وصل سوق العمل البريطاني إلى مستوى يعاني فيه من نقص في العمال، بلغ ملايين الوظائف، مما دفع الشركات لدق ناقوس الخطر من أن عجلة الإنتاج في البلاد سوف تتضرر بشكل كبير على المدى الطويل. بعد أن غادر سوق العمل البريطاني مع الخروج من الاتحاد الأوروبي “البريكست” حوالي 250 ألف شخص مقيمين، بالإضافة للآلاف من أمهر العمال بأوروبا الشرقية، خوفا من تغيير قوانين الهجرة.
بخلاف ما يعتقده كثيرون أن بريطانيا تعدّ من أفضل الأماكن للعمل وأحسنها توفيرا لشروط العمل، فإن عددا من الدراسات واستطلاعات الرأي أظهرت أن بريطانيا تعدّ من بين أسوأ الدول في قدرتها على توفير مناخ عمل جيد للموظفين، كما تسجل بريطانيا نسبة عالية من معاناة الموظفين مع الضغط في العمل، والذي تختلف أنواعه، سواء الضغط بسبب ساعات العمل الكثيرة أو الأجور المتدنية أمام ارتفاع تكاليف المعيشة. وما يزيد الامر سوءًا هو نظرة بعض القادة السياسيين للطبقة العاملة في البلاد.
والأمر ليس بالجديد، حيث تورطت أحد رؤساء الوزراء السابقين في أكثر من تصريح ومقال، تتحدث فيه بشكل مسيء للعمال في بريطانيا، وتعتبرهم من بين “الأسوأ في العالم”، والسبب وفق رئيسة الوزراء التي كانت برلمانية حينها (عام 2012)، هو أن العمال البريطانيين يشتغلون ساعات أقل في أعمالهم ويتقاعدون مبكرًا. فخلال منافسة رئيسة الوزراء ليز تراس على هذا المنصب طفا على السطح، نص كتبته تراس وهي برلمانية عام 2012، فيه تهجم على العمال وهو نص محرج لرئيسة الوزراء، لما فيه من احتقار العمال في بريطانيا، وكذلك نوعا من العنصرية، وتقول تراس في هذا النص “بمجرد دخولهم مكان العمل، يصبح البريطانيون من بين أسوأ الكسالى في العالم، نحن نعمل أقل ساعات في العمل، ونتقاعد مبكرا، وإنتاجيتنا ضعيفة، وفي حين يطمح الأطفال الهنود لأن يصبحوا أطباء أو رجال أعمال، يهتم البريطانيون أكثر بكرة القدم وموسيقى البوب، ومن خلال تسجيل صوتي، قامت صحيفة “جارديان” (Guardian) بتسريبه لها، خلال حملة تراس للوصول إلى رئاسة الوزراء، وقالت تراس في هذا التسجيل إن العمال في بريطانيا يسعون للكسب غير المشروع، وإنهم يفتقدون للمهارة والفعالية.
ومشاكل العمالة البريطانية قديمة عايشتها، أثناء غربتي فى العاصمة البريطانية، في منتصف ثمانينيات القرن الماضي سيطرت النقابات على مجريات الأمور، وكان لها قوتها ونفوذها. وبحكم العمل ونشاطي في تأسيس مطبعة عربية فى لندن، فتعايشت مع النقابات الطباعية، وكانت فروعها في لندن الأقوى في بريطانيا، لهذا تخلت المطابع عن تواجدها في العاصمة البريطانية وانتقلت لخارجها وتبعثرت في مدن ومقاطعات إنجليزية في مناطق القوى النقابية فيها أقل شراسة من مثيلتها في لندن. وقتها لم يكن متبقيا في العاصمة إلا مطابع روبرت مردوخ الصحافية، ومطبعة دار النشر التي قد أسستها فى مطلع الثمانينات. فعانيت من “دلع” العمالة وتحكمهم مما يؤثر على الإنتاج، رغم أنني التزمت بكل شروطهم بداية من عدد العاملين وأجورهم وساعات عملهم، وكانت نقابة NGA تشترط عدد العاملين على الوحدات الطباعية لكل ماكينة، وهو عدد مبالغ فيه، وهم غير مسموح لهم بالتعامل مع الورق، فتغذية الماكينة ومناولة ورق الطباعة، واستلام المنتج المطبوع مسؤولية SOGAT “نقابة الورق والتجليد”، وما أكثر المعارك الكلامية والاشتباكات اللفظية بين حزبي النقابتين، والمناوشات الاستفزازية، بمحاولة جذبي لمشاكل يختلقونها. فمسؤولو الورق يرفضون أخذ تعليمات من معلمي الطباعة الذين تأخذهم الكرامة ويوقفون العمل، وتقف الماكينات، ويحاول مدير المطابع وقتها، حل المشكلة وإعادة تدوير عجلة الإنتاج ويفشل بالطبع، فالمطلوب تدخلي بغرض إيقاعي في المحظور واتخاذ قرار يغضب أحد الأطراف فتشتعل المشكلة، وتكون فرصة لإضراب لا تحمد عقباه.
ومن حكاياتي مع العمالة الإنجليزية، ذات ليلة وبقسم التجليد، وبه ماكينة لتجميع الملازم المطبوعة والطي وغيرها من مراحل لإخراج المطبوعة بالشكل الجمالي المعد للقراءة، ويتحكم في تشغيلها نساء ورجال يعملون تحت توجيه ونظام عمل وضع قوانينه نقابة SOGAT، لوجدنا معركة أخرى أبدعها فريق النساء من أعضاء النقابة، أشبه بالمواقف الكوميدية في المسرحيات المصرية، ذكرتني بأشهر فرسان الثقافة، الكاتب والمفكر المناضل صاحب المواقف لطفي الخولي، ومسرحيته “القضية”، وهي أشهر ما قدم للمتفرج المصري، مسرحية عرضها مسرحنا القومي في الستينيات، وما زالت إحدى جملها تتردد على ألسنة الجمهور يلخص فيها التناقضات الفكرية والسياسية في المجتمع “أفتح الشباك والا أقفل الشباك”.
