الرياص - اسماء السيد - "الخليج 365" من الرياض: بين صفحات التاريخ وأصداء الحاضر، تبرز الإبل كرمز عميق للهوية الثقافية السعودية. من دورها في توحيد المملكة على يد الملك عبد العزيز، إلى كونها جزءاً من القصص الدينية والتاريخية التي نشأ عليها السعوديون، تبقى الإبل شاهدة على مسيرة شعب يتنفس التراث.
في مقابلة خاصة على هامش "ملتقى الترجمة الدولي"، أكدت الباحثة الأكاديمية د. بدور الفالح أن الإبل ليست مجرد وسيلة نقل قديمة، بل نافذة لفهم الهوية الثقافية التي ما زالت حاضرة في تفاصيل الحياة اليومية. ونوهت الفالح بقيمة الإبل كرمز تاريخي وثقافي سعودي وأهمية دور الترجمة في نقل هذا الإرث الحضاري للعالم.
كيف تترجم التراث دون أن تذوبه؟
"حداء الإبل"، "المجاهيم"، و"المغاتير"، كلمات قد تبدو غريبة على العالم الخارجي، لكنها تحمل أطناناً من الدلالات الثقافية والتاريخية.
وأكدت الدكتورة بدور أن الترجمة ليست مجرد عملية نقل للمعلومات، بل هي وسيلة لحماية الهوية الثقافية من الاندثار. وأشارت إلى أهمية الالتزام بالمصطلحات الأصلية عند الترجمة، مؤكدة أن الترجمة الدقيقة للأسماء التراثية مثل "الهِداء" تعكس الأبعاد الثقافية التي تحملها هذه الكلمات.
كما أوضحت الدكتورة أن الاعتماد الكامل على الإنترنت للحصول على المعلومات يمثل تحديًا، مشيرة إلى وجود مصادر موثوقة مثل مكتبة الملك عبد العزيز العامة ودارة الملك عبد العزيز التي تحتوي على كنوز ثقافية غنية بالمعلومات التراثية.
الفالح طرحت تساؤلاً جريئاً: كيف يمكن ترجمة هذه المصطلحات دون فقدان هويتها؟ الحل، بحسبها، يكمن في استخدام النقل الصوتي (Transliteration) بدلاً من الترجمة المباشرة، مع شرح المعنى الثقافي خلف كل مصطلح.
الفالح أوضحت أن "ترجمة الموروث ليست مجرد نقل كلمات، بل هي مسؤولية ثقافية ضخمة. إذا أفرغنا التراث من روحه، فإننا نخسره للأبد".
ترجمة الإبل: اختبار الهوية الثقافية
قصص الأطفال التي رواها والد د. بدور، بدءاً من هجرة النبي على ناقة القصواء، وصولاً إلى تفاصيل توحيد المملكة، أثرت بشكل عميق في رؤيتها لأهمية الإبل كمحور للثقافة.
لهذا السبب، كتبت مقالاً دعت فيه المختصين إلى التركيز على هذا الجانب الذي يبدو بسيطاً لكنه شديد التعقيد.
الفالح حذرت من الاعتماد على الترجمة الآلية أو التراخي في البحث عن المرادفات الدقيقة. واستشهدت بخطأ شهير في ترجمة قرار دولي عام 1967، عندما تسبب سقوط أل التعريف عن كلمة واحدة في تغيير معنى الوثيقة بالكامل.
كيف تتحول الترجمة إلى جسر عالمي؟
مع رؤية 2030، تشهد المملكة نهضة ثقافية غير مسبوقة. الفالح شددت على أن المترجمين يشكلون جزءاً لا يتجزأ من هذه الرؤية، حيث يصبحون جسراً بين التراث المحلي والعالم الخارجي. وأضافت: "المترجمون ليسوا مجرد ناقلي كلمات؛ هم حماة التراث، خاصة في عصر المؤتمرات الدولية والملتقيات التي تضع المملكة في قلب المشهد العالمي".
رسالة للمترجمين: كن مؤرخاً لا مجرد ناقل
اختتمت الفالح بدعوة المترجمين الشباب لاعتبار أنفسهم مؤرخين يعملون على حفظ التراث.
"كل كلمة تحمل ثقلاً تاريخياً"، تقول الفالح، مضيفة: "إذا لم ننقل الموروث بمسمياته العربية كما هي، فإننا نسهم في تذويبه، وربما ضياعه".
يشار إلى أن الإعلامي السعودي فهد الهذلول أجرى الحوار مع الفالح ضمن فعاليات "ملتقى الترجمة" الدولي في نسخته الرابعة، التي تنظمها هيئة الأدب والنشر والترجمة بالتعاون مع جمعية الترجمة. ويمكن مشاهدة الحلقة كاملة هنا: