اخبار العالم

هل ستمضي مصر قدماً في صفقة J-10C وتتخلى عن الـF-16 الأميركية؟

هل ستمضي مصر قدماً في صفقة J-10C وتتخلى عن الـF-16 الأميركية؟

الرياص - اسماء السيد - "الخليج 365" من اسطنبول: في خطوة من المبكر تقييمها إن كانت تكتيكية أم استراتيجية؟ تقدمت مصر بطلب شراء المقاتلة الصينية J-10C "Vigorous Dragon"، في إطار تحديث أسطولها الجوي القائم على المقاتلة Fighting Falcons F-16، وتمتلك منها القاهرة 200 طائرة.

وتأتي صفقة J-10C المحتملة ضمن مساعي مصر لتنويع إمداداتها العسكرية، بعد خيبة أملها من سلبية الغرب تجاه تحديث قدراتها العسكرية. حيث أوقفت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، عام 2013 عملية نقل أسلحة للقاهرة تضمنت أربع طائرات مقاتلة من طراز F-16C Block 52، نتيجة الإطاحة بحكومة الرئيس السابق محمد مرسي.

إحياء الماضي
يعود أول تعاون عسكري بين القاهرة وبكين إلى صفقة الأسلحة التشيكية مع مصر، والتي ساهمت الصين في إبرامها في خمسينيات القرن الماضي. وذلك بعد تقدم مصر على دول المنطقة بالاعتراف بجمهورية الصين الشعبية عام 1956. وفور إقامتهما لعلاقات دبلوماسية، أنشأت بكين في القاهرة أول وأهم مكتب عسكري لها في الشرق الأوسط وشمال أفريقي.

لاحقاً، وكعادتها المستمرة، تلاعبت بكين على توتر العلاقات السوفييتية المصرية لتوثيق علاقاتها بالقاهرة. توّجتها بتوقيعهما اتفاقية عسكرية عام 1977. وعزّز الجانبان تعاونهما في شتى المجالات، دعمت القاهرة عضوية الصين الشعبية في الأمم المتحدة، وأيدت مبدأ "صين واحدة"، ومبدأ "دولة واحدة ونظامان"، الخاص بمنطقة هونغ كونغ. فيما أيدت بكين قرار تأميم مصري لقناة السويس، وأدانت العدوان الثلاثي عليها عام 1956، بجانب تأييد خيارات الشعب المصري خلال ثورتي 25 كانون الثاني (يناير) 2011، و30 حزيران (يونيو) 2013.

كما أسفر تعاون البلدين عسكرياً منذ تسعينيات القرن الماضي عن إنتاج طائرة تدريب صينية بتصنع بنسبة 95% في مصر حالياً، حسب الباحث المصري في التاريخ والعلاقات الدولية، والمختص بالشؤون الأوراسية، أحمد دهشان. ويتعزز هذا التعاون حالياً. حيث ترنو القاهرة لاقتناء المقاتلة الصينية J-10C نتيجة كفاءتها، ولحاجة مصر إلى بديل عن السلاح الغربي.

يضيف دهشان لـ""الخليج 365""، بعيداً عن فرنسا والولايات المتحدة، البديل المتاح حالياً، هي روسيا. لكن القاهرة غير راغبة بشراء أسلحة أو طيران روسي الآن، تجنباً لاستفزاز واشنطن. ولمعاناة موسكو من أزمة في صناعة الطائرات والأسلحة الحديثة بسبب الحرب وبسبب العقوبات الغربية التي حجبت عنها بعض المكونات الغربية. لذا الخيار الصيني هو الأنسب لنهج تنويع السلاح التي ينهجها الجيش المصري، ولتقديمه سلاح جديد بأسعار مناسبة، ومن دولة شرقية صديقة.

