كتبت: ياسمين عمرو في الخميس 27 مارس 2025 10:19 صباحاً - تحوَّل الماراثون الرمضاني لعامِ 2025 إلى ساحةِ صراعٍ فنِّي محتدمٍ، إذ تتسابقُ الإنتاجاتُ العربيَّة بقوَّةٍ لحجزِ مكانها في ذاكرةِ المشاهدين. الشاشةُ العربيَّة، تتلوَّنُ بحكاياتٍ، تنبضُ بالحياة، تتراوحُ بين الأعمالِ التاريخيَّة التي تستلهمُ من الماضي عبقه، والدراما الاجتماعيَّة التي تغوصُ في عمقِ القضايا الإنسانيَّة، وبينهما كوميديا، تسعى إلى كسرِ رتابةِ الواقع بضحكاتٍ، تحملُ في طيَّاتها رسائلَ خفيَّةً. وعلى الرغمِ من هذا التنوُّعِ إلا أن السؤالَ الأبرز يظلُّ حاضراً: هل نشهدُ ثورةً حقيقيَّةً في الطرح، أم أننا عالقون في دوَّامةِ إعادةِ إنتاجٍ، تُلبس القديم ثوباً جديداً؟
إعداد: علي عبدالرحمن
في العامِ الجاري، تواصلُ الدراما المصريَّة بسطَ نفوذها بـ 43 عملاً، تستندُ فيها إلى نجومها الكبار، وصُنَّاعها المتمرِّسين، مستثمرةً إرثَها العريقَ في صناعةِ المحتوى الرمضاني. وفي الجهةِ المقابلة، تشهدُ الدراما الخليجيَّة حضوراً متنامياً بـ 37 عملاً، تحملُ بصمةً مجتمعيَّةً، تُعبِّر عن التحوُّلاتِ الاجتماعيَّة والثقافيَّة، فيما تحاولُ الدراما السوريَّة بسبعةِ أعمالٍ استعادةَ بريقها الذي تأثَّر بتحدِّياتِ الإنتاجِ والتوزيع، متسلِّحةً بقصصٍ ذات جذورٍ عميقةٍ. أمَّا الدراما اللبنانيَّة، وإن اكتفت بخمسةِ أعمالٍ، فإنها تراهنُ على الحبكاتِ المشوِّقة، والعلاقاتِ العاطفيَّة المركَّبة، مستفيدةً من الشراكاتِ الإنتاجيَّة التي منحتها بُعداً إقليمياً أوسعَ.
في ظلِّ هذا الزخمِ، تبرزُ أسئلةٌ جوهريَّةٌ: هل يميلُ المشاهدُ اليوم إلى نصوصٍ أكثر جرأةً وعمقاً، تعكسُ تحوُّلاتِ الواقع، أم أن الحنينَ إلى الأنماطِ التقليديَّة، لا يزالُ طاغياً؟ وهل سينجحُ هذا الموسمُ في كسرِ القوالبِ المعتادة، ورسمِ ملامحَ جديدةٍ للدراما العربيَّة، أم أن عجلةَ الإنتاجِ السريع، ستظلُّ تدورُ في المسارِ ذاته؟ الأيامُ وحدها، ستكشفُ الفائزَ الحقيقي في هذا السباق، لكنْ الأكيد، أن رمضان سيبقى الموعدَ السنوي الأهمَّ لاختبارِ حدودِ الإبداع الدرامي.
من "سفاح الجيزة" إلى "القصة كاملة"... خبراء يكشفون سر شعبية مسلسلات الجريمة
الدراما المصرية: بين الغزارة والتكرار

مع كلِّ موسمٍ رمضاني، تفرضُ الدراما المصريَّة نفسها بقوَّةٍ على الساحة، وتتصدَّرُ المشهدَ بعددٍ ضخمٍ من الأعمال، وكأنَّها تخوضُ سباقاً رقمياً لا إبداعياً. في العامِ الجاري، مثلاً، وصل عددُ المسلسلاتِ المصريَّة إلى 43، وهو رقمٌ، يعكسُ ضخامةَ الإنتاج، لكنَّه في الوقتِ نفسه، يفتحُ بابَ التساؤلاتِ حول مدى تنوُّع هذه الأعمال، وجودتها الحقيقيَّة، فعلى الرغم من هذا الكمِّ الكبير من المسلسلات إلا أن الطابعَ الشعبي، هيمن على أغلبها، وأصبحنا أمام حكاياتٍ مستهلكةٍ، تدورُ في الفلك ذاته، وشخصيَّاتٍ مكرَّرةٍ، وصراعاتٍ محفوظةٍ عن ظهر قلبٍ.
