تتنوع طقوس الجنازات حول العالم وفقًا للعقائد والتقاليد الثقافية لكل مجتمع، وفي اليابان، تعكس مراسم الجنازة بوضوح المعتقدات الشنتوية والبوذية التي تشكّل جزءًا أساسيًا من الإرث الروحي للبلاد. من مراسم الحرق والدفن إلى العادات المتوارثة مثل تقديم الهدايا المالية لعائلة الفقيد وتبادل عبارات الشكر، تحمل هذه الطقوس في طياتها مزيجًا من الاحترام العميق والتقاليد الراسخة التي تربط الأجيال ببعضها البعض.
اختلاف الطقوس الجنائزية حسب المعتقد الديني
في واقع الأمر، لا يُولي معظم اليابانيين في العصر الحالي اهتمامًا يُذكر للدين في حياتهم اليومية، لكن الأمر يختلف فيما يتعلق بالجنازات. حيث تُقام هذه الجنازات وفقًا للطقوس البوذية في معظم الأحيان، وبينما قد تختلف ترانيم السوترا (مجموعة من الحكم والمواعظ) التي يتم ترتيلها باختلاف المنطقة أو المذهب البوذي، فإن الطقوس بشكل عام تتبع نفس النمط، فبعد ترديد ترانيم السوترا وقيام من جاؤوا للتعزية بتقديم البخور، يُحرق جثمان المتوفى لتدخل روحه الحياة الآخرة، ثم يُدفن رفاته. كما تُؤدى أيضًا الطقوس الشنتوية أو المسيحية أو غير الدينية، لكن هذه الجنازات لا تُمثل سوى حوالي 10% من إجمالي الجنازات.
حتى السنوات الأولى من فترة إيدو (1603-1868)، كانت الجنازات تُقام بشكل خاص في منزل المتوفى، بحضور أفراد الأسرة والمجتمع. ولكن بمجرد تطبيق النظام الذي ألزم كل عائلة بالانضمام إلى معبد بوذي خلال القرن السابع عشر، بدأت المعابد بإجراء طقوس الجنازة. حيث كان كل مولود يُسجل في المعبد الذي تنتمي إليه عائلته، ليكون كل الأفراد ملزمين خلال حياتهم بدعم معبدهم وفقاً لنظام دانكا (نظام تقوم فيه الأسر بالانضمام طوعاً إلى أحد المعابد البوذية)، ثم بعد وفاتهم ينتقلون إلى الحياة الآخرة وفقاً للعقيدة البوذية وقد حصلوا على اسم ”كايميو“.
يقوم الكاهن المسؤول بمنح اسم كايميو يعبر عن شخصية المتوفى أو إنجازاته.يتم استخدام هذا الكايميو على لوح إيهاي التذكاري (في الوسط) وعلى شاهد القبر. (© بكيستا)
على الرغم من تراجع تأثير البوذية بعد عصر ميجي (1868-1912)، إلا أن طقوس الجنازة البوذية ظلت قائمة، لدرجة أن معظم الناس اليوم لا يمارسون من الديانة البوذية إلا شعائرها الجنائزية فقط.
فالكثيرون يرون أنه من المهم أن نكون على دراية بمراسم الجنازة المميزة وآدابها المتبعة في اليابان، والتسلسل الأساسي للطقوس، وذلك للاستعداد عند حدوث حالة وفاة.
طقوس الجنازة
تتضمن مراسم الجنازة عادةً السهر بجوار جثمان المتوفي، ثم إقامة الجنازة وحفل الوداع، وأخيراً حرق الجثة، وذلك على مدار ثلاثة أيام حتى لا يتحلل الجثمان، إذ أنه لا يتم عادة تحنيط الجثة. ومع ذلك، غالبًا ما تكون محارق الجثث مكتظة هذه الأيام، لذا فقد يستغرق الأمر بضعة أيام قبل إقامة مراسم الجنازة.
كان السهر بجوار الجثمان في اليوم السابق لحرقها يُمارس تقليديًا لمنع الأرواح الشريرة من دخول الجثة. فكان المعزّون يسهرون طوال الليل، ويحرقون البخور، ويقضون الساعات الأخيرة مع أحبائهم. حتى أواخر القرن العشرين، كانت الجنازات تُقام في المنازل. أما اليوم، فتُقام في قاعات الجنازات، وأصبح من الشائع اختصار طقوس السهر بجوار جثة المتوفي، وبعد انتهاء تلك الطقوس، يجتمع أفراد الأسرة للصلاة على روح المتوفى، ويحضر الأصدقاء والمعارف مراسم الوداع، وأخيرًا يُنقل النعش إلى محرقة الجثث بحضور الأسرة. عادةً ما يقوم الأشخاص الذين تم إبلاغهم بالوفاة بحضور أي من الجنازة أو مراسم الوداع. ولو كانت علاقتهم وطيدة بالمتوفى، فربما يحضرون كليهما، أو يقومون بزيارة الأسرة في المنزل قبل الجنازة لتقديم تعازيهم.
ترافق العائلة الجثمان إلى محرقة الجثث بعد انتهاء مراسم الوداع (© بكيستا)
إذا لم تتمكن من حضور الجنازة، فمن المعتاد إرسال برقية تعزية أو نقل رسالة تعاطف. بعد القيام بذلك، يجب عليك أيضًا زيارة الأسرة قبل انقضاء اليوم التاسع والأربعين من مراسم ما بعد الجنازة.
الزي المناسب لحضور الجنازة
في الماضي، كان يُنظر إلى ارتداء زي الجنازات الأسود بالكامل ”موفوكو“ في العزاء على أنه غير لائق، ويُعتبر علامة على أن الوفاة كانت متوقعة. لكن في الواقع، يحضر الكثير من الناس الآن العزاء مرتدين زي موفوكو. يمكن للرجال الذين يحضرون العزاء بعد العمل ارتداء ربطة عنق سوداء مع بدلتهم، أو بدلة داكنة مع قميص أبيض رسمي. كما يجب أن تكون الملابس ذات لون هادئ، وتعد الإكسسوارات التي بها نقوش حيوانية أو فراء غير مناسبة.
تعتمد رسمية الملابس على علاقة الفرد بالمتوفى. فأفراد الأسرة يتعين عليهم ارتداء زي رسمي كامل، بينما يرتدي الحاضرون ملابس رسمية سوداء. في حين يمكن للنساء الأصغر سنًا ارتداء بدلة داكنة أو بدلة نسائية ببنطال، ويمكن للرجال الأصغر سنًا ارتداء بدلة داكنة. لكن في الواقع، حتى كبير المعزين، الذي يعتبر أقرب شخص للمتوفي، غالبا ما يرتدي اليوم ملابس شبه رسمية.
يجب أن تكون ربطات العنق والجوارب سوداء (© بكيستا)
ظرف كودينبوكورو النقدي
على من يحضر جنازة أن يأخذ معه عطية كودين النقدية. كان الغرض الأصلي من هذا الظرف هو دفع ثمن البخور، أما اليوم، فهو يُقبل كمساهمة في تغطية نفقات الجنازة.
قم بتقديم ظرف كودين النقدي إلى موظفي الاستقبال عند التوقيع في دفتر التعازي. (© بكيستا)
تُباع مظاريف مخصصة لتقديم عطية كودين النقدية، تُسمى kōdenbukuro، في محلات القرطاسية ومحلات السوبر ماركت. ويختلف الكانجي المكتوب على مقدمة المظاريف بحسب الانتماء الديني، ولكن المظروف الذي كُتب عليه御霊前 ” goreizen “، ومعناها عطية لروح المتوفى، يجوز تقديمه في جميع الحالات. عادةً ما يقدم الأشخاص من خارج نطاق الأسرة 5000 ين، ويجب ألا تكون الأوراق النقدية المقدمة جديدة، حيث أن هذا يعني أن الوفاة كانت متوقعة وأن المال قد تم إعداده مسبقًا. لكن إذا لم يكن هناك بد من استخدام أوراق نقدية جديدة، فيجب طيها مرة واحدة. ومن المعتاد أيضًا إدخال الأوراق النقدية في المظروف مع توجيه الجانب الخلفي للأمام، لكن المستلمين سيتجاهلون عمومًا هذا الانتهاك البسيط للآداب ولن يأخذوه على محمل الإهانة.
قم بكتابة اسمك على الجزء السفلي من الظرف بحبر أسود فاتح، باستخدام قلم فرشاة fudepen. (© بكيستا)
عادةً ما يحمل الناس سبحات جوزو في الجنازات؛ ويختلف تصميمها أو طريقة حملها باختلاف المذهب البوذي المُتبع. إلا أنها ليست أساسية، فلا داعي للتسرع في شرائها.
عند وصولك إلى قاعة الجنازة، قدّم تعازيك، بإيجاز، ولكن بصدق، حتى لا تشغل وقت العائلة.
يرتدي كبير المعزين شارة على شكل وردة ليسهل التعرف عليه. (© بكيستا)
إظهار المشاعر الصادقة هو كل شيء
يقوم الكاهن بإلقاء حكم وأقوال مأثورة (سوترا) في العزاء ومراسم الوداع، ويقدم المعزّون البخور للمتوفى. يُعدّ تقديم البخور وسيلةً للمعزين لتطهير أنفسهم أثناء الدعاء للمتوفي.
يتم وضع المذبح المخصص لحرق البخور أمام الصندوق والصورة التذكارية. (© بكيستا)
المبخرة. (© بكيستا)
يُعدّ رفع البخور بين الحاجبين لفتة احترام. تُؤدى هذه اللفتة مرة واحدة أو عدة مرات، حسب المدرسة البوذية. إذا لم تكن متأكداً، يُرجى استشارة الكاهن أو كبير المعزين، وهو أول من يُقدّم البخور.
مثال لكيفية تقديم البخور:
رسم توضيحي من ساتو تاداشي
- عندما يحين دورك للاقتراب من المذبح، قم بالانحناء للعائلة والكاهن، ثم اقترب من المبخرة وقم بالانحناء للصورة التذكارية.
- خذ رشة بخور بين إبهام وسبابة يدك اليمنى. (1)
- ارفع يدك اليسرى، مع وضع راحة اليد لأعلى في مستوى العين، ورفع يدك اليمنى أيضًا. ثم انحني قليلًا، دون تحريك يديك، وقرب البخور من جبينك. (2)
- ضع البخور على المبخرة (3) وضم يديك للدعاء (4).
- تراجع خطوة للخلف، واستدر وانحني للعائلة مرة أخرى، ثم عد إلى مقعدك.
إذا كنت تفضل، لأسباب دينية، عدم المشاركة في هذه الطقوس، فأخبر موظف الاستقبال مسبقًا وسوف يقوم بدوره بإخبار كبير المعزين. لا شك أنه سيتم إخبارك بأن الهدف هو تقديم الاحترام للمتوفى وذلك من خلال أداء أي طقس يناسبك.
بعد تقديم البخور ومراسم الوداع، قد تُقيم العائلة مأدبة للمعزين. وهذه الوجبة الأخيرة يكون الهدف منها تبادل الذكريات التي جمعتكم مع الفقيد، ويُتوقع منكم المشاركة فيها، ولو لفترة وجيزة. تجنبوا المواضيع التي لا علاقة لها بالفقيد، ولا تُفرطوا في شرب الكحول.
جرت العادة على تقديم وجبة خفيفة بعد العزاء، ولكن هل أصبح من الشائع في هذه الأيام دعوة المعزين أيضًا لتناول وجبة بعد مراسم الوداع. (© بكيستا)
عائلة الفقيد تشكرك على حضورك
بعد الجنازة، سيتم إعطاؤك كيس صغير من الملح لترشّه على نفسك عند مدخل منزلك لمنع دخول أي شوائب. كما قد تتلقى أيضًا هدية صغيرة كشكر على حضورك.
الهدية عادة ما تكون عبارة عن حلويات، أو نوري، أو أي مادة استهلاكية أخرى، يتم اختيارها “حتى لا يبقى الحزن طويلاً”. (© بكيستا)
بعد مرور بعض الوقت على الجنازة، قد تتلقى هدية كرد للجميل يُطلق عليها ”كودينغاشي“، ولا يُنتظر منك أي شكر على ذلك، فقط يمكنك ببساطة تقديم كلمات مثل ”الرجاء الاعتناء بنفسك“ في المقابل. يمكنك أيضًا رفض كودينغاشي عند تقديم كودين، وذلك مراعاة للنفقات الباهظة التي سوف تتحملها الأسرة لإقامة الجنازة.
في بعض الأحيان، لن تعلم بالوفاة إلا لاحقًا، عادةً في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، وذلك عندما تصلك بطاقة بريدية برسالة مفادها أن الأسرة لن ترسل تحيات رأس السنة الجديدة بسبب وجود حالة وفاة في الأسرة. لا يتم عادةً إرسال بطاقات تهنئة بمناسبة رأس السنة الجديدة إلى عائلة في حالة حداد، ولكن إذا أردت، يمكنك إرسال تحية في منتصف يناير/ كانون الثاني أو نحو ذلك.
في هذه الأيام، غالبًا ما يكون الأقارب متفرقين على نطاق واسع، ولتقليل الجهد والنفقات، فقد أصبح هناك اتجاه ملحوظ نحو إقامة جنازات أكثر بساطة. منذ جائحة كوفيد-19، أصبح من الشائع إقامة جنازة صغيرة، بحضور العائلة المقربة فقط. وذلك من منطلق أنه طالما أن الأسرة تستطيع الحداد على أحبائها بشكل صحيح، فإن شكل المراسم لا يشكل فرقًا كبيرًا.
(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. أشرف على الكتابة شيبازاكي ناوتو، أستاذ مشارك في جامعة غيفو، متخصص في تعليم آداب السلوك من منظور نفسي، ويعمل على توجيه مُعلّمي آداب السلوك، وهو مُدرّس في مدرسة أوغاساوارا-ريو لتعليم آداب السلوك. الرسم التوضيحي بواسطة ساتو تاداشي، صورة العنوان الرئيسي من © بكيستا)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | بين التقاليد والروحانية: كيف تضمن مراسم الجنازة في اليابان السلام للأرواح؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.