أصبت بإحباط شديد، و حزن عميق، عندما استمعت الى حديث مو إبراهيم فى البى بى سى، عن مقايضة المساءلة عن جرائم البشير فى دار فور، بتنازل البشير عن كرسى رئاسة السودان بسلام، بعد أن أستمر يقتل فى المتظاهرين لمدة ثلاث أسابيع، بينما القتل فى دارفورمستمر، لما يربو على السبعة عشر عاماً. كان وجعى و فاجعتى أكبر، لاننى كنت أستمع، و انا اكذب أذني و أقول: لا يمكن ان يكون هذا المتحدث هو مو ابراهيم- الرجل المستنير- الذى كثر ماله فأوقف عطية، و جائزة تحدث بها العالمين، و عرفت بجائرة القيادة الرشيدة و الحوكمة الانموذج، فى افريقيا! ألم يعلم مو ابراهيم ان موتى دارفور من الإبادة الجماعية، و التى بصددها تم توجيه التهمة للبشير يقدرون بثلاثمائة الف نفس إنسانية مسلمة؟ ألم يخبره مستشاروه- اذا لم تكن له فرصة قراءة وسائط الإعلام العامة- أن المشير البشير نفسه يعترف من على المايكروفونات المفتوحة، أنه حرق و قتل عشرة آلاف فقط، دونما مبرر يجيز قتل فرد واحد منهم؟ أليس فى هذا أعتراف ضمنى بالطغيان على البشر، و نزع القيمة البشرية من الذين كرمهم الله سبحانه و تعالى، و حملهم فى البر و البحر، و جعل أخذ حياة اى واحد منهم دونا سبب شرعى، مساوياً لقتل الناس جميعاً؟ ليت مو ابراهيم سكت عند هذا الحد، و لكن يبدو أن من يكثر ماله يصاب بداء نقص العقل، من لدن قارون الى المستر ترامب، كما نلاحظ نحن الصغار الذين لا يأبه لموتهم او حياتهم اصحاب المال! و نحن الذين يرمى عليهم المجرمون البراميل المتفجرة، فى فرى و تجمعات المياة فى دارفور، سنيناً عدداً دون ان يكترث لمعاناتنا الأغنياء من بنى وطننا مثله، كما هو وارد فى حديث مو ابراهيم، و هو من المائة المؤثرون فى عالمنا الذى يحكم قيمه المادة، قبل العقل و المواقف الاخلاقية! بقوله هذا يدفع مو ابراهيم، صاحب جائزة الحوكمة و القيادة المثالية فى افريقيا، فى أنجاه تشجيع الإفلات من العقوبة فى افريقيا، لأن المتهم البشير قائد أفريقي، و قاتل أفريقى، قتل حوالى ثلثمائة الف نفس أفريقية مسلمة مع سبق الإصرار ، بتكوين مليشيا" الخفيف، المخيف، المستريح" تحت قيادة موسى هلال و الاستخبارات العسكرية، ثم طورها الى "استخبارات حرس الحدود" ثم الى مليشيا "الدعم السريع" و هى تتبع له مباشرة، تحت قيادة محمد حمدان دقلو"حميدتى"، و بعقيدة قتالية تتلخص فى "جود العبيد"، اى: أقتل ما هو غير عربى فى دارفور!
و يا ليت مو ابراهيم سكت عند هذا الحد ايضاً، و بخاصة حاولت المذيعة اعطاءه طوق نجاة، للخروج من هذا القاع الصفوف الذى وقع فيه، و ذلك بقولها تنبيهاً: أن الجرايم موضوع النقاش هى من الجرايم العظمى(atrocity crime) جرائم الابادة الجماعية، و جرائم الحرب. لم يأخذ مو ابراهيم طوق النجاة و بدأ يقول "يجب الا يأخذ الثأر مكان الأولوية فى هذا الأمر! لأي درجة يمكن أن يسب شخص ضحايا دارفور، بمساواة العدالة المطلوبة فى حق ثلثمائة الف نفس أزهقت حرقاً بالبراميل المتفجرة، و السلاح الكيماوي فى جبل مرة، و تحت سنابك خَيل و "تايوتات" الجنجويد المجيشة على العنصرية المقيتة، و الاغتصاب الجماعى لمسلمات دارفور خلال خمسة عشرة سنة مستمرة، بالثأر؟ اَي قدرة عظيمة على الإساءة انطوت عليها حديث مو ابراهيم ف إذاعة البى بى سى!
أهل ضحايا الإبادة الجماعية و الاغتصاب الجماعى، التى أرتكبها المشير البشير فى دارفور، يشكرون محكمة الجنايات الدولية على اعترافها بجراحهم العميقة! فى نفس الوقت ينتظرون، و أنا منهم، أن يعتذر مو ابراهيم عن تسبيب هذا الوجع العميق فى سويداء قلوبهم بمساواة العدالة بالثأر، و التشجيع على الافلات من العقاب بالتحريض على المقايضة بين الجريمة و العقوبة القانونية. اما الثأر فهو امر آخر، و لم تكن فى كنانة اهل الضحايا، و أنا منهم أعرف،يقيناً، ما فى كنانتى من أسلحة نضالية لمحاربة الإفلات من العقاب! ننتظر الاعتذار كشعب، ما زال المجرمون الذين مارسوا جرائم الإبادة و الحرب على مجتمعاتنا طلقاء!