يخشى الكثيرون من العودة المحتملة لدونالد ترامب إلى البيت الأبيض ويعتبرون أنها ستسبب فوضى في النظام العالمي. لذلك تسعى العديد من الدول الكبرى إلى إقامة تحالفات جديدة أو إلى تقوية تحالفاتها القائمة بالفعل خوفاً من انحسار الدور الأمريكي على الساحة العالمية. وفيما يخص الحرب على أوكرانيا، فقد بدأت عملية نقل تدريجي لمهام الإمداد بالسلاح والتدريب العسكري والمعونات الأخرى من الولايات المتحدة إلى الشركاء في الناتو والاتحاد الأوروبي لكي يستمر الدعم الموجه لأوكرانيا في حربها ضد روسيا.
حتمية استمرار توجيه الدعم لأوكرانيا
في أوائل يوليو/ تموز 2024 انعقدت القمة الثالثة والثلاثون لحلف شمال الأطلسي في العاصمة الأمريكية واشنطن، على خلفية المخاوف من العودة المحتملة لدونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأميركية وتأثير ذلك على الأمن العالمي. ولمعالجة هذه المخاوف والقلق بشأن تخلي الولايات المتحدة عن دورها القيادي العالمي، كان كل من الحلفاء الأميركيين وإدارة الرئيس جو بايدن في حالة نشاط دبلوماسي ملحوظ على مدى الأشهر القليلة الماضية.
على سبيل المثال، اقترحت إدارة بايدن ”ميثاق أوكرانيا“ في قمة حلف شمال الأطلسي. وهو إطار لتقديم المساعدات الأمنية طويلة الأجل لأوكرانيا بما في ذلك التدريب والمساعدة في مجال الأسلحة والإمدادات العسكرية. وقد وقعت أكثر من 20 دولة، من بينها اليابان ودول الاتحاد الأوروبي، على هذا الميثاق الذي يعد هدفه غير المعلن هو ضمان استمرار الدعم الموجه لأوكرانيا حتى لو عاد ترامب إلى السلطة.
من المعروف أن الرئيس السابق ترامب كان دائم التردد في تأييده لأوكرانيا. وعلاوة على ذلك، فإن المرشح الذي اختاره ترامب لمنصب نائب الرئيس، السيناتور جيه دي فانس، صرح علناً بأن ”أوكرانيا سوف تضطر إلى التنازل عن بعض أراضيها للروس“ لإنهاء الحرب. لذلك، إذا تم تنصيب ترامب في أوائل عام 2025، يخشى الكثيرون أن ينتهي الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وأن تضطر كييف إلى قبول شروط مجحفة لوقف إطلاق النار من شأنها المساس بسيادتها وأمنها. ولهذا السبب، وافق الموقعون على الميثاق على مواصلة تقديم الدعم لأوكرانيا حتى ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين لتعزيز قدراتها على ”الدفاع عن حريتها واستقلالها وسيادتها وسلامة أراضيها اليوم وردع أي أعمال عدائية ضدها في المستقبل“. وسوف يلعب الاتحاد الأوروبي دوراً مهماً في تسهيل تنفيذ الميثاق وسوف يستخدم الموقعون عليه الآليات القائمة، مثل مجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية و”تحالفات القدرات“، لتحقيق هذه الغاية.
وقد اتفق وزراء دفاع الدول الموقعة على الميثاق على الاجتماع قبل نهاية العام، وقبل تنصيب رئيس أميركي جديد، للاتفاق على خارطة طريق تهدف إلى تعزيز وتطوير القوة العسكرية لأوكرانيا.
لذلك، حتى إذا انتهت المعارك الحالية، فسوف تظل أوكرانيا تتلقى الدعم لمواصلة تحسين قدراتها العسكرية تحسباً لغزو روسي مستقبلي. وينص الميثاق أيضا على الالتزام بإدخال أوكرانيا في ”المجتمع الأوروبي الأطلسي“ الأوسع نطاقاً، ويعني ذلك تمهيد الطريق نحو جعلها عضواً في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
بالإضافة إلى ذلك، وافق الحاضرون في قمة حلف شمال الأطلسي أيضا على إنشاء مركز المساعدة الأمنية والتدريب لأوكرانيا التابع لحلف شمال الأطلسي في فيسبادن بألمانيا. وهو مركز قيادة جديد يديره حلف شمال الأطلسي ويضم 700 فرد سوف تكون مهمتهم هي التخطيط والتنسيق والترتيب لتسليم المساعدات الأمنية التي تحتاج إليها أوكرانيا من أجل الانتصار في معركتها اليوم وفي المستقبل إذا اقتضى الأمر. كما تم تعيين ممثل كبير جديد لحلف شمال الأطلسي (باتريك تيرنر من بريطانيا)، ومن المقرر أن يصل إلى كييف خلال شهر سبتمبر/ أيلول للتواصل مع المسؤولين الأوكرانيين وتعميق العلاقة المؤسسية بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي.
حتى الآن، كانت الولايات المتحدة مسؤولة بشكل أساسي عن المهام العملية المتمثلة في التدريب وتوزيع المعدات على القوات الأوكرانية. ولذا فإن النتائج التي أسفرت عنها قمة الناتو والمذكورة أعلاه تشير إلى انتقال هذه المهام تدريجياً إلى الناتو والاتحاد الأوروبي لإضفاء الطابع المؤسسي على التعاون دون الاعتماد على القيادة الأمريكية وحدها.
جدير بالذكر أن الدول الأوروبية ليست الوحيدة التي تسعى إلى تعميق التعاون فيما بينها لدعم أوكرانيا. فقد عقدت كل من اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، ”شركاء الناتو في المحيطين الهندي والهادئ“ أو IP4، اجتماع قمة مؤخرًا مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. واتفقت الدول الخمس على مواصلة التعاون على أساس اعترافها بأن ”أوكرانيا قضية لا تخص أوروبا فحسب، بل إنها تخص المجتمع الدولي بأكمله، بما في ذلك منطقة المحيطين الهندي والهادئ“. كما التقى زعماء IP4 بالرئيس بايدن خلال القمة، واتفقوا على تعزيز التعاون الأمني بشكل أكبر، واعتمدوا بيانًا مشتركًا يندد بالعلاقات العسكرية المتعمقة بين روسيا وكوريا الشمالية، واصفين هذا الوضع بأنه ”يقوّض السلام والاستقرار في كل من منطقتي المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا“.
الوضع الأمني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ
تواصل العديد من البلدان في مختلف أنحاء منطقة المحيطين الهندي والهادئ تعميق التعاون الاستراتيجي فيما بينها مع وضع الصين في الاعتبار. ففي 28 يوليو/ تموز، عقد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ووزير الدفاع وليام أوستن اجتماع اللجنة الاستشارية الأمنية الأميركية اليابانية (2 زائد 2) لوزراء الخارجية والدفاع في طوكيو. وأعقب ذلك اجتماع لوزراء خارجية الدول الأعضاء في الحوار الأمني الرباعي Quad (الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند) في 29 يوليو/ تموز. وقد أصدرت دول الرباعية بيانا مشتركا ينتقد ”المناورات القسرية والترهيبية التي تقوم بها الصين في بحر الصين الجنوبي“.
ثم اتجه المسؤولان الأميركيان الكبيران إلى مانيلا في 30 يوليو/ تموز لحضور اجتماع آخر على مستوى الوزراء في إطار مجموعة 2 زائد 2 مع الحكومة الفلبينية، حيث تعهد الجانب الأميركي بتقديم 500 مليون دولار لتعزيز القدرة العسكرية للقوات المسلحة الفلبينية.
وقد جاء هذا في توقيت هام كانت التوترات فيه تتصاعد بين الصين والفلبين بشأن جزيرة ”سكند توماس شول“ الواقعة في بحر الصين الجنوبي. كانت هذه التوترات قد أدت بالفعل إلى انعقاد أول قمة ثلاثية بين زعماء اليابان والولايات المتحدة والفلبين، والتي عُقدت في واشنطن العاصمة في أبريل/ نيسان من العام الجاري. وفي مايو/ أيار، التقى وزراء دفاع أستراليا والولايات المتحدة واليابان والفلبين في هاواي لانتقاد تصرفات الصين حول جزيرة ”سكند توماس شول“ ومناقشة كيفية الرد.
لكن الأهمية الجيوسياسية للتوترات الحالية حول جزيرة ”سكند توماس شول“ تتجاوز قضية الأمن القومي للفلبين، إذ أن المسافة التي تفصل بين شمال الفلبين والجزيرة الرئيسية لتايوان لا تتجاوز 100 كيلومتر تقريبا، وتمثل المنطقة الواقعة بينهما نقطة استراتيجية مهمة. وبالتالي، فإن أي صراع صيني فلبيني يرتبط ارتباطا وثيقا بأمن تايوان والأمن الإقليمي. ومن شأن هذا التعاون الأمني المتعدد الأطراف في منطقة المحيطين الهندي والهادئ أن يعزز فعالية التدابير المضادة لكبح السلوك العدواني الصيني.
ازدهار التعاون بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان في عهد بايدن
لا ينبغي تجاهل التقدم الذي أحرزته الشراكة الاستراتيجية الثلاثية بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية في ظل إدارة بايدن. ففي أغسطس/ آب 2023، دعا الرئيس بايدن زعماء اليابان وكوريا الجنوبية إلى كامب ديفيد في الولايات المتحدة لحضور أول اجتماع قمة ثلاثي يتم عقده بين الدول الثلاث.
وقد أحدث هذا قفزة كبيرة إلى الأمام في التعاون الأمني الثلاثي. فحتى ذلك الحين، كان التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية موجهاً في المقام الأول للتعامل مع كوريا الشمالية، إلا أن هذا بدأ يتغير مع قيام الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية بتوسيع نطاق تعاونهم الأمني ليشمل منطقة المحيطين الهندي والهادئ بالكامل إلى جانب مراقبة الصين عن كثب.
في وقت لاحق، في 28 يوليو/ تموز، وهو نفس اليوم الذي عقدت فيه الولايات المتحدة واليابان اجتماع 2 زائد 2 في طوكيو، تم عقد اجتماع على مستوى وزراء دفاع الدول الثلاث، وزير الدفاع الياباني كيهارا مينورو والأمريكي أوستن ووزير الدفاع الكوري الجنوبي شين وون سيك، في اليابان لأول مرة. كان الهدف الرئيسي لهذا الاجتماع هو ضمان عدم ضياع جهود التعاون التي بُذلت في كامب ديفيد في حال تولي ترامب السلطة مرة أخرى. ولذلك وقّع الوزراء الثلاثة مذكرة تفاهم تهدف إلى تنظيم التدريبات والاجتماعات الوزارية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، وأصدروا بيانًا مشتركًا يؤكد على التزام الدول الثلاث بمواصلة إضفاء الطابع المؤسسي على التعاون الأمني الثلاثي.
حتى لا تفقد قوات الدفاع الذاتي هويتها
على الرغم من النشاط الأمني الثنائي والمتعدد الأطراف الملحوظ في جميع أنحاء المنطقة، تظل القضايا الحساسة قائمة فيما يتعلق بتعزيز التحالف بين الولايات المتحدة واليابان باعتباره محور التعاون الأمني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. واستكمالاً لمسار القمة التاريخية بين الولايات المتحدة واليابان في أبريل/ نيسان 2024 التي اتفق فيها الجانبان على تعزيز أطر القيادة والسيطرة، ركز اجتماع الولايات المتحدة واليابان 2 زائد 2 في يوليو/ تموز على تحسين ومراجعة أطر القيادة والسيطرة هذه. وكانت إحدى القضايا الرئيسية التي تمت مناقشتها هي أفضل السبل لإعادة تنظيم أطر القيادة والسيطرة من أجل تعزيز التكامل السلس للعمليات والتخطيط بين القوات الأمريكية في اليابان وقوات الدفاع الذاتي اليابانية في وقت السلم وأثناء الطوارئ الأمنية الإقليمية.
كما اتفق وزيرا الدفاع على تحديث أطر القيادة والسيطرة الأمريكية واليابانية، بما في ذلك إعادة تشكيل القوات الأمريكية في اليابان لتصبح ”مقرًا مشتركًا للقوة“. وسيكمّل هذا إنشاء قيادة العمليات المشتركة لقوات الدفاع الذاتي اليابانية في وقت لاحق من هذا العام والتي ستوحد القيادة العملياتية للأذرع الثلاثة لقوات الدفاع الذاتي اليابانية. إن هذا بدوره من شأنه أن يمهد الطريق أمام ترتيبات مشتركة للقيادة العملياتية بين القوات الأميركية وقوات الدفاع الذاتي اليابانية في المستقبل. وتهدف هذه التدابير إلى تعزيز التعاون الأمني بين الولايات المتحدة واليابان استعداداً لحالات الطوارئ مثل تلك التي قد تحدث حول تايوان. إلا أن أحزاب المعارضة في اليابان وغيرها تشعر بالقلق إزاء فكرة تعميق التعاون في مجال القيادة والسيطرة إذ يرون أنها ستؤدي إلى انعدام القدرة على التمييز بين القوات اليابانية والأميركية، مما سيؤدي بدوره إلى فقدان قوات الدفاع الذاتي اليابانية استقلالها وهويتها. ولنتأمل على سبيل المثال التحالف القائم بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، فالجيش الأميركي يحتفظ بحق السيطرة العملياتية الكاملة أثناء حالات الطوارئ العسكرية، ويتم وضع القوات الكورية الجنوبية تحت قيادته عندما يندلع الصراع.
لكن في جميع الأحوال، لا تستطيع طوكيو تفويض قيادة قوات الدفاع الذاتي اليابانية إلى دول أخرى بسبب القيود التي يفرضها الدستور على هذا الأمر. لذا ينبغي إدارة الأمور بدقة بغض النظر عمن يتولى السلطة في الولايات المتحدة. بالتالي فإن البراعة مطلوبة لمواصلة تعزيز التحالف مع ضمان احتفاظ القوات العسكرية اليابانية بتميزها.
(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: من اليسار، وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار، ووزيرة الخارجية الأسترالية بيني وونغ، ووزيرة الخارجية اليابانية كاميكاوا يوكو، ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بعد مؤتمر صحفي مشترك عقب اجتماع وزراء خارجية ”الحوار الأمني الرباعي“ في 29 يوليو/ تموز 2024، في وزارة الخارجية Iikura Kaikan في ميناتو، طوكيو.© جيجي برس)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | العالم يترقب عودة ترامب المحتملة: هل يشهد الدور الأمريكي انحسارًا على الساحة العالمية؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.