بعد ليلة من دق الطبول ومزامير العرس التي يفترض أن تكون "ليلة العُمر"، عادت نورا حسين، 19 عامًا، تلك الفتاة الصغيرة إلى "عش الزوجية" لتجد نفسها وحيدة بين جدرانه برفقة زوجها، فجلست على حافة سريرها تتذكر الأعوام الماضية التي قضتها بسببه ثلاث سنوات هاربة لدى عمتها في ولاية سنّار بوسط السودان بعيدًا عن أسرتها التي كانت ترغمها على الارتباط به، وتسترجع تلك الليلة التي استقبلت فيها حضن عمتها العجوز التي كانت تهنئها بقرار والدها في العدول عن تلك الزيجة مشتاقًا لعودتها إلى المنزل، الأمر الذي استقبلته الشابة بدموع الفرح لكنها لم تكن تعلم حيلة والدها التي دبرها لتعود الصغيرة مثل الفأر إلى المصيدة.
تستفيق الشابة من ذكريات الأليمة على رعشة تنتاب جسدها الهزيل بعد لمسة زوجها وابن عمتها الكبرى، وكأنها إنذار لموعد ذبحها كقربان للقبيلة، لتجد نفسها في محاولة إلى الهرب بإغلاق الحجرة عليها لمدة 4 أيام متواصلة رفضًا لمعاشرته، لتفاجئ في الليلة الخامسة بشقيق زوجها واثنين من أبناء عمها يقيدوها في السرير من أجل إتمام الزيجة بمواقعتها قسرًا.
لم تجد الصغيرة مفرًا من قدرها في الاغتصاب الزوجي أمام أفراد من أسرة زوجها، وبعنف شديد مستهينين بكل الخلق الحميدة والأعراف الإنسانية كافة، وبعد أن قضت ليلة مأساوية، فوجئت الشابة الضعيفة بمحاولة الزوج بالاقتراب منها مرة أخرى عنوة وأمام تهديد زوجها بالذبح حال رفضها له مرة أخرى خضعت المسكينة بعد تلقيها "علقة موت"، لا تزال ندوبها في جسدها الهزيل حتى الآن، فلم تشعر بنفسها إلا وهي تدافع عن جسدها الصغير بطعنه بالسكين تلك التي هددها بها من قبل، بعد أن تركها قرب السرير، لتخلص روحه بخمس طعنات ثلاث في الظهر واثنين في البطن أردته قتيلًا، وتهرع بملابسها الملطخة بالدماء بعدما أخدت هاتفه المحمول ومحفظته وأغلقت باب الشقة في حي المهندسين، لتستقل سيارة أجرة إلى منزل أسرتها في الخرطوم، لتواجه والديها بما اعتبروه "جرمًا" ليسلمها والدها غير نادمًا إلى الشرطة تاركها تلاقي مصير ذنب لم تتسبب فيه "وحيدة دون دعمًا من أحد"، خوفًا من الثأر القبلي بين الأسرتين.
وبعد مرور نحو عام من احتجازها، وجدت الشابة نورا حسين، التي كانت تحلم بتلقي نتيجة الثانوية العامة بعد أن أكملتها بتفوق، نفسها تواجه حكمًا من محكمة جنايات الأوسط أم درمان، بإدانتها بالإعدام شنقًا، بناء على المادة 130 القتل العمد، ليقود الحكم "ثورة" ضد الاغتصاب الزوجي في السودان، بعد أن أطلقت مجموعة "لا لقهر النساء"، السودانية حملة ضد حكم الإدانة الذي أصدرته محكمة سودانية ضد نورا حسين الفتاة المتهمة بقتل زوجها.
