ابوظبي - سيف اليزيد - إبراهيم سليم (أبوظبي)
من المتوقع أن يشهد التعليم، خلال فترة الأعوام الخمسة إلى العشرة المقبلة، تحولات نوعية، وتعزيز مهارات جديدة تدعم الإبداع والابتكار، بفضل الثورة التكنولوجية المتسارعة، ودمج الذكاء الاصطناعي في العديد من جوانبه في صلب العملية التربوية. وقد أجمع مختصون وخبراء على أن دولة الإمارات هي الأكثر تطوراً في مجال التعليم، وتملك بنية تحتية متطورة، قادرة على مجاراة المستجدات العالمية في عالم التكنولوجيا وما تتطلبه من خريجين مؤهلين، وتجسير الفجوة التقنية، وخاصة أن الذكاء الاصطناعي أصبح يحقق طفرات تتطلب مجاراتها، وتوظيفها لتحقيق مختلف مشروعات التنمية المستدامة.
وهذا ما أدركته مبكراً دولة الإمارات وقيادتنا الرشيدة، التي تواصل التزامها باعتماد الابتكار منهجاً في مختلف توجهاتها ضمن قطاع التعليم، كتطوير المناهج الوطنية وتوسيع نطاق المدارس، لتحقيق مستهدفات التعليم في المستقبل، ومواكبة التطورات العلمية السريعة، واعتماد التقنيات والتكنولوجيا والرقمنة في مجال التعليم، وتمكين وتكوين التربويين المستعدين للمستقبل. وتواجه القائمين على التعليم وواضعي السياسات في المنطقة العربية عموماً تحديات منشؤها الثورة التكنولوجية المتسارعة، التي تتطلب مشاركة مجتمعية، إذ إن بيئة التعليم الحديثة أصبحت تفاعلية، استكشافيه، مفتوحة، مرئية، في حين ما زال بعضهم يعتمد أسلوب التلقين، فبرامج التعليم التي طبقت السنوات الماضية، والخاصة بإعداد الخريجين للولوج إلى سوق العمل، قد لا تتفق أحياناً مع المستجدات، وتحتاج إلى تحديث مستمر، ويقول خبراء ومختصون: إن ما كان في السابق محصوراً على التعليم في الجامعة، أصبحت الآن عملية تعليمه في المراحل الابتدائية أكثر إلحاحاً، وضرورة حتمية، للعمل سد الفجوة بين مهارات الخريجين ومتطلبات سوق العمل، حيث باتت تختفي كل عام مهن، أو يقل الطلب عليها، وتظهر مهن أخرى وأعمال تتطلب مهارات خاصة تتماشى مع الطلب المحلي والعالمي.
الذكاء والبرامج
أكد الدكتور ديفيد سانتاندرو، مدير تطوير البرنامج التعليمي في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، أن من المتوقع أن يشهد التعليم طفرات نوعية هائلة مدفوعة بدمج الذكاء الاصطناعي في العديد من جوانبه التربوية. وعلى رغم الفرص الواعدة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في تخصيص التعليم والتقييمات التكيفية والمهام الإدارية المحسنة، فإنه يفرض في ذات الوقت العديد من التحديات والتحولات الجذرية الكبيرة. ومن التحديات الرئيسة في هذا المجال إمكانية تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية، إذ إن القدرة على الوصول إلى الأدوات والمصادر المعززة بالذكاء الاصطناعي قد لا تكون متكافئة بين العديد من الأنظمة الاجتماعية الاقتصادية في مختلف أنحاء العالم. وفي حقيقة الأمر، فإن الوصول غير المتكافئ إلى التكنولوجيا قد يفاقم أيضاً الفجوة بين الطلاب والمدرسين من الخلفيات المحظوظة والأقل حظاً، ما قد يسهم بدوره في خلق فجوة رقمية أخرى، إضافة إلى ذلك، فإن استبدال بعض الأدوار التعليمية والمهنية التقليدية المحددة بتطبيقات وحلول ذكاء اصطناعي أكثر كفاءة قد يسهم في زيادة المخاوف بخصوص إلغاء بعض الوظائف، والحاجة إلى صقل وتحسين مهارات المدرسين والإداريين والطواقم المهنية للتكيف معها.