الطبق نفسه.. بنكهات مختلفة
المتابعُ للدراما المصريَّة في رمضان 2025، سيشاهدُ نمطاً واحداً، يسيطرُ على أغلبِ الأعمال، وهو البطلُ الشعبي، ذلك الرجلُ الذي يبدأ من الصفر، ويواجه الظلمَ، ثم ينتصرُ بطريقةٍ دراميَّةٍ مُبالَغٍ فيها! هذه "التيمة"، التي كانت في يومٍ ما جاذبةً، أصبحت مُعادةً لحدِّ المللِ! والقصَّةُ نفسها، شاهدناها في عشراتِ المسلسلاتِ السابقة، لكنْ الفرقُ الوحيد تغييرُ أسماءِ أبطالِ أعمالها!
وإذا كانت الدراما الاجتماعيَّة والأكشن، تعاني نتيجةَ التكرار، فإن الكوميديا العامَ الجاري، تُعاني من أزمةٍ أشد، وهي انعدامُ الابتكار! فالدراما المصريَّة، كانت قادرةً في السابقِ على تقديمِ أعمالٍ كوميديَّةٍ، تجمعُ بين السخريةِ الذكيَّة، والطابعِ الشعبي المُحبَّب، لكنْ في رمضان 2025، يبدو أن الكوميديا فقدت بريقها تماماً، وأصبحت تعتمدُ على "الإفِّيهات" المستهلكة، والمواقفِ المصطنعة.
ولا يختلفُ الأمرُ كثيراً على صعيدِ الدراما الرومانسيَّة، فمعظمُ المسلسلاتِ التي حاولت تقديمَ قصصِ حبٍّ مثل "وتقابل حبيب"، جاءت محمَّلةً بالمبالغاتِ الدراميَّة، والحواراتِ الإنشائيَّة التي تُشبه منشوراتِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي أكثر من كونها حواراتٍ دراميَّةً حقيقيَّةً، فالصراعاتُ المعتادةُ، هي نفسها، حبٌّ مستحيلٌ، فراقٌ مفاجئٌ، خيانةٌ غير متوقَّعةٍ، ثم نهايةٌ سعيدةٌ، أو مفتوحةٌ بلا جديدٍ يُذكر!
الدراما الخليجية: حين تتجاوز الحدود وتحقق المعادلة الصعبة

الدراما الخليجيَّة، تدخلُ السباقَ الرمضاني العامَ الجاري بـ 37 عملاً، لا تكتفي فيها بحجزِ موقعها التقليدي على خارطةِ الإنتاجِ العربي، بل وتُثبت أيضاً أنها تخوضُ رحلةَ صعودٍ واثقةً، متجاوزةً الأطرَ المحليَّة إلى فضاءٍ درامي أوسعَ، إذ تتشابكُ الأصالةُ مع الحداثةِ في مشهدٍ، يليقُ بتطوُّرِ الذائقةِ الخليجيَّة والعربيَّة.
المعادلةُ التي بدت مستحيلةً يوماً، أصبحت واقعاً ملموساً، فالدراما الخليجيَّة التي ارتبطت طويلاً بالبيئةِ المحليَّة، والقصصِ المستوحاةِ من المجتمع التقليدي، استطاعت أن تخلعَ عباءةَ التكرار، وترتدي رداءً أكثر رحابةً، يراعي التحوُّلاتِ الاجتماعيَّة، والتغيُّراتِ الثقافيَّة، ويستجيبُ بذكاءٍ لرغباتِ المُشاهد الذي لم يعد يرضى بالحكاياتِ السطحيَّة.
هذه الإنتاجاتُ، لم تعد مجرَّدَ انعكاسٍ لحياةِ الخليج، بل وتحوَّلت أيضاً إلى منصَّةٍ دراميَّةٍ، تخاطبُ وجدانَ المُشاهد العربي، وتدعوه للدخولِ في عوالمها دون أن يشعرَ بالغربةِ، أو الانفصال.
