اخبار العالم / أخبار السودان اليوم

الغياب بعد اكثر من نصف قرن من الحضور ، الي طلاب مركز الأميرية (علي الكرار) الثانوية

الغياب بعد اكثر من نصف قرن من الحضور ، الي طلاب مركز الأميرية (علي الكرار) الثانوية بنين وما حولها، من الطالب برقم الجلوس 21129…

مبارك عبدالرحمن احمد

كانت منها بداية مشوار الحياة ، وعلى جنبات المدينة التي تضج بالحياة ، العمال والجنود والطالبات بزيهن الأزرق للمدارس الثانوية متجهين، بياع القش وسوق الزريبة ومزارعي الذرة والسمسم وعمال طق الصمغ ، وبايعي البروش والزعف والخضار وضباط مجلس المدينة التنفيذيين، عمال البلدية والمساجين في يومياتهم المستديمة بلباس الدمور الأبيض وخلفهم وأمامهم نبطشجية البوليس متدرعين بسلاح ابوعشرة وعصاة البوليس السوداء.

مستجدي الهجانة في صفوف الطويلة يتغنون بجلالات الجيش ، سيارة المقدم احمد خميس ويعقبها العميد كاكوم بالجيب وخلفه سيارة الشرطة العسكرية بالبوري الأحمر بينهم الرقيب عمر لواء سرير لاعب الجيل المراوغ. طابور القادمين بحلل اللبن من حي المطار والمعاصر وموظفي بنك الخرطوم يحملون ذو الياقات البيضاء والكرافتة على يديهم في هندام لا يضاهيه أحد في المدينة، جهاز الأمن بعربة الملازم يوسف جبارة واخرون يعملون في تامين تشييد خط الأنابيب بقيادة عبدالكريم بوش.

هكذا كان كل صباح يمر عندما كنا نخرج في نهاية التسعينيات في مدينة الدلنج نحو مركز الأميرية سابقا وعلي الكرار الثانوية بنين حاليا لامتحانات الشهادة الثانوية (ام المعارك)، كانت دينا هي محور هذه الامتحانات وصديقنا خليفة حامد محمد (الحمري) الذي أخلى بيته حتى اتمكن من مواصلة المذاكرة دون ضوضاء ، كانت تسير الحياة رغم ثقل الحرب الطويلة التي بدأت منذ أكثر من عشر سنوات علينا وطوابير المجاهدين وقصف الطيران على تلشي والجبال الغربية، وحركة النزوح إلى المدنية من الريف ، وقصص الاعتقالات الشهيرة طالت اقرب اقربائنا.

كنا نعبر محلج مؤسسة أقطان جبال النوبة والذي قد تحول الى معسكر لقوات البلنجة حديد، تعافت المدينة من المجاعة التي تتكرر اليوم، بعد ان ادخلت المعونة الأمريكية جرارات الغذاء، وبين ليلة وضحاها اكتفت كل الاسرة من حاجتها للغذاء، بل كان الأمر كانّه حلم ، ففجأة بعد ان كان الناس يقضون ساعات في الصفوف الطويلة في المخازن من اجل الحصول على ربع خلوة ذرة باموالهم، وحينما كانت رطل الملح جريمة عند استخبارات الجيش، وفرت المعونة الأمريكية كل ذلك ومقابل الفرد حوالي ثلاث جولات خمسين كجم من الذرة وغيرها من العدس والزيت والملح.

بعد هذا التعافي تنحى تفكير الأسر نحو التعليم وتوفير العلاج وبناء البيوت والتي كانت اغلبها من القش، والمدينة المحدودة السكن التي حولها المفتش الإنجليزي في حقبة الاستعمار الي مركز حضري ، فخلال سنوات الحرب تحولت الي معسكر كبير للنازحين من أريافها المختلفة، بحثنا عن الأمن والخدمات، تمددت الأحياء الجنوبية والغربية والشمالية معا وتضاءلت مساحات الزراعة وكذلك الرعي بالمقابل، بل تحولت بعد القرى الى غابات مهجورة، وفقدت العوائل الاموال ومصادر الدخل ومئات الآلاف من المواشي التي كانت تعيش عليها.

كانت الأميرية منارة للعلم والمعرفة والعراقة مثل المعهد وهو ( معهد تدريب المعلمين ) الذي تعارف اهل المدينة بالاكتفاء باسم المعهد فقط بدلا عن القائمة الطويلة هذه، وهو الإشارة الوحيدة ولتكن معلومة للجميع انها المقصودة، وبأنهرها الماظ والشعب، ونهر الماظ إشارة للبطل الملازم عبدالفضيل الماظ احد أبطال ثورة اللواء الأبيض ١٩٢٤م مع أصحابه علي عبداللطيف وثابت عبدالرحيم وعبيد حاج الامين.

