في خطابه الأخير، بدا الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم كمن "يهيئ" جمهور الحزب ومؤيّديه، في مكانٍ ما، لاحتمال نجاح مفاوضات وقف إطلاق النار، التي وصلت مع زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكستين الأخيرة إلى أكثر مستوياتها "جدّية" على الإطلاق، ولو أنّه حرص على الإبقاء على الجاهزية الميدانية، من خلال التهديد بضرب وسط تل أبيب، ردًا على الاعتداءات الإسرائيلية في قلب بيروت، من راس النبع إلى مار الياس وزقاق البلاط.
وعلى الرغم من "الفجوات" التي يبدو أنّها لم تُحَلّ بصورة كاملة بعد، حاول الشيخ قاسم في كلمته، دحض منطق "الهزيمة" الذي يحاول البعض الترويج له في الحديث عن اتفاق وقف إطلاق النار، وذلك بالإشارة إلى "سقفين للتفاوض" هما حفظ السيادة اللبنانية، ووقف الحرب الإسرائيلية بالكامل، وبالتالي التأكيد على إفشال "مخطّط" إسرائيل بما سُمّيت بـ"حرية الحركة" في الداخل اللبناني، للردّ على أيّ اعتداءات مستقبلاً، تحت شعار "الدفاع عن النفس".
وإذا كان الرجل حاول أيضًا تغليب منطق "الانتصار"، في حال حصل وقف إطلاق النار اليوم قبل الغد، باعتبار أنّ الأهداف المُعلَنة إسرائيليًا من الحرب لم تتحقّق في الميدان، ومنها القضاء على القدرة الصاروخية للحزب، فإنّ هناك من يعتبر أنّ الحزب في المقابل تخلّى عن الكثير من الثوابت التي أعلنها منذ اليوم الأول، بما في ذلك مبدأ "التفاوض بالنار" الذي كان مرفوضًا لديه، فضلاً عن "الترابط التلقائي" بين جبهتي لبنان وغزة، في كلّ الظروف.
أكثر من ذلك، ثمّة من يعتبر أنّ الكلفة الباهظة التي دفعها الحزب في هذه الحرب، وقد خسر فيها "أغلى ما يملك" حرفيًا، ولا سيما بعد اغتيال أمينه العام السابق السيد حسن نصر الله، الذي يتخطّى بشخصه نفوذ "حزب الله" ككلّ، لا تتيح الحديث عن "انتصار" تحت أيّ حال من الأحوال، وهو ما يدفع إلى السؤال فعليًا عن موازين الربح والخسارة التي ينطلق منها الحزب، وكيف يقارب بناءً عليها الاتفاق الموعود، في العلن وفي الغرف المغلقة.
في المبدأ، قد لا تبدو الصورة العامة لصالح "حزب الله"، بغضّ النظر عن "خطاب الانتصار" الذي لا يمكن للقيادة أن تتبنّى غيره، فالخسائر التي مُني بها على امتداد هذه الحرب، كانت أقسى من قدرته على تحمّلها، ولو صحّت فرضية أنّ "نهوضه واستعادته عافيته" بعدها كان بمثابة "معجزة"، كما أنّ قبول الحزب بوقف إطلاق النار، بالشروط الموضوعية المطروحة حاليًا، قد ينطوي في مكان ما، على "تراجع تكتيكي" لا يمكن للحزب نكرانه.
صحيح أنّ الجانب الإسرائيلي في المقابل، لا يمكن أن يصنّف منتصرًا، وهو الذي عجز عن تحقيق أهدافه المُعلَنة من الحرب، فقفز إلى الأمام عبر القصف الجوي والقتل والتدمير، وصولاً إلى الإبادة، لكنّ الصحيح أيضًا أنّ "حزب الله" ما بعد هذه الحرب لا يمكن أن يكون نفسه ما قبلها، وقد خسر الكثير من "هيبة الردع"، ولو استطاع أن "يقارع" إسرائيل حتى اليوم الأخير، برشقات صاروخية لم تستطع إسرائيل وضع حدّ لها رغم المحاولات المضنية لذلك.
يقول أصحاب هذا الرأي إنّ مشكلة "حزب الله" الجوهرية في هذه الحرب تمثّلت في "تقديراته الخاطئة"، فهو حين فتح "جبهة الإسناد" لأسباب مبدئية، ترتبط بانسجامه مع ذاته، كان مقتنعًا بأنّ إسرائيل لن تعمد إلى توسيعها، حتى إنّه بقي ملتزمًا بقواعد الاشتباك التي حكم نفسه بها، رغم الاغتيالات التي شملت كبار قادته، ليتبيّن بعد ذلك، خصوصًا مع "مجزرة البيجر" الصادمة والغادرة، أنّ إسرائيل أعدّت العدّة جيّدًا لهذه الحرب، ومنذ فترة طويلة.