فنانات مصريات يتواجدن في الدراما الخليجية الرمضانية.. تعرفوا إليهن
بين الأصالة والجرأة: هوية درامية تتشكّل
ما يميِّزُ الطفرةَ الدراميَّة الخليجيَّة الموسمَ الجاري، هو ذلك التوازنُ الدقيقُ بين الحفاظِ على الجذور، والقدرةِ على المغامرة، إذ نجدُ أعمالاً، تستلهمُ التراثَ الخليجي، وتُقدِّم بيئاته بحِرفيَّةٍ عاليةٍ، مستخدمةً الصورةَ البصريَّة الغنيَّة، والتفاصيلَ الدقيقة التي تجعلُ المُشاهد، يعيشُ تفاصيلَ الزمنِ والمكان.
لماذا تتجه عين المشاهد المصري نحو الدراما الخليجية؟
لعلَّ المفاجأةَ الكبرى العامَ الجاري، تكمنُ في التحوُّلِ الواضحِ بمزاجِ المُشاهد المصري فقد بدأ يولي اهتماماً متزايداً بالدراما الخليجيَّة، ليس من بابِ الفضول، بل بسببِ الجودةِ السرديَّة والبصريَّة التي أصبحت تنافسُ الإنتاجاتِ المصريَّة، وأحياناً تتفوَّقُ عليها في بعضِ الجوانب. كذلك لم تعد الأعمالُ الخليجيَّة، تعتمدُ على بيئتها المحليَّة بوصفها عنصرَ جذبٍ وحيداً حيث أصبحت تراهنُ على العمقِ، والقضايا الإنسانيَّة الشاملة، والتقنيَّاتِ البصريَّة المتطوِّرة، والموسيقى التصويريَّة المدروسة، والأداءِ التمثيلي المُتقن.
هذا التحوُّلُ، لم يأتِ مصادفةً، بل هو نتيجةُ تطوُّرٍ تدريجي، بدأ قبل أعوامٍ، إذ كسرت الدراما الخليجيَّة الحدودَ الجغرافيَّة، وباتت تخاطبُ وجدانَ المُشاهد العربي دون أن تفقدَ هويَّتها.
واليوم، نجدُ أن المُشاهد المصري، لم يعد يتابعُ هذه الأعمال كمنتجٍ "شارع الأعشى"، بل كخيارٍ درامي جادٍ، يُقدِّم له تجربةً مختلفةً، ربما أكثر نضجاً مما أصبح متاحاً في بعضِ الإنتاجاتِ المحليَّة.
الدراما الخليجية: بين النضج والبحث عن الصدارة
يرى رامي المتولي، الناقدُ الفني، أن الدراما الخليجيَّة، تشهدُ تحوُّلاً نوعياً متجاوزةً كونها إنتاجاً محلياً، لتصبح مُنتَجاً عربياً قادراً على المنافسةِ في السباق الرمضاني. ولم يعد الأمرُ يتعلَّقُ بالكم فقط، إذ إن تطوَّرَ الطرحِ الدرامي جعلها أكثر جاذبيَّةٍ ونضجاً، خاصَّةً للمُشاهد المصري الباحثِ عن بديلٍ وسطَ تكرارِ بعض الإنتاجاتِ المحليَّة، لكنْ يبقى السؤالُ: "هل يكفي هذا الصعودُ العددي لضمان الاستمراريَّة؟".
وهنا يبرزُ سؤالٌ: هل يُعدُّ ازديادُ انجذابِ المُشاهد المصري لهذه الأعمالِ اهتماماً لحظياً سببه تراجعُ مستوى الدراما المصريَّة، أم أنه تحوُّلٌ دائمٌ؟ ويجيبُ المتولي: "الجمهورُ لم يعد ينظرُ إلى هذه الدراما على أنها إنتاجٌ غريبٌ، وإنما خيارٌ درامي ناضجٌ، يُقدِّم تجربةً مختلفةً".
