تشتهر شبه جزيرة شيمابارا بتاريخها المتعلق بالديانة المسيحية، حيث شهدت حادثة تمرد شيمابارا في عام 1637، والتي قادها مسيحيون مضطهدون ضد حكومة الشوغون في اليابان. بعد هذا التمرد، استخدمت الحكومة اليابانية فيما بعد شبه جزيرة شيمابارا كموقع لتطبيق أساليب تعذيب وقتل ضد المسيحيين المحليين.
تبني المسيحية ثم حظرها وقمعها
أحد الجوانب الصادمة في رواية إندو شوساكو بعنوان ”تشينموكو (الصمت)“ هو تصوير تعذيب المسيحيين في اليابان إبان القرن السابع عشر. يصف الكتاب 3 تقنيات تعذيب تاريخية هي: الصلب داخل المياه و ”أنازوري (تعني حرفيا ”التعليق داخل حفرة“)“ والتعذيب بالمياه المغلية.
لماذا بحق السماء تعرض هؤلاء القرويون – الذين لم يكونوا مجرمين – لمثل هذا التعذيب وأجبروا على الارتداد عن دينهم؟ ما الذي دفع المشرعين في ذلك الوقت إلى حظر المسيحية؟
وصل فرانسيس كسفاريوس إلى ساتسوما (حاليا محافظة كاغوشيما) في عام 1549، آملا في نشر المسيحية في اليابان. وفّر أمير الحرب القوي أودا نوبوناغا في البداية حماية للمسيحيين، وسمح ببناء الكنائس والمدارس الدينية في كيوتو وأزوتشي. لكن نوبوناغا كانت له دوافع خفية من ذلك، فقد كان يسعى إلى تحجيم النفوذ البوذي والحصول على أسلحة (بنادق وبارود)، بالإضافة إلى اكتساب معارف في مجال إنتاج الحرير الخام والفلك وأمور أخرى لم تكن متاحة إلا من خلال التجارة مع البرتغال وإسبانيا.
انتشرت المسيحية في جميع أنحاء اليابان، حتى وصلت أقصى شمالي اليابان في ماتسوماي (جنوبي هوكايدو حاليا)، وازدهرت في ناغاساكي. وقد تم تعميد الإقطاعي أومورا سوميتادا، ليصبح أول إقطاعي مسيحي، وفتح ميناء ناغاساكي أمام التجارة الخارجية. وتم تشييد أكثر من 10 كنائس ومستشفيات مسيحية، ما أكسب ناغاساكي لقب ”روما اليابان“.
انتقلت السلطة بعد وفاة نوبوناغا إلى تويوتومي هيدييوشي الذي كان متعاطفا في البداية مع المسيحية، حتى أنه سمح ببناء كنيسة بالقرب من معقله في قلعة أوساكا. لكن في عام 1596، وقعت حادثة كانت سببا في تغيير سياسته بشكل جذري.
فقد تعرضت السفينة الإسبانية سان فيليبي أثناء إبحارها من الفلبين إلى المكسيك، لأضرار جسيمة جراء سلسلة من الأعاصير، وانجرفت إلى الشاطئ في توسا (حاليا محافظة كوتشي). وأثناء استجواب طاقم السفينة، ذكروا أن إسبانيا قوة عالمية ترسل مبشرين لتحويل السكان المحليين إلى المسيحية قبل احتلال الدول. وهذا كان سبب انقلاب هيدييوشي ضد المسيحية وصلب وقتل 26 من القساوسة وأتباع المسيحية في ناغاساكي عام 1597.
نصب تذكاري مكرس لاستشهاد 26 قديسا في اليابان، في متنزه نيشيزاكا بوسط مدينة ناغاساكي (© أمانو هيساكي).
ومع تأسيس نظام شوغونية إيدو عام 1603، أصدر المؤسس توكوغاوا إياسو أوامر حظر تقضي بطرد المبشرين من اليابان. وفي عام 1637، قاد المسيحي أماكوسا شيرو ثورة للفلاحين (تمرد شيمابارا)، ما دفع الشوغون الثالث إيميتسو إلى تعزيز حظر المسيحية وإغلاق اليابان أمام الغرب إلى حد كبير. وتدور أحداث رواية إندو ”الصمت“ في هذه الفترة بالتحديد.