وإلى جانب ذلك، فإن ضمان الاستخدام الأخلاقي والمستدام والمسؤول للذكاء الاصطناعي في الأنظمة التعليمية يفرض هو الآخر تحدياً معقداً، إذ تتطلب القضايا المتعلقة بخصوصية البيانات وتحيز الخوارزميات والمساواة الرقمية، أخذها في الاعتبار أيضاً بعناية. كما أن الوتيرة المتسارعة للتقدم التكنولوجي قد تفوق قدرة بعض المؤسسات التعليمية على التكيف بسرعة، ما يقود إلى تنامي فجوة المهارات الرقمية بين المدرسين والطلاب. ولذلك، فإن تجاوز هذه التحديات يتطلب وضع معايير سياسات استباقية، وإجراء تطوير مهني مستمر للمدرسين، وتدريب الطلاب، والتعاون بين أصحاب العلاقة من أجل الاستفادة من الإمكانات التحولية التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي في قطاع التدريس والتعليم.
وتعمل جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي على تحييد أي أثر لهذه التحديات من خلال الأبحاث والتعاون لجعل نماذج اللغات الكبيرة (LLMs) أكثر توافراً في مجموعات أوسع من اللغات. وكانت الجامعة قد تعاونت مع «بيتوم» (Petuum)، و«سيريبراس» (Cerebras) على تطوير نموذج اللغة الكبيرة (LLM360) الذي يتيح للمطورين تطوير نماذج لغات كبيرة بسهولة وسرعة وكفاءة أكبر من خلال تمكينهم وتزويدهم بمعلومات ومنهجيات مفصلة في هذا الإطار.
كما تعمل جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي على تحسين إمكانية الحصول على التعليم، وذلك باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي و«ميتافيرس». وتجدر الإشارة هنا إلى أن فرص التعليم لا تزال هي التحدي الأكبر في العديد من مناطق العالم، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 60 مليون طفل محرومون من مقاعد في المدارس. وتقوم جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي أيضاً بإجراء دراسة حول حل نقل آني عن بُعد وافتراضي لمنصة «ميتافيرس» معزز بالذكاء الاصطناعي، قد يساعد في إتاحة إمكانية الدراسة، والتعلم عن بُعد من خلال تزويد الأطفال في المناطق النائية بفرص حضور المدارس افتراضياً.
الابتكار والتميز
ومن جانبه، وضع الدكتور خليفة الظاهري، مدير عام جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، تصوراً لتكامل اتجاهات السياسة التعليمية العالمية لتعزيز الابتكار والتميز في مجال العلوم الإنسانية على وجه التحديد، وأشار إلى تركيز السياسات التعليمية العالمية على عدد من المحاور، منها على سبيل المثال: «جودة التعليم» التي يدل تحقيقها على كفاءة العملية التعليمية، وتحسين نوعية التعليم، والارتقاء بمستواه إلى الأفضل، وتقيس جودة التعليم مدى تحقيق الجامعات لأهدافها ورسائلها ورؤاها، بالإضافة إلى الوقوف على جودة البرامج والمساقات المطروحة، والتأكد من تحقيق المخرجات التعليمية للبرامج الدراسية، وجودة البيئة الأكاديمية الجامعية وبنيتها التحتية.
وأضاف أن الأمر الثاني يتطلب التركيز على مهارات جديدة تدعم الإبداع والابتكار، وهي خمسة مجالات: مهارات القيادة، مهارات الاتصال، مهارات التفكير والبحث وحل المشكلات، مهارات توظيف التكنولوجيا، ومهارات العمل التعاوني.
ولفت إلى أن الأمر الثالث يتطلب استلهام التاريخ والتراث لبناء الهوية الوطنية، وتعزيز قيم التسامح والتعايش واحترام الآخر، الأمر الذي يساهم في تعزيز قيم المواطنة والمسؤولية الاجتماعية، وتعميق روح الانتماء والولاء للوطن والمجتمع.
