كتب أستاذ الفلسفة البديع، د. أنور مغيث، مقالًا مثيرًا بعنوان: «مغامرات العقل الأولى». قال فيه ما معناه «إن رحلة الاكتشاف العلمى تبدأ بشعور من الدهشة، حيث نتعجب من طبيعة العالم المتغيرة باستمرار من حولنا، فكل شىء موجود، ثم يختفى، ومع ذلك يستمر الوجود…!. تلك الملاحظة المحيرة تثير تساؤلات عميقة حول طبيعة الواقع ومكاننا داخله.. فالآثار الثقافية والاجتماعية للدهشة يمكن إجمالها فى الرغبة فى معرفة المزيد عن العالم، واستكشاف ثقافات جديدة، والتعلم عن التنوع الثقافى، وهى حافز للتعلم المستمر وتطوير مهاراتنا ومعرفتنا وتوسيع عقولنا، كما أنها يمكن أن تكون أساسًا للمحادثات والمناقشات الاجتماعية الإيجابية والتبادل الثقافى والتواصل مع الآخرين وملهمة للمبدعين والفنانين.
لقد عبّر الفيزيائى الشهير ألبرت أينشتاين عن هذه المشاعر على نحو مناسب عندما قال: «إن ما أراه فى الطبيعة هو شىء رائع لا يمكننا أن نفهمه إلا بطريقة غير مثالية للغاية، ويجب أن يملأ قلب الشخص المثقف شعور بالتواضع». لقد أدرك أينشتاين القيود المتأصلة فى الفهم البشرى فى مواجهة أسرار الطبيعة. وإن تعقيد وجمال العالم الطبيعى يتجاوز بكثير معرفتنا وفهمنا الحالى. هذا الإدراك بتواضعنا إنما يشعل الرغبة فى الاستكشاف والتعلم وكشف الحقائق والأسرار التى تحيط بنا…!، ومن هنا يُولد الشعور بالتواضع، إذ ندرك أننا مازلنا نتعلم، ونكتشف الكثير من الحقائق والأسرار التى تحيط بنا، فهو شعور داخلى بامتياز…!، فالإحساس بالتواضع الذى ينشأ من وجودنا فى هذا الكون العجيب يعكس تقديرنا العميق للإبداع والقوة التى انعكست فى خلق هذا العالم. إنه شعور يدفعنا إلى الاعتراف بعظمة الطبيعة وقدرتها على إثراء حياتنا وتحفيز تساؤلاتنا وفضولنا العلمى.
ومع اقتباس أينشتاين الذى بدأت به، سننطلق فى رحلة فكرية تعكس روح التواضع والتقدير للطبيعة، سنتتبع تأثير العجائب التى خلقتها الحضارات القديمة لفهم العالم وتطور العلوم، وسنرصد التحول الذى شهده العلم من مجرد فضول إنسانى إلى قدرة إبداعية تحققت من خلال الاستكشاف والتجريب والتفكير المنطقى. فى هذا السياق، يتجلى شعورنا الحقيقى بعظمة الطبيعة وتفاعلها مع العقل البشرى، وهذا يدفعنا أيضًا إلى تقدير سجلات الحضارات القديمة، التى ألهمتنا على مر العصور ليتحقق التقدم العلمى الذى نشهده اليوم، فعلى مَرّ التاريخ، لعبت الحضارات القديمة دورًا محوريًّا فى تشكيل فهمنا للعالم وتعزيز تقدمنا العلمى. لقد ألهمت آثارهم المذهلة وعجائبهم المعمارية وإنجازاتهم الفكرية أجيالًا من المفكرين. تُعد هذه السجلات القديمة بمثابة شهادة على براعة الإنسان وروح الفضول، التى لا تُقهر والتى تدفع الاستكشاف العلمى. ومن فهم المصريين القدماء لعلم الفلك إلى البراعة الرياضية لليونانيين القدماء، نرى كيف وضعت الحضارات القديمة أسس البحث العلمى. وشكلت ملاحظاتهم ونظرياتهم ومنهجياتهم الأساس الذى بُنى عليه العلم الحديث. إن مساعيهم الفكرية لم تُرْضِ فضولهم فحسب، بل أطلقت أيضًا رحلة تحويلية مستمرة حتى يومنا هذا. لقد تطور العلم، الذى كان مدفوعًا بالفضول فقط، إلى مسعى إبداعى شمل الاستكشاف والتجريب والتفكير المنطقى. وأصبح المنهج العلمى بتركيزه على الملاحظة واختبار الفرضيات والتفكير المبنى على الأدلة، حجر الزاوية فى البحث العلمى الحديث. إنه يوفر إطارًا منظمًا يسمح لنا بكشف أسرار العالم الطبيعى بشكل منهجى. علاوة على ذلك، فإن تحول العلم من الفضول إلى الإبداع قد ساعده التقدم التكنولوجى. إن اختراع الأدوات المتطورة، وظهور أنظمة الحوسبة القوية، وتطوير التقنيات التجريبية المبتكرة، أدى إلى توسيع قدراتنا العلمية. حيث تعمل هذه الأدوات على تمكين الباحثين من التعمق أكثر فى تعقيدات الطبيعة، وتمكينهم من فتح مجالات جديدة من المعرفة ودفع حدود ما هو ممكن.
وهنا يمكن أن نقول إن الدهشة والانفتاح والتفكير «خارج الصندوق» هى حالة مرغوبة ومحترمة للغاية ينخرط فيها الشباب اليوم بشكل طبيعى، كما يتوق إليها معظم البالغين بشدة فى جميع جوانب الحياة الحديثة، ودائمًا ما نطالب باستمرار ونوجه برسائل قوية تشجعنا على السؤال والاستكشاف والابتكار. وتنعكس تلك الرغبة فى السياسات العامة والممارسات التعليمية ونماذج الأعمال، التى تؤكد الحاجة إلى الفضول والابتكار والإبداع وإعادة إنتاج المعرفة وتقليدها ومطابقتها من بين العديد من المصطلحات النفسية ذات القيمة الإيجابية، التى غالبًا ما تُستخدم بالتبادل، حيث يحتل الفضول والعجب والإبداع مكانًا خاصًّا فى دراسات التنمية البشرية كآليات أساسية وراء اكتساب المعرفة وتحويلها. وهكذا، يدفع الفضول إلى البحث عن المعلومات، ويوسع الدهشة، ويُثرى البحث عن المعرفة إلى أبعاد جديدة، ويُمكِّن الإبداع من تحويل المعرفة الحالية وتوليد معرفة أصلية جديدة حول العالم. وهذه القدرات موجودة بالفعل، وإن كانت فى أشكال بدائية، ويمكن ملاحظتها بشكل موثوق فى مرحلة الطفولة المبكرة. ومع ذلك، فإن الآليات المعرفية الكامنة وراء عمليات الفضول والدهشة والإبداع، والروابط بينها، ومساراتها التنموية، غير مفهومة حاليًا بشكل جيد. وتكثر الاستفسارات العلمية حول الفضول والدهشة والإبداع فى الفلسفة والتعليم، ومع ذلك، فإن البحث النفسى فى الروابط الدقيقة بين هذه المفاهيم غير حاسم بسبب التعريفات المفاهيمية الغامضة، والافتقار إلى تدابير قوية، وتجاهل ديناميكيات التغيير التنموى. وهنا لابد أن تتم مراجعة الاعتبارات النفسية الموجودة للفضول والدهشة والإبداع فى مرحلة النمو المبكر واستكشاف الروابط المفاهيمية، وتوحيد المقاربات النظرية والاعتبارات المنهجية من منظور تنموى معرفى.
فى خاتمة المقال أقول إن انتقال العلم من الدهشة والفضول إلى الإبداع هو شهادة على روح الاستكشاف الإنسانية وعجائب العالم الطبيعى التى لا حدود لها، والاعتراف بفهمنا المحدود وبالتواضع أمام حجم إبداعات الطبيعة. لقد أصبح تقدم العلوم ممكنًا بفضل الإسهامات التى قدمتها الحضارات القديمة، والتى حفزتنا على الانطلاق فى مسعى فكرى لكشف أسرار الكون. ولقد أخذنا فضولنا الطبيعى وحوّلناه إلى قوة إبداعية تدفعنا إلى الأمام، وتعزز الابتكار، وتؤثر فى اتجاه الاكتشافات العلمية بفضل المنهج العلمى والتقدم التكنولوجى. وكان تطور العلوم فى مجتمعات ما قبل التاريخ من الفضول إلى الإبداع دليلًا على الابتكار وروح الاستكشاف المتأصلة فى الطبيعة البشرية، فالتقدم العلمى للحضارات القديمة كانت تغذيه الدهشة والفضول. ومن خلال دراسة التراث العلمى لها، نتعلم دروسًا مهمة حول كيف يمكن للفضول أن يغير اتجاه العلم… وهذا موضوع االمقال القادم، إن شاء الله، والذى نحكى ونلقى فيه الضوء على كتاب مشوق بعنوان: «The Birth of Science Ancient Times to 1699 أو ميلاد العلم من العصور القديمة إلى عام 1699».
حامد عبدالرحيم عيد – المصري اليوم
* أستاذ بكلية العلوم جامعة القاهرة
كانت هذه تفاصيل خبر من الدهشة إلى الابتكار إلى التواضع.. تحوُّل العلم من الفضول إلى الإبداع! لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.