كانت دينا ملهمة لي في مشاوري حياتي فمنها تعلمنا الكد والاجتهاد والتفاني في العمل، أتذكرها عندما اشترت لي الفانوس استقطاعا من راتبها كعاملة في مجلس المدينة، حيث كان راتبها يقضي على بعض أغراض الاسرة اضافة لما يحققه الوالد أنواه من مكاسب من خدمة ميكانيكا الطواحين، هذا الفانوس كانت تشرف دينا بنفسها على نظافته من ( السكند) كل يوم قبل حلول الظلام والسنكد هو الكربون المتصاعد من احتراق الكيروسين، كان الفانوس هو احد الأبطال وأقرب الرفقاء في هذا المشوار ، فلا كهرباء كنا نراها إلا عندما ندخل السينما في الداون تاون ولساعات فقط، كنت ضمن المحظوظين في المدرسة حيث ارسل لي شقيقي مصطفى (ديسكو) كرتونة مليئة بالمذكرات الإعدادية لامتحانات الثانوية من الخرطوم، حيث كان يعمل ، استلمتها من باص السفريات ومعه خطاب ظرف به تحيات وسلام للأسرة، كان اشهر المذكرات المرسلة للأستاذ مهاجر عبدالرحمن في التفاضل التكامل وغيرها والشامل للامتحانات عباس عبدالكريم وغيرها ، جعلت المذكرات الطريق واضحا لي والتركيز لما علينا الاحتياط له في الامتحانات قبل انعقادها.

في الأميرية كان الاستاذ الرضي عبدالله قسم الله والأستاذ شايب حامد والدكتور محمد شقة وغيرهم من أساتذتنا الأجلاء الذين غطوا اغلب المواد بشكل جيد وساهموا رغم تاخر الرواتب التي كانت قد تصل لعامين متتاليين نسمعها في همساتهم ولكنهم لم يتوقفوا ولو ليوم من تقديم الدروس.

نهر بن رشد كان هو النهر الذي ننتمي إليه مع زميلنا دكتور يونس فرج الله واخرون ، مع نهري بن سينا وبن خلدون، ولاحقا الفصل العلمي مع عدد من الزملاء منهم حاليا أساتذة ومحاميين ومهندسين وأطباء وبياطرة وكبار تجار يقدمون خدمات مختلفة لمجتمعاتهم.

كنا نرى جميعا ان السبيل الوحيد أمامنا للعبور الى الحياة هي التمسك بالتعليم وكنا نسعى لرفع واقع أسرنا ومجتمعاتنا عبره ، لم نكن نلقي بالا للصراع السياسي في البلد ولا لحرب الكيزان مع الجيش الشعبي والحركة في المنطقة، حيث انها كانت آخر اهتماماتنا ، ولا تطرق أبوابنا سوى اخبار الموت والاعتقالات عندما تقترب من احد افراد أسرنا.

وكالة النشاط الطلابي وجمعية القرآن الكريم مقار الحزب الحاكم وفرعها الطلابيّ كان لا يمثل لنا الا مكان لل ( مع … ين) حيث كانت معارضتهم تعتبر شرف ان ينالها احدنا، كانت هنالك نشاط محدود للجبهة الديموقراطية ومحصور في افراد لا ميول لهم للاستقطاب السياسي ولكن بالمقابل كان طلاب أنصار السنة اكثر شجاعة وفهما ومواجهة للنظام الحاكم وأكثرهم استقطابا وسط الطلاب ، بل كانت الامتدادات الخارجية في مسجدهم الشهير بحي المك وكذلك المعهد العالي بحي المدارس يلعب دورًا مناؤاً لما تقوم به الجبهة الاسلامية ، ولكن الغريب كان مسموح به من قبلهم في ظل ملاحقة المتحزبين الآخرين ومنع اي نشاط سياسي لهم في اي مكان داخل وخارج المدرسة .

جلسنا للامتحانات في نهاية التسعينات واستطعنا أن نبدأ مشواراً مليئاً بالتحدي والإثارة في العاصمة الخرطوم، وقبله في الخدمة الوطنية مع قوات الهجانة، لم نلتقي بعدها بعدد من الزملاء منذ ذلك الحين ولكن ظلت اخبارهم تصلنا من وقت لاخر ، فلولا العبور بهذا الباب لم يكن هنالك سبيل يخرجنا للمجتمع سوى التعليم والترقي في مناحيه المتقدمة .

بفعل فاعل سياسي تغيب طلاب الأميرية وما حولهم كأحد أهم منارات التاريخ التعليمي في السودان مع بخت الرضا وأمدرمان ، والذي عبره رفدت قيادات كبار في الدولة والمجتمع ،بل المعهد الذي تخرج منه الدكتور عبدالله حمدوك والقائد عبدالعزيز الحلو والدكتور حامد البشير وغيرهم الكثيرون كانت متخلفة هذا العام عن اللحاق بالدور الذي ظلت تلعبه منذ اكثر من نصف قرن من الزمان على استمرار ، أين الوفاء لهذه المؤسسات التي تخرجتم منها ، قد ألوم الدكتور حمدوك لعدم بذله للمجهود الكافي ولكن احمل الحلو المسؤولية على التجاهل بمستقبل هؤلاء الشباب ، واكيد تتحمل الدولة المسؤولية عن التقصير وخاصة حكومة الولاية التي تتعامل مع الأمر كانّه لا يعنيها.

مبارك اردول – يناير ٢٠٢٥م

كانت هذه تفاصيل خبر الغياب بعد اكثر من نصف قرن من الحضور ، الي طلاب مركز الأميرية (علي الكرار) الثانوية لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

Advertisements

قد تقرأ أيضا