وكذلك تطوير الأنظمة التعليمية، وبناء القدرات وتنمية المهارات، حيث شهد العالم مؤخراً تطوراً متسارعاً في هذا المجال، وهناك مرحلة قادمة جديدة تركز فقط على المبدعين والمفكرين واستثمار عقولهم ليكونوا صناعاً للمعرفة والأفكار الإبداعية، وهذا يتطلب سياسة تربوية تضمن تحقيق هذه الأهداف. وكذلك توظيف استراتيجيات اتصال وتعلم جديدة مثل البيئات التعليمية الافتراضية، والبيئات المُعزِّزة، وتوظيف التعليم المدمج، وهذه الأنواع من التعليم تحتاج إلى مهارات عالية في البرمجة والتصميم، بالإضافة إلى سياسات جديدة تضمن الخصوصية، وحماية الملكية الفكرية.
وأضاف أن من العوامل التي يجب مراعاتها «تعزيز الرفاه الاجتماعي»، المستند إلى عدد من الجوانب منها: مهارات الاقتصاد المعرفي، والصحة النفسية، ومهارات الاتصال الفعالة، وبرامج الدعم النفسي الاجتماعي والإرشاد النفسي، وهذه الجوانب تحتاج إلى سياسات تعليمية تتوافق مع مستجدات العصر، وكذلك تطور إدارة العمليات التعليمية، التي بدأت بالتغيّر نحو الانفتاح، وهذا التحول الجديد في القيادة التعليمية يتطلب عدة مكونات منها: برامج نوعية لبناء القدرات والتنمية المهنية، واعتماد نظام مساءلة وجودة نوعي وفعَّال.
وتعمل الجامعة على: «بناء استراتيجية للتنوع والدمج في التعليم، وانتهاج أساليب تدريس متنوعة في كل أنشطة الجامعة التدريسية، وهي: التدريس التقليدي على مقاعد الجامعة، بالإضافة إلى توظيف التكنولوجيا في التدريس من خلال منصة التعليم الإلكتروني، وتوظيف التعليم المدمج، والتعلم عن بُعد». وتطوير البرامج الدراسية المطروحة، وتعديل خطط المساقات، وطرح برامج أكاديمية جديدة غير مسبوقة، مثل برامج التسامح والتعايش، والاجتهاد الشرعي في القضايا المعاصرة، وفقه الخطاب الشرعي.
وتابع الظاهري مضيفاً أيضاً: «دعم البحث العلمي وتشجيعه»، وتشجيع تأليف الكتب والمقررات الجامعية، ما يساهم في تحسين جودة التعليم، وتطوير المناهج الدراسية، وتحقيق التميّز العلمي، وإصدار المجلات العلمية المُتخصِّصة، فقد أطلقت جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية ثلاث مجلات علمية محكّمة متخصصة في الدراسات الفلسفية، والإسلامية، واللغويات التطبيقية، بالإضافة إلى مجلة طلابية، ومجلة أخرى مُتخصِّصة في عرض ومراجعة الكتب الحديثة، وكذلك تعزيز الشراكات مع المجتمع المحلي والعالمي، فالجامعة منخرطة في المؤتمرات العلمية العالمية، ولديها تمثيل دولي ومحلي قويان، ومن خلال تلك الشراكات تقف الجامعة على احتياجات المجتمع المحلي والعالمي، وتستفيد من الخبرات والقدرات.
وفيما يتعلق بالتدابير المعمول بها لتشجيع التعاون بين العلوم الإنسانية وتخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لتعزيز الابتكار والتميز، أكد مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية وجود عدة مبادرات قامت بها الجامعة في هذا السياق، منها: «تكوين جيل يتميز بالكفاءة وروح الابتكار»، وسعياً لتحقيق ذلك فقد اشتملت خطة البكالوريوس الدراسية على مساق متخصص في هذا الموضوع، هو «مناهج البحث والابتكار»، وتشتمل خطط البكالوريوس في الجامعة على عدة مواد تكنولوجية تقنية، كما ستطرح الجامعة قريباً برنامج بكالوريوس متخصصاً في موضوعي علم الاجتماع والتسامح والتعايش، وسيدعم هذا البرنامج تنافسية الخريجين في سوق العمل، وسيزيد من فرصهم الوظيفية، كما ستطرح الجامعة برنامج ماجستير دراسات الأديان، وسيغطي البرنامج موضوعات دينية، وفلسفية، وتاريخية، وثقافية، وسيتم تدريس نصف مساقات هذا البرنامج باللغة الإنجليزية.
