الارشيف / اخبار العالم

«الدبلوماسية الرقمية».. طفرة في العلاقات الدولية

  • 1/5
  • 2/5
  • 3/5
  • 4/5
  • 5/5

ابوظبي - سيف اليزيد - عبدالله أبو ضيف (القاهرة)
ألقى التطور التكنولوجي الحديث بظلاله على العلاقات الدولية، وكما أثر على جميع نواحي الحياة، اقتحم الجوانب السياسية، وظهر ما يسمى بـ«الدبلوماسية الرقمية» التي أصبحت اتجاهاً مستحدثاً في العالم الجديد في عصر يتسم بالسرعة والتواصل عبر «الإنترنت»، وأتاحت للدول والمنظمات الدولية استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز عمليات التواصل وبناء العلاقات الدولية.
واعتبر خبراء أن «الدبلوماسية الرقمية» تمثل استفادةً من وسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني، حيث شكلت طفرة في التفاعل والتواصل بين الدول مع بعضها البعض سواءً في تبادل الرؤى والمواقف السياسية أو حتى في إدارة الأزمات الدولية.
وتُعَد القمم والمنتديات الافتراضية الدولية عبر «الإنترنت» أحد أبرز تجليات «الدبلوماسية الرقمية»، حيث يتمكن القادة السياسيون من التفاعل والتواصل دون الحاجة إلى التنقل الجغرافي.
وكشفت مصادر إعلامية متخصصة عن أن أكثر من 90% من حكومات العالم لديها حضور رسمي على منصة «إكس»، مما يشير إلى اعتماد واسع النطاق لـ«الدبلوماسية الرقمية» أو على أقل تقدير على إحدى المنصات الرقمية، مما يعني أن «الدبلوماسية الرقمية» تقدم فرصاً وتحديات جديدة للسياسة الخارجية العالمية وبالنسبة لدول تمثل فرصة ذهبية لتعزيز مكانتها الدولية وتوسيع تأثيرها.

تحديات بارزة
تحديات بارزة تواجه «الدبلوماسية الرقمية»، منها قضايا الأمن السيبراني والتحكم في المعلومات، فرغم الفرص الكبيرة التي توفرها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فإن هناك مخاطر تتعلق بالتسريبات والهجمات السيبرانية التي يمكن أن تؤثر على العلاقات الدولية، وتقوض جهود الدبلوماسية الرقمية.

وقالت أستاذة العلوم السياسية في مصر، الدكتورة نهى أبوبكر، إنه في هذا الصدد، يعتبر تطوير سياسات تنظيمية وتقنيات أمنية فعالة ضرورة لضمان سلامة استخدام التكنولوجيا في مجال الدبلوماسية، ومع تزايد التقدم التكنولوجي يتعين على الدول والمنظمات الدولية العمل بشكل مستمر على تحديث استراتيجياتها، وتعزيز قدراتها في مجال «الدبلوماسية الرقمية» لتحقيق أهدافها السياسية بكفاءة وفعالية في العالم الرقمي المتغير بسرعة.
وترى الدكتورة نهى أبو بكر أن الانتقال إلى «الدبلوماسية الرقمية» كتطور حيوي في ساحة العلاقات الدولية يبرز الحاجة الملحة إلى استيعاب التحديات والفرص المتعلقة بهذا التطور، والعمل على تحديث إطار عمل مناسب يضمن الاستفادة القصوى من الإمكانيات التي توفرها التكنولوجيا الرقمية في تعزيز التفاهم والتعاون بين الدول والمجتمعات الدولية.

مختبر الإمارات 
لعل النموذج الإماراتي في «الدبلوماسية الرقمية» يوضح مدى تأثيرها، حيث تم إطلاق مختبر الدبلوماسية، بالإضافة إلى «ملتقى دبي للميتافيرس» لإطلاق العضوية الأولى من نوعها بنظام الرموز الرقمية غير القابلة للاستبدال «NFT»؛ بهدف جذب المتفوقين والمهتمين بالتطوير والإبداع في العمل الدبلوماسي، وإيجاد الحلول المبتكرة للقضايا الدولية، ليصبحوا أعضاء أساسيين في المجتمع الدبلوماسي الرقمي. 
وأعلنت الإمارات عن طريق المؤسسات المنوطة عن الاهتمام بالبرامج القائمة على الصعود المتنامي للتكنولوجيا الرقمية وتطبيقات «الميتافيرس».
وقال أمجد طه، الكاتب والمحلل الاستراتيجي، إن «الدبلوماسية الرقمية» أصبحت مساراً جديداً نحو النفوذ العالمي.

