المنامة - ياسر ابراهيم - يعيش 400 ألف فلسطيني في شمال غزة ومدينة غزة المجاعة، بعدما لم يبق لديهم أي شيء لإعداده وقد نفد الطعام من المحال والبيوت المهجورة أو المهدمة، حتى بات الأطفال يبكون يومياً جراء الجوع الذي يفتك بأجسادهم.
يُخضع الاحتلال الإسرائيلي سكان المنطقة المحاصرة في مدينة غزة وشمال القطاع لسياسة تجويع وصلت إلى أقصى درجاتها خلال الأيام الأخيرة، وبات الجوع يجتاح جميع المناطق فيها بعدما عمد الاحتلال إلى قطع طرقات المساعدات، عدا عن انعدام الممرات الآمنة لدخول شاحنات المساعدات في معظم الأيام باستثناء عدد شحيح منها في فترات متقطعة.
وبات الجوع في المنطقة الشمالية المحاصرة من قطاع غزة أمراً واقعاً بالنسبة لجميع العائلات، واستسلم الأهالي أمام دموع أطفالهم الذين ينامون جوعى وسط عجز عن تلبية احتياجاتهم. ونشر العديد من الغزيين الذين يحصلون على إنترنت أحياناً، وبصعوبة، ما يعانونه ويعانيه أطفالهم الجوعى على وسائل التواصل الاجتماعي، كتلك السيدة التي عرضت على الكاميرات قطع "خبز" مصنوع من الرمل.
يقول سمير العسقولي إنه جائع، هو الذي لم يتناول إلا خبزاً مكوناً من العلف وممزوجاً مع الرمال منذ أربعة أيام، ويحاول المشي مسافات طويلة حتى يحصل على طعام أو يجد بائعاً وسط مدينة غزة، وخصوصاً شارع عمر المختار المدمر وشارع النصر المدمر، وعلى مقربة من مجمع الشفاء الطبي. وإذا ما حصل على طعام مقبول أو جيد، يحرص على إطعامه لأطفاله، حيث يقيم في منزله الواقع في منطقة المغربي، شرقي مدينة غزة.
وقبل أيام قليلة، وجد علبة جبنة من نوع فيتا، والتي دخلت ضمن المساعدات قبل حوالي شهرين، بخلاف الطحين الذي يوزع بشكلٍ قليل وعبر شاحنات محدودة ولأيام قليلة. وضع العسقولي الجبنة داخل الخبز الممزوج بعلف الحيوانات. يشير إلى أنه اشترى العلبة من أحد الرجال بأضعاف ثمنها، لكنه عثر أخيراً على شيء يشتريه، وشعر كأنه حقق إنجازاً عظيماً لأطفاله. ولم يشارك أطفاله الجبنة رغم جوعه كي يستفيدوا منها وحدهم.
يقول العسقولي لـ"العربي الجديد": "جميعنا جائعون، ولا خيار أمامنا غير الانتظار والجوع والموت هنا، أو الذهاب إلى موت آخر في الجنوب. حالياً، أصبحنا محاصرين من كل الجهات والطائرات فوقنا ولا نستطيع الهرب إلى أي مكان آخر. يسقط الناس في الشوارع جراء الجوع والعطش. منذ حوالي شهرين أشرب وأطفالي مياهاً ملوثة".
وأطلقت بعض المبادرات في شمال القطاع ومدينة غزة لجمع ما تيسر من طعام من محال تجارية أو بيوت متروكة والطهي. لكن في الوقت الحالي، لم يبقَ شيء، وقد فرغت المحال والبيوت من أي طعام.
نفاد الأعلاف
منذ بداية الشهر الحالي، اختلفت كل ملامح النظام الغذائي في قطاع غزة، بعدما اضطر الناس إلى إضافة علف الحيوانات الذي وجدوه في المخازن وبعض المحال التجارية إلى طعامهم. ومع مرور الأيام، باتوا يزيدون نسبتها من خلال خلطها مع الدقيق، وصار لون رغيف الخبز داكناً، وما من استجابة للوضع الحالي رغم انتشار الصور التي توثق حجم المأساة.
يقول محمود الشيخ إن الناس يأكلون الأعلاف المخصصة للطيور عندما يجدونها في بعض المحال التجارية. من جهة أخرى، يبحث البعض عن الطعام بين القمامة، علماً أنهم يدركون أنه لا طعام أصلاً لرميه، ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الأعلاف نفدت تماماً، ولا يوجد شيء لإضافته إليها. في بعض الأيام نحرم أنفسنا نحن الرجال من هذا الخبز من أجل أطفالنا. بعض الصغار يشعرون بالتقزز منه ويرفضون تناوله، فنضطر لإخبارهم بأنه مصنوع من قمح أسود جديد وغير ذلك. ونعد الحساء من وقت إلى آخر. وإذا وجدنا تمراً نعطيه للرضع لمصّه فقط".
