شهدت الانتخابات العامة التي جرت في 27 أكتوبر/تشرين الأول خسارة الائتلاف الحاكم المكون من الحزب الليبرالي الديمقراطي وحزب كوميتو لأغلبيته في مجلس النواب، ما يفتح الباب أمام مرحلة من الاضطرابات السياسية المحتملة. ومع هذه المتغيرات السياسية، تتزايد التساؤلات حول الخيارات الاقتصادية المتاحة أمام الحكومة في الفترة المقبلة. كيف ستؤثر هذه الخيارات على مستقبل اليابان الاقتصادي، وما هو التأثير المحتمل على استقرارها المالي ورفاهية مواطنيها؟
هل ستودع الحكومة تريليونات الدولارات من عائدات ضريبة البنزين
يجذب الحزب الديمقراطي من أجل الشعب الانتباه باعتباره شريكا سياسيا جديدا للحزب الليبرالي الديمقراطي. ودأب الحزب الديمقراطي من أجل الشعب على المطالبة بسياسات مالية توسعية قبل الانتخابات الأخيرة. فعلى سبيل المثال، لطالما دعا زعيم الحزب تاماكي يوئتشيرو إلى إعادة تفعيل بند متعلق بضريبة البنزين يطبق وفق شروط.
وهذا البند المشروط هو إجراء يقضي بتعليق حوالي نصف ضريبة البنزين والتي تتجاوز 50 ينا للتر الواحد في اليابان، عندما يرتفع السعر الإجمالي فوق مستوى معين لمدة ثلاثة أشهر متتالية. وقد أدرج هذا البند في السنة المالية لعام 2010 لمواجهة ارتفاع أسعار البنزين. ولكن تم تعليقه مباشرة بعد ذلك للحفاظ على تدفق الإيرادات ومن أجل تمويل إجراءات التعافي من زلزال شرق اليابان الكبير وتسونامي عام 2011. يقول الحزب الديمقراطي من أجل الشعب إن هناك حاجة إلى إعادة العمل بالبند المشروط من أجل خفض سعر البنزين.
وتعارض الحكومة والحزب الليبرالي الديمقراطي إعادة تفعيل البند المشروط، بحجة أن التغيرات السريعة في الأسعار من شأنها أن تعيق عملية التوزيع. ولكن إذا أراد الحزب الليبرالي الديمقراطي التعاون مع الحزب الديمقراطي من أجل الشعب، فمن المؤكد أن هذه القضية سيعاد النقاش بها مجددا. وإذا أعيد العمل بهذا البند، فإن الحكومة المركزية والإدارات المحلية ستخسر ما يصل إلى 1.5 تريليون ين من العائدات، والتي سيتعين تعويضها بطريقة أخرى.
ووفقا لمصادر مطلعة، حتى إذا دخل البند المشروط حيز التنفيذ، فإن سعر البنزين لن يتغير بشكل كبير بالنسبة للمستهلكين في المحطات إذا لم يتم الحفاظ على الدعم الحالي (لأسعار الوقود). ولكن إذا دخل البند المشروط حيز التنفيذ وتم تخفيض ضريبة البنزين، فقد يكون هناك مطالبات متزايدة للحفاظ على الدعم. وفي هذه الحالة، من المرجح أن يزيد العبء المالي بمقدار عدة تريليونات ين.
ضربة محتملة لتصنيفات السندات الحكومية اليابانية
ومن القضايا الأخرى التي أثارها الحزب الديمقراطي من أجل الشعب، قضية تتعلق بإلغاء ما يسمى ”حاجز 1.03 مليون ين“. يتم فرض ضريبة الدخل عندما يتجاوز الدخل المكتسب سنويا هذا المبلغ، ويقال إن هذا الحاجز له تأثير سلبي يتمثل في دفع ذوي الدخل المنخفض إلى تقليل ساعات عملهم طواعية.
يمثل مبلغ 1.03 مليون ين مجموع الاستقطاع الضريبي الأساسي واستقطاع الدخل المكتسب. ويدعو الحزب الديمقراطي من أجل الشعب إلى زيادة هذا المبلغ إلى 1.78 مليون ين. ولكن إجراء زيادة كبيرة في مبلغ الاستقطاع الضريبي ستكون بالفعل بمثابة تخفيض ضريبي. وبما أن الاستقطاع الأساسي يطبق على الكثير من أصحاب الدخول، فإن وزارة المالية تقدر أن تأثير تنفيذ اقتراح الحزب قد يصل إلى 8 تريليونات ين، وهو ما يتجاوز المبلغ الناجم عن خفض ضريبة الدخل بمقدار 40 ألف ين للشخص الواحد والذي نفذ في عهد رئيس الوزراء كيشيدا فوميئو خلال فترة ولايته (2021-2024).