وكان البلدان قد طورا علاقاتهما العسكرية، لاسيما في مجالات التصنيع الحربي والتدريب المشترك. حيث زودت بكين القاهرة بصواريخ مضادة حديثة، وأخرى يتم تثبيتها على المروحيات القتالية وبعض المعدات العسكرية والتكنولوجية، كالمسيّرات وأنظمة الدفاع الجوي والمركبات العسكرية. فيما يبقى مشروع التصنيع المشترك لطائرة التدريب المتقدم (كي-8-إي) أهم برامج تعاون عسكري بينهما. حيث اختارت القاهرة طائرة التدريب الأخيرة لتكون بديلاً لطائرة التدريب التشيكية (إل29) على أن يصل عمق التصنيع المحلي لطائرة (كي-8-أي) لأكثر من 94% من الهيكل.

وسابقاً، اشترت القاهرة قاذفات شيان H-6 الصينية ومقاتلات بسيطة من طراز F-7B وJ-6. ومؤخراً، أبدت اهتماماً بشراء 12 قاذفة من طراز J-10C. حيث التقى قائد القوات الجوية المصرية، الفريق محمود فؤاد عبد الجواد، بنظيره الصيني، الجنرال تشانغ دينكيو، في بكين، في أيلول (سبتمبر) الماضي. وشملت المناقشات بينهما بيع J-10C و J-31.

حيث تعتقد القاهرة أن مقاتلة التنين الصينية تجنبها القيود الغربية على إمدادات السلاح لضمان تفوق جوي لإسرائيل. كما أن ثمنها جذّاب نوعا ما، بين40-50 مليون دولار. وتشكل تحوط ضد المقاتلات الروسية الخاضعة للعقوبات، التي تعد تقليدياً خياراً ثانياً للقوات الجوية المصرية.

عدة اعتبارات تقف وراء القرار المصري، حسب رئيس قسم الدراسات في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، اللواء السعودي أحمد الميموني، اقتصادية واستراتيجية وسياسية. اقتصادياً، تمثل ردع معقولة عبر تكلفة قليلة مقارنة بالأجيال الجديدة من طائرات F-16 أو تحديث الموجود حالياً لدى مصر. أضاف الميموني لـ""الخليج 365""، تشمل الاعتبارات الاستراتيجية، التحديات الماثلة أمام مصر تتضمن كاحتمال نشوب صراع مع اسرائيل أو حلفاءها، وتالياً تعرض استمرار الدعم الفني الأميركي لعقبات تؤثر على كفاءة الردع المصري. وسياسياً، توازن مصر تعاونها العسكري بين الغرب والشرق، بما يمنحها قدرة على المناورة وكسب الأوراق السياسية.

دع السماء تقرر
تتميز J-10C بأنظمة حرب إلكترونية متقدمة ورادار نشط ممسوح إلكترونياً (AESA). وقد دخلت الخدمة رسمياً في كانون الأول/ديسمبر 2017، حسب جلوبال ديفينس نيوز، لكن لم يتم تشغيلها حالياً إلا من قبل الصين وباكستان فقط. كما تمتاز بتصميم ديناميكي هوائي "دلتا كانارد" حسّن قدرة مناورتها. وتم دعمها بمحرك توربيني روسي لبلوغ سرعة 2200 كم بالساعة. إضافة لتجهيزها بإلكترونيات الطيران الحديثة.

في المقابل، تعتبر الـ F-16V أسطورة طائرات الجيل الرابع، حسب ميلتاري فيو. دخلت الخدمة أواخر سبعينيات القرن الماضي، لكنها تلقت ترقيات وضعتها كمقابل للجيل التالي. حيث تمتاز بقوة دفع محرك F-110-GE-132 معززة بنسبة تبلغ 30٪، جعلها قوة حقيقية. كما منحها التحديث برادارAESA ميزة تتبع الأهداف بشكل لا مثيل له.

وبجانب ذلك، تم تجهيزها لإطلاق صاروخ AIM-120D بمدى يبلغ 180 كم. وعبر إلكترونيات الطيران وجيل رادار الصفيف المرحلي باتت على قدم المساواة مع مقاتلة F-35. ومن خلال رادار APG-83، المصمّم لتحمل التشويش الإلكتروني وتوسيع نطاق وسرعة اكتشاف حتى أصغر الأهداف، تم تأكيد عدم تفويتها لأي هدف.
كذلك تم تجهيزها بقنابل JDAM وصواريخ AGM-88 HARM مضادة للإشعاع لضرب مجموعة رادارات العدو بدقة متناهية. إضافة لامتلاكها تقنية جديدة لربط البيانات، بما يمكّنها من التواصل مع الطائرات المتقدمة مثل F-22 و F-35.