وفي النهاية، لا شكَّ أن الدراما الخليجيَّة، تقدَّمت إنتاجياً وسردياً، لكنَّ تحدِّيها الأكبر، هو الحفاظُ على هذا المستوى، والتجديدُ المستمرُّ، فهل هذا النجاحُ لحظةٌ عابرةٌ، أم بدايةٌ لنهضةٍ دراميَّةٍ حقيقيَّةٍ؟
تابعوا أخبار برامج ومسلسلات رمضان 2025
الدراما السورية: محاولة لاستعادة الزمن الجميل

تعودُ الدراما السورية، التي كانت يوماً منارةً للإنتاجِ الدرامي العربي، في رمضان 2025 وسطَ تحدِّياتٍ جمَّةٍ، وعلى الرغمِ من تقلُّصِ الإنتاجِ إلى سبعةِ أعمالٍ فقط إلا أن هناك إصراراً على تقديمِ محتوى، يستعيدُ بريقَ الماضي. وترتكزُ الأعمالُ السوريَّة في العامِ الجاري على دراما البيئةِ الشاميَّة من جهةٍ، والدراما الاجتماعيَّة المعاصرةِ من جهةٍ أخرى، لكنَّ الرهانَ الأكبر، يبقى على جودةِ النصوص، ومدى قدرةِ هذه الأعمالِ على مخاطبةِ الجمهور العربي الذي لم يعد يرضى بالقصصِ المكرَّرة، والإنتاجاتِ السريعة.
ويبدو أن الدراما السوريَّة، بالتوازي مع انخفاضِ عددِ المسلسلات، تحاولُ التعويضَ بالتركيزِ على عمقِ الشخصيَّات، والحوارِ المدروس، والتصويرِ السينمائي المُتقن، لكنْ يبقى التحدِّي الأكبر في التوزيعِ والبثِّ، إذ تواجه الأعمالُ السوريَّة صعوبةً في الوصولِ إلى أكبر شريحةٍ من الجمهورِ العربي.
الدراما اللبنانية: الرهان على الشراكات الإنتاجية
بخمسةِ أعمالٍ فقط، تخوضُ الدراما اللبنانيَّة السباقَ الرمضاني العامَ الجاري! وتراهنُ في نجاحها على الشراكاتِ الإنتاجيَّة، خاصَّةً مع الدراما المصريَّة والسوريَّة، ما يمنحها انتشاراً أوسعَ. وتتركَّزُ الإنتاجاتُ اللبنانيَّة على الحبكاتِ الرومانسيَّة المعقَّدة، والعلاقاتِ العاطفيَّة المتشابكة، مع ميلٍ واضحٍ إلى الطابعِ الدرامي المكثَّف الذي يجذبُ فئةً واسعةً من الجمهور.
وعلى الرغمِ من قلَّة عددِ المسلسلات إلا أن الدراما اللبنانيَّة أصبحت أكثر احترافيَّةً على مستوى الإنتاجِ والإخراج، مستفيدةً من التجاربِ السابقةِ في تقديمِ أعمالٍ ذات طابعٍ حداثي، يتناسبُ مع إيقاعِ العصر، فهل ستنجحُ في ترسيخِ مكانتها بوصفها عنصراً فاعلاً في المشهدِ الدرامي، أم ستظلُّ مجرَّد مُكمِّلٍ للدراما العربيَّة الكبرى؟
من ينتصر في سباق رمضان؟
بين الكمِّ والجوهرِ، بين التقليدِ والتجديدِ، يبقى السباقُ الدرامي الرمضاني ساحةَ اختبارٍ حقيقيَّةً للإبداع. وبينما تستمرُّ الدراما المصرية في سيطرتها العدديَّة، تظهرُ الدراما الخليجيَّة بوصفها لاعباً صاعداً، ينافسُ بقوَّةٍ، فيما تحاولُ الدراما السوريَّة استعادةَ مجدها، واللبنانيَّة إيجادَ موطئ قدمٍ لها.
في النهاية، الحكمُ النهائي، سيكون للمُشاهد الذي بات أكثر وعياً، وأكثر انتقائيَّةً، وأكثر ميلاً إلى الأعمالِ التي تحترمُ ذكاءَه، وتُقدِّم له تجربةً دراميَّةً متكاملةً.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة الخليج 365 الديجيتال من خلال هذا الرابط