اخبار العالم / اخبار اليابان

اليابان | الانقلاب العسكري في ميانمار وآثاره الاقتصادية يلقيان بظلال سوداء على مستقبل البلاد

اليابان | الانقلاب العسكري في ميانمار وآثاره الاقتصادية يلقيان بظلال سوداء على مستقبل البلاد

مرّت أربع سنوات كاملة على الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش في ميانمار عام 2021، حين انتزع المجلس العسكري السلطة من السياسيين الذين انتخبهم الشعب في انتخابات 2020. إلا أن الشعب ما زال يرزح تحت وطأة ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة بسبب التضخم وانخفاض معدل النمو وشح إمدادات الطاقة، فضلاً عن الصراع المشتعل بين الجيش والقوات المسلحة المتمردة في البلاد. في هذا الموضوع نرصد معاناة الشعب في ميانمار وما قد تؤول إليه الأمور في المستقبل القريب.

بوادر تحسن اقتصادي لم تدم طويلاً

لا زلت أتذكر الأحداث التي وقعت قبل أربع سنوات وكأنها وقعت بالأمس. لقد كانت المشاهد التي رأيتها في ميانمار آنذاك تستحق عن جدارة وصف ”الجحيم المستعر“، حيث تم قطع خطوط الهاتف وخدمات الإنترنت، ولم أتمكن من الوصول إلى أي معلومات، شعرت حينها بعزلة حقيقية عن العالم.

إن ما دفعني لزيارة ميانمار في المقام الأول هي الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، وهي أول زيارة لرئيس أمريكي أثناء توليه منصبه. شاهدتُ بدهشة الرئيس أوباما وهو يصافح أونغ سان سو تشي، زعيمة حركة الديمقراطية في ميانمار، في مقر إقامتها في يانغون. وفي تلك اللحظة، انتابني شعورٌ داخلي بأن ميانمار ستتحول إلى بلدٍ يزخر بالفرص. حينها قررتُ الذهاب إلى هناك لكي أرى ذلك بأم عيني.

في يوليو/ تموز 2013، أطلقت شركة خطوط ”أول نيبون“ الجوية رحلاتٍ تجارية يومية بين ناريتا ويانغون، أكبر مدن ميانمار وعاصمتها السابقة. قبل ذلك، لم يكن بإمكان الناس السفر إلى البلاد إلا على متن طائرات رجال أعمال أصغر حجمًا تغادر كل بضعة أيام. كما نشرت وسائل الإعلام اليابانية في ذلك الوقت سلسلة من المقالات التي وصفت ميانمار بأنها ”الحدود الأخيرة“ في آسيا. ومع تحسن إمكانية الوصول وزيادة الاهتمام، بدأ رجال الأعمال اليابانيون الباحثون عن فرص في القدوم إلى ميانمار بأعداد كبيرة.

بلغ أقصى عدد للشركات الأعضاء في غرفة التجارة والصناعة اليابانية في ميانمار (JCCM) أكثر من 400 شركة. وربما كان هناك 5000 ياباني إما يقيمون في يانغون أو يزورونها في رحلات عمل قصيرة الأجل. وقبل تحول البلاد إلى الديمقراطية، كان هناك مطعم ياباني واحد في يانغون. لكن بحلول عام 2016، ارتفع هذا العدد إلى حوالي 200. وقد كانت هذه المطاعم تحظى بشعبية كبيرة جعلت من شبه المستحيل الحصول على حجز هناك.

معاناة اليابانيين في ميانمار

في حين واجهت ميانمار صعوبات اقتصادية خلال جائحة كوفيد-19، بدا أنها بدأت تعود إلى طبيعتها مع اقتراب نهاية عام 2020. إلا أن انقلاب فبراير/ شباط 2021 غيّر كل شيء. ولا يزال اقتصاد ميانمار حتى اليوم راكدًا ويعاني من أكبر كابوسين لاقتصاد أي دولة وهما، انخفاض معدل النمو وارتفاع معدل التضخم.

بالإضافة إلى ذلك، تم استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي، وأدى نقص الدولار الأمريكي في مرحلة ما إلى نقص حاد في إمدادات الطاقة، على الرغم من رسوّ ناقلات النفط الممتلئة في ميناء يانغون. لقد كانت هناك طوابير طويلة يومياً في محطات الوقود، لدرجة أن بعض الناس كانوا يضطرون للوقوف في طوابير لمدة يومين كاملين قبل أن يتمكنوا من تلبية احتياجاتهم من الطاقة.

