حتى وقت قريب كان يُنظر إلى الهند باعتبارها ديمقراطية راسخة ونموذجاً يُحتذى به في تطبيق قيم الحرية والعدالة. لكن كل هذا تغير تماماً منذ تولى رئيس الوزراء ناريندرا مودي السلطة في عام 2014 وأصبح التزام الهند بهذه القيم موضع شك وتساؤل. فما هي الأسباب وهل من الممكن عودة الهند كنظام ديمقراطي عالمي، هذا ما سنجيب عليه في السطور القادمة.
لقد بذلت الحكومة اليابانية جهوداً حثيثة في الأعوام الأخيرة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية مع الهند، وهو ما يبرّر توددها لنيودلهي من الناحية الإيديولوجية. وينص بيان رؤية آبي- مودي لعام 2018 على أن ”الشراكة تقوم على القيم المشتركة للحرية والإنسانية والديمقراطية والتسامح واللاعنف“، وقد أكد قادة البلدين هذه المعاني السامية في مناسبات أخرى. وعلى نحو مماثل، أكد المشاركون في الحوار الأمني الرباعي، وهو حوار استراتيجي يشمل أستراليا والولايات المتحدة إلى جانب اليابان والهند، على التزام المجموعة بالمبادئ الديمقراطية والشمولية في ”منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة“.
لكن القيم والآليات التي تقوم عليها الديمقراطية الهندية تعرضت لهجوم متواصل منذ تولى رئيس الوزراء ناريندرا مودي منصبه في عام 2014، وتسارع هذا الاتجاه منذ إعادة انتخابه في عام 2019. وقد أدت التغيرات التي اجتاحت الهند خلال فترتي ولاية مودي في منصبه إلى تحويل عبارات مثل ”الالتزام المشترك بالقيم العالمية“ إلى مجرد دبلوماسية مبتذلة خالية من الجوهر.
تغير صورة الهند على الساحة العالمية
في السنوات الأخيرة، أيقن عدد متزايد من الباحثين وعلماء السياسة في المنطقة إلى أن الهند فقدت كل ما يؤهلها لتكون دولة ديمقراطية حقيقية. وقد وجد هذا التقييم القاتم أصداءً في بعض مؤشرات الديمقراطية الأكثر احتراما في العالم.
في الملخص التنفيذي لتقريره عن الديمقراطية لعام 2020، أفاد معهد V-Dem ومقره السويد أن الهند كانت على وشك فقدان مكانتها كدولة ديمقراطية بسبب التقلص الشديد في المساحة المتاحة لوسائل الإعلام والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والمعارضة في ظل حكومة رئيس الوزراء مودي. وحذر تقرير الحرية في العالم 2020، الذي يصدر عن مؤسسة فريدوم هاوس ومقرها الولايات المتحدة، من أن انحرافات الحكومة الهندية، المثيرة للقلق، عن المعايير الديمقراطية في ظل حكومة رئيس الوزراء مودي يمكن أن تطمس التفوق القائم على القيم بين بكين ونيودلهي، حتى في الوقت الذي تتودد فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها (مثل اليابان) إلى الهند باعتبارها ثقلاً ديمقراطياً موازناً للصين. وفي مؤشر الديمقراطية لعام 2020 الذي نشرته وحدة استخبارات الإكونوميست، واصلت الهند تراجعها.
في العام التالي، أصدر معهد V-Dem ومؤسسة فريدوم هاوس أحكامًا أكثر قسوة. ففي تقريرها لعام 2021، خفّض معهدV-Dem تصنيف الهند من ديمقراطية انتخابية إلى استبدادية انتخابية. وفي الحرية في العالم 2021، انخفض تصنيف الهند من ”حرة“ إلى ”حرة جزئياً“.
وجدير بالذكر أن إدارة مودي قد رفضت بشدة أي إشارة إلى تراجع الديمقراطية في الهند. في مارس/آذار 2021، ورداً على التقرير الذي نشرته مؤسسة فريدوم هاوس، أصدرت الحكومة دحضاً رسمياً ووصفت التقييم بأنه ”مضلل، وغير صحيح، وفي غير محله“. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، نشر المجلس الاستشاري الاقتصادي لرئيس الوزراء ورقة عمل بعنوان ”لماذا يظهر أداء الهند سيئاً في المؤشرات العالمية“. بعد انتقاد المنهج التعسفي والاستنتاجات التي توصلت إليها المؤشرات الثلاثة المذكورة أعلاه، أوصى المؤلفون بتشجيع مؤسسات الفكر والرأي الهندية المستقلة على إنشاء مؤشرات عالمية مماثلة تعتمد على الملاحظة من أجل كسر احتكار حفنة من المؤسسات الغربية لهذا المجال.