وأشار إلى تنظيم الجامعة مؤتمر اللسانيات الحاسوبية واللغة العربية، وذلك بهدف إقامة شراكات علمية ودراسات بينية في مجال حوسبة اللغة، كما تقدم الجامعة منحاً بحثية للباحثين والأساتذة، بهدف الارتقاء بمستوى البحث العلمي في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، كما تشجع الأعمال البحثية التشاركية بين أعضاء هيئة التدريس.
وأكد الظاهري أن جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية انتهجت عدداً من الطرق التي تتعامل بها مع شركاء الصناعة والمجتمع لضمان تزويد خريجيها بالمهارات والمعرفة اللازمة للنجاح في مشهد عالمي سريع التطور، تماشياً مع التزام الجامعة بالابتكار والتميز التعليمي، حيث تحرص جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية على تعزيز الشراكات مع العديد من المؤسسات والهيئات الوطنية والعالمية، وقد بلغ إجمالي شركاء الجامعة 39 شريكاً، منهم 27 شريكاً محلياً، و12 دولياً، في حين أن عدد الشركاء المحليين، خلال العام 2023 بلغ 17 شريكاً، إضافة إلى 5 شركاء دوليين. كما تم عقد سلسلة ملتقيات للخبراء والشركاء لدراسة أهم التحديات التي تواجه المهن أو العاملين في التخصص، ما يتيح الفرصة للجامعة لتحويل كل تحدٍّ إلى مشكلة بحثية. وقد نظَّمت الجامعة مؤخراً ملتقى الشركاء الأول بهدف تعزيز التواصل مع الشركاء الاستراتيجيين، وبناء جسور التواصل والتعاون مع مؤسسات الدولة المختلفة، ووضع خطط لمشاريع ومبادرات مستقبلية مشتركة.
كما تطرح الجامعة لطلبة البكالوريوس مساق التدريب العملي الذي يعد جزءاً لا يتجزأ من الخطة الدراسية لكل طالب، حيث يتلقَّى الطلبة تدريباً خارج الجامعة في العديد من المؤسسات الوطنية ليكونوا قادرين على تطبيق المهارات المكتسبة داخل الفصول الدراسية.
وقال الدكتور خليفة الظاهري: «إن الشراكات الفعالة مع المؤسسات المحلية والعالمية والجامعات، والبناء على القدرات المحلية والعالمية لتعزيز التميز مهمة، فالجامعة تعمل على عدة مشروعات متقدمة في الذكاء الاصطناعي، وزراعة الأعضاء، وأخلاقيات العلوم، وغيرها من المشروعات الوطنية التي تدعم الابتكار والتميز والدراسات البينية».
واختيار الرسائل العلمية لطلاب الدراسات العليا التي تتسم بالابتكار وتقديم الجديد للمجتمع، وهذا ينعكس كذلك في الإصدارات العلمية، فعلى سبيل المثال قام الطلاب بكتابة بحوث علمية أثناء فترة كورونا حول «الجوائح»، وتناولوا فيها موضوعات مهمة وجديدة لم يتطرق لها باحث من قبل دمجت بين الطب والعلوم والاجتهاد الشرعي.
التقنيات الحديثة والمعادلة التعليمية
أكدت الدكتورة مي ليث الطائي، مدير كلية التطوير التربوي، أنه لا يمكن إغفال التطورات والابتكارات التي غيّرت مسار العالم، ودفعت لخلق مفاهيم جديدة تواكب عصرنا الحالي، غير تلك المفاهيم السائدة.
وأوضحت أنه وسط الانتشار الكبير للرقمنة، وسيل المعلومات الجارف على المنصات الرقمية ومنها التعليمية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، التي تتيح إمكانية التعلم للجميع، علينا مراعاة الإيجابية الرقمية في التعليم لتحسين جودة التعليم، وضمان توفر فرص التعليم المسؤول والوصول إليه، إذ إن الابتكارات والتطورات، خصوصاً في مجال التكنولوجيا، ساهمت ولاتزال في تحسين جودة التعليم وفرص توافره إلى حد بعيد، ونتيجة للتكنولوجيا التعليمية مثلاً، يتوفر التعليم اليوم لعدد أكبر من الطلبة عبر أنحاء العالم، بما يشمل المناهج الدراسية والمعلمين والتربويين والمجتمعات الطلابية.
