طفا على السطح بقوة هذا الأسبوع اسم جيفري إبستين؛ المليونير الأمريكي الذي أُعلِنَ عن انتحاره في سِجنه بنيويورك عام 2019، بعد فترة قصيرة من سَجنه بتُهَم تتعلق بالاتجار الجنسي والاعتداء على قُصَّر، بعد أن سمح القضاء الأمريكي مؤخرا بالكشف عن أسماء شخصيات مرموقة في عالم السياسة والفن والمال كانت على صلة بقضية إبستين، منها ثلاثة رؤساء سابقين لأمريكا، وهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، والأمير البريطاني أندرو، والملياردير بيل جيتس، ونجوم السينما ليوناردو دي كابريو، وتوم هانكس، وإنجلينا جولي. بالتأكيد ليس كلُّ من ذُكِر مدانا في هذه القضية، إذ يحدث أن ترمي بك الأقدار في طريق رجل شرير بالصدفة.
وعندما أصف إبستين بالشرير فأنا أعني ذلك. فالأمر لا يتعلق فقط بدأبه على الاعتداء على الأطفال القُصَّر سنين طويلة من حياته، فكثيرون يفعلون ذلك في السرّ، لإصابتهم بمرض البيدوفيليا والعياذ بالله، لكن الأدهى والأمرّ والأكثر حقارة في قصة هذا المليونير أنه اشترى جزيرة خاصة في الكاريبي لإتاحة ممارسة هذه الأفعال الفاحشة بسرّية لهذه الشخصيات التي سردتُ بعض أسمائها، ولهذا فإن التشكيك في صحة حادثة انتحاره يحمل وجاهة من نوع ما، فلماذا لا يكون قد قُتِل عمدا في السجن لكي لا يفضح هذه الأسماء المتنفذة؟
فضائح جزيرة إبستين بدأت في التكشّف عام 2016 وبإيعاز من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كما أشاعت بعض وسائل الإعلام، حين اخترق قراصنة روس إيميل هيلاري كلينتون؛ المرشحة للرئاسية الأمريكية آنئذ بغرض مساعدة ترامب على الفوز -كما قيل- ونشروا من ضمن ما نشروا رسائل مشفّرة تتحدث فيها كلينتون عن محل «بيتزا» اسمه Comet هو مركز اجتماع بدائرة الاتجار بالبشر وجنس الأطفال، ومن هنا جاءت تسمية القضية بــ«فضيحة البيتزا» أو (Pizza Gate). لكن فضائح إبستين نفسه كانت قد بدأت قبل هذا التاريخ بأحد عشر عامًا، عندما تحرّش عام 2005 بفتاة قاصر عمرها أربعة عشر عامًا في ولاية فلوريدا وحاول جذبها لممارسة الدعارة، فكان أن رفع والدها قضية تحرش ضده، وأثناء نظر هذه القضية اكتشف المحققون أن إبستين فعل الأمر نفسه مع ستٍّ وثلاثين فتاة قاصرة، وكانت النتيجة أن حُكِم عليه بالسجن، لكنه ما لبث أن أُفرِج عنه بعد نحو سنة.
وسواءً انتَحَر إبستين أم قُتِلَ فإن هذه الميتة تذكّر دائمًا أن المتورطين بأعمال قذرة مع متنفّذين من عالم السياسة والمال تنتظرهم في الغالب الأعمّ نهاية مأساوية مستحقة، وهذا ما شاهدناه السنة الماضية حين لقي الروسي «يفغيني بريغوجين» مصرعه في حادث تحطّم طائرته الخاصة شمال موسكو. وبريغوجين هذا هو مؤسس شركة فاجنر العسكرية الخاصة سيئة السمعة التي توظّف الجنود المرتزقة وترتكب «الأعمال القذرة» في الحروب والنزاعات حول العالم، وكان لها فظائع مشهودة في سوريا وليبيا وإفريقيا، وكانت الذراع غير الرسمي للجيش الروسي، رغم محاولات بوتين إنكار ذلك والنأي بنفسه عنها. ومن مفارقات حياة قائد فاجنر أن بداية دخوله عالَم الثراء كانت بتأسيسه في التسعينيات شركة تغذية حصلت على عقود حكومية لإطعام أطفال المدارس وموظفي الحكومة الروسية، ثم إنشائه مطعمًا لا يرتاده إلا الأثرياء، وقد كان بوتين يدعو فيه ضيوفه عادةً، لذلك سُمِّي «طباخ بوتين»، وفي عام 2012 – وبعلاقته الوطيدة مع بوتين – حصل على عقد لتوريد وجبات للجيش الروسي لعام واحد بمبلغ تجاوز المليار دولار، وبعدها بعامين أسس مجموعة «فاجنر» التي شاركت بمرتزقتها وأسلحتها في الحرب الروسية على أوكرانيا، قبل أن يدبّ الخلاف بينها وبين والجيش الروسي عام 2023، بسبب عدم مدّ الجيش لفاجنر بالأسلحة والذخيرة الكافية كما قال بريغوجين، وتطوّر الأمر إلى إعلان قائد فاجنر وقواته التمرد على الجيش الروسي، قبل أن تنتهي الأزمة بتدخل رئيس روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو وضمانه لبريغوجين اللجوء إلى بلاده مقابل سحب قواته التي كانت قاب ساعتين أو أدنى من دخول موسكو. بعد هذه الحادثة شعر بوتين أن «طباخه» بات يشكّل خطرًا عليه، ويبدو أنه قرر التخلص منه، إذ لم يمض شهران على هذا التمرد حتى تحطمت طائرة بريغوجين في 23 أغسطس 2023!.
ما فاتني أن أذكره عن شرير روسيا (بريغوجين) أنه سُجِن هو الآخر تسع سنوات في الثمانينيات بتهم الاحتيال والسرقة وتوظيف قاصرات في الدعارة، أي أن الاعتداء الجنسي على القُصَّر هو القاسم المشترك بينه وبين شرير أمريكا (إبستين)، عدا القاسم المشترك الآخر في حياتيهما وهو بوتين. واليوم، وقد نال كلّ منهما نهاية مأساوية لحياته، فإن هذا لا يعني البتة أن الخير انتصر في نهاية المطاف على الشرّ. كل ما في الأمر أن «الشر الأقوى» (المتنفذون في أمريكا، وبوتين في روسيا) هو الذي انتصر على «الشرّ الأقل قوة»، وكأنه – أي الشرّ الأقوى – عطس عطسة كبيرة أدت إلى تناثر «الشرّ الصغير» وتطايره في الجو، تمامًا مثلما نقول في لهجتنا العُمانية تشميتًا للعاطس بعد سماع دويّ عطسته: طار الشر.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني – صحيفة عمان
كانت هذه تفاصيل خبر إبستين وبريغوجين.. طار الشرّ! لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.