ما هي مشكلة تصريف المياه المعالجة بتقنية النظام المتقدِّم لمعالجة السوائل؟

في 24 أغسطس/ اب من عام 2023، بدأت شركة طوكيو للطاقة الكهربائية ”تيبكو“ بتصريف أول دفعة من المياه المعالجة باستخدام النظام المتقدِّم لمعالجة السوائل في البحر لمدة 18 يومًا. وتلا ذلك تصريف آخر في 5 أكتوبر/ تشرين الأول، تبعه تصريف ثالث في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني.

بعد الزلزال والتسونامي الضخم الذي ضرب شرق اليابان في 11 مارس/آذار 2011، والذي أدى إلى تضرر جزئي لوحدات محطة فوكوشيما دايئيتشي للطاقة النووية، اضطرت السلطات اليابانية إلى جمع المياه الملوثة من مصادر مختلفة مثل مياه الأمطار والمياه الجوفية المتسربة حول الوحدات المتضررة. تم تخزين هذه المياه في صهاريج على أراضي المحطة لفترة زمنية، وذلك كجزء من إجراءات الإغلاق المؤقتة للموقع.

ونظرًا لاستمرار التخزين والحدود المحدودة لسعة التخزين، أعلنت الحكومة اليابانية في 13 أبريل/نيسان 2021 عن خطط لتنقية وتصريف هذه المياه المعالجة في المحيط، وذلك بعد معالجتها باستخدام النظام المتقدِّم لمعالجة السوائل.

محطة فوكوشيما دايئيتشي للطاقة النووية، التابعة لشركة تيبكو، حيث تظهر صهاريج تخزين المياه المعالجة على اليمين من الصورة. تم التقاط هذه الصورة في أغسطس/آب 2023. (© جيجي برس).

يتم تنقية المياه بواسطة النظام المتقدِّم لمعالجة السوائل عبر امتصاص السيزيوم واستخدام معدات النظام المتقدِّم لمعالجة السوائل لإزالة 62 نوعًا مختلفًا من النيوديوم، باستثناء التريتيوم، وذلك لتلبية المعايير القانونية. ولضمان تقليل الأضرار إلى أدنى حد ممكن أثناء التصريف في البحر، تلتزم شركة تيبكو ليس فقط بالمعايير التنظيمية الصارمة، بل تنفذ أيضًا معالجة ثانوية لضمان أن مجموع التركيزات النووية ”باستثناء التريتيوم“ يكون أقل من 1% من المستوى القانوني. ثم يتم تخفيف المياه المعالجة بواسطة النظام المتقدِّم لمعالجة السوائل أكثر من 100 مرة باستخدام كميات كبيرة من مياه البحر لتقليل مستويات التريتيوم قدر الإمكان قبل التصريف.

تبلغ كمية التريتيوم في المياه الناتجة في النهاية حوالي واحدة من كل أربعين جزءًا من الحدود المسموح بها طبقًا للمعايير اليابانية، وحوالي 7 مرات أقل من المستوى المقرر من قبل منظمة الصحة العالمية في معايير مياه الشرب. جدير بالذكر أن التريتيوم يوجد على نطاق واسع في الطبيعة ويتم استيعابه في أجسام البشر عبر مياه الشرب وغيرها من المصادر. وغالبًا ما يتم إخراجه من الجسم دون تركيز في الكائنات الحية أو الأعضاء.

قبل بدء عملية التصريف، أجرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مراجعة شاملة من النواحي الأمنية والتنظيمية المتعلقة بتصريف المياه المعالجة بتقنية النظام المتقدِّم لمعالجة السوائل. بالاستناد إلى الاستطلاعات الميدانية وتحليل عينات المياه والخطوات الأخرى المتبعة، أصدرت الوكالة تقريرًا يؤكد تماشي المعدات والعمليات المتعلقة بالتصريف مع معايير السلامة الدولية ذات الصلة. وفيما يتعلق بالتحليل، أظهرت النتائج قدرة تيبكو الفنية المتقدمة على تحليل البيانات بدقة عالية.

علاوة على ذلك، صرح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أن عمليات التصريف كانت متوافقة مع المعايير الدولية وسيكون لها تأثير ضئيل على البيئة.

في 4 يوليو/تموز 2023، قدم المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، غروسي، تقريره إلى رئيس الوزراء كيشيدا فوميو، مشيراً إلى أن التصريف المخطط للمياه المعالجة التي تحتوي على التريتيوم من فوكوشيما دايئيتشي ”يتوافق مع معايير السلامة الدولية ذات الصلة“. ( © رويترز)

ويتم الرصد المنتظم لمياه البحر في المنطقة أثناء وبعد التصريف. لقد ثبت أن تركيزات التريتيوم حاليًا أقل من المستويات التي يمكن اكتشافها (أقل من 7-8 بيكريل لكل لتر)، مما يؤكد عدم وجود تأثير على الأشخاص أو البيئة.

فرقة عمل تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية في ميناء هيسانوهاما لصيد الأسماك في إيواكي بمحافظة فوكوشيما، في 19 تشرين الأول/أكتوبر/ تشرين الأول 2023. (© رويترز)

وفي 30 يناير/كانون الثاني 2024، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرها حول مراجعة السلامة بعد بدء التفريغ، قائلة: ”لم تحدد فرقة العمل أي شيء يتعارض مع متطلبات معايير السلامة الدولية ذات الصلة“. وضم فريق المسح التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي زار اليابان أعضاء من الصين وكوريا الجنوبية.

ولكن بعد بدء التصريف، أوقفت الصين جميع وارداتها من المأكولات البحرية اليابانية. كما حظرت هونغ كونغ وماكاو واردات المأكولات البحرية النيئة من 10 محافظات وبلديات في اليابان. وبدورها قدمت الحكومة اليابانية اعتراضاتها الرسمية على هذه القرارات.