وقال: «في العقد الأخير شهد العالم تحولاً كبيراً في كيفية تواصل الدول وتأثيرها على الساحة الدولية بفضل ظهور ما يُعرف بـ(الدبلوماسية الرقمية)، وهذا المفهوم الذي يمزج بين التكنولوجيا والاستراتيجيات الدبلوماسية التقليدية، وأضيف له مؤخراً الذكاء الاصطناعي الذي أصبح أداة رئيسية للدول لتعزيز مصالحها الوطنية وتوسيع تأثيرها الثقافي والسياسي وإدارة الأزمات، وذلك كان جلياً في أزمة ()».
وأضاف أنه «على المستوى الخليجي، شهدت الدبلوماسية الرقمية نجاحات ملحوظة حيث استخدمت الدول، وعلى رأسها الإمارات منصات، مثل (إكس) و(فيسبوك) ومنصات أخرى للتواصل مباشرة مع الشعوب دون الحاجة فقط إلى وسائل الإعلام التقليدية، ووصلت لكل فئات المجتمع وخاصة الشباب، وهذا النوع من التواصل نجح لأنه سمح بنقل الرسائل الدبلوماسية بشكل فوري وواسع النطاق وخاصة في الأخبار العاجلة، وأحيانا لردع أخبار كاذبة بشكل سريع قبل انتشارها بشكل أكبر، مما سهل على الدول تشكيل الرأي العام الدولي والتأثير فيه بشكل إيجابي».
وقال طه: «في منطقة الخليج ظهرت إمكانات كبيرة لنجاح الدبلوماسية الرقمية، خصوصاً في ظل التقدم التكنولوجي والبنية التحتية المتقدمة في دول مثل الإمارات والسعودية والبحرين، وهذه الدول بدأت بالفعل في تبني استراتيجيات رقمية لتعزيز مكانتها الدولية وتقديم نفسها كمراكز للابتكار والتطور والتقدم وأحد الحلول للصراعات في الشرق الأوسط».
وأضاف أن الدبلوماسية الرقمية أتاحت أيضاً للدول الخليجية توسيع تأثيرها بشكل فعّال وبتكلفة أقل مقارنة بالوسائل التقليدية، ومن خلال التواصل المباشر مع الجمهور، ساهمت في تعزيز الشفافية وبناء الثقة بشكل أكبر بين المتابعين من الداخل والخارج، مما أدى إلى مشاركة أكبر من الجمهور في الحوارات الدبلوماسية مما عزز الفهم المتبادل.

عنصر أساسي
يعد بيان الاتحاد الأوروبي في منتصف عام 2022 من أهم بواعث تأكيد أهمية «الدبلوماسية الرقمية»، عندما دعا جميع الأطراف المعنية إلى ضمان أن تصبح «الدبلوماسية الرقمية» عنصراً أساسياً لا يتجزأ من العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي وأن يتم تنسيقها بشكل وثيق مع السياسات الخارجية الأخرى للاتحاد بشأن الإنترنت ومواجهة التهديدات الهجينة، بما في ذلك التلاعب بالمعلومات الأجنبية والتدخل فيها.
وزاد الاتحاد الأوروبي من أهمية الموضوع عندما أعلن عن مركز خاص لتعزيز «الدبلوماسية الرقمية» مع الولايات المتحدة الأميركية في سان فرانسيسكو، وهو مركز عالمي للتكنولوجيا الرقمية والابتكار، حيث شهدت توصياته التركيز على أهمية بناء القدرات والترويج الاستراتيجي للحلول التكنولوجية والأطر التنظيمية التي تحترم القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وفي هذا السياق، أشار سفير مصر السابق في الأمم المتحدة، منير زهران، إلى أن «الدبلوماسية الرقمية» تعزز فرص التواصل المباشر بين الحكومات والشعوب مما يمكنها من إيصال رسائلها وتوجيه سياساتها بشكل أكثر فعالية وشمولية، وتسهم وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية الأخرى في تعميق التفاهم، وتقديم الخدمات القنصلية بطرق أكثر مرونة وفعالية.
وأضاف أنه بالنظر إلى هذه التحديات والفرص يتبنى العديد من الدول والمنظمات الدولية استراتيجيات جديدة لتعزيز «الدبلوماسية الرقمية»، بما في ذلك تطوير التشريعات والسياسات وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التهديدات السيبرانية، وتعزيز الوعي والتدريب لدى الدبلوماسيين بشأن استخدام التكنولوجيا وحماية البيانات الحساسة.
وأشار زهران إلى أن التحول نحو «الدبلوماسية الرقمية» ليس مجرد تبن لتكنولوجيا جديدة، بل هو تحد جديد يتطلب استعداداً وتكييفاً مستمرين من قبل الدول والمنظمات لمواجهة التحديات واستغلال الفرص في العالم الرقمي.
وقال: إن الانتقال إلى «الدبلوماسية الرقمية» يظهر كتطور حيوي في ساحة العلاقات الدولية مما يبرز الحاجة الملحة إلى استيعاب التحديات والفرص المتعلقة بهذا التطور والعمل على تطوير إطار عمل مناسب يضمن الاستفادة القصوى من الإمكانيات التي توفرها التكنولوجيا الرقمية في تعزيز التفاهم والتعاون بين الدول والمجتمعات الدولية.

