الرياص - اسماء السيد - بينما تدخل منافسات كرة القدم الأوروبية الكبرى في فترة توقف بسبب عطلة عيد الميلاد، إلا أن مسابقة الدوري الإنجليزي الممتاز تستمر، في تقليد متبع منذ عشرات السنوات يُعرف باسم "بوكسينغ داي".
وينظم عدد كثيف من المباريات في الدوري الإنجليزي، الذي يعتبره كثيرون الأقوى في العالم لناحية التنافسية، في "بوكسينغ داي" أو "يوم الصناديق" الذي يلي عيد الميلاد وتحديداً في 26 كانون الأول (ديسمبر)، تلبية لرغبة الجماهير المتعطشة.
ومن المقرر أن تقام في الجولة الـ 18 من البطولة خلال ذلك اليوم، 8 مباريات، على أن تُلعب المبارتان المتبقيتان من هذا الأسبوع في اليوم التالي.
لكن هذا الأمر يشكل ضغطاً على اللاعبين الذين لا يحصلون على وقت راحة كافياً.
وقبل عطلة عيد الميلاد بنحو أسبوع وحتى بعد 6 أيام من بداية السنة الميلادية الجديدة، ستُلعب 40 مباراة في 17 يوماً، وفق ما أظهر الموقع الإلكتروني للدوري الإنجليزي.
صناديق هدايا
"يوم الصناديق" في 26 كانون الأول (ديسمبر)، اُستلهم من الوقت الذي كان فيه أصحاب المنازل يمنحون الخدم صناديق تحتوي نقوداً وهداياً وأحياناً طعاماً لأخذها لأسرهم غداة عيد الميلاد. وأصبح هذا الحدث يوم التخفيضات تقليدي في إنجلترا.
واعتبر منذ عام 1871 عطلة رسمية في إنجلترا، ما يعني أن معظم العمال حصلوا على إجازة نادرة ليومين بالتزامن مع عيد الميلاد.
ومنذ ذلك الحين، يكرس "بوكسينغ داي" للرياضة: لعبة الكريكيت وسباق الخيل، والركبي، وبالطبع لكرة القدم.
ويقول الإعلامي الرياضي، أيمن جادة، إن "بوكسينغ داي" يعد "تقليداً ثابتاً وموعداً لا يتغير"، معتبرا أنه "يوم استثنائي ومميز في الكرة الإنجليزية وللدوري الإنجليزي".
ويضيف جادة لبي بي سي، إن المباريات في ذلك اليوم تعد "هدية" خصوصاً لطلبة المدارس الذين يدخلون في عطلة وقد لا تكون هناك فرصة أمامهم لمشاهدة الدوري الإنجليزي إلا في هذا الأسبوع، مشيراً إلى أن بعض الأطفال يرتدون ملابس جديدة عند قدومهم لمتابعة المباريات و"كأنه يوم عيد بالنسبة لهم".
ومع إنشاء دوري كرة القدم الإنجليزي في عام 1888، كان ينظر إلى فترة الأعياد على أنها وقت مثالي لإقامة أكبر قدر من المباريات لتلبية احتياجات الجماهير خلال العطلة.
وخلال الـ 60 إلى 70 عاماً التي تلت إقامة المنافسات، أصبحت مباريات كرة القدم خلال يوم عيد الميلاد و"بوكسينغ داي" تقليداً. غير أن أول مباراة رسمية بين الأندية تعود إلى عام 1860 بين هالام وشيفيلد.
وحتى الخمسينات من القرن الماضي، كانت المباريات تلعب خلال يوم عيد الميلاد. لكن مع مرور الوقت، انتقلت التجمعات العائلية في العيد إلى داخل المنزل، بعد أن كانت قديماً فرصة لمغادرة البيت والتجمع في مناسبات على نطاق واسع.
وإثر ذلك، بدأ عدد المباريات التي تلعب في يوم عيد الميلاد في التقلص، علما بأن آخر مباراة لعبت في 25 كانون الأول (ديسمبر) تعود إلى العام 1965، حنيما فاز فريق بلاكبول على بلاكبيرن روفرز 4-2، وفق ما أفاد الموقع الإلكتروني للدوري الإنجليزي.
ورغم ذلك، إلا أن مباريات كرة القدم استمرت فيما يعرف بـ "بوكسينغ داي".
ففي شيفيلد ونزداي، الأغنية المفضلة لأنصار النادي العريق تبقى حتى اليوم تشير إلى "بوكسينغ داي المذبحة" في عام 1979. حينها مُني المنافس التقليدي شيفيلد يونايتد بخسارة مذلة 4-0 في مباراة على حقل موحل تابعها 49309 متفرج، في رقم قياسي لا يزال صامداً حتى الآن في مباراة في دوري الدرجة الثالثة.
مفترق طرق
وفي المقابل، يصرخ مدربو عدة نوادٍ لوقف هذا التقليد خوفاً من الإرهاق، كما اللاعبين الذين يحرمون من التواجد مع عائلاتهم في فترة الأعياد.
وقال مدرب ليفربول السابق، الألماني يورغن كلوب، في تصريح سابق لبي بي سي، إن الدوري الممتاز بحاجة إلى فترة التوقف الشتوية على غرار باقي البطولات الأوروبية من أجل منح منتخب إنجلترا فرصة تحقيق الإنجازات.
كما شكا البرتغالي جوزيه مورينيو، حين كان مدرباً لفريق مانشستر يونايتد، من جدول مباريات فريقه خلال فترة الأعياد، قائلا: "لا حاجة لأن تكون عالماً كي تفهم أن اللعب بعد يوم من الراحة مختلف عن اللعب بعد 4 أيام منها. الأمر مختلف كلياً".
بيد أن ذلك يصطدم برغبة الجماهير العاشقة لهذا التقليد الذي يبلغ ذروته في كل عام مع "بوكسينغ داي".
وتشكل هذه الفترة التقليدية من العام مفترق طرق بالنسبة للصراع على اللقب حيث تؤكد الطموحات أو تتبخر.
ويقول جادة "بوكسينغ داي يوصف بأنه اليوم الذي قد تفقد فيه بعض الفرق فرصة المنافسة على اللقب، لكن لا أحد يفوز فيه".
ويوضح أنه "بعد جولة بوكسينغ داي بـ 4 أيام تقريبا تخوض الأندية جولة أخرى من المباريات" ما يعني "مع نهاية السنة وبداية أخرى الجديدة، تقام جولة جديدة من الدوري الإنجليزي".
وبسبب ذلك "يضع جدول المباريات بعض الفرق في الجولتين للعب خارج أرضها، ما يقلل فرصها في الفوز بالنقاط، وبالتالي تفقد بعض الفرق في هذه المرحلة نقاطاً كاملة، مما يضعف فرصة المنافسة إذا كانت تنافس سواء على صدارة الدوري أو على المقاعد المؤهلة إلى البطولات الأوروبية"، وفق جادة.
ويخوض اللاعبون في إنجلترا بطولات أخرى إلى جانب الدوري مثل كأسي الرابطة والاتحاد والمشاركات الأوروبية ومباريات دولية مع منتخبات بلادهم.
وقال جادة إن الدوري الإنجليزي الممتاز "يكاد يكون الوحيد في أوروبا الذي لا يتمتع بفترة راحة، معظم الدوريات تحظى بعطلة شتوية"، ففي ألمانيا على سبيل المثال خفضت عدد الفرق في دوريها إلى 18 فريقاً مع وجود راحة شتوية تقارب الشهر.
وتحدث جادة عن "برمجة غريبة" لجدول الدوري الإنجليزي حيث تلعب الأندية مباراتين أو 3 متتالية خارج أرضها، أو العكس على ملعبها بخلاف الدوريات الأخرى.
وقال إن هذه الحسبة "تفرض جهداً إضافياً ومشقة على اللاعبين وتضعهم تحت حمل بدني زائد، مما يوصل مبارياتهم في الموسم واحد إلى أكثر من 50 مباراة وقد تصل إلى 65 مباراة أحياناً" ما "يؤخر عملية الاستشفاء ويزيد احتمال الإصابات".
وفي وقت سابق، حذر نجم مانشستر سيتي ومنتخب إسبانيا، رودري، الفائز بالكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم، من أن اللاعبين "على وشك" الإضراب، مشيراً إلى المتطلبات التي فرضتها مسابقة دوري أبطال أوروبا الموسعة هذا الموسم، تليها كأس العالم للأندية "إذا استمر الأمر على هذا النحو فلن يكون لدينا خيار آخر (غير الإضراب)" مشيراً إلى "أنه أمر يقلقنا".
هل سيُخفض عدد الأندية؟
وبعد استيعاب الجهود البدنية والذهنية التي تبذلها الأندية في الدوري، مُنحت فترة راحة شتوية في شباط (فبراير) بدءاً من موسم 2020.
والموسم الماضي، طبقت فترة الراحة الشتوية في منتصف الموسم للمرة الثالثة، لكنها ألغيت هذا الموسم لصالح فترة راحة صيفية أطول.
ويستبعد، جادة، المساس بيوم "بوكسينغ داي"، لكنه قال إنه قد يعاد النظر في البطولة الثالثة في إنجلترا وهي كأس رابطة المحترفين.
ويرى أن تخفيض عدد الأندية في الدوري الإنجليزي من 20 فريقاً إلى 18 "أمر يستحق النظر فيه"، ما يعني أن عدد المباريات التي ستلعب في الموسم ستخفض من 38 مباراة إلى 34، ما يعادل شهر في الرزنامة.
وأشار إلى تغيير نظام مسابقة دوري أبطال أوروبا، أعرق المسابقات في القارة، التي تشارك فيها 4 أندية إنجليزية على الأقل، ما أدى إلى زيادة عدد المباريات في الموسم الكروي.
ورغم أن فترة الأعياد تبقى مزدحمة، غير أنه لن يلعب أي نادٍ في الدوري الإنجليزي الممتاز مباراتين في غضون 60 ساعة في أي وقت بين 21 كانون الأول (ديسمبر) و5 كانون الثاني (يناير) الجاري، وفق تعليمات نشرها منظمو الدوري الإنجليزي.
ولن تنظم مباريات في الدوري الإنجليزي يومي 28 و31 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، أو 2 و3 كانون الثاني (يناير) المقبل.
وستُلعب 40 مباراة في 17 يوماً خلال الفترة من 21 كانون الأول (ديسمبر) الحالي إلى 6 كانون الثاني (يناير) من العام المقبل في الدوري الإنجليزي، بحسب ما نشره الموقع الإلكتروني للدوري الإنجليزي.
غير أن مباريات المنافسات الأوروبية الكبرى في إسبانيا وألمانيا وفرنسا تتوقف من 22 كانون الأول (ديسمبر) حتى الأسبوع الأول أو الثاني من الشهر الذي يليه باستثناء الدوري الإيطالي.
والموسم الماضي، ألغى الدوري الإيطالي فترة الراحة الشتوية، ولذلك لن تتوقف مباريات هذه المسابقة.