وأوضحت أميرة عثمان حامد السكرتير العام للحملة، أن نورا في انتظار تأييد الحكم بالقصاص شنقًا أو قبول أهل زوجها الدية، موضحة أن والد الشابة عقد قرانها منذ أكثر من 3 سنوات كان عمرها نحو 15 عامًا، وهو الأمر الذي رفضته بشدة، حتى بلغ بها الأمر إلى أنها هربت لمنزل عمتها في ولاية سنّار، وظلّت لديها 3 أعوام حتى أنهت المرحلة الثانوية، وعادت المفاوضات بين أسرتها ليؤكد لها والدها أن الزيجة انتهت، وأنه موافق على عودتها لتكمل دراستها الجامعية، وفي الليلة التي عادت فيها فوجئت بأسرتها تحتفل بزواجها وتسليمها إلى زوجها.
وتابعت عثمان لـ"الوطن"، أن القانون السوداني لا يعاقب الزوج على معاشرة زوجته عنوة باعتباره يمارس حقوقه الشرعية، دون الأخذ في الاعتبار رضا الزوجة من عدمه، مشيرة إلى أنه في حالة نورا كان هناك واقعة زواج بالإكراه أيضًا حيث أنه تم توقيع عقد الزواج دون موافقتها مع إصرار والدها على إتمام العقد، وهو ما يعد انتهاكا لحقوقها أيضًا، ولكن لا يوجد نصًا قانونيًا يجرم تزويج المرأة بالإكراه.
وفي السياق ذاته، تقول الناشطة الحقوقية ناهد جبر الله، مدير مركز سيما لحقوق المرأة والطفل، إن دفاع المتهمة نورا بصدد تقديم إفادات بشأن الحالة النفسية للمتهمة، خلال الاستئناف بعد أن رفضت المحكمة شهادة الطبيب النفسي، الذي أفاد بأن المتهمة تعرضت إلى عنف نفسي وجسدي شديد كما أنه تم انتهاك حقوقها الآدمية والأخلاقية بشكل عنيف، وهو ما وضعها في حالة من الدفاع عن النفس ارتكبت على إثرها الجريمة، إضافة إلى تنفيذ الزواج رغمًا عنها رغم أنها ضحية لظاهرة تزويج الأطفال قسريًا في السودان حيث أنه تم عقد قرانها في الـ15 عامًا، وأصر والدها على تنفيذ الزواج بعد خداعها رغمًا عن رفضها وذلك بدليل هربها لدى عمتها لمدة 3 سنوات، كما أنها قاومت زوجها لمدة 5 أيام حتى بلغ الأمر إلى اغتصابها أمام شقيقه واثنين من أبناء عمهم.
وأضافت ناهد جبر الله، أن المتهمة روّت لها أنه في الليلة التي تلت الاغتصاب حاول زوجها مواقعتها مرة أخرى لكنها رفضت الأمر الذي ترتب عليه قيامه بتعنيفها بالضرب المبرح حتى أنها لديها ندبة لا تزال أثرها على كتفها الأيسر إثر "عضة" من الزوج، وفرت منه إلى المطبخ لتجد أمامها سكين مطبخ استلته دفاعا عن نفسها وطعنته، وذلك على خلاف ما تناولته وسائل الإعلام أنها قتلته خلال المعاشرة الزوجية.
وتابعت الناشطة الحقوقية، أن المتهمة محبوسة على ذمة القضية منذ نحو عام في انتظار الحكم عليها، كما أنها تقضي يومها في السجن بين تلاوة القرآن وقراءة الكتب القانونية، في محاولة لإحياء حلمها القديم بدخول كلية الحقوق، مؤكدة أن الشابة تتحلى بالقوة والجلد، كما أنها تحاول دومًا ابعاد أهلها عن القضية خوفًا من الثأر، وأنها مقدرة تمام لموقفهم في تركها وحيدة داخل محبسها.
وأوضحت أن المركز تبنى إطلاق حملة "العدالة لنورا" لجمع توقيعات بشأن الاعتراف بالاغتصاب الزوجي كجريمة، إضافة إلى تقنين زواج الأطفال الذي كانت نورا ضحية له.