اضطهاد من قبل مسيحي سابق
لم يتعرض المبشرون وأتباع المسيحية في ذلك الوقت للتعذيب مباشرة. ففي البداية، أُمروا بأن يدوسوا على صور مطبوعة على الورق أو منحوتة على الخشب لمريم العذراء (فومي-إي)، وكان يتم تبرئة صفحة أولئك الذين يذعنون ويرتدون عن المسيحية ويتحولون إلى البوذية.
الدوس على فومي-إي في فترة إيدو (1603-1868) (بإذن من مكتبة البرلمان القومية).
وفي الفترة ما بين عامي 1627 و1632، أصبحت ينابيع المياه البركانية الساخنة ”أونزين جيغوكو (جحيم أونزين)“ موقعا شهد مقتل المسيحيين. وجاء التحريض على اضطهاد المسيحيين من قبل ماتسوكورا شيغيماسا رئيس إقطاعية شيمابارا، وأيده تاكيناكا شيغييوشي، الذي عُيين حاكما على ناغاساكي في عام 1629.
أكره المسيحيون على الردة على حافة المياه المغلية في أونزين جيغوكو. أما الذين رفضوا الارتداد عن دينهم، فكانوا يُجردون من ملابسهم وتربط أيديهم وأرجلهم ثم يرشون بمياه تغلي باستخدام مغرفة.
”الاستشهاد في أونزين جيغوكو“، رسم توضيحي من تاريخ اليابان للمدرس والمؤلف الهولندي أرنولدوس مونتانوس، نُشر عام 1669 (بإذن من مكتبة البرلمان القومية).
بعد تمرد شيمابارا، تم تعيين إينوي ماساشيغي رئيس إقطاعية تشيكوغو، مسؤولا عن قمع المسيحيين. وعلى خلاف سلفه تاكيناكا، نجح إينوي في إجبار الكثير من المسيحيين على الردة باستخدام طريقة أنازوري التي اختارها للتعذيب.
في طريقة أنازوري (تعني حرفيا ”التعليق داخل حفرة“)، تُربط الضحية وتعلق رأسا على عقب في حفرة للنفايات. ما يؤدي إلى تراكم دماء الضحايا في منطقة الرأس، محدثا ألما يتعاظم تدريجيا ويكون في نهاية المطاف ألما يفوق الوصف.
مبنى يحاكي مكتب حاكم ناغاساكي معروض في متحف ناغاساكي للتاريخ والثقافة. وكان المكان الذي أجبر فيه المسيحيون على الارتداد عن دينهم بعد التعذيب (© أمانو هيساكي).
كما مورست طريقة أخرى للتعذيب هي الصلب في المياه، حيث كان أتباع المسيحية يوثقون بأعمدة خشبية منصوبة على شاطئ البحر. وكانت المياه تصل إلى مستوى الذقن عند حدوث المد وارتفاع مياه البحر. وبعد عدة أيام، يموت السجناء في نهاية المطاف من الإرهاق الجسدي والنفسي.
وقد كتب إندو عن هذه الطريقة في كتابه ”قرية مسيحية“:
”ربما تبنّى إينوي طريقة التعذيب هذه لأن الأساليب السابقة كانت تحدث الكثير من الألم خلال فترة وجيزة، لذلك قد يستشهد المبشرون والمسيحيون بسرعة، ما قد يثير إعجاب المتفرجين بسبب السمة البطولية لموتهم. أما في طريقة أنازوري، فقد كانت معاناة الضحايا تستمر لفترة طويلة. وكان الضحايا يصبحون مشوشين ويتلوون مثل اليرقات، ولا يوجد شيء من الجمال البطولي لاستشهادهم. كان لدى إينوي القدرة على حساب هذا النوع من التأثير النفسي على أتباع المسيحية“.
ومن المفارقات أن إينوي نفسه قَبِل التعميد ليصبح مسيحيا في أحد الأوقات. ولذلك كان مدركا تماما لنفسية أتباع الديانة المسيحية، وبالتالي كان مستعدا جيدا لدفعهم إلى الردة عبر سوق حجج أيديولوجية وأساليب أخرى.
جولة في أونزين جيغوكو
توجهت إلى أونزين جيغوكو على متن حافلة محلية من محطة إيساهايا. كان المسيحيون الذين يلقى القبض عليهم في ناغاساكي ينقلون إلى هنا عبر خليج تاتشيبانا.