التواصل السريع
اعتبر مساعد وزير الخارجية المصري السابق، السفير جمال بيومي، أن التحول نحو «الدبلوماسية الرقمية» يتمثل في استخدام التكنولوجيا الحديثة، مثل «الإنترنت» ووسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني لتسهيل التواصل وإدارة العلاقات الدولية، بما يسهل التواصل السريع والفعال بين الدول والمنظمات الدولية، ويساهم في تعزيز التفاهم وتقديم الردود على التحديات بشكل فعال.

وأضاف أن التحول نحو «الدبلوماسية الرقمية» يؤدي إلى تغيير في طبيعة عمليات التواصل الدولي حيث يمكن للقادة والدبلوماسيين التفاعل مع بعضهم البعض عبر «الإنترنت» دون الحاجة إلى التواجد في مكان معين، مشددًا في الوقت نفسه على أهمية تقنين الدبلوماسية الرقمية ومعرفة كيفية التواصل من خلالها، خاصة وأنه يمكن أن تتسبب وسائل التواصل الاجتماعي في تفاقم التوترات الثقافية أو السياسية إذا تم استخدامها بشكل غير مهني أو مسيء، ويتعين على الدبلوماسيين تحديد الطرق الملائمة للتفاعل عبر الوسائل الرقمية بما يحترم الثقافات والقيم المختلفة.
وأشار بيومي إلى أنه من أهم التحديات التي تواجه «الدبلوماسية الرقمية»، الأمن السيبراني، حيث يتطلب تأمين المعلومات الحساسة والحفاظ على سرية المفاوضات جهوداً مستمرة لمكافحة الاختراقات والتهديدات الإلكترونية المحتملة.

فرع مهم
تذكر الباحثة عائشة غنيمي أن «الدبلوماسية الرقمية» أصبحت من أدوات السياسة الخارجية الفعالة، حيث تعد أحد أفرع الدبلوماسية العامة التي تعتمد على تقنيات المعلومات والاتصالات الحديثة، وعلى وجه الخصوص تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي التي يلعب مستخدموها دوراً رئيسياً في حشد الجماهير والرأي العام المحلي والدولي. 
وأضافت الغنيمي، في ورقة بحثية، أن «الرقمنة» تعمل على تعزيز الدبلوماسية التقليدية عبر الحدود سريعاً، وتعميق أواصر التواصل مع الشعوب ليس فقط على المستوى المحلي، بل أيضاً على المستويين الإقليمي والدولي، ولقد أثرت «الإنترنت» ووسائل التواصل الاجتماعي والتطورات المتسارعة في تقنيات المعلومات والاتصالات الجديدة في أدوات الدبلوماسية، من حيث ترسيخ أسس العلاقات بشكل أكبر وإثراء ممارسة الدبلوماسية والتأثير في بيئتها بوجه عام، فضلاً عن جذب الملايين إلى محادثات مفتوحة بين جميع أطياف وفئات الشعوب المختلفة.
وأشارت الباحثة إلى أن «الدبلوماسية الرقمية» توفر عبر منصات التواصل الاجتماعي، مجموعة متنوعة من القنوات للتفاعل والمشاركة بين الشعوب، حيث تعزيز أهداف الدبلوماسية وترسيخ التقارب بين شعوب جميع الدول، إلا أن هناك ضرورة مُلحة للنظر في المخاطر والتهديدات المتعددة لـ«الدبلوماسية الرقمية» والتي تعتمد على فقر الوعي العام في بعض الأحيان، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم تهديدات الجرائم الإلكترونية والقرصنة والإرهاب السيبراني مع الوضع في الاعتبار أهمية رفع مستوى الوعي لدى الشعوب خاصة مستخدمي المنصات الإلكترونية.