تمّ حل مشكلة نقص الوقود مؤقتًا، لكن ثمة مشاكل أخرى لا تزال قائمة. على سبيل المثال، لا يمكن سحب عملة ميانمار، كيات، بحرية من حسابات التوفير. كما أن استمرار التضخم لفترة طويلة يضع مواطني ميانمار تحت ضغط يومي شديد. عندما وصلتُ لأول مرة إلى ميانمار، كان الدولار الأمريكي الواحد يعادل حوالي 1500 كيات. لكن في أعقاب الإصدار الضخم للسندات الحكومية، تراجعت قيمة العملة الوطنية في ميانمار إلى 7000 كيات مقابل الدولار بحلول صيف عام 2024. وقد أدى ضعف العملة الوطنية (كيات) وضعف الإدارة الحكومية بدورهما إلى اضطراب التجارة. ومنذ ذلك الحين، تضاعفت الأسعار بشكل عام، وارتفعت أسعار الوقود إلى خمسة أضعاف تكلفتها قبل انقلاب عام 2021. نتيجة لذلك، بدأت الحكومة العسكرية بفرض قيود صارمة على عمليات سحب الدولار من المؤسسات المالية وقيود على الواردات المقوّمة بالدولار الأمريكي لمنع تدفق الدولارات إلى الخارج. كما لم يعد يتم إصدار تراخيص الاستيراد إلا للشركات الموجودة في منطقة ثيلاوا الاقتصادية الخاصة بالقرب من يانغون، ولا يُسمح لأي شركات أخرى باستيراد المنتجات. أوضح لي أحد كبار تجار السيارات اليابانية في ميانمار، وهو في حالة من الضيق، تأثير ذلك على تجارته. فعلى الرغم من حجم الطلب الكبير على منتجه الوحيد، قال التاجر إنه لا يستطيع مطلقاً استيراد وبيع السيارات التي يريدها الناس. ولا تؤثر هذه المشاكل المتعلقة بالتضخم والعملة على الشركات الأجنبية التي تعمل في ميانمار فحسب، بل تؤثر أيضًا على الشركات المحلية التي تعمل مع دول أجنبية. وإلى أن يتم حل هذا الوضع، ستظل المشاكل الاقتصادية في ميانمار قائمة.

أسعار جنونية للكهرباء

بالإضافة إلى ما سبق، فقد تفاقمت المشاكل بعد إعلان الحكومة المفاجئ في يونيو/ حزيران 2024 عن نيتها رفع أسعار الكهرباء لمعالجة مشاكل ”عدم استقرار الإمدادات“. وفي الوقت الحالي، لا تتوفر الكهرباء إلا لثماني ساعات متواصلة كل يومين. فبرغم الإعلان عن زيادة الأسعار بنحو مرتين ونصف، لم نشهد أي تحسن في توافر الكهرباء، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لمشغلي المصانع. ومع ارتفاع تكلفة وقود المولدات الكهربائية بالتزامن مع ارتفاع تكاليف الكهرباء، تضخمت فواتير الطاقة للمصنّعين إلى عشرات الآلاف من الدولارات شهريًا. مما يُلغي تمامًا أي مزايا يمكن تحقيقها من انخفاض تكاليف العمالة في ميانمار.

في ضوء هذه التطورات، بدأت الشركات اليابانية في الانسحاب من غرفة التجارة والصناعة اليابانية في ميانمار (JCCM) واحدة تلو الأخرى. ورغم أن عدد الشركات الأعضاء المسجلين في الغرفة يبلغ حوالي 300 شركة، إلا أن عدد الشركات النشطة فعلياً لا يتعدى نصف هذا الرقم. علاوة على ذلك، لم يتبقَّ سوى حوالي 500 ياباني يمارسون أعمالهم في يانغون. لم يعد هناك أي أثر لميانمار التي كانت تحظى بشعبية كبيرة في السابق. لقد أخبرني صديق عاش في ميانمار لأكثر من 30 عامًا أن هذه هي أسوأ فترة عاشها على الإطلاق، وذلك على الرغم من أنه عاصر فترة الحكم العسكري السابقة في ميانمار.

