لم يبقَ في جعبة إعلام قطر من اتهامات وافتراءات يسوقها ضد السعودية والإمارات سوى أنهما تحاربان الإسلام!! أليس هذا ما أرادت قوله حلقة "التدين الجديد" التي بثتها قناة "الجزيرة"؟ ألم تكن رسالة الإعلام القطري من وراء هذا البرنامج تقول: كلّ ما يخالف فكر حلفائنا من "الإخوان المسلمين" هو ضد الإسلام؟!
الدوحة للأمريكيين: أنا بديل عن السعودية!
لقد بنتْ الدوحة خصومتها مع المملكة العربية السعودية منذ نحو عقدين على الترويج القطري لدى الغرب، وأمريكا تحديداً، بأنّ "قطر المعتدلة دينياً هي البديل عن السعودية المتطرفة دينياً والتي جلبتْ إرهاب 11 أيلول (سبتمبر) للولايات المتحدة". ألم يكن هذا هو مشروع قطر الإقليمي؟ ألم تتلهف الدوحة لترسيخه وتقعيده باستضافة القوات الأمريكية في قطر بعد خروجها من السعودية بدايات الألفية الثالثة؟ أما كان هدف الدوحة من بناء مسجد الإمام محمد بن عبد الوهاب على أراضيها منافسة السعودية وضرب مشروعيتها والتشكيك فيها؟ أليست هذه هي البذور الأولى للمشروع القطري الحالي الداعي إلى "تدويل الحرمين الشريفين"، وهو ما تريده إيران أيضاً؟ لكن ماذا كانت حصيلة ذلك: اليوم، الدوحة متَّهمة من قبل أربعة دول عربية بدعم ورعاية التطرف والإرهاب في المنطقة، وهي، أي قطر، في لعبة "الجمباز السياسي" تنقلب على الرياض لتقول: يا قوم، قد غيّرتُ رأيي، إن أكبر ما يُهدد السعودية ليس التشدد كما كنّا نقول لسنين طويلة، إنه مشروع الاعتدال الذي يقوده محمد بن سلمان!
إعلام الدوحة وافتقار الخيال
لا يمتلك إعلام الدوحة وعلى رأسه الجزيرة وأخواتها الخيال السياسي وهو يبثّ لجمهوره رسالة تتهم السعودية والإمارات باختراع دين جديد!! أليس هذا معنى ما قالته حلقة "للقصة بقية" التي بثتها "الجزيرة"، وإلا ما معنى أن السعودية والإمارات تريدان خلق "إسلام جديد"، كما تزعم "الجزيرة"؟ الإسلام، برأي إعلام قطر، هو فقط ما يقدمه "الإخوان" أو "جبهة النصرة". أليست الحركتان أهم استثمار قطري وتركي لقيادة المنطقة وفق أجندتهما؟
هل تجرؤ قطر على التساؤل؟
الدوحة تُمعن في افتقارها لأي خيالٍ سياسي وهي تستجهل المستمع والمتلقي بالحديث عن احتضان أبو ظبي للثورات المضادة، من دون أنْ تدرك أنّ المستمع يعرف أنّ الدوحة وتركيا-رجب أردوغان هما من قضيا على الثورة السورية. أليس التحالف القطري-التركي هو من استثمر في "جبهة النصرة"؟ أليست أنقرة-أردوغان هي من استخدمت دعم "داعش" وتسهيل مروره إلى سورية أو خروجه منها باتجاه أوروبا ورقةَ ضغط ضد الغرب خدمةً لأجندة سياسية وأهداف تركية يعرفها كل المتابعين؟ هل تجرؤ الدوحة على التساؤل عمن باع الثورة السورية للنظام وروسيا؟ من باع حلب مقابل صفقة "درع الفرات" وعفرين؟ أليست حكومة أردوغان؟ ماذا يعني قبول أنقرة بالتحالف مع إيران وروسيا في الالتفاف على جنيف عبر أستانة وسوتشي؟ كيف تحوّل الأكراد في عُرف "الإخوان المسلمين" السوريين إلى أعداء لأن أردوغان قال ذلك؟ وماذا يفعل "الإخوان" وقطر اليوم بكلام مصطفى مشهور وزينب الغزالي عن أنّ الأكراد إخوة مظلومون وأصحاب قضية عادلة؟! هل مقاتلة عناصر من "الجيش الحر" إلى جانب أنقرة ضد الأكراد في عفرين يخدم الإسلام والمسلمين، كما تريد الدوحة وأردوغان إقناعنا؟ لماذا يحق للدوحة وأردوغان تصنيف من يريدون بالإرهاب، ويلومون الرياض وأبوظبي حين تصنفان "داعش" و"النصرة" و"الإخوان" وحزب الله" والمليشيات الشيعية في العراق إرهابيين؟
الإمارات والإسلام
هل الإمارات تكره الإسلام حين تبني مسجد الشيخ زايد في أبوظبي، ثالث أكبر مسجد في العالم بعد الحرمين الشريفين، وقد تمّ بناؤه كمعلم يحتفي بالحضارة الإسلامية، وكمركزٍ بارز لعلوم الدين الإسلامي؟
إنّ كل من زار الإمارات يكاد يهجس: يصعُب على المواطن والمقيم في دولة الإمارات ألاّ يلتفتَ إلى كثرة المساجد في مدن الدولة، وحُسن رعايتها والاهتمام بها. هل هذه دولة تُحارب الدين، كما تقول الدوحة؟ هل المسلمون في الإمارات يصلّون ويصومون ويحجون بطريقة مختلفة عن باقي المسلمين؟ هل الإمارات تحارب الإسلام، كما تزعم الدوحة، وهي تستعد قريباً لافتتاح حديقة القرآن الكريم في دبي؟ وهل دبي تحارب الإسلام وهي تنظّم أهم مسابقة عربية لحفظ القرآن الكريم؟
