الرياص - اسماء السيد - "الخليج 365" من الرياض: دخلت المفاوضات الجارية في العاصمة السعودية الرياض بين الوفود الأميركية والروسية والأوكرانية مرحلة جديدة من التعقيد والتقدم المتوازي، مع بروز تطورات سياسية واقتصادية لافتة، أبرزها إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن قرب توقيع اتفاق لتقاسم عائدات الثروات المعدنية الأوكرانية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا.
وفي تصريحات أدلى بها ترامب خلال لقائه أعضاء حكومته في البيت الأبيض، أكد أن بلاده "تقترب من توقيع اتفاق قريبًا جدًا" مع أوكرانيا بخصوص المعادن الحيوية والاستراتيجية، مشيرًا إلى أن واشنطن تجري أيضًا مباحثات مع كييف حول إمكان امتلاك شركات أميركية لمحطات الطاقة الأوكرانية، وفق ما نقلته وكالة "رويترز".
ويمثل هذا التوجه تحولاً استراتيجيًا في العلاقة بين واشنطن وكييف، يُضاف إلى سلسلة من الاتصالات التي جرت مؤخرًا بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ورئيس روسيا فلاديمير بوتين، في إطار جهود متسارعة لإبرام اتفاق سياسي شامل ينهي الحرب الدامية التي دخلت عامها الرابع.
وكانت آخر زيارة لزيلينسكي إلى البيت الأبيض، أواخر الشهر الماضي، قد شهدت مشادة كلامية حادة بينه وبين ترامب ونائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، اتُهم خلالها زيلينسكي بالتصلب والمبالغة، ما اضطره إلى مغادرة الاجتماع قبل انتهائه. لكن الطرفين أعادا فتح قنوات التفاوض عبر اتصالات هاتفية، ومحادثات لاحقة في جدة والرياض، وصفت بأنها "بداية لإعادة بناء الثقة".
وفي الرياض، واصلت اللجان الفنية من الجانبين الأميركي والروسي مناقشة ملفات جوهرية، بينها حماية منشآت الطاقة والبنية التحتية الحيوية، ومصير الأطفال الأوكرانيين الذين نُقلوا إلى روسيا، إلى جانب ترتيبات وقف جزئي لإطلاق النار.
وناقشت الاجتماعات بالرياض إحياء اتفاقية البحر الأسود لعام 2022، التي كانت تتيح تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية دون تعرضها للهجمات. وتشير المعلومات التي نقلتها "الشرق الأوسط" إلى أن موسكو وواشنطن تسعيان حاليًا إلى إبرام هدنة بحرية تسمح بحرية الملاحة، وتشكّل نقطة انطلاق نحو اتفاق أشمل.
وقال ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس ترامب، إن المحادثات "تشهد تقدماً حقيقياً"، خاصة فيما يتعلق بوقف الهجمات في البحر الأسود، معتبرًا أن الأمور "تتجه نحو وقف شامل لإطلاق النار"، وسط ترقب دولي واسع للنتائج.
من جهته، أكد ألكسندر لونوف، عضو مجلس حقوق الإنسان لدى الرئيس الروسي، أن مفاوضات الرياض "لا يمكن فصلها عن خطة سلام أوسع"، تشمل نزع سلاح كييف ومنع انضمامها إلى حلف الناتو، وتقديم ضمانات استراتيجية لروسيا، مضيفًا أن موسكو لن تقبل بوجود قوات حفظ سلام غربية أو إعادة تسليح الجيش الأوكراني.
ولفت لونوف إلى أن وقف إطلاق النار الذي تم التفاهم عليه خلال مكالمة بوتين – ترامب الأسبوع الماضي، لا يزال قائمًا، رغم أن أوكرانيا تواصل "استفزازاتها ضد البنية التحتية الروسية"، على حد قوله. وأكد أن موسكو تعتبر السعودية "شريكاً استراتيجياً ومركزاً لصناعة القرار الدولي"، وأن إسهامها في هذه المفاوضات "محوري ويعكس موقعها العالمي".
في المقابل، قال الدكتور سعيد سلام، مدير مركز "فجن" للدراسات الاستراتيجية في كييف، إن المباحثات الجارية مع الجانب الأميركي تركز على التوصل إلى وقف جزئي لإطلاق النار يشمل منشآت الطاقة، مؤكداً وجود اتجاه أميركي للعب دور مباشر في ملف الطاقة الأوكرانية، وربما الدخول كشريك في إدارته.
وأشار سلام إلى أن الوفد الأوكراني أعد قائمة بالمواقع الاستراتيجية التي يمكن إدراجها ضمن أي اتفاق، فيما تواصل روسيا قصف البنية التحتية المدنية لإضعاف موقف كييف التفاوضي، حسب تعبيره.
وشهدت الأيام الماضية تصعيدًا لافتًا، حيث أعلنت السلطات الأوكرانية أن هجومًا روسيًا استهدف منشأة صناعية في مدينة سومي شمال شرقي البلاد، أسفر عن إصابة 28 شخصًا، بينهم أربعة أطفال، وألحق أضرارًا بمستشفى ومبانٍ سكنية.
ورغم هذا التصعيد، تُبدي واشنطن وموسكو إشارات على وجود "تفاهم مبدئي" بخصوص التوجه نحو تسوية نهائية، وسط تحفظات متبادلة حول التفاصيل.