حتى في اتفاق وقف إطلاق النار، يتحدّث العارفون عن "دفّة" لا تميل لصالح الحزب، الذي اضطر لتبرير تراجعه "التكتيكي" عن بعض المعادلات التي أطلقها، بما في ذلك قوله إنّ وقف إطلاق النار لن يحصل قبل انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، فضلاً عن رفضه مبدأ "التفاوض بالنار"، ليقبل به أخيرًا تحت عنوان أنّ إسرائيل أيضًا "تحت النار"، علمًا أنّ المبدأ يعني استمرار الحرب على ضفّتيها، وليس على ضفة واحدة بطبيعة الحال.
قد يكون كلّ ما سبق صحيحًا، ولا سيما أنّ "حزب الله" لم ينكر في أيّ مناسبة حقيقة أنّ الخسائر التي تعرّض لها في هذه الحرب كبيرة وقاسية ومؤلمة، وهو الذي لا يستطيع حتى الآن "استيعاب" معنى خسارة أمينه العام السيد حسن نصر الله، ولم يقدَّر له حتى الآن أن يقيم له الوداع "اللائق"، إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّ قراءة موازين الربح والخسارة لا تستند فقط إلى حجم الخسائر، بل إلى النتائج المحققة، ومدى تناغمها مع الأهداف المُعلَنة، وهنا بيت القصيد.
يقول العارفون بأدبيات "حزب الله" إنّ المُستغرَب هو أن يلوم البعض الحزب على قبوله بوقف إطلاق النار، بمُعزَل عن كل التفاصيل، على الرغم من أنّ الحزب لم يكن مرّة معارضًا للمبدأ بالمُطلَق، إذ إنّ الشيخ قاسم كان أعلن أكثر من مرّة جاهزيّته له، لكن من دون أن يظهر بمظهر من "يستجديه"، كما أنّ تسريبات كثيرة تؤكد أنّ السيد حسن نصر الله كان قد أعطى الضوء الأخير للسير باتفاق مماثل، قبل أن "تغدره" إسرائيل وتقدم على اغتياله.
بهذا المعنى، يشدّد العارفون بأدبيّات الحزب على أنّ الأخير كان منذ اليوم الأول جاهزًا للاتفاق، بشرط أن يلبّي تطلّعاته، وبالتالي لا يشكّل "رضوخًا" للشروط الإسرائيلية، ولا سيما منها تلك "المُذِلّة"، من نوع الاحتفاظ بحرية الحركة في الداخل اللبناني، تحت أيّ ذريعة، وهو ما فُهِم منه ضمنًا رغبة إسرائيلية بـ"استنساخ" نموذج الضفة الغربية في لبنان، وهو ما كان لبنان الرسمي، ومن خلفه "حزب الله"، حازمًا في رفضه والتصدّي له في الشكل والمضمون.
أما مبدأ "فصل الجبهات"، فيقول العارفون بأدبيّات الحزب، إنّه أصبح "خلف ظهرنا"، من اللحظة التي تحوّل فيها الصراع من "جبهة إسناد" إلى "حرب إسرائيلية شرسة" ضدّ لبنان، وبالتالي فحتى لو حافظ "حزب الله" على ثابتة "الدفاع عن غزة" في بياناته العسكرية طيلة الفترة الماضية، إلا أنّ عنوان المعركة اختلف، وأصبح التصدّي للعدوان على لبنان هو الأساس، وبالتالي فإنّ وضع حدّ لهذا العدوان أصبح هدفًا بحدّ ذاته، بمعزل عن كل شيء آخر.
بموازين الربح والخسارة، يحاول "حزب الله" أن يقول إنّ اتفاق وقف إطلاق النار اليوم يجعله "منتصرًا"، فهو بصموده وثباته أفشل أهداف العدوان بالقضاء عليه، كما أنّه بعملياته "الدقيقة" أكد احتفاظه بقدراته الصاروخية، بعكس ما روّج له الإسرائيلي. لكن، أبعد من هذه العناوين، ثمّة من يسأل عن معنى "الانتصار"، إذا كان من شأنه منع "حزب الله" من الثأر لقائد بحجم السيد حسن نصر الله، الذي لم يصدّق كثيرون بعد أنّه اغتيل فعلاً...
كانت هذه تفاصيل خبر موازين الربح والخسارة... كيف يقارب "حزب الله" وقف إطلاق النار؟! لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على النشرة (لبنان) وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.