النشيد الوطني في دولة الإمارات يصدح بالقول: "عِشتِ لشعبٍ دينهُ الإسلامُ هديهُ القرآنُ... حصَّنتُكَ باسمِ الله يا وطن". هل من يشدو بهذا الكلام في الإمارات غير مسلم أو حكومته تحارب الإسلام، كما تُروّج منابر الدوحة، ليلاً ونهاراً، من دون ملل؟ أين كل هذه المعاني عن المشاركين الثلاثة في برنامج "الجزيرة" المذكور؟ ألم يستحوا من مشاهدٍ ذكي لمّاح يفهم ويدرك ذاك التسطيح والمعالجة القِشرية؟
التحديث السعودي
هي حفلة شتائم واتهامات تقودها "الجزيرة" إذاً، وهي حفلة تبلغ سخريتها الكالحة، ليس في مزاعم تُقارب التشكيك بإسلام الإمارات والسعودية فقط؛ بل كذلك حين تقول "الجزيرة" إن أبوظبي هي من تقود مشروع التحديث الديني في السعودية!! وهي لعبة مكشوفة دأبتْ الدوحة على ممارستها؛ ظناً منها أن ذلك يدقّ إسفيناً في معمار التحالف السعودي-الإماراتي. والغريب أنه لم ينطق أيٌ من المتحدثين الذين استضافتهم "الجزيرة" بكلمة واحدة (من أجل الموضوعية يا جماعة!!) تقول إن مشروع التحديث الاقتصادي والاجتماعي والديني الذي يقوده ولي العهد السعودي، بدعم من الملك سلمان، إنما يستجيب لحاجات محلية سعودية بحتة، وليست إماراتية، وأن من يقوم عليه نخبٌ سعودية وليست إماراتية. لماذا (من أجل شيء من الإقناع يا جماعة!!) لم يقل أحدٌ من ضيوف "الجزيرة" في البرنامج المذكور إنّ لدى السعودية أضعافاً مضاعفة من الكوادر البشرية والنخب المثقفة مما هو لدى الإمارات، فكيف يقبل السعوديون أن يكونوا تابعين للإمارات، كما تزعم "الجزيرة" والمنصات القطرية المختلفة؟
"الجزيرة" وقِصر الذاكرة
تعتمد "الجزيرة" وغيرها من المنصات القطرية على قِصر ذاكرة بعض المشاهدين وهي تتحدث عن الإمارات وتحديث الأزهر الشريف، غافلة عن أن معركة تحديث الأزهر هي معركة مصرية قبل كل شيء، ثمّ لمَ لا تؤيد الإمارات وتساند أي جهد إصلاحي لتحديث الأزهر؟ أليس هذا أفضل من حال "الإخوان" زمن حكم محمد مرسي حين كانوا يريدون، عبر جبهة علماء الأزهر، الإطاحة بشيخ الأزهر والسيطرة عليه، بوصفه قلعة تقليدية وعريقة للإسلام السني؟ ألم يكن في مخططات "الإخوان" زمن رئاسة محمد مرسي تحويل الأزهر إلى واجهة سياسية لـ"الإخوان"، لكنهم فشلوا في ذلك، وها هم اليوم يوجّهون السهام صوب دولة الإمارات بأنها تريد هدم الأزهر؟! أليس هذا معيباً، بكل مقاييس العقل؟ كيف تستقيم اتهامات الدوحة للإمارات والأخيرة تدعم الأزهر، والتراث والثقافة الإسلامية (كمعلمة الشيخ زايد للقواعد الفقهية والأصولية، وكراسي العلوم الإسلامية في الجامعات الغربية)، وجوائز القرآن الدولية، ومشروع طباعة المصحف ومشاريع إطعام ملايين الصائمين ومشاريع بناء المساجد والمرافق الخدمية للدول الإسلامية المستمرة بوتائر عالية جدا؟. الواقع يقول، إنّ حال الدوحة وهي لا ترعوي عن التشكيك بإسلام الناس والدول والتحريض على دول إسلامية إنما يكشف عن خطورة من يتألم من انكشاف مشروعه البائس .. أليس كذلك؟
الدوحة تكره صوتاً آخر
قطر بعد أن أخفق مشروعها في الاستثمار في الإسلام السياسي والجهادي المتطرف، لا تريد أن يظهر صوت من السعودية أو الإمارات ينادي بإسلام متسامح يحضّ على الخير والمحبة والتسامح والقيم الإنسانية المشتركة، ومعانقة أشواق البشر والناس في الانعتاق من تسلّط المتشددين ومن يعتبرون أنفسهم "ناطقين بلسان السماء". إنّ نمط التدين الذي دعمته الدوحة جرّ العالم العربي إلى التطرف والطائفية والدمار، وهي لذلك ترفض من يأتي ويقول ذلك، فكيف بمن يقدّم بديلاً عنه؛ بالرجوع إلى الإسلام الصافي المعتدل، الإسلام الذي عبّرت عنه تجربة الراحل الشيخ زايد الذي تكفّل في عام 2002 بترميم كنيسة المهد في بيت لحم في فلسطين، وبترميم مسجد عمر الذي يقع بجوار كنيسة المهد؛ معتبراً أنّ أماكن العبادة ينبغي أن تُحترم بغض النظر عن طبيعة قاصديها. هل هذا ضد الإسلام، كما تقول "الجزيرة"؟!