نموذج فرنسا
على موقعها الرسمي، تشير الخارجية الفرنسية إلى أن «الدبلوماسية الرقمية» جزء لا يتجزأ من سياستها الخارجية، حيث تدعم مبادئ الانفتاح والتعاون والحرية التي ارتكزت عليها ثورة «الإنترنت»، والتي أدت إلى إمكانيات جديدة لإحداث التقدّم والتنمية الثقافية وترويج الحريات والانتفاع المنصف بالمعارف والثقافة والانفتاح والتعاون، وتعمل لهذا السبب أيضاً في خدمة الأمن والاستقرار في الفضاء الإلكتروني، وتتماشى «الدبلوماسية الرقمية» مع استراتيجية فرنسا الدولية للمجال الرقمي.
وتشير باريس إلى أن أهمية ضمان الأمن الدولي للفضاء الإلكتروني من خلال تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية، وترويج استقرار الفضاء الإلكتروني في المحافل الدولية، وكذلك من خلال إخضاع المحتويات المنشورة على «الإنترنت» والمنصات للأنظمة المرعية، والإسهام في حوكمة الإنترنت من خلال تعزيز طابعه المفتوح والمتنوّع وتعزيز ثقة المستخدمين، وترويج حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية، وتعزيز تأثير الجهات الفاعلة وقدرتها على الاستقطاب.

خطة أميركية
أشار الباحث السوري أحمد شيخو إلى أن تأثير «الدبلوماسية الرقمية» يظهر في عدة مناح، حيث اهتمت على سبيل المثال الولايات المتحدة بالأمر وأنشأت ما يعرف بـOffice E» DIPLOMACY»، والذي يقدم كل سنتين خطته الخاصة بـ«الدبلوماسية الرقمية» وفيها عدد المستخدمين والأجهزة من خلال نقاط الوصول والتطبيقات أو المنصات المعدة للتأثير والبنية التحتية من ميزانية ورواتب الخبراء والتقنيين القائمين على هذا المجال. وأضاف أنه من أجل فهم أكثر، فإن الدبلوماسية العامة لوزارة الخارجية تقوم بعملية تقييم لأنشطتها من خلال 4 فئات، العرض والهيكل للنشاط، وفيه يتم التطرق إلى شفافية الأغراض وتحديد النتائج، والتخطيط الاستراتيجي للنشاط وبناء الأولويات، وإدارة البرامج، وهو الجانب اللوجستي من احتياجات تمويل النشاط، ودرجة توضيح النتيجة النهائية، ويتم تصنيف كل فئة من الفئات، وبعد ذلك يتم تصنيف البرنامج على أنه فعال أو غير فعال أو لا نتيجة في حال عدم وجود مؤشرات واضحة عن الرضا. 
وتفيد «الدبلوماسية الرقمية» - حسب شيخو - بأن تمكن الدول من إحصاء الأشخاص المطلعين على المعلومات المقدمة ضمن النشاط الدبلوماسي الرقمي قيد التقييم، كأن تضع عدد الحسابات الرسمية ثم تبدأ في حساب عدد المشتركين في الشبكات الاجتماعية المختلفة، وهنا القياس يخضع لمعايير مختلفة منها الجهات الحكومية وغير الحكومية وعدد المشتركين، والحسابات لمختلف منصات التواصل الاجتماعية التي تختلف فيها طريقة حساب المنشورات والمشتركين والمتابعين من أجل الوصول إلى متوسط القيمة.

Advertisements

قد تقرأ أيضا