وقالت الطائي: ليس هناك فرق بين التعليم العام والتعليم العالي من حيث تأثير التكنولوجيا، إذ ستحقق التكنولوجيا، اليوم وغداً، تأثيراً كبيراً سيؤدي إلى تحويل التعليم عبر مجالات متعددة، منها صياغة المناهج وتنسيقها، ومقاربات التدريس، والشبكات التعليمية، والتعلم الاجتماعي، وغيرها كثير، وهذا ما أدركته مبكراً دولة الإمارات وقيادتنا الرشيدة، التي تواصل التزامها باعتماد الابتكار منهجاً في مختلف توجهاتها ضمن قطاع التعليم، كتطوير المناهج الوطنية وتوسيع نطاق المدارس، لتحقيق مبادئ التعليم في المستقبل، ومواكبة التطورات السريعة، واعتماد التقنيات والتكنولوجيا والرقمنة في مجال التعليم، وتمكين التربويين المستعدين للمستقبل.
ولفتت الطائي إلى أن الطلبة اليوم يبحثون عن خيارات التعليم العالي الأكثر مرونة، ويزداد انتشار وحدات التعلم قصيرة المدى المعتمدة، والدورات الدراسية القصيرة والأكثر تنوعاً بين الطلبة، وخصوصاً ضمن مجال التعليم العالي، حيث يشغل عدد كبير من الطلبة وظائف بدوام كامل، وهم آباء وأمهات، ولذا، تُعتبر المرونة من حيث الوقت والمكان عنصراً بالغ الأهمية ضمن مجال التعليم العالي في عالم اليوم.
وألقت الضوء على دور الكلية تجاه التطورات الجديدة والمستمرة للذكاء الاصطناعي، والذكاء الاصطناعي التوليدي، ودورهما المحتمل في إحداث تحول هائل في التعليم، إذ تدرك الكلية ضرورة الحذر عند استخدام نماذج اللغة الضخمة مثل «شات جي بي تي»، لأنها قد تحتوي على معلومات خاطئة أو غير دقيقة، ولكن استخدامها بصورة إبداعية في التعليم قد يكون مفيداً وفعالاً، ويشمل ذلك التقييم والمناهج الدراسية على سبيل المثال.
ودعت مؤسسات التعليم العالي إلى دراسة بناء استراتيجيات لقدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي، علماً أن مفوضية الاتحاد الأوروبي وجهت في أكتوبر 2022 إرشادات لمساعدة المعلمين على تناول المفاهيم الخاطئة حول الذكاء الاصطناعي، وتعزيز استخدامه بصورة أخلاقية.
وفيما يتعلق بتوفير فرص التعليم العالي بشكل أكثر انتشاراً وفاعلية، قالت الطائي نلحظ زيادة كبيرة في الطلب على وحدات التعلم قصيرة المدى المعتمدة ودورات المهارات المعتمدة القابلة للتجميع بين الطلبة، حيث أظهر استطلاع «كورسيرا» العالمي الأخير مثلاً اعتقاد 90 % من الطلبة بأن الدورات القصيرة ستحسن فرص توظيفهم. ووفق بحث أجرته «هولون آي كيو»، من المتوقع ارتفاع النمو العالمي لقيمة الشهادات ووحدات التعلم القصيرة عبر الإنترنت من 45 مليار دولار في العام 2019، إلى 117 مليار دولار في العام 2025.
وانتهت إلى أن هذا المؤشر يدفعنا إلى اتخاذ مبادئ الابتكار والاستدامة والإبداع، في التعليم والتعليم العالي خياراً استراتيجياً للارتقاء به وتشكيل مستقبله، وكذلك تنويع التخصصات والبرامج الأكاديمية وتطويرها وتحديث مناهجها، بصورة تلبي احتياجات وتوجهات قطاع التعليم وسوق العمل، وتواكب التطورات العلمية والعملية في قطاع التعليم.
