اخبار العالم

بنسلفانيا «حجز الزاوية».. كبار السن يحسمون معركة «موطن الشوكولاتة»

ابوظبي - سيف اليزيد - أكرم ألفي (القاهرة)
بنسلفانيا «حجز الزاوية» في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2024، فمع إعلان نتائج انتخابات موطن الشوكولاتة والحرية سيعرف العالم من هو رئيس الولايات المتحدة.. وعلى غير العادة، فإن القرار سيكون في يد كبار السن الذي أصبحوا يمثلون 20% من إجمالي السكان، وأكثر من 27% من إجمالي الناخبين في إحدى ولاية «الجدار الأزرق» الحاسمة.
إن بنسلفانيا (التي تقع في الجانب الشرقي) انضمت للاتحاد رسمياً في 1787 وشاركت في جميع الانتخابات الرئاسية الـ59 السابقة منذ 1789، وكانت الولاية حاسمة في أغلب هذه الانتخابات، بل كانت «ساحة معركة» رئيسة، فهي «جائزة كبرى» من يحصل على أصواتها في المجمع الانتخابي يصبح على بعد «خطوة واحدة» من البيت الأبيض.
وبحسب خبراء في الانتخابات الأميركية، فإن فوز هاريس بأصوات بنسلفانيا الـ19 يعني ارتفاع احتمال فوزها في انتخابات 2024 إلى 91%، فيما لو فاز بها ترامب فإن احتمالاته للفوز ترتفع إلى 96%.
تاريخياً، فاز مرشح الحزب الجمهوري بأصوات بنسلفانيا (التي شهدت كتابة الدستور الأميركي) في 26 انتخابات مقابل 20 للحزب الديمقراطي، فيما انحازت للمرشح غير الحزبي التاريخي جورج واشنطن مرتين، وفي باقي الانتخابات ايدت مرشحين حزب ثالث. وصوتت الولاية لصالح الفائز بالانتخابات في 48 مرة من إجمالي 59 عملية انتخابية. فهي الولاية التي اختارت قاطن البيت الأبيض 8 مرات في آخر 10 انتخابات.

ترامب العودة عبر «بوابة» بنسلفانيا

كانت بنسلفانيا «ورقة رابحة» لترامب في انتخابات 2016، حيث فاز بأصوات الولاية في اختراق استثنائي للمرشح الجمهوري منذ 1992، فموطن الشوكولاتة انحازت للمرشح الديمقراطي منذ انتخاب بيل كلينتون، بعد أن انحياز استمر 12 عاماً للجمهوريين. فقبل 2016، كانت بنسلفانيا شبه محسومة للديمقراطيين ولكن ترامب نجح في تجاوز الحواجز. وفي 2020، سحبت بنسلفانيا البساط من تحت أقدام ترامب لتنحاز إلى أبنها بادين وتمنحه الرئاسة.
وعلى الرغم من أن هاريس تتقدم على ترامب في استطلاعات الرأي في بنسلفانيا بفارق لا يزيد على 1% من الأصوات، إلا أن المرشح الجمهوري العنيد يراهن على مفاجأت اللحظات الأخيرة، ويسعى لاستغلال حادثة محاولة اغتياله في الولاية لزيادة شعبيته، بل استدعى صديقه إيلون ماسك لحضور التجمع الانتخابي الأخير في بنسلفانيا ليحشد الناخبين. وركز ترامب في خطابه للناخبين في بنسلفانيا على قضية الاقتصاد والتضخم والهجرة غير الشرعية.
ويراهن ترامب في انتخابات بنسلفانيا على وجود أغلبية من البيض في الولاية (78% من السكان) وانحياز الرجال البيض بالأساس للمرشح الجمهوري، إلى جانب استبدال كاميلا هاريس ببايدن الذي كان يرفع حظوظ الديمقراطيين في الولاية مسقط رأسه.
صعود أسهم ترامب في بنسلفانيا ومزاحمته لهاريس دفع بالرئيس الأميركي السابق باراك أوباما للمشاركة في حشد انتخابي بالولاية لدعم المرشحة الديمقراطية.
إن محاولة ترامب لتضيق الخناق على هاريس في بنسلفانيا يعتمد على فكرة أن أصوات الولاية ال20 (أصبحت 19 في الانتخابات الحالية) كانت حاسمة لتجاوز بايدن عتبة 270 صوتاً. فترامب يدرك أن الفوز بأصوات ولاية الشيكولاتة حتمياً للعودة إلى البيت الأبيض. فقد كانت هذه الولاية هي المفاجئة الكبرى في انتخابات 2016، عندما انتصر ترامب بفارق 2348 صوتاً فقط. ورهان ترامب في 2024 هو الفوز بأغلبية أكبر من أصوات الطبقة العاملة في الولاية التي تدهورت أوضاعها بسبب السياسات الديمقراطية التي تناهض الصناعات التقليدية وتدهو قطاع الطاقة نتيجة القيود على استخراج النفط والغاز الصخري.