تستمر المناقشات بشأن النفقات المالية. فعندما أشار رئيس الوزراء إيشيبا شيغيرو إلى الحاجة إلى اتخاذ تدابير اقتصادية في 4 أكتوبر/تشرين الأول، صرح بأن الميزانية التكميلية للعام الماضي بلغت 13 تريليون ين، وأعرب عن رغبته في إعداد وتمرير ميزانية تكميلية أكبر لهذا العام. ويعتقد كل من المسؤولين الحكوميين والسياسيين أن هذه الميزانية التكميلية ستكون كبيرة وقد تصل حتى 20 تريليون ين.
لقد أعقب سنوات عديدة من الميزانيات الرئيسية التقشفية ميزانيات تكميلية ضخمة، ما أدى إلى تسريع وتيرة تدهور المالية العامة. وهذا على الرغم من التوقعات بأن المبالغ مستحقة الدفع عن السندات الحكومية ستتجاوز 1.1 كدريليون ين بحلول نهاية السنة المالية 2024.
ورغم كل هذه القضايا المثيرة للقلق، يبدو أن هناك القليل من المناقشات الجادة بشأن الموارد المالية هذه الأيام. ولا يحظى موضوع كيفية استعادة الصحة المالية العامة بالاهتمام الكافي ويتم إهماله في الدوائر السياسية.
إن الهدف الحالي لتحقيق رصيد أساسي إيجابي بحلول السنة المالية 2025 أصبح قريب المنال. ولكن هذا لن يكون نتيجة لوضع الماليات العامة على أسس سليمة. بل سيكون ذلك نتيجة إلى حد كبير لنمو الاقتصاد الاسمي المدعوم بارتفاع الأسعار.
وسنعرف ما إذا كان الرصيد الأساسي سيصبح إيجابيا بشكل نهائي بحلول خريف عام 2026، عندما يتم الانتهاء من ميزانية عام 2025. يتمثل الهدف التالي الذي تدرسه الحكومة في تحقيق رصيد مالي إيجابي. يُعد الرصيد الأساسي مقياسا لمعرفة ما إذا كانت النفقات السياسية تتم ضمن نطاق الإيرادات الضريبية، ولكنه لا يشمل نفقات الفائدة على السندات الحكومية. وعند النظر إلى مستقبل الإدارة المالية في عالم عادت فيه أسعار الفائدة إلى الأهمية، فإن الرصيد المالي الذي يشمل هذا العبء المرتبط بالسندات سيكون كبيرا. يرى البعض أنه لا ينبغي على الحكومة التركيز على الرصيد المالي بشكل مباشر، بل ينبغي لها أن تجعل تحقيق رصيد أساسي إيجابي مستقر هدفها التالي.
وعلى كل حال، إذا لم يبدأ السياسيون بمناقشة كيفية كبح جماح الأوضاع المالية العامة المتدهورة أثناء مناقشتهم لتخفيض الضرائب وزيادة النفقات المالية، فإن خفض التصنيف الائتماني لسندات الحكومية اليابانية من قبل وكالات التصنيف الائتماني لن يكون إلا أحد أشكال الضغوط التصحيحية التي من المؤكد أنها ستظهر.
بنك اليابان في موقف صعب
وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء إيشيبا يتبنى وجهة نظر انتقادية تجاه سياسة بنك اليابان الخاصة بـ ”التيسير النقدي ذي البعد المختلف“، إلا أنه أعلن عند تشكيل إدارته الجديدة أنه لن يقوم بمراجعة اتفاق بين الحكومة والبنك المركزي يعود لعام 2013 أطلق عليه اسم ”البيان المشترك“ وكان يهدف إلى إنهاء الانكماش ووضع الاقتصاد على مسار نمو مستدام. كما أنه صرّح للصحفيين بعد اجتماعه مع محافظ بنك اليابان أويدا كازوؤ، بأنه لا يعتقد أن البيئة الحالية تستدعي رفع أسعار الفائدة. وهناك عدد قليل من المؤيدين في أحزاب المعارضة للتطبيع المبكر للسياسة النقدية، أي رفع أسعار الفائدة. ورغم الهزيمة الساحقة التي مني بها الحزبان الحاكمان في الانتخابات الأخيرة، يبدو أن بيئة السياسة النقدية لبنك اليابان لم تتغير.