نهج مبتكر في التعليم والتحول الرقمي
أكد الدكتور حمد العضابي، نائب مدير جامعة أبوظبي، أن قطاع التعليم يشهد تغييرات متلاحقة، وسيواصل هذا الاتجاه في المستقبل، ولاسيما فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي ودمجه في التعليم، وهو ما أدركته جامعة أبوظبي. وقال إن الذكاء الاصطناعي يمثل تحدياً مليئاً بالفرص الواعدة، ونحن عازمون على توظيف الذكاء الاصطناعي وتطويعه بأفضل طريقة ممكنة لنحقق الاستفادة القصوى منه للجامعة وطلبتها، ولذا تبذل الجامعة كل جهد لتكون دائماً في طليعة الابتكار التكنولوجي، حيث تعتبر الذكاء الاصطناعي أحد أبرز مجالات التركيز والتطوير فيها، حيث تسعى لدمجه في مختلف العمليات التعليمية والبحثية، ما يعكس التزامها بتحقيق التميز والريادة في هذا المجال الحيوي.
ولفت إلى تبنى جامعة أبوظبي نهجاً مبتكراً في التعليم، حيث تستخدم الذكاء الاصطناعي لتخصيص المحتوى التعليمي لاحتياجات كل طالب، وتقديم تغذية راجعة فورية، ويتمثل هذا النهج في تطوير منصات تعليمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي تساعد على توليد المحتوى، وتقييم الطلاب بطريقة تفاعلية ومبتكرة. كما تولي اهتماماً كبيراً للبحث العلمي، حيث تمول مشاريع بحثية متعددة تركز على الذكاء الاصطناعي بتكلفة تقارب 2.5 مليون درهم إماراتي.. وهذه الاستثمارات تهدف إلى إنتاج نشرات علمية تسهم في تعزيز المعرفة والابتكار في هذا المجال.
وأضاف الدكتور العضابي: تسعى جامعة أبوظبي إلى تحقيق التحول الرقمي من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الخدمات وتسريع العمليات. وتشمل هذه الجهود تطوير أدوات ومنصات تعليمية تعزز من تجربة التعلم، وتوفر فرصاً جديدة للطلاب وأعضاء هيئة التدريس، وقد تم تطوير أكثر من 42 تطبيقاً خاصاً داخلياً في الجامعة ضمن جهودها في التحول الرقمي، إضافة إلى استحداث وتطوير حلول رقمية تعزز الخدمات الرقمية المقدمة. كما تشارك الجامعة في المجلس التعليمي الرقمي العالمي، حيث تتعاون مع جامعات رائدة لاستكشاف فرص تطبيق الذكاء الاصطناعي ومواجهة التحديات المرتبطة به. وهذا التعاون يعكس رغبة الجامعة في تبادل الخبرات والمعرفة مع المؤسسات التعليمية الأخرى.
التحديات والاستجابات الممكنة
أكد اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻏﺎﻟﺐ ﻋﻮض اﻟﺮﻓﺎﻋﻲ، رﺋﻴﺲ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻌﻴﻦ، أن على أي دولة أن تدرك وجود علاقة تكاملية بين مؤسسات التعليم العالي، والتعليم بشكل عام، بحيث يترجم توجهات الحكومة، ويشكل ركناً أساسياً في بناء المجتمعات. كما يجب الاستفادة من تجارب الآخرين من الدول التي حققت إنجازات في هذا المجال.
ولفت إلى أن التعليم بمراحله كافة، العام والجامعي والدراسات العليا يشكل ركناً أساسياً في بناء المجتمعات، وللتوضيح فإن التعليم العام يساهم في بناء قاعدة معرفية قوية وتطوير مهارات أساسية للفرد.. بينما يوفر التعليم الجامعي فرصاً للاختصاص والتطور المهني والشخصي. أما الدراسات العليا فتعزز البحث العلمي والابتكار، وتسهم في تطوير مجالات المعرفة بشكل عميق ومتخصص.
وقال رئيس جامعة العين: بشكل مجتمعي يعتبر الاستثمار في التعليم عاملاً حاسماً في تعزيز التنمية المستدامة وتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي في الدول، وإن حجم الاستثمار في مجال التعليم مذهل، وهذا يعني أنه يوجد اهتمام بهذا القطاع من خلال الاستفادة من تجارب الآخرين، ولذا فإن الإنجازات في مجال التعليم العام والجامعي والدراسات العليا.