تمتلئ ينابيع المياه الساخنة والممرات الخشبية في المدينة الآن بالسياح غير المتعجلين، ولا يوجد أي شعور بالأحداث المروعة التي وقعت هناك.
لاحظت على طريق الحافلة موقفا اسمه ”ميميتوري (إزالة الأذن)“. أكدت بعض الأبحاث أن هناك قصة مروعة مرتبطة بهذا الاسم. عندما أُجبر الشهداء الستة والعشرون على السير من كيوتو إلى ناغاساكي، تم قطع آذانهم جميعا عند جسر إيتشيجومودوري في كيوتو. ويبدو أن هذه كانت وسيلة لوسمهم كمجرمين في حال حاولوا الهروب. ويقال إن القرويين المحليين قاموا فيما بعد بجمع الآذان ودفنها، ما أدى إلى تشييد ”ميميزوكا (تلة دفن للآذان المقطوعة)“.
استخدمت ينابيع أونزين للمياه الساخنة لأول مرة منذ أكثر من 1300 عام. ويشير اسم أونزين جيغوكو إلى شريط من الأرض مغطى بالتربة البيضاء يقع بين الينابيع الساخنة القديمة والجديدة. يتصاعد من الأرض في بعض النقاط بخار ساخن تصل درجة حرارته إلى 120 درجة مئوية. إنها تستحضر حقا صورا من الجحيم.
مررت في الطريق على أكثر من 30 ”جحيما“. في جزء من الطريق على تلة تطل على منطقة حرارية أرضية، يوجد نصب تذكاري وصليب تم نصبه لـ33 مسيحيا قتلوا هنا. وفي بعض الأحيان، يتوقف السياح الأجانب هنا ويصلون.
نصب تذكاري للمسيحيين شهداء التعذيب، على قمة التل في أونزين جيغوكو (© أمانو هيساكي).
عمل نابع من المحبة
حافظ ماتسوكورا شيغيماسا رئيس إقطاعية شيمابارا على نظام التعذيب الوحشي للمسيحيين والقرويين الذين لم يدفعوا ضرائب الأراضي. وانطلاقا من رغبة ترفض تحمل هذا الطغيان، قاد المسيحي أماكوسا شيرو البالغ من العمر 16 عاما مجموعة من القرويين المخلصين في انتفاضة. وتمترسوا في قلعة هارا المهجورة، حيث دافعوا عن أنفسهم ضد هجوم جيش الشوغون. كان تمرد شيمابارا أكبر ثورة على الإطلاق على الأراضي اليابانية.
في يناير/كانون الثاني من عام 2023، عرض تمثال خشبي كبير لمريم العذراء في منشأة مبنية على تلة تطل على أطلال القلعة. لقد كان عملا نابعا من المحبة استمر 40 عاما للنحات أوياماتسو إيجي البالغ من العمر 89 عاما. بعد زيارة أونزين جيغوكو، ركبت حافلات محلية إلى المكان الذي توجد فيه أطلال تلك القلعة.
يبلغ طول التمثال الخشبي لمريم العذراء 10 أمتار، وهو يصورها وعيونها مغلقة، وتبدو لطيفة ورحيمة، مثل صورة الإلهة كانّون.
ولكن ما الذي ألهم أوياماتسو لنحت هذا التمثال؟
نُحت التمثال من شجرة كافور يتراوح عمرها بين قرنين إلى ثلاثة قرون (© أمانو هيساكي).
صورة تظهر بحر أرياكي وأطلال قلعة هارا. تتفتح أزهار عباد الشمس في الحدائق (© أمانو هيساكي).
يعيش أوياماتسو في الواقع على بعد أكثر من 1000 كيلومتر إلى الشرق في فوجيساوا بمحافظة كاناغاوا. يوجد مشغله في مبنى كان يستخدم سابقا لتخزين المعدات الزراعية لدير قريب. وقد أخذ استراحة من عمله ليروي مقتطفات من جهوده التي تواصلت 40 عاما.
وُلد النحات عام 1934 لعائلة تعمل بالزراعة في جزيرة سادو في بحر اليابان. تدرب بعد تخرجه من المدرسة الثانوية على يد حرفي صب المعادن ساساكي شودو – المحدد ككنز قومي حي – والذي ينحدر أيضا من سادو. التحق فيما بعد بكلية موساشينو للفنون في طوكيو (جامعة موساشينو للفنون حاليا)، وتخصص في النحت. حصل على أرفع وسام قومي في الفنون الجميلة (جائزة رئيس الوزراء) في عام 2011 في نيتّين، أكبر معرض فني مشترك في اليابان.
وبينما كان لا يزال في الأربعينيات من عمره، قرر أوياماتسو أن يكرس حياته لإكمال عمل رئيسي واحد، وتبادر إلى ذهنه منظر لأطلال قلعة هارا.
دُمرت القلعة من قبل جيش الشوغون المكون من نحو 120 ألف جندي أثناء قمع تمرد شيمابارا وإبادة 37 ألف متمرد.
شعر أوياماتسو في أول زيارة قام بها إلى الموقع، بالألم عندما رأى عدم وجود أي مرفق أو نصب تذكاري يكرم القتلى. ووفقا للمعتقد الكاثوليكي، فإن المؤمنين الذين يموتون دون مقاومة هم وحدهم الذين يعتبرون شهداء.
ولكن بالنسبة لأوياماتسو، ”كان من بين الضحايا الكثير من النساء والأطفال وكبار السن، الذين لم يبدوا أي مقاومة. ومن غير المنطقي أنه لم يُشيد أي شيء لإراحة أرواحهم“. وبصفته كاثوليكيا متدينا، تملك أوياماتسو غضب حميد، وبدأ في نحت تمثال مريم العذراء على نفقته الخاصة. ووضع في تصوره نحت ”ماريا كانّون“ وهو تمثال لمريم العذراء متنكر في تمثال كانّون البوذية، كما كان يستخدم للعبادة من قبل المؤمنين المتخفين خلال سنوات حظر المسيحية.
وبعد فترة وجيزة، كشفت الحفريات الأثرية حول أطلال قلعة هارا عن كمية كبيرة من العظام البشرية. زار أوياماتسو الموقع وتمكن من الحصول على قطعة عظم من أحد المسؤولين. كان يأمل أن يضعها في علبة ثقاب في حضن العذراء ليظل فطنا للضحايا أثناء عمله.
يروي أنه في إحدى الليالي في فندقه في شيمابارا، اهتز سريره حتى الفجر وأصابته هلوسة. ”كان الأمر كما لو أن الأروح الكثيرة في أطلال القلعة كانت تدعوني لإنجاز مهمتي“. وتعهد بإكمال العمل، باقتناع جديد.
وترتب على ذلك التزام شاق إلى جانب دوره كأب يعتني بثلاثة أطفال. لكن معنوياته تجددت بالمباركة التي حظي بها من البابا.
ففي عام 1981، أهدى أوياماتسو – عبر مكاتب السفارة – تمثالا نحته لمريم العذراء يبلغ طوله 30 سم إلى البابا يوحنا بولس الثاني الذي زار ناغاساكي. وأرفق رسالة يعرب فيها عن رغبته في نحت تمثال لمريم العذراء ”لجميع شهداء اليابان المجهولين“. وفي وقت لاحق، أرسل البابا مباركاته مباشرة.
واجه أوياماتسو بعض المعارضة لنيته إدراج الاسم البوذي ”كانّون“ في عمله، لكنه كان مصرا على قراره.
”لقي نحو 4 آلاف من قوات الشوغون حتفهم في القتال في شيمابارا، وأردت أن أخلد ذكراهم أيضا. أعتقد أن محبة مريم العذراء تتجاوز العقيدة، الخير والشر، الحب والكراهية“.
ثم التقط أوياماتسو إزميله ومطرقته مرة أخرى، وعاد إلى عمله.
يصل عمر أوياماتسو في فبراير/شباط المقبل 90 عاما. ولا يزال منذ أن أكمل تحفته الفنية، ينتج أعمالا جديدة كل شهر أو شهرين (© أمانو هيساكي).
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: بخار يتصاعد من سيشيتشي جيغوكو بالقرب من الطريق القومي السريع رقم 57، وهو الطريق الرئيسي إلى ينابيع أونزين الساخنة. تقول الحكايات الشعبية إن الأبخرة بدأت تتصاعد في مكان تعذيب واستشهاد مسيحيي ناغاساكي المتخفين. © أمانو هيساكي)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | علاقة شبه جزيرة شيمابارا بقمع المسيحية في اليابان لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.