فيما تشكل J-10C نسخة محسنة من J-10B، مزودة بمحرك WS-10B، يتفوق على F110 الأميركية من طراز F-16 بالقوة والسرعة والارتفاع التشغيلي والقدرة على المناورة. وتمتاز بهيكل أخف وزناً قليلاً. ويمنحها جناح دلتا الثبات، حتى بالسرعات المنخفضة، بما يعطيها ميزة في الهجمات البرية. لكن في المعارك، تأخذ F-16V زمام المبادرة بقدرتها على المناورة عبر تصميم جناح دلتا المقصوص.
ورغم تميز J-10C بمزيد من الدفع المتاح، لكن لدى F-16V مجموعة إلكترونية ضوئية أكثر قوة، تؤكد حقيقة منافستها، والسماء هي الحكم. حيث أفادت القوات الأوكرانية مؤخراً، إسقاط إحدى المقاتلات الروسية من طراز SU-34 بواسطة F-16. فيما لم يتم اختبار المقاتلة الصينية في المعارك، والعبارة المكررة لمواصفاتها، "يقال أنها"، وحسب المصادر الصينية، دون تأكيد الادعاء من قبل مصادر مستقلة.

"نظرياً" تعتبر J-10 طائرة متفوقة على F-16 و"يعتقد" أنها أكثر قدرة على المناورة، لكن الأمر كله يعود إلى تدريب الطيارين وتكتيكاتهم، حسب جان روسوماندو، وهو محلل للأمن القومي ورئيس شركة فايكنج الأميركية للأبحاث. فطيار ذو خبرة في مقاتلة قديمة سيهزم طياراً عديم الخبرة في مقاتلة جديدة.
وينبع التعاون العسكري المصري-الصيني أساساً من مصداقية الولايات المتحدة من عدمها. حيث تسعى بكين لإنهاء النظام المتمركز حول واشنطن لتصبح القوة العالمية الأولى بعام 2049. لقد نجحت خلال حقبة الاسترضاء من قبل إدارة الرئيس السابق جو بايدن، لكن الرئيس دونالد ترامب شخصية مختلفة تماماً وله أولويات مختلفة.
"عبر عقوباتها على مصر، بسبب معاملتها للجماعات الإسلامية، أبعدت إدارة بايدن القاهرة عن واشنطن. لكن هناك إمكانية لتغيير ذلك حالياً. سيستخدم ترامب كل المواهب الدبلوماسية لإعادة مصر إلى جانب الولايات المتحدة"، قال روسوماندو لـ""الخليج 365"".

إلى جانب ذلك، يشير اللواء الميموني إلى فوارق تقنية كبيرة ترّجح F-16، تتمثل في التكامل بين الطائرات وأنظمة الإنذار وتبادل المعلومات من خلال شبكة قيادة وسيطرة مشتركة للحلفاء، وهو ما قد يحد من فعالية J-10C رغم تقدمها التقني. فواشنطن لن تسمح بربطها بأي أنظمة أميركية، سواء للقيادة والسيطرة، أو للإنذار المبكر والصور الجوية.

كما أن اختبار كلتا المقاتلتين، اللتان تتمتعان بقدرات متطورة، تظهر تفوق F-16 باعتمادية أعلى، عبر المهام والتحديثات التي أدخلت عليها، ولاستخدامها من قبل العديد من الدول، بجانب سلسلة إمداد قطع غيارها، ولإمكانية تعاون دول "نادي F-16" للدعم المتبادل، وهذه ميزة تجعل الأخيرة تتفوق على مثيلاتها حتى الآن.
وهنا، يمكن التنويه لإشارة وكيل وزارة الدفاع الأميركية السابق، كولين كال، بافتقاد "بكين للنية والقدرة على دمج الهيكل الأمني للمنطقة، أو لتحالفات المنفعة المتبادلة. وينحصر اهتمام بكين فقط بإقامة علاقات تضمن مصالحها التجارية والجيوسياسية الضيقة".

فالصين ليس لديها أي اهتمام أو قدرة على تحمل المسؤولية في النظام الأمني الإقليمي. وأكبر دليل على ذلك، إحجامها عن المشاركة بمواجهة هجمات حركة "أنصار الله" اليمنية(الحوثيين)، ضد السفن التجارية العابرة لمضيق باب المندب والبحر الأحمر، بما أدى لتعطيل سلاسل التوريد العالمية، وشكّل تهديداً حتى على المصالح الاقتصادية للصين.

J-10C ورقة ضغط؟
رغم عدم إعلان رسمي من قبل وزارة الدفاع المصرية عن طلب شراء المقاتلة J-10C، إلا أن القوات المسلحة المصرية، في بيان صادر عنها، أكدت زيارة الفريق عبد الجواد إلى بكين، وإلى قاعدة تانغشان الجوية، حضر خلالها عرضاً لطائرة J-10C تم تجهيزها بصواريخ جو-جو PL-15، تزعم بكين تطويره بمساعدة روسية وله مدى فعال يتراوح بين 200-300 كم، وبأنه منافس رئيسي لصاروخ جو-جو AIM-120 AMRAAM الأميركي.
مع ذلك، "قد ترغب القاهرة بإرسال رسالة إلى واشنطن بأن لديها بدائل. وهو تكتيك يعمل"، قال الرئيس السابق للقيادة المركزية الأميركية، الجنرال فرانك ماكنزي أمام جلسة استماع في الكونغرس سابقاً.

عليه، ينوه زميل برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منصة "تشاتام هاوس"، أحمد أبو الدوح، إلى ضرورة مراجعة أميركية شاملة لسياسة مبيعاتها العسكرية للقاهرة، بما يسمح بمشاركة تكنولوجيا القوة الجوية المتقدمة مع الجيش المصري، والذي يعمل مع إسرائيل على حفظ السلام والتعاون الأمني الإقليمي.
إذ أن سياسات حقبة الأحادية القطبية التي أصبحت في الماضي فعلياً، لم تترك للقاهرة خياراً سوى الاقتراب جداً من فرض عقوبات لاختبار صبر واشنطن. لذا، إن رغبت واشنطن وحلفائها بعرقلة الاختراقات العسكرية المتزايدة للصين، وتلافي قيام باكستان أخرى في الشرق الأوسط (حليف غربي تحول إلى الصين)، فلابد من أخذ احتياجات مصر العسكرية بالاعتبار.
لكن الصين لن تكون بديلاً لاستراتيجية مصر العسكرية، ستكون أحد خيارات نهج تنويع مصادر التسليح، التي بدأت زمن الرئيس الأسبق حسني مبارك، وتوسعت بعد عام 2013، نتيجة العقوبات التي فرضتها واشنطن على بعض الأسلحة أو أّخرت وصولها إلى مصر. وهو نهج لا رجعة عنه، حسب دهشان. وبموجبه، حصلت مصر على أسلحة روسية وبرتغالية وإيطالية وألمانية وفرنسية، بجانب سلاحها الأميركي المعتمد منذ توقيعها معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1978.
حيث تشهد مصر، ولأول مرة في تاريخها، مناطق مشتعلة في الجهات الأربع لحدودها. وعليه، لجأت لتحديد احتياجاتها وفقاً للتحديات الموجودة، وبما يناسب كل تحدي. ففي بعض الأماكن لا يتناسب مع تحدياتها إلا الأسلحة الشرقية، لذا تتجه للسلاح الصيني والروسي. وفي أماكن أخرى تحتاج تحدياتها لأسلحة غربية، وعليه، تتجه إلى السلاح الغربي.

Advertisements

قد تقرأ أيضا