اختطاف الصبية وتجنيدهم قسراً

مع ذلك، تُعتبر يانغون، حيث العيش، آمن نسبياً مقارنةً بمناطق أخرى في ميانمار. لكن إذا غامرتَ بالخروج من المدينة، فستواجه واقعاً مختلفاً. فقد تعرّضت بعض المناطق لعمليات عسكرية وغارات جوية، ولم يعد منظراً غريباً أن ترى جميع السكان تقريباً يعيشون في الشوارع.

أما على الجانب العسكري، فقد تم تكوين قوات الدفاع الشعبي كجناح مسلح لحكومة الوحدة الوطنية من أجل مقاومة المجلس العسكري. ولا تزال حرب أهلية شرسة مستعرة في مختلف أنحاء البلاد، حرب تكبّدت خلالها قوات الحكومة العسكرية خسائر فادحة في الأفراد والأراضي، رغم أن قوات الدفاع الشعبي الآن قد تكون أقل عدداً.

ومما يدلل على خطورة الوضع الحالي بالنسبة لعامة الشعب، الخطوة التي اتخذتها الحكومة العسكرية لتفعيل قانون التجنيد الإجباري في ميانمار في يونيو/ حزيران 2024. فرغم أن معظم المجندين هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و45 عاماً، إلا أنه سُجّلت حالات تجنيد للنساء في الجيش لأغراض الدعم اللوجستي. علاوة على ذلك، يُجبر الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا على الانخراط في الخدمة العسكرية. كما تشير التقارير الأخيرة إلى أن الصبية الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و15 عامًا والذين يخرجون ليلًا يُؤخذون قسرًا ويتم تجنيدهم في الجيش بعد إجبارهم على شرب الكحول وتدخين التبغ ليبدو وكأنهم بالغون. يتم إرسال هؤلاء المراهقين، الذين لا يعرفون شيئًا عن التعامل مع الأسلحة، مباشرة إلى خطوط المواجهة وسرعان ما يفقدون حياتهم في القتال. لذلك يسعى عدد متزايد من الشباب إلى الهروب من التجنيد الإجباري، والفرار إلى دول أخرى من بينها اليابان. كما أغلقت المدارس الواقعة في مناطق النزاع أبوابها لأن المعلمين يرفضون التنقل بسبب قصف المدارس وقتل المعلمين أثناء ذهابهم إلى العمل على يد الجيش. ومن المؤكد أن هذا يثير المخاوف بشأن مصير الجيل الحالي من الأطفال الذين لن يتلقوا التعليم الأساسي.

موقف اليابان من الأحداث المتسارعة

رغم الانقلاب، حافظت الحكومة اليابانية على وجودها الدبلوماسي في ميانمار، بما في ذلك وجود السفير، لضمان التواصل مع المجلس العسكري. وكان من دواعي الاطمئنان بشكل خاص أن يواصل ماروياما إيتشيرو، الخبير في شؤون ميانمار والذي عمل خبيرًا دبلوماسيًا في شؤونها في خمسة مناصب مختلفة على مدار 27 عامًا، دوره كسفير منذ عام 2018. إلا أن عودة السفير ماروياما إلى وطنه في نهاية سبتمبر/ أيلول 2024، وقرار طوكيو بعدم إرسال بديل، قضى على هذا الشعور بالطمأنينة. فبالنسبة للمواطنين الأجانب المقيمين في الخارج، لا شيء أكثر إزعاجًا من عدم وجود سفير يمثل بلادهم.

لقد تحولت ميانمار من ”الحدود الأخيرة“ في آسيا إلى ”الحدود المفقودة“. فهل هناك أمل في مستقبل مشرق؟ وهل ستتمكن من العودة إلى طريق الديمقراطية؟ لا يسعنا إلا أن نأمل أن يُنعم الله على ميانمار بالأمن والرخاء وأن يُطلق عليها يومًا ما ”الحدود الجديدة“ في آسيا.

(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: ضابط شرطة محاط بالصحفيين خارج بوابة منزل عائلة زعيمة الديمقراطية في ميانمار المعتقلة أونغ سان سو كي. يانغون، 5 فبراير/ شباط 2025. وكالة أخبار أفلو/ جيجي برس)

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | الانقلاب العسكري في ميانمار وآثاره الاقتصادية يلقيان بظلال سوداء على مستقبل البلاد لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

Advertisements

قد تقرأ أيضا