وفي حكايتي هذه الجملة لم تكن إسقاطًا على التناقضات بين النقابات وأصحاب الأعمال بل قصة حقيقية حدثت، فنساء نقابة التجليد مستاءات من حرارة جو صالة الطوي والتجليد، ففتحوا النوافذ، ما أغضب الرجال الذين أصروا على إغلاق النوافذ حرصًا على برودة الهواء النافذ للصالة، وبالطبع استغرق هذا الجدال ساعات لإعادة الوضع إلى ما هو عليه، أثرت على مواعيد تسليم المطبوعات.. الموقفان يمثلان التناقض فيما آلت إليه النقابات العمالية، والتعنت الذي أضر بأعضاء النقابة أكثر مما أفاد.
بالإضافة لمشاكل النقابات، أظهرت دراسة لمؤسسة “لاتيس هيلث” (Latus Health) عن جودة ظروف العمل في أوروبا، أن بريطانيا تعد خامس أسوأ دولة، من حيث مناخ العمل والأجواء التي يشتغل فيها العامل البريطاني، وتأتي في الترتيب بعد كل من بولندا والتشيك وإسبانيا والبرتغال، وهو ترتيب مفاجئ للكثيرين، لأن المملكة المتحدة من أكثر الدول التي تنشط فيها نقابات عمالية قوية، لكن يبدو أن هذا النشاط لا ينعكس على وضع كثير من العمال في بريطانيا، ووفق الدراسة فإن تصنيف بريطانيا يبقى ضعيفا جدا، في مستوى دخل العامل بما يؤثر على قدرته على توفير الكماليات، فضلا عن إنفاقه على التدخين والكحول. كما وضعت تصنيف بريطانيا في مستوى “متوسط” من حيث معدلات الأجور. ووفق نفس المؤسسة فإن حوالي 56% من الشركات العاملة في قطاع البناء في بريطانيا لا تتوفر على أي سياسة خاصة بالصحة النفسية للعاملين في هذا القطاع الصعب.
وفي دراسة حول الصحة في العمل لمؤسسة Alight البريطانية المختصة في الأعمال، فإن حوالي ثلثي العمال (أكثر من 73% منهم) في بريطانيا أعلنوا أنهم يعانون من مستويات عالية من الضغط، وذلك بسبب تداعيات جائحة كورونا حتى اليوم، والأكثر من ذلك المخاوف من الوضع الاقتصادي، وعدم الاستقرار الاجتماعي. ووفق نفس الدراسة فإن هناك ظاهرة أسوأ باتت تنتشر في أماكن العمل في بريطانيا، وهي ظاهرة “الانفجار النفسي” التي لها عواقب وخيمة، حيث أكد 34% من العمال، أنهم يعانون من أعراض “الانفجار النفسي”، في حين قال واحد من أصل 3 عمال إن أصحاب المؤسسات التي يشتغلون فيها يولون اهتماما بالصحة النفسية.
وفي دراسة أخرى لمؤسسة “إم إتش آر” MHR كشفت أن 62% من العمال البريطانيين مقتنعون بأن مشغليهم لا يهتمون أبدا بصحتهم النفسية، كما أكد 55% من الموظفين أنهم يعانون من ضغط كبير لإخفاء مخاوفهم من وضعهم النفسي في العمل. ووفق نفس الدراسة فإن العمال في المملكة المتحدة يعانون من ضغط غير مسبوق، وذلك بسبب أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة التي تؤثر على وضعهم الصحي والمعنوي، حيث عبّر 46% من العمال الذين شملتهم الدراسة عن كون أزمة المعيشة تشكل بالنسبة لهم ضغطا وخوفا حقيقيا، بينما قال 29% إن أكبر هواجسهم حاليا هو دفع فواتير الكهرباء والغاز.
وتمارس الشركات الكبرى ضغوطا على الحكومة من أجل إقرار خطط لتسهيل هجرة اليد العاملة إلى بريطانيا، وتخفيف القيود التي فرضتها على الهجرة، وإلا فإن عددا من الوظائف لن تجد يدا عاملة للقيام بها.
بخلاف ما يعتقده كثيرون أن بريطانيا تعدّ من أفضل الأماكن للعمل وأحسنها توفيرا لشروط العمل، فإن عددا من الدراسات واستطلاعات الرأي أظهرت أن بريطانيا تعدّ من بين أسوأ الدول في قدرتها على توفير مناخ عمل جيد للموظفين، كما تسجل بريطانيا نسبة عالية من معاناة الموظفين مع الضغط في العمل، والذي تختلف أنواعه سواء الضغط بسبب ساعات العمل الكثيرة أو الأجور المتدنية أمام ارتفاع تكاليف المعيشة.
وبحسب دراسة للمركز الدولي لأمل الحياة (ICL) البريطاني، فإن سوق العمل البريطاني سيشهد نقصا في العاملين سيصل إلى 2.6 مليون وظيفة بحلول سنة 2030، وذلك في قطاعات النقل، والتمريض، والتعليم، والترفيه، وهي من أكثر القطاعات توظيفا للعمال في بريطانيا.
مودي حكيم – بوابة روز اليوسف
كانت هذه تفاصيل خبر العمالة الإنجليزية.. الأسوأ في العالم لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.