في يونيو/ حزيران 2023، ذكرت صحيفة الغارديان أن كبار المسؤولين في إدارة مودي كانوا يجتمعون سرا لمناقشة هذه التصنيفات المنخفضة وسبل تحسين صورة الهند، مع التركيز بشكل خاص على مؤشر الديمقراطية الصادر عن وحدة استخبارات الإكونوميست (الذي يصف الهند بأنها ”ديمقراطية منقوصة“). أشارت مصادر المقال إلى مخاوف الإدارة الهندية من أن مثل هذا التصنيف قد يضر بسمعة الهند الدولية ويؤثر على الاستثمار.
ومن بين الإجراءات المضادة الأكثر وضوحا التي اتخذتها حكومة مودي، كانت الحملة الإعلامية التي تركز على الديمقراطية في الهند القديمة، والتي تم إطلاقها بعد تولي الهند رئاسة مجموعة العشرين في ديسمبر/ كانون الأول 2022. وخلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي في سبتمبر/ أيلول 2023، أقامت الحكومة معرضا ووزعت كتيبا حول موضوع ”أقدم ديمقراطية في العالم“. ويرى العديد من المراقبين أن هذه الفكرة اللامنطقية التي تصوّر الهند على أنها مهد الديمقراطية لا تعكس إلا رغبة حكومة مودي اليائسة في إنقاذ سمعتها الدولية.
بطبيعة الحال، ليست هذه هي المرة الأولى التي يشير فيها الخبراء إلى أن ”أكبر ديمقراطية في العالم“ قد لا تكون ديمقراطية إلى هذا الحد. ولكن يبدو أن الاتجاهات الأخيرة تشير إلى تحول جوهري من الديمقراطية إلى الاستبداد.
الدعوة علناً إلى الإبادة الجماعية
هناك تطوران أساسيان ألقيا بظلال من الشك على قوة الديمقراطية في الهند منذ صعود حزب بهاراتيا جاناتا القومي بزعامة ناريندرا مودي إلى السلطة في عام 2014، وتحديداً منذ أن حصل مودي على ولاية ثانية في عام 2019.
الأول هو تآكل آليات المساءلة الضرورية لديمقراطية فاعلة. لقد أصبحت الهيئة التشريعية التي يسيطر عليها حزب بهاراتيا جاناتا روتينية في مداولاتها ومتراخية في التزامها بالإجراءات البرلمانية، كما أصبحت أحكام القضاء تميل على نحو متزايد إلى الموافقة تلقائياً على قرارات الحكومة. وقد تم استخدام وكالات التحقيق لقمع السياسيين المعارضين والمنشقين ”بشكل قانوني“، فضلاً عن تعريض استقلالية هيئات الرقابة مثل لجنة الانتخابات والمراقبين الماليين ومراجع الحسابات العام للخطر. وفي الوقت نفسه، استخدمت الحكومة سياسة العصا والجزرة بذكاء للسيطرة على وسائل الإعلام الكبرى، بما في ذلك التلفزيون والصحف، في حين قامت بكبح جماح جماعات المجتمع المدني، مثل المنظمات غير الحكومية، بقوانين وأنظمة أكثر صرامة. وبهذه الطريقة، تم انتزاع سلطات المؤسسات المصممة لمراقبة أداء الحكومة حتى وإن بقت سليمة ظاهرياً.
منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، ظلت الديمقراطية متعثرة على مستوى العالم، وقد أضافت الاتجاهات الأخيرة مزيداً من المخاوف بشأن صعود الاستبداد. ولعل روسيا وفنزويلا وتركيا والمجر وبولندا هي الحالات الأبرز للديمقراطية التي تفسح المجال تدريجياً للاستبداد. والآن تجذب الهند الانتباه باعتبارها مثالا رئيسيا آخر.
أما التطور الثاني المثير للقلق في الهند فهو تراجع العلمانية ــ التي اعتُبرت لفترة طويلة عقيدة أساسية للسياسة الوطنية ــ في مواجهة صعود القومية الهندوسية، التي استقرت في قلب السياسة الهندية.
القومية الهندوسية (يشار إليها أيضًا باسم هندوتفا) هي أيديولوجية سياسية شديدة الإقصاء وتفتقر إلى التسامح تنظر إلى الأغلبية الهندوسية في الهند (التي تمثل 80٪ من السكان حسب تعداد عام 2011) على أنها كتلة لا يمكن فصلها عن الأمة الهندية وتسعى إلى إعادة تعريف الهند كدولة من الهندوس وإلى الهندوس.