وأضاف: تعكس هذه الإنجازات التزام العالم بتحسين جودة التعليم وتوفير فرص تعليمية متساوية للجميع، وتعزز دور التعليم في تحقيق التنمية المستدامة ورفاهية المجتمعات. ومن ضمنها: «تحسين جودة التعليم ومستوى التعليم العام حيث لوحظ ارتفاع مستوى جودة التعليم العام والجامعي والدراسات العليا في السنوات الأخيرة بسبب الاهتمام بتطوير مناهج تعليمية مبتكرة تستخدم تقنيات التعلم النشط والتفاعلي، مما يساهم في تحفيز الطلاب، وتعزيز تجربة التعلم، وتوفير برامج تدريب المعلمين وتحسين بنية المؤسسات التعليمية. وأيضاً زيادة فرص الوصول إلى التعليم: إذ أصبح التعليم متاحاً لجميع الفئات بغض النظر عن الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي، بسبب توفير المدارس المنح الدراسية، والتعلم عن بُعد. وتابع: وكذلك توافر الفرص للتعليم العالي للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد استطاعت بعض الجامعات تحقيق نجاحات في حياتهم الأكاديمية والمهنية، ونظمت المؤسسات برامج خاصة للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، مما ساهم في تمكينهم وتحفيزهم على التعلم. كما زاد مستوى التفاعل بين المؤسسات التعليمية نفسها إيماناً منها بمسؤوليتها الاجتماعية، فأصبح هنالك تواصل فعال مع المجتمعات المحلية، وتقديم الدعم والمساهمة في حل المشاكل وتحقيق التنمية المستدامة، من خلال المبادرات الإنسانية والتطوعية لحل العديد من المشاكل الاجتماعية.. وتحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال تضمينها في المناهج، وتطوير برامج متخصصة في هذا المجال، وتشجيع البحث العلمي في مجال التنمية المستدامة بصفة عامة.
تطورات متسارعة في سوق العمل
قالت الدكتورة منى إبراهيم الرئيسي، دكتوراه في إدارة أعمال قطاعات التعليم، والخبير التربوي: «إن سوق العمل يشهد تطورات متسارعة على المستويات كافة، المحلية والدولية، وهو ما تنبهت له القيادة الرشيدة، وبنت عليه الرؤى المستقبلية والاستراتيجيات التي أقرتها دولة الإمارات العربية المتحدة، وللتعرف على مدى توفر متطلبات تفعيل منظومة الإبداع والابتكار لدعم طلبة الجامعات، وحجم الفجوة بين سياسة القبول ومتطلبات سوق العمل.
وأكدت وجود علاقة وطيدة وتكاملية بين التعليم وسوق العمل، التي تؤدي حتماً في حالة توازنها إلى نتائج تنموية كبيرة على القطاعات كافة، مؤكدة في الوقت نفسه أن دعم تلك الأهداف يتطلب إتاحة أرقى نظم التعليم الذكي، للطلبة من خلال العمل على مسارين، الأول توفير البنية التحتية اللازمة، والثاني تأهيل وتطوير مهارات الشباب من خلال بوابة التدريب والأنشطة والمبادرات التي تحاكي المستقبل. ولفتت الرئيسي إلى آلية خاصة تتولى الربط بين مخرجات التعليم العالي وتنمية الموارد البشرية وسوق العمل، بحيث يكون للتعليم العالي دور فعال ومؤثر في تحقيق تنمية الموارد البشرية، وذلك بأن تؤدي الجامعة رسالتها التي أنشئت من أجلها بحيث تجمع من الناحية الوظيفية بين التعليم والبحث العلمي وتنمية المجتمع، وإشاعة الوعي والاستنارة لدى أفراد المجتمع، وأن تهتم الجامعة بالربط بين تخصصاتها وسوق العمل حتى تعمل على تخريج كوادر فعلية بحيث يجدون فرص عمل في المؤسسات المختلفة. ودعت إلى إنشاء مدن علمية أو مراكز للتكنولوجيا المتقدمة أو مراكز للتميز ترعى البحوث العلمية، والعمل على تنشيط حركة الترجمة العلمية للاستفادة منها، ورسم سياسات مستقبلية واضحة الأبعاد لقطاعي التعليم العالي والبحث العلمي من شأنها رفع القيمة الاقتصادية، وتحسين مخرجات التعليم التي تحتاجها مختلف قطاعات التنمية. كما دعت القطاع الخاص إلى أن يساهم في تمويل التعليم العالي، لأنه هو المستفيد منه، ودعوة الشركات العامة والقطاع الخاص إلى تبني البحوث العلمية والإنفاق عليها مساهمة في التنمية.