الخريطة الانتخابية لولاية الشوكولاتة

تشبة الخريطة الانتخابية لبنسلفانيا الخريطة الانتخابية للولايات المتحدة، فالولاية تضم مساحة واسعة من المناطق الريفية التي تتحول للون الأحمر الجمهوري يوم التصويت في الانتخابات الرئاسية يخترق هذه المساحات «الحمراء» خطوطاً من «اللون الأزرق الديمقراطي في الشرق والغرب تشير إلى مراكز الكثافة السكانية الحضرية.
ففي ولاية الشوكولاتة (اشتهرت بهذا الأسم بسبب وجود بها أكبر مصنع للشوكولاتة في أميركا)، تنحاز المدن الكبرى مثل فيلادلفيا (1.5 مليون نسمة)، بويتسبرغ (300 ألف) للمرشح الديمقراطي، التي تضم خريجي الجامعات من البيض والأقلية من الأصول الأفريقية الذين يمثلون أكثر من 11% من سكان الولاية..وتمثل إيري (100 ألف نسمة) حالة انتخابية خاصة، حيث يعد الفائز بها هو الفائز باصوات الولاية في الأغلب فهي المدينة المرجحة داخل الولاية المتأرجحة.
إن ولاية بنسلفانيا -التي تضم أغلبية من البيض – تعكس خريطتها الحزبية التحولات السياسية والديموجرافية في الولايات المتحدة، خلال العقود الأربعة الماضية، حيث أصبح أصحاب الياقات الزرقاء من الطبقة العاملة وأغلبهم من البيض إلى جانب كبار السن من الذكور يصطفون إلى جانب الحزب الجمهوري، فيما انتقل سكان المدن من الطبقة الوسطى والأكثر تعليماً إلى الحزب الديمقراطي الذي تحول من حزب الطبقة العاملة إلى حزب الطبقة الوسطى المتعلمة.
إن هذا التحوّل ترافق مع تحول ديموجرافي على مدار أكثر من 100 عام، فبسبب تراجع دور الصناعة في الاقتصاد الاميركي تدريجياً، أصبحت بنسلفانيا طاردة للسكان فبعد أن كانت ضمن أكبر 5 ولايات من حيث السكان قبل 7 عقود، وكان نصيبها في المجمع الانتخابي 38 صوتاً، وتقلص إلى 19 فقط في انتخابات 2024.
هذا التراجع السكاني بسبب الهجرة إلى الولايات المجاورة، وعدم استقبال قادمين جدد نتيجة تقلص فرص العمل في المصانع والطاقة قاد إلى تغير الخريطة الاجتماعية للولاية، حيث لم يرتفع فيها نسبة الأصول الأفريقية واللاتنيين (الهسبانيك) كما في الولايات الأخرى، بل ظل الرجل الأبيض مهيمناً بأكثر من ثلثي السكان.
فقد فقدت ولاية تايلور سويفت حيويتها السكانية، فالشباب المتعلم اصبحوا أقلية لا تزيد عن 20% وهو ما انعكس على انحصار نسبي لأصوات الديمقراطيين وتقلص الفارق بشدة خلال الانتخابات الرئاسية، فبعد أن كان المرشح الديمقراطي يحسم الولاية بنسبة تزيد عن 5% منذ 1992 صار الفارق لا يزيد على 1 أو 2%. بل إن أوباما فاز باصوات الولاية في 2008 بفارق بلغ 10%.
ففي بنسلفانيا تسير التركيبة السكانية عكس أغلب الولايات الأميركية لصالح الراجل الأبيض غير المتعلم وهو ما يصب في صالح المرشح الجمهوري، ويزيد من قدرته على المنافسة في معقل رئيس سابق للأفكار الديمقراطية. فقد انتقلت الولاية تقليدية منذ الكساد الكبير من الحزب الجمهوري للحزب الديمقراطي بحسب الضمانات الخاصة بالحرية والتنافسية ولكن اليوم أصبحت قضايا اخرى تتصدر المشهد ومنها الضمانات الاجتماعية لكبار السن وقدرة الشركات الكبرى في الولاية على البقاء في هذه الولاية التي تضم 5 مراكز صناعية كبرى، وتعد مركزاً لصناعات الحديد والصلب والأغذية والخدمات اللوجستية.
إن هذه التحولات لا تعنى أن بنسلفانيا تذهب إلى الفقر، بل هي ولاية غنية ناتجها الإجمالي يبلغ تريليون دولار وهي سادس أكبر ولاية اقتصادياً في الولايات المتحدة وضمن أكبر 20 اقتصاد في العالم ودخل الفرد السنوي المتوسط يصل إلى نحو 70 ألف دولار سنوياً.