تجاوز معدل التضخم الهدف المحدد بنسبة 2% على مدار أكثر من عامين. في ظل هذا السياق، فإن الإنفاق المالي الضخم أو التخفيض الفعّال للضرائب سيُراكم عوامل تضخمية إضافية في المستقبل. علاوة على ذلك، فإن منع السياسيين بنك اليابان من رفع أسعار الفائدة سيؤدي إلى خطر انخفاض قيمة الين. وإذا ضعف الين، فسوف يواجه الاقتصاد الياباني مزيدا من الضغوط التصاعدية على الأسعار. وليس هناك جدوى كبيرة من مناقشة التدابير الرامية لمعالجة ارتفاع الأسعار إذا كان بنك اليابان غير قادر على رفع أسعار الفائدة.
ولكن اللائمة تقع على بنك اليابان بسبب تصريحاته الخاطئة في يوليو/تموز وأغسطس/آب عام 2024 عند تواصله مع السوق والتي أثارت اضطرابات. فقد أوضح المحافظ أويدا أن سعر الفائدة الحالي أقل من السعر المحايد (أي السعر الذي لا يكون فيه تخفيفا أو تشديدا للسياسة) وأنه حتى إذا تم رفع سعر الفائدة، فإن السياسة النقدية ستظل ضمن إطار التيسير. ولكن السياسيين لا ينظرون لهذا الأمر بنفس الطريقة. فكيف سيحافظ بنك اليابان على مسافة مناسبة مع مكتب مجلس الوزراء والسياسيين بينما يراقب منحى الأسعار؟ سيستمر بنك اليابان في مواجهة تحديات في توجيه السياسة النقدية في المستقبل.
اليابان تتحمل مسؤولية ثقيلة باعتبارها دولة تجارية
بغض النظر عن نتائج الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب في اليابان، فإن الحدث الذي من المرجح أن يكون له التأثير الأكبر على الاقتصاد الياباني هذا الخريف هو الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني. فقد وعد الرئيس الأمريكي المنتخب من الحزب الجمهوري دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 60% على الواردات من الصين وتعريفات تتراوح بين 10% و20% على الواردات من اليابان ودول أخرى.
وإذا تم فرض تعريفات جمركية بنسبة 60% على الواردات الصينية، فإن هذا من شأنه أن يلحق الضرر بانسيابية عمليات التصنيع والتوزيع والمبيعات على مستوى العالم، وسيكون له تأثير كبير على اليابان ودول أخرى. وسوف تتسبب التعريفات الجمركية المرتفعة على الواردات إلى تضخم في الولايات المتحدة، ما سيجبر الاحتياط الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة. وإذا حدث هذا، سيتباطأ الاقتصاد الأمريكي وستضعف قيمة الين، وهو ما من شأنه أن يجعل الاقتصاد العالمي يشهد اضطرابا كبيرا.
يبدو أن رئيس الوزراء إيشيبا يستكشف إمكانية لقاء الرئيس الأمريكي المقبل في وقت مبكر من منتصف إلى أواخر نوفمبر/تشرين الثاني. وسيتحمل إيشيبا مسؤولية كبيرة عندما يتعلق الأمر بإقناع ترامب بعدم فرض تعريفات جمركية.
أصبحت الآن منظمة التجارة العالمية، التي تُعد المنظمة الرئيسية للتجارة العالمية، غير فعالة عمليا. وبسبب معارضة الولايات المتحدة، انخفض عدد أعضاء هيئة الاستئناف إلى الصفر، والتي من المفترض أن تضم سبعة أعضاء. تعتبر هيئة الاستئناف منظمة أساسية لحل النزاعات بين أعضاء منظمة التجارة العالمية، ويهدد الوضع الحالي بخطر فقدان قواعد التجارة العالمية.
ومع الاعتراف بالانتقادات التي تشير إلى أن تعزيز التجارة الحرة كجزء من جهود العولمة أدى إلى زيادة التفاوت بين الدول، لا يمكن أن يكون هذا أساسا لتجاهل القواعد وعرقلة وظائف منظمة التجارة العالمية بوقاحة من خلال تصرفات أنانية. وإذا كان إيشيبا يعتزم الاحتفاظ بمنصبه كرئيس للوزراء، فسيتعين عليه بصفته قائدا لدولة تجارية مثل اليابان أن يوضح كيف سيقنع الرئيس الأمريكي. وإن تمكن من إقناعه فإن ذلك سينطوي على أهمية كبيرة من منظور منع الاضطرابات في الاقتصاد الياباني. والمسؤوليات التي تقع على كاهل رئيس الوزراء إيشيبا ستكون ثقيلة.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: شاشة تعرض سعر الإغلاق لمؤشر نيكيه للأسهم ومتوسط سعر صرف الين عندما تفاعل سوق طوكيو بشكل حاد مع اليوم الذي سبق صدور نتائج الانتخابات بعد ظهر يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول عام 2024 في حي تشوؤ بطوكيو. © جيجي برس)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | مستقبل غامض: كيف سيواجه الاقتصاد الياباني التحديات السياسية المتزايدة؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.