يضيف الشيخ: "الناس استنفدوا كل الطعام... الدقيق والأرز وكل شيء. بتنا نحلم ليلاً بتناول الطعام. أخيراً، كنا نغلي التوابل مع المياه التي لا نعرف مدى تلوثها، ونتناولها مع الخبز الجاف القديم".
على الرغم من استهداف الاحتلال الإسرائيلي الغزيين الذين ينتظرون شاحنات المساعدات التي أصبحت تدخل عبر شارع الرشيد عند شاطئ بحر غزة، إلا أن الناس يحاولون أن يكونوا موجودين في الشارع الذي بات بالنسبة إليهم أخطر شارع في القطاع، وهو شارع صلاح الدين الشرقي. يدركون المخاطر لكن خطر الجوع أقسى.
يتحدّث محمد المصري، وهو في مدينة غزة، عن الشاحنات التي لاحقها، وكتب أنها "رحلة إلى الموت من أجل توفير الطعام لأطفالي باءت بالفشل في شارع البحر. دخلت أمامي سبع شاحنات شبه فارغة مع الأسف، وكان هناك حوالي عشرات الآلاف، ويمكن تقدير أن 500 مواطن على الأكثر حصلوا على أكياس دقيق مغمسة بالدم".
لم يحصل أحمد عزام، وهو من سكان حي الزيتون وقد نزح إلى مكان قريب من مجمع الشفاء الطبي بعدما ارتكب الاحتلال مجازر عدة في منطقته، على كيس دقيق. يرصد يومياً أي أخبار عن احتمال دخول شاحنات رغم تعرضه سابقاً لإصابات متوسطة بسبب التدافع أثناء دخول الشاحنات. يقول لـ"العربي الجديد": "إما حامل كيس دقيق أو ميت في كيس. هذا هو الواقع الذي نعيشه. ننام في الشارع إذا جاءتنا معلومات عن دخول شاحنات في أي مكان. كنت أزن 101 كيلوغرام في بداية أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، وبات وزني اليوم 74 كيلوغراماً. أموت كل يوم علماً أن عمري لم يتجاوز 36 عاماً ولدي ثلاثة أبناء يبكون كل يوم وهم يحلمون بطعام جيد".
وكان برنامج الأغذية العالمي قد أعلن في بيان، يوم الثلاثاء، أنه توقف عن تسليم المساعدات إلى شمال غزة، علماً أن الاحتلال الإسرائيلي منع دخولها رغم محاولاته التنسيق، وخصوصاً في الفترة التي شدد الحصار فيها على شمال قطاع غزة ومدينة غزة ما بين ديسمبر/ كانون الأول الماضي وحتى اليوم.
وقال البرنامج في بيان، إنه أوقف مؤقتا تسليم المساعدات الغذائية إلى شمال غزة حتى تسمح الظروف في القطاع الفلسطيني بتوزيع آمن. وأضاف: "قرار وقف تسليم المساعدات إلى شمال قطاع غزة لم يتم اتخاذه باستخفاف لأننا ندرك أنه يعني تدهور الوضع أكثر هناك، وأن عدداً أكبر من الناس سيواجهون خطر الموت جوعاً".
وبحسب التقديرات المحلية للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، يوجد أكثر من 400 ألف شخص في منطقة مدينة غزة وشمال القطاع، وقد رفضوا النزوح رغم التهديدات والمجازر الإسرائيلية المستمرة في حقهم.
إلى ذلك، يشير مدير المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إسماعيل الثوابتة إلى أن المساعدات لم تصل إلى شمال قطاع غزة المتمثلة في مدينة غزة ومناطقها المختلفة من الشرق حتى الغرب وشمال القطاع، بما فيها مناطق احتلها الاحتلال ولا تزال قواته متمركزة فيها. ومنذ عشرة أيام وصلت 9 شاحنات فقط.
ويقول الثوابتة لـ"العربي الجديد": "هناك سياسة عالمية يبدو أنه متفق عليها بين إسرائيل وأميركا للقضاء على سكان قطاع غزة. دخول الشاحنات أصبح شحيحاً جداً، كما أنه تصل إلى جنوب قطاع غزة مساعدات شحيحة جداً وتزداد الظروف سوءاً في ظل استمرار النزوح وغيرها من العوامل. يشهد شمال القطاع مجاعة حقيقية في ظل غياب المؤسسات الدولية جراء الحصار الكامل للمنطقة".
العربي الجديد