اجتماع مجموعة بروتوكول لندن والدول الموقعة

بدأت كوريا الجنوبية ومنظمة السلام الأخضر الدولية في إثارة مخاوفهما بشأن تصريف المياه المعالجة بتقنية النظام المتقدِّم لمعالجة السوائل في البحر في عام 2019، خلال اجتماع مجموعة الامتثال لبروتوكول لندن - الذي أنت عضو في لجنته - واجتماع للأعضاء الموقعين. وأفادت وسائل الإعلام أن الحكومة الكورية ناقشت إمكانية رفع دعوى أمام المحكمة الدولية لقانون البحار في ذلك العام، لكنها لم تتخذ خطوة بشأن ذلك.

بروتوكول لندن، الذي وقع في عام 1996، يُعَدُّ اتفاقاً دولياً لتعزيز اتفاقية منع التلوث البحري الناجم عن إغراق النفايات ومواد أخرى لعام 1972، والمعروفة باسم ”اتفاقية لندن“. يعتبر هذا البروتوكول واحداً من الاتفاقيات الدولية الهامة لحماية البيئة البحرية من الأنشطة البشرية.

يحظر بروتوكول لندن تمامًا التخلص المتعمد من النفايات أو المواد الأخرى أو التخلص منها أو حرقها من السفن والطائرات والمنصات في البحر. في اجتماع مجموعة الامتثال والدول الموقعة، ادعت كوريا الجنوبية والصين ومنظمة السلام الأخضر أن تصريف المياه في فوكوشيما كان مخالفًا للمادة 2 من بروتوكول لندن التي تنص على أنه ”يجب على الأطراف المتعاقدة. حماية البيئة البحرية والحفاظ عليها من كافة مصادر التلوث“. وزعموا أيضًا أن التريتيوم الموجود في المياه المعالجة بتقنية النظام المتقدِّم لمعالجة السوائل تم إنتاجه عن طريق حادث، وليس عن طريق عمليات التشغيل العادية، وبالتالي فإن ممارسة إطلاق المياه مع التريتيوم في البلدان الأخرى التي لديها محطات نووية لا تبرر تصريف المياه المعالجة في فوكوشيما.

تجدر الإشارة إلى أن بروتوكول لندن لا يضع أي قيود على تصريف المياه من المنشآت الأرضية، بما في ذلك الخزانات وخطوط الأنابيب على الأرض، ولكنه يشمل تصريف المياه من القوارب والمصادر البحرية الأخرى. وفي هذا الصدد، وبحسب أمانة المنظمة البحرية الدولية، فإن خطوط الأنابيب الأرضية لا تعتبر ”منشآت بحرية صناعية“، وبالتالي فإن التخلص من النفايات عبر خطوط الأنابيب هذه يقع خارج نطاق التنظيم بموجب اتفاقية وبروتوكول لندن.

أما بالنسبة للادعاء الثاني، فينبغي ملاحظة أن المياه المعالجة بتقنية النظام المتقدِّم لمعالجة السوائل تفي بالمعايير التي حددتها اللجنة الدولية للوقاية من الإشعاع، وبقدر ما تكون محتويات السائل واحدة، فلا يوجد أساس قانوني لتمييز السائل المنتج عن طريق حادث نووي من تلك الناتجة عن التشغيل العادي لمحطات الطاقة النووية.

مسؤوليات اليابان الدولية

بطبيعة الحال، لا خلاف على أن كل دولة ملزمة بحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها.

هناك قوانين دولية تنظم تصريف المياه المعالجة بتقنية النظام المتقدِّم لمعالجة السوائل في البحر. تحدد اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار مجموعة متنوعة من المسؤوليات الفردية المتعلقة بالبيئة البحرية في المادة 192، التي تحدد مسؤوليات منع التلوث البحري والحد منه والسيطرة عليه، فضلاً عن الالتزامات المتعلقة بالتأثير البيئي. ومع ذلك، ووفقاً لهذه المادة، فإن التدابير التي سيتم اتخاذها والمعايير التي سيتم تطبيقها لهذه الأغراض متروكة لتقدير كل دولة.

ومع ذلك، فإن البلدان لا تتمتع بسلطة تقديرية غير محدودة. ولتجنب الإدانة القانونية الدولية، ينبغي أن يتوافق تنفيذ تدابيرها مع المعايير التي وضعتها الوكالات المتخصصة المعترف بها دوليا. وفي حالة التصريف في المحيطات، يجب أن تتماشى التدابير ذات الصلة مع المعايير التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويتوافق تصريف المياه المعالجة بتقنية ALPS في فوكوشيما مع معايير السلامة والمبادئ التوجيهية التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تم التحقق منها من خلال تحقيقات الوكالة.

الحاجة إلى الجهود الدبلوماسية

في اجتماع عام 2023 للأطراف الموقعة على اتفاقية لندن، قدمت كوريا الجنوبية والصين ومنظمة السلام الأخضر مرة أخرى اعتراضات على نفس الأسباب.

وقد أتاحت أمانة اتفاقية لندن بشكل غير رسمي فرصة للوكالة الدولية للطاقة الذرية لتقديم تقرير. حيث أعرب جميع ممثلي الحكومات تقريبًا عن ثقتهم الكاملة في تبادل المعلومات بشفافية كاملة من جانب اليابان وتقارير التفتيش التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وعلى وجه الخصوص، أكدت حكومة الولايات المتحدة على اعتقادها بأن هذه القضية لابد وأن يُنظر إليها من وجهة نظر علمية واستنادًا إلى نتائج المسح الذي تجريه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعلى هذا فقد وجدت أنه من الطبيعي تمامًا أن نثق في المعلومات التