عامان إلى الآن منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، التى لم يعد ما قبلها ليس كما بعدها، كما هو الحال مع عدة أحداث تاريخية مفصلية.
ربما كان آخر ما عايشه جيلنا منها هو أحداث ١١ سبتمبر، التى التصق بها التعبير الشهير «ما قبلها ليس كما بعدها».
وقبل أيام، حل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ضيفًا على المحاور الأمريكى، تاكر كارلسون، فى حوار معمق ومطول حول الحرب، تسبب فى جدل عالمى، وأثار الشكوك فى توقيته وفى طريقة إدارته.
ورجح كثيرون أنه يصب لصالح المرشح الرئاسى الأمريكى «دونالد ترامب»، الذى تربطه صداقة بمُجْرِى الحوار، تاكر كارلسون، وتربطه علاقات أشد تعقيدًا بفلاديمير بوتين.
ولعل بوتين فى هذا الحوار يُذكرنى على نحو خاص بخطابه الشهير قبل عامين فى فبراير ٢٠٢٢، والذى جاء مختلفًا فى بنيته ومنطقه ومنطلقاته عن خطابات عالم السياسة الدولية اليوم، ليجعله واحدًا من أكثر الخطابات استثنائية فى تاريخ النظام العالمى منذ عقدين تقريبًا.
فخلافًا لما توقعه الكثيرون، تكلم بوتين حينها بانفعال بادٍ، وباستدعاء لمخزون من الوقائع التاريخية والقرارات السياسية والاستخلاصات الاقتصادية، ليُعيد تعريف الصراع الروسى الأوكرانى.
حتى بالنسبة لمتابعى النشرات وقراء الصحف والكتب، بدا الحوار حينها كما لو كان إعادة شرح وإعادة تكييف لكل شىء، سواء اقتنع مشاهد الحوار أم لم يقتنع، سواء ناصر بوتين أم انحاز إلى أوكرانيا.
لم يكن خطابًا اندفاعيًّا ولا دعائيًّا ولا عسكريًّا جافًّا، بل أقرب إلى محاضرة تاريخية وأنثروبولوجية، حول تاريخ الاتحاد السوفيتى وعلاقته بجمهورياته المتفككة، وكيف أفضت السياسات المتعاقبة منذ الثورة البلشفية وحتى تفكك الاتحاد السوفيتى فى هذه العلاقة الإشكالية التى تربط المركز بالأطراف.
حينها قال بوتين فى موضع من خطابه الملحمى، وأستعين هنا بترجمة الأستاذ محمد صالح:
«على الرغم من كل هذه المظالم والخداعات والسرقة الصريحة لروسيا، فإن شعبنا، الشعب تحديدًا، قد اعترف بالحقائق الجيوسياسية الجديدة، التى نشأت إثر انهيار الاتحاد السوفيتى، واعترف بالدول المستقلة الجديدة. لم يكتفِ الشعب بالاعتراف بذلك فحسب، بل قامت روسيا بنفسها، وعلى الرغم من وجودها آنذاك فى وضع صعب، بمساعدة شركائها فى رابطة الدول المستقلة، بما فى ذلك زملاؤنا الأوكرانيون، الذين بدأوا منذ لحظة الاستقلال بالمطالبة بالدعم المادى. وقد قدّم بلدنا هذا الدعم مع احترام كرامة وسيادة أوكرانيا.
ووفقًا لتقديرات الخبراء، التى يؤكدها حساب بسيط لأسعار الطاقة لدينا، فإن حجم القروض الميسّرة والتفضيلات الاقتصادية والتجارية التى قدمتها روسيا لأوكرانيا قد جعل إجمالى الفوائد للموازنة الأوكرانية فى الفترة ما بين عام 1991 حتى عام 2013 حوالى 150 مليار دولار.
لكن ذلك ليس كل شىء، فبحلول نهاية عام 1991، بلغت التزامات ديون الاتحاد السوفيتى للدول الأجنبية والصناديق الدولية حوالى 100 مليار دولار. وفى البداية، كان من المفترض أن يتم سداد هذه القروض من قِبَل جميع جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق تضامنًا، بما يتناسب مع إمكاناتها الاقتصادية. ومع ذلك، أخذت روسيا على عاتقها السداد الكامل لمجمل الدَّيْن السوفيتى وقامت بسداده كاملًا فى عام 2017».
إلى هنا أُنهى الاقتباس من جسم الخطاب المطول لأعود مرة أخرى إلى حوار تاكر كارلسون، قبل أيام، والذى تبنى فيه بوتين ذات الخطوط العريضة، وألح على ذات الوقائع التاريخية. وافتتح حواره بفاصل من هذه الفواصل التى بدَت مُحبَّبة إليه وهو يبرر عمليته العسكرية، التى لم تحقق نجاحًا حاسمًا إلى اليوم، ولم تفشل فشلًا ذريعًا أيضًا.
وما يشغلنى أعلاه ليس الانحياز لبوتين ولا ضده.. وهو نفى لتهمة هزلية، أوجدها بعض من العرب على وسائل التواصل الاجتماعى، إزاء كل مَن يتكلم عن هذا الصراع، فقد انقسموا منذ بداية الحرب كما لو كان نصفهم مواليد سان بطرسبرج، والنصف الآخر كما لو قد نشأ وترعرع فى حوارى كييف!.
بل ما يشغلنى هنا هو هذا السؤال الذى يمثله أكثر ما يمثله عنوان كتاب «كل جيش الكرملين» للمؤلف «ميخائيل زغار»، والذى صدر قبل عدة أعوام، متوغلًا فى محاولة تفكيك «مؤسسة بوتين»، التى تصيغ خطاباته وهيئته وظهوراته وقراراته، بحيث يصبح الرئيس الروسى على سدة ماكينة متكاملة عملاقة هدفها تعزيز صورته وتأطيرها وفقما يريد هو ووفقما تقتضى المصلحة.
وأعنى بالسؤال: كيف يحكى بوتين مرويته للعالم؟، وبأى أدوات؟.
خطاب بوتين، ثم حواره مع «كارلسون»، فى تقديرى، مثالان صارخان لمؤسسة ضخمة واحترافية لأبعد مدى. بمعزل عن حكمنا الأخلاقى عليها، وبمعزل عن حقيقة لغة المصالح التى تقرها القوى العالمية على وقع القصف وعلى ضفاف النيران، ويلعب التاريخ فيها دور «الحشو» الظاهرى أحيانًا.. لتبرير واقع آنى مُلِحّ.
أحمد الدريني – المصري اليوم
كانت هذه تفاصيل خبر كيف يروى بوتين مرويته؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.