كبار السن يقررون..

إن التحولات الديموجرافية في بنسلفانيا تعيد تشكيل المشهد السياسي، حيث ارتفعت نسبة كبار السن من 15% عام 2010 إلى ما يقارب من 20% من السكان، فيما تقلصت نسبة الشباب من 30% إلى 25% تقريباً. هذا التغير صب في صالح المرشح الجمهوري، حيث تقليدياً يميل كبار السن وخاصة من البيض إلى التصويت للجمهوريين.
من بين 12.9 مليون نسمة هم إجمالي سكان بنسلفانيا أصبح هناك ما يقرب من 2.5 مليون في سن 65 عاماً فما فوق، هؤلاء لا يبحثون عن مستقبل وظيفي، بل يخشون «الغرباء» من المهاجرين الجدد، فه يريدون الحفاظ على نمط الحياة كما كانت في السابق، وبالتالي ينحازون عاطفياً بشكل كبير إلى خطاب ترامب المعادي للهجرة غير الشرعية.
كبار السن من البيض يفضلون تقليديا المرشح الجمهوري وينحازون لترامب في كافة أنحاء الولايات وهو رهان ترامب للفوز بمعركة 2024 في بنسلفانيا، فهو يسعى لزيادة الحشد وسط هذه الفئة التي انحازت له بنسبة أكبر في انتخابات 2016 و2020. وزيادة نسبتها خلال السنوات الأربع الماضية هو الخبر الجيد لترامب، حيث ارتفع ثقلها الانتخابي من 24% إلى 27% تقريباً، وبالتالي حسابياً، لو سارت الأمور كما في انتخابات 2020 فسيصبح هو ملك بنسلفانيا ويحصل على «التاج».
إن معضلة ترامب مع كبار السن في بنسلفانيا هي أنهم على نقيض الولايات الجنوبية ولاية ليبرالية، فالخطاب الليبرالي والرافض للأفكار المحافظة الاجتماعية متجذر في مدن بنسلفانيا منذ ستينيات القرن الماضي، وبالتالي فإن جيل من هم أكبر من65 عاماً قد يرى صعوبة في قبول كافة أفكار ترامب بشأن حقوق المرأة وحق الحياة وبالتالي فقد يقرر الانحياز لكاميلا هاريس بصفتها حاملة أكثر قوة لراية «الليبرالية الاجتماعية» لكونها سيدة ولدفاعها عن القيم الليبرالية التقليدية.
وفي نفس الوقت، فإن نسبة ليست قليلة من كبار السن هم من الأصول الأفريقية، والذين سينتخبون كالعادة المرشح الديمقراطي.. فبنسلفانيا تعد من الولايات التقليدية للسود الذين يقطنون الولايات منذ عقود طويلة وبالتالي فإن نسبتهم من كبار السن تزيد عن 10% من إجمالي هذه الفئة العمرية.
وضمن الرياح المعاكسة لترامب أن الآلاف من الأميركيين من أصول لاتنية «الهسبانيك» انتقلوا خلال السنوات الأربع الماضية من نيويورك إلى بنسلفانيا بحثاً عن سكن أرخص وفرص عمل للأقل مهارة مما عزز وجود هذه المجموعة الأثنية التي تنحاز لهاريس في الانتخابات.
في النهاية، فإن أصوات الكبار ستضع نهاية للمنافسة والصراع في بنسلفانيا وبينما ستتحول أغلب مناطق بنسلفانيا للون الأحمر الجمهوري فإن اللون الأزرق في المدن سيكون كثيفاً، وكالعادة سينتظر المحللون نتيجة مقاطعة «إيري» الحاسمة، والتي سيضع كبار السن بها اللمسة «الذهبية» على انتخابات 2024.

 

Advertisements

قد تقرأ أيضا