تشكل منظمة RSS (راشتريا سوايامسيفاك سانغ)، وهي منظمة قومية هندوسية واسعة النطاق، القاعدة السياسية لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم. تأسست منظمة RSS في عام 1925، ويُزعم أن لها روابط تاريخية وثيقة مع الفاشية، ومن بين أعضائها قاتل المهاتما غاندي، أبو استقلال الهند. ارتقى رئيس الوزراء مودي، وهو عضو منذ فترة طويلة في منظمة RSS، إلى مكانة سياسية كبيرة حتى وصل إلى أعلى منصب في البلاد، ويشغل أعضاء المنظمة اليوم العديد من المناصب الحكومية والحزبية الرئيسية.
في السنوات العشر التي تلت تولي مودي منصبه لأول مرة، أصدرت الحكومة الوطنية وحكومات الولايات في الهند سلسلة من القوانين التي أدت إلى تآكل الحقوق المدنية للأقليات الدينية. وقد كان التركيز الرئيسي لهذه الحملة منصباً على المسلمين، وهم أكبر أقلية دينية في البلاد حيث يمثلون 14.2% من السكان. علاوة على هذه القوانين التمييزية، شجع الزعماء القوميون الهندوس، بما في ذلك سياسيو حزب بهاراتيا جاناتا، المقاطعة المناهضة للمسلمين، وخطاب الكراهية، بل وحتى ممارسة العنف المباشر كجزء من جهد ممنهج لتهميش المسلمين في البلاد.
على سبيل المثال، في أكتوبر/ تشرين الثاني 2022، وأثناء حدث عام في دلهي، دعا أحد أعضاء البرلمان عن حزب بهاراتيا جاناتا إلى مقاطعة كاملة ضدهم، في إشارة واضحة إلى المسلمين، حيث صاح قائلاً ”كرروا بعدي!“، ”سوف نقاطعهم! لن نشتري أي شيء من محلاتهم! لن نعطيهم أي عمل!“.(*١)وفي مناسبات أخرى، ذهب بعض المتطرفين إلى أبعد من ذلك، فدعوا ضمنيًا إلى التطهير العرقي وحتى الإبادة الجماعية. وقد مر مثل هذا الخطاب دون أي إجراء رادع من قبل الشرطة. (*٢)في بعض الولايات التي يسيطر عليها حزب بهاراتيا جاناتا، أمرت السلطات بهدم المنازل والشركات المملوكة للمسلمين في إطار عقوبات بإجراءات موجزة ضد المسلمين في أعقاب وقوع اشتباكات دينية. حتى أن بعض أنصار حزب بهاراتيا جاناتا اتخذوا من الجرافة رمزاً للعدالة.(*٣)
انسداد الأفق السياسي
في عالم السياسة، أدى صعود حزب بهاراتيا جاناتا إلى تآكل تمثيل المسلمين. وفي يوليو/تموز 2022، وجد البرلمان نفسه بدون عضو مسلم واحد في الحزب الحاكم لأول مرة في التاريخ.
ورغم وصف رئيس الوزراء مودي الدستور الهندي بأنه ”أعظم وأقدس نص في البلاد“، إلا أنه في السنوات العشر الماضية، تعاملت إدارة مودي بخشونة مع المبادئ الأساسية للدستور في حين قامت تدريجيا بتفكيك الضمانات المؤسسية المصممة لمنع تآكله. إن عدالة ”الجرّافات“ تزيح مُثُل العدالة والإنصاف المنصوص عليها في الدستور.
ولسوء الحظ، يبدو من المرجح أن يستمر هذا الاتجاه، حيث تستعد الأحزاب السياسية في الهند لإجراء الانتخابات العامة في عام 2024 (ربما في شهري أبريل/ نيسان ومايو/ أيار)، ومن المتوقع أن يهيمن حزب بهاراتيا جاناتا على الانتخابات مما يعني ولاية ثالثة لمودي وخمس سنوات أخرى في ظل نظام حقق بالفعل تقدما مثيرا للقلق في مساره لتطبيع القومية الهندوسية والحط من شأن الديمقراطية الهندية.
(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: رئيس الوزراء ناريندرا مودي يتحدث في تجمع سياسي في حيدر أباد، الهند، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2023. © أ ف ب/ جيجي برس)
(*١) ^ راجع قناة تلفزيون نيودلهى المحدودة NDTV، ”بعد دعوة عضو البرلمان في حزب بهاراتيا جاناتا لمقاطعة مجتمعية، تم رفع قضية ولكن ليس على الكلام“، 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
(*٢) ^ راجع موقع The Wire الإخباري الهندي، ”قادة الهندوتفا في حدث هاريدوار يدعون إلى الإبادة الجماعية للمسلمين“، 22 ديسمبر/ كانون الأول 2022.
(*٣) ^ راجع هيومن رايتس ووتش، ”الهند: تصاعد العقوبات بإجراءات موجزة ضد المسلمين“، 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | هل تتحول الهند إلى نظام استبدادي في ظل تولي ناريندرا مودي رئاسة الوزراء.. مخاوف وتساؤلات لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.