الرياص - اسماء السيد - "الخليج 365" من ستوكهولم: حين أرسلت السويد، في نوفمبر الماضي، كتيبًا حكوميًا بعنوان واقعي ومجرد: "في حالة حدوث أزمة أو حرب" إلى خمسة ملايين أسرة، لم يكن أحد يتوقّع أن تتحول هذه الوثيقة الصغيرة إلى نقطة تحوّل في العقل الجمعي الأوروبي. لم يكن منشورًا عابرًا، بل أشعل جدلاً واسعًا وحرّك شعورًا دفينًا كان قد خمد منذ نهاية الحرب الباردة.
اليوم، يتعامل الأوروبيون بجدّية غير مسبوقة مع سيناريوهات لم تكن قبل وقت قريب تُؤخذ على محمل الجد. التحوّل لم يعد محصورًا في دول الشمال، بل اتسع ليشمل جنوب القارة وغربها ووسطها. ومع تزايد الحديث عن انقطاعات كهربائية محتملة، توترات حدودية، وهجمات إلكترونية واسعة النطاق، أصبحت عبارة "هل يمكنك النجاة لـ72 ساعة دون طعام أو ماء أو كهرباء؟" سؤالًا عامًا يطرحه الناس على أنفسهم، لا مجرد فرضية مطروحة في الكتيبات.
الكتيب المؤلف من 32 صفحة لم يُوجَّه لفئة عمرية محددة، بل وصل إلى قرابة خمسة ملايين أسرة في أنحاء البلاد. وبدلًا من التمنيات الدافئة، وجّهت السلطات نداءً واضحًا للمواطنين بطرح سؤال مقلق: هل يمكنك البقاء على قيد الحياة لمدة 72 ساعة دون طعام أو ماء أو كهرباء؟
تعليمات للنجاة لا للذعر
رغم النبرة الصادمة، لم يكن هدف الحكومة السويدية بثّ الخوف بقدر ما كان تعزيز ثقافة الاستعداد. فالمخاطر لم تعد نظرية أو بعيدة، بل باتت ممكنة ومتوقعة.
احتوى الكتيب على تعليمات واضحة، من كيفية وقف نزيف حاد عبر الضغط المباشر، إلى أماكن الحصول على معلومات موثوقة (مثل الإذاعة العامة بدلًا من وسائل التواصل)، وحتى إرشادات بشأن التعامل مع سيناريوهات نووية.
نسبة الإشعاع تنخفض بشكل كبير بعد يومين من الانفجار
البقاء كواجب مدني
وفق تقرير موسّع نشرته مجلة إيكونومست البريطانية، فإن فكرة الاستعداد الشخصي التي كانت تُعد في الماضي نمطًا غريبًا من الحياة قد أصبحت اليوم ضرورة عامة.
دول مثل السويد، فنلندا، ودول البلطيق تقود هذا النهج. لكن المزاج بدأ يتسلل جنوبًا، حيث تعد فرنسا كتيبها الخاص للطوارئ، وأعلنت المفوضية الأوروبية في 26 آذار/مارس عن "استراتيجية التأهب".
ما الذي يجب تخزينه؟
ينصح الكتيب السويدي بتخزين 100 لتر من الماء لأربعة أشخاص لأسبوع. كما يُفضّل تخزين المعلبات بدل الأطعمة التي تتطلب طهيًا أو تبريدًا.
وقت الحرب ليس مثاليًا لتجربة السوفليه الفاخر
إلى جانب الطعام والماء، تشمل القائمة: نقود سائلة، شواحن متنقلة، راديو، مصابيح، أقراص يود، أدوات إسعافات، دلاء ماء، ونسخ ورقية من الوثائق.
مبدأ “كل المخاطر”
في فنلندا، يُعرف هذا التوجّه باسم "الأمن الشامل"، ويشمل جميع أنواع الأزمات. يقول بيتري كورفالا:
الإجراءات المطلوبة تبقى نفسها سواء كنا نواجه حربًا أو زلزالًا أو انهيارًا في شبكة الكهرباء
أدوار مدنية تتوسع
الحماية ليست حكرًا على الدولة، بل مسؤولية مجتمعية. المواطنون الذين يستعدون مسبقًا، يكونون أقل عرضة للانهيار أثناء الأزمات.
استعادة ذاكرة ما بعد الحرب الباردة
الكتيب السويدي هو نسخة محدّثة من إصدار 1943، أعيد إطلاقه عام 2018. اليوم، تبني ألمانيا ملاجئ جديدة، وتناقش دول أوروبية خيار التجنيد الإجباري. أما بولندا فأعلنت تدريبًا عسكريًا إلزاميًا لكل الرجال في 7 آذار/مارس.
وعي جديد.. ومسؤولية فردية
هناك إدراك متزايد بأن الدولة قد لا تحمي الجميع لحظة الكارثة، وأن على الفرد أن يدبّر نفسه. مراسل إيكونومست الملقب "شارلمان" خاض التجربة بنفسه، وخزّن المياه، النبيذ، والمعلبات تحت الدرج.
لا يمكنك الاستعداد إلا مسبقًا