كنت أكره الأطباء.. فقدت أمى بسبب أحدهم، وكدت أن أفقد حياتى بسبب آخر، لكنهم هم أنفسهم هم من منحونى الشفاء بفضل الله أكثر من مرة.. لكننى أحلم لابنى؛ ماذا لو صار طبيباً، أستيقظ لأجده وقد وضعوا السماعات الطبية فى أذنيه وألبسوه البالطو الأبيض، يا لها من سعادة مشروطة بأن أوصيه قولاً واحداً: ترفق.. فما تعتبره مهنة تمارسها باعتياد، يعتبره الآخرون حياة تمنحها لهم، تذكر أنك إنسان، وقبل أن تحصل على حقك من مريض، أعط واجبك كاملاً لله ثم للمهنة ثم لنفسك.
كنت أكره المهندسين.. نعم، لا أرى أى منطق أن يختال أحدهم عليك لمجرد أن عقليته أهّلته لحمل مسطرة حرف t والالتحاق بكلية علمية تفرض على خريجيها حساباً لكل كلمة وحرف وإجراء، وتفرض علينا، نحن الدرجة الثانية، أن ننعتهم بلقب يعظم تلك الألقاب التى قامت عليها ثورات، يقال لأحدهم يا «باشمهندس» لمجرد أنه حمل المسطرة الموعودة، خالى شقيق أمى أحدهم.. حتى قابلت من قال إن «المهندس» خُلق أولاً ومن بعده سائر البشر، ورغم أنها دعابة، لكن استقام عليها دليل من شخص قائلها ومهاراته.
كنت أكره المحاسبين.. صنف من البشر يجيدون حديث الأرقام، الحروف لديهم أرقام، وكل العلاقات حسابات، كان والدى منهم، مديراً مالياً فى شركته وبيته وحتى جلسته بين أصدقائه أو حتى على المقهى، يزهو بفخر أنه الوحيد الذى يشرح الموازنة العامة للدولة، يدلو بدلوه فى كل السياسات النقدية المتبعة، ولولا رحيله لقدم شرحاً وافياً لكيفية مواجهة التحدى الاقتصادى الراهن، ولولا أنه والدى وحب عمرى لاستمر كرهى للمحاسبين وبغضى لحياتهم التى تترجمها قواعدهم الصماء 1+1=2.
كنت أكره المعلمين.. على كل فئاتهم، جامعى وقبل الجامعى، وهى كراهية لا تحتاج لشرح أو تبرير، تبدو مشاعر طبيعية لدى الجميع، ودون إبداء أسباب، قبل أن أصير أماً وأجلس إلى أبنائى أحاول مساعدتهم فى الاستذكار، حينها فقط، أحببت كل مدرسى العالم، أشفقت عليهم، شعرت بمأساتهم، وأصبحت لدىّ مشاعر للمواساة فى مصابهم العظيم؛ وهو تعليم أبنائنا.
كنت أكره الضباط.. حين أرى أحدهم يمسك بتلابيب مواطن ويجره إلى عربة مصفحة، من أين له بهذه السلطة؟ ومَن ولّاه عليه؟ فى لحظة واحدة يسلب أحدهم كرامة آخر.. كنت هذا، حتى أشهر أحدهم مطواة فى وجهى وهو يحصل على نقودى عنوة فى أوتوبيس نقل عام، حينها شعرت برغبة عارمة فى تقمص دور الضابط، لو طلت وجه سارقى لانهلت عليه بالصفعات، لكننى طلته بالقانون، وصار بسبب بلاغى مسجل خطر سرقات رسمياً، لم ترعبنى نظراته، ولم توقفنى توسلات زوجته لى بالعفو عنه.
كنت أكره الممثلين.. أسأل نفسى: ما الذى يقدمونه؟ الذى ترونه إبداعاً لديهم، أراه اعتياداً، ما الذى يجعلنى أصدق تمثيلاً وأتماهى معه، الواقع أكثر جمالاً بالنسبة لى، ثم إن التمثيل لن يكون له سعر أكثر من الحقيقة والواقع.. حتى صرت أكتب للممثلين، وأرى فيما يقدمونه قوة حقيقية، حتى لو كانت ناعمة كالحرير، لكنها تميز صانعها وكاتبها ومقدمها.
كل فئة كرهتها فى سياق، فرض علىّ سياق آخر حبها، إلا هم، كرهتهم فى سياق لم يتغير بعد، ما زالوا مصاصى الدماء فى كل الروايات، تعيش غزة مأساة مرعبة تحت وطأة الاحتلال، ونعيش مأساة مماثلة تحت وطأة التجار، فى فلسطين الضرب يأتيهم من الإسرائيليين، وفى مصر يأتينا الضرب «مننا فينا»، يقفون فى وجه الدولة، فى وجه الناس، يغامرون بكل شىء من أجل مصالحهم الضيقة، يحاربون القانون ويتحايلون عليه، جنسيتهم هى أرقام حساباتهم البنكية، وعَلمهم المرفرف هو علم المصلحة ليس أكثر، وديانتهم «القرش»، لا يؤمنون بدور، ولا يقفون عند ظروف، ولا يعولون على عالم يئن بسبب أزمة اقتصادية طاحنة على الجميع، عنوانهم المقروء بوضوح: «أنا ومن بعدى الطوفان».
ليس افتراءً عليهم، ولا سيراً وراء نغمة العوز، أو طعناً فى وطنية، أو سيراً على خطى اتهامات صارت «أكلاشيه مكرر» من عصر إلى آخر، لكنها حقيقة دامغة، تقف عليها الأدلة بوضوح، ويترجمها الواقع لمشاهد تضع فئة التجار موضع المتهم فى كل مرة، إما بالتحايل على القانون، أو بالتحايل على المواطن وتصدير الشائعات، أو التحايل على الدولة، يد تقدم التبرعات وتدفع بسخاء، ويد تعوض كل مليم بملايين من قوت المصريين.
هؤلاء اندس معظمهم وسط فئة التجار، مهما تغيرت الأحوال، ستبقى القلوب على كراهيتهم، وسيظلون فى المرتبة نفسها؛ درك أسفل فى كل شىء، إلا أن يغير السياق حالهم.. ولن يتغير.
شيماء البرديني – الوطن نيوز
كانت هذه تفاصيل خبر قبل أن تُحاسَبوا لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.