركات المملوكة للدولة أكبر وأفضل وأقوى، تسعى إلى تعزيز الشركات المملوكة للدولة في حين تتعامل بقسوة مع الشركات الخاصة الأجنبية منها والمحلية. وأجبرت الشركات الخاصة على تنصيب أعضاء من الحزب الشيوعي داخل إداراتها ووجدت ذرائع لتغريم شركات التكنولوجيا الفائقة الرائدة مثل علي بابا وتينسنت.

وخشية من التدخل في شؤونها الإدارية ومن قانون مكافحة التجسس المعزز، انسحبت الشركات التابعة الأجنبية من الصين. كما زاد عدد الصينيين الأثرياء الذين غادروا الصين. وهذا كله ليس سوى هروب رأس المال.

في أغسطس/ آب 2022، عقب اجتماع بيداهي للجنة المركزية الذي تقررت خلاله الولاية الثالثة للرئيس شي وتم تأكيد تقاعد لي كه تشيانغ بشكل غير رسمي، زار رئيس الوزراء السابق ”لي“ المنطقة الاقتصادية الخاصة في شنتشن، ووضع الزهور أمام تمثال دنغ شياوبنغ، وصرّح بأن سياسات الإصلاح والانفتاح يجب أن تستمر وأن ”النهر الأصفر ونهر اليانغتسي لا يعكسان مسارهما“، فكان هذا انتقادًا شديدًا للسياسات الاقتصادية لإدارة شي (Xinomics).

يُقدر أن الكساد العظيم في الولايات المتحدة الذي تسبب في بقاء ناطحات السحاب شاغرة دون مستأجرين قد أدى إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 35% في أسوأ حالاته. وبالمثل، فإن الدوامة الانكماشية في الصين لديها القدرة على التحول إلى ذعر مالي.

على الرغم من المخاوف من عدم تحقيق هدف النمو بنسبة 5% لعام 2024، أصدر الرئيس شي منذ بداية العام إعلاناً لا يستند إلى أي أساس جاء فيه أن الصين تتمتع بمستقبل مشرق. لقد أرجأ مرارًا وتكرارًا الجلسة الثالثة المكتملة للجنة المركزية، حيث سيتم تحديد الإطار لإدارة الاقتصاد خلال ولايته الثالثة. وبينما اجتمعت الجلسة المكتملة أخيرًا في يوليو/ تموز، لم يتم الإعلان عن أي تدابير تحفيزية جادة.

في سبتمبر/ أيلول، تغير مجرى الأمور الاقتصادية. فقد صرح يي غانغ، المحافظ السابق لبنك الشعب الصيني، البنك المركزي الصيني، في ندوة بأن التركيز ينبغي أن ينصب على مكافحة الضغوط الانكماشية. وكما لو كان ينفذ تعليمات محافظه السابق، قام بنك الشعب الصيني بخفض أسعار الفائدة القصيرة الأجل بمقدار 0.2 نقطة مئوية وخفض نسبة الاحتياطي بمقدار 0.5 نقطة مئوية.

أما فيما يتصل بالسياسات المالية، يبدو أن الحكومة تفكر في إصدار 2 تريليون يوان في سندات خزانة خاصة طويلة الأجل للغاية لتحفيز الاقتصاد. وسوف تستخدم هذه الأموال لتعزيز الاستهلاك ودعم الوضع المالي للحكومات المحلية. بصرف النظر عن مدى عدم اهتمام الرئيس شي بالاقتصاد، يبدو أنه أدرك أن الوضع الحالي يتطلب شيئا أكثر من الأفكار الاقتصادية الخلابة التي لا أساس لها على أرض الواقع مثل الإعلان عن مستقبل اقتصادي مشرق.

على المستوى العالمي، لم نشهد كساداً عظيماً في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية يؤدي إلى ترك ناطحات السحاب خالية من المستأجرين. لقد انتشرت الأزمة المالية العالمية التي بدأت في سبتمبر/ أيلول 2008 لتصل آثارها إلى الاقتصادات المتقدمة وتسببت في ركود عالمي. ورغم ذلك، انكمش الاقتصاد العالمي بنسبة 0.1% فقط في عام 2009.

بالطبع لا ينبغي لنا أن نتجاهل في هذه المرحلة انتشار الاقتصاد الكينزي، الذي يمكن اعتباره وليد الكساد الأعظم. فقد زعم الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز أن الركود يمكن التغلب عليه ليس بالاقتصاد، بل بزيادة الطلب الفعال من خلال التدابير المالية والتيسير النقدي.

ويبدو أن الصين قررت معالجة الانكماش بتدابير الاقتصاد الكينزي. ولكن لن يكون من السهل سد الفجوة التي خلفها انهيار فقاعة الأصول التي تضخمت بفعل عشرين عاماً من الاستثمارات المتكررة. وهنا يتساءل المرء عما إذا كانت الحوافز المالية والنقدية المعلنة أقل من اللازم.

لقد استمرت فقاعة الأصول في اليابان نحو أربع سنوات من نهاية عام 1986 إلى بداية عام 1991. ثم أعقب ذلك فترة طويلة من الركود عُرفت باسم ”العقود الضائعة“. بلغ الناتج المحلي الإجمالي الياباني كنسبة من الاقتصاد العالمي ذروته عند 17.6% في عام 1995 وانخفض مؤخرًا إلى ما يزيد قليلاً عن 4%ٍ.

بلغ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للصين كنسبة من الاقتصاد العالمي (على أساس الدولار الأمريكي) ذروته عند 18.3% في عام 2021 وانخفض إلى 16.9% في عام 2023. بالنظر إلى الانخفاض المتوقع في عدد السكان المنتجين، فمن المحتمل جدًا أن يكون الصعود التاريخي للاقتصاد الصيني قد وصل إلى نهايته. وهكذا يتحمل الرئيس شي مسؤولية ثقيلة عن سوء إدارته الاقتصادية. فلو كانت الصين ديمقراطية، لكان قد حدث تغيير في الحكومة بالفعل.

(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: ناطحة السحاب غولدن فاينانس 117، التي يُقال إنها أطول مبنى غير مكتمل في العالم، تيانجين، الصين. © كيودو)

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | هل يعيد شبح الانكماش الاقتصادي تشكيل مستقبل الصين والعالم؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

Advertisements

قد تقرأ أيضا