كتبت: ياسمين عمرو في الجمعة 27 ديسمبر 2024 01:19 مساءً - أجمع علماء التربية على أن توجيه معلومة للطفل، أو سرد قصة تدعم قيمة وسلوكاً خلقياً ما، لا بد أن تأتي في وقتها؛ بمعنى الإمساك بلحظة حاجة الطفل لها -بعد الحدث مباشرة-حتى يستفيد الطفل منها، وحكايات قبل النوم التي تؤديها بحب وحنان كبيرين الأم أو الجدة، لازالت من العادات المحببة للطرفين الأمهات أو الجدات والأطفال الذين يستمعون للحكاية بكل حب وشغف.
وما أجمل أن تضم الحكاية حلاً لمشكلة تسبب الحيرة للطفل، أو تمجيد قيمة خلقية يحتاج لها الطفل، وربما كانت تقوم بتحديد سلوكه وتقييمه لوضعه في مكانه ومُسماه الحقيقي، وقصة "عاليا ومصباح الأمل" أجمل ما قرأت عن التفاؤل، والتي تصلح للطفل من عمر 5-8 سنوات.
قصة : عاليا ومصباح الأمل
يحكى أنه في مكان ما وزمن ما، وداخل قرية صغيرة مغطاة بالثلوج، تقع بين الجبال المتدرجة، كانت العائلات تنتظر بفارغ الصبر قدوم السنة الجديدة والاحتفال بها، وكانت تلك الليلة موعداً لـمهرجان المصابيح، وهو تقليد توارثته القرية عبر الأجيال؛ حيث يشعل كل بيت مصباحاً، وبداخله يهمس أفراد البيت بآمالهم وأحلامهم.
وسط هذه العائلات، كانت تعيش بطلة حكايتنا عاليا الطفلة الصغيرة، عمرها -8 سنوات- وهي فتاة تتمتع بعيون براقة وقلب مليء بالأسئلة ما يعني اتصافها بالفضول وحب المعرفة، لكن هذا العام، شعرت عاليا بشيء من الحيرة والقلق؛ بعد أن فقد والدها وظيفته في المطحنة المحلية، وكانت والدتها تقضي الليالي الطويلة في الخياطة لتغطية النفقات.
عاليا والصعوبات القادمة
وحدث أن سمعت عاليا حديثاً هامساً يدور بين والديها عن صعوبات قادمة، فشعرت بأن الأمل في مستقبل أفضل فكرة بعيدة المنال، وفي صباح ليلة رأس السنة، لاحظت جدة عاليا وقوفها بهدوء بجانب النافذة، فقالت لها الجدة بحنان: لماذا تبدين حزينة، يا نجمتي الحبيبة؟ تعالي، وجلست عاليا بجانبها حاملة كوباً دافئاً من الشاي.
هزّت عاليا كتفيها وقالت: ما الفائدة من الأحلام ومن طلب الأمنيات؟ ستطير بعيداً ولن تتحقق، ابتسمت الجدة بتفهم، وسحبت دفتراً قديماً من سلتها، وقالت: عندما كنت في مثل عمرك، سألت السؤال نفسه، لكن دعيني أحكي لكِ قصة وهنا اقتربت عاليا أكثر وهي تصغي إلى الجدة التي فتحت الدفتر.
ما رأيك في أجمل قصص الأطفال من4-8 سنوات عن ذكاء الحيوان؟
عاليا والعاصفة المدمرة
قبل سنوات طويلة، ضربت عاصفة مدمرة قريتنا، فهدمت البيوت وتركت العائلات بلا مأوى ومن دون أمل، وتلك الليلة حدثت يوم رأس السنة، وبدلاً من الحزن واليأس و الاستسلام، أشعلنا مصابيحنا بأضواء أكثر بريقاً من أي سنة مضت، وأتذكر والدي يومها حين قال: الأمل ليس ضماناً يا ابنتي، ولكن عليك الإيمان بالله وبإمكانية ظهور النور حتى في أحلك الأوقات، وأتذكر أيضاً أنني لم أفهم معنى ما يقوله أبي بشكل كامل.
وفي العام التالي، تحقق ما قاله أبي وما كان يشير إليه، لقد أعاد أهل القرية بناءها بشكل أقوى وأكثر وحدة، وكان هذا هو سر الأمل؛ فهو يلهمنا للعمل الأفضل ويحفزنا على التغيير والمضي قدماً، لمعت عينا عاليا وسألت: ولكن ماذا لو لم تصل أحلامنا وآمالنا ولم تتحقق؟ ماذا سنفعل؟ ضحكت الجدة وقالت: لهذا نحن هنا معاً يا حبيبة، إذا تعثرت أحلام مصباحك، فإن ضوء مصابيح الآخرين سيرشدك، ومعاً نجعل حياتنا أكثر جمالاً والسماء أكثر إشراقاً.
عاليا تُفاجأ بالزهور والزروع يانعة
في تلك الليلة، امتلأت ساحة القرية بالحماسة، حملت العائلات مصابيحها اليدوية الصنع، كل واحد مزين بعناية يحمل بداخله أمنيات العام الجديد، أما مصباح عائلة عاليا فقد رسمت عليه نجوماً ورسمت بداخلة جملة واحدة كبيرة وواضحة: الأمل هو التفاؤل هو الإيمان بقدوم الفرح والخير.
مع اقتراب منتصف الليل، تجمّع أهل القرية حول نار كبيرة، وعندما دقت الساعة معلنة بداية العام الجديد، أضاء الجميع مصابيحهم، فامتلأت السماء نوراً وازدادت ضياءً، وكأنها تبشرنا وتحمل لنا أحلاماً بالحب والصحة والسعادة وأياماً أفضل.
راقبت عاليا مصباحها وضوؤه يرتفع ويرتفع، وشعرت بقلبها يمتلئ بإيمان قوي جديد، فكرت في نفسها: كانت الجدة على حق؛ الأمل ليس معرفة، بل إيمانٌ، وبينما كانت المصابيح يرتفع ضوؤها إلى أعلى، بدأ تساقط خفيف للمطر وندف الثلوج، وكأن السماء تبارك أحلام القرية.
وفي تلك اللحظة السحرية، قطعت ليلى وعداً صامتاً بأنها ستحمل دوماً ضوء الأمل بداخلها، ليس فقط في ليلة رأس السنة، ولكن في كل أيام السنة، وفي صباح اليوم التالي، استيقظت القرية على نماء مفاجئ للزروع وازدهار جميل للورود بكل مكان.
قصة للأطفال: "حسن" وزوج الحمام
مصابيح تحمل الأمنيات والأحلام
وما أسعد قلب عاليا ورسم البسمة على شفاهها، أن شاهدت والديها يبتسمان لأول مرة منذ أسابيع، فقد تلقى والدها رسالة عن وظيفة جديدة، وأنهت والدتها طلباً كبيراً من العمل، وكأن المصابيح التي كانت تحمل أحلامهم وأمنياتهم قد وصلت، وها هي في طريقها لتحقيق حلم من بعد حلم، أو ربما كان التمسك بالأمل هو من أحدث التغيير الحقيقي وهكذا، استمرت القرية في تقليدها الريفي عاماً بعد عام، وإن طلب أحد معرفة السر أجابت الجدة بكل ثقة.
هنا أبعدت عاليا الحزن وأزالته من فوق ملامحها، ومدحت جدتها وشكرتها على جمال حكايتها، ولكن فضول عاليا لم ينته، وطلبت سماع المزيد، وكان السؤال: هل صحيح يا جدتي أن الأمل هو التفاؤل، والأماني مازالت ممكنة في الأعوام القادمة؟ فأجابت الجدة بكل حب:
حتى أصغر ضوء يمكنه أن يضيء أظلم الليالي واستكملت:
التفاؤل نوع من السعادة الحقيقيّة التي تدفع الإنسان نحو العمل، والإنجاز وتحقيق الأمل.
التفاؤل حبلٌ لا ينقطع، وهو نعيم الحياة، وطمأنينة النفس، وقرّة العين التي تجلب للإنسان الخير.
الأمل هو تلك النافذة الصغيرة، التي مهما صغر حجمها، إلّا أنها تفتح آفاقاً واسعة في الحياة.
الإنسان دون أمل نبات دون ماء، ودون ابتسامة كوردة دون رائحة، ودون إيمان بالله كوحش في قطيع لا يرحم.
المتفائل يقول إن كأسي مملوءة إلى نصفها، والمتشائم يقول إن نصف كأسي فارغ.
الزهرة التي تتبع الشمس تفعل ذلك حتى في اليوم المليء بالغيوم.
كن صاحب نية طيبة ووجه بشوش، وكلمة طيبة، وسترى الأمل والتفاؤل والخير يأتيك من أوسع أبوابه.
ازرع السعادة في أرض التشاؤم، واسقها بالأمل والتفاؤل، وستجني ثمار الراحة والطمأنينة.
الابتسامة راحة وصحة: الحياة تشرق لك بألوانها الزاهية، ابتسم ودع الفرح ينعش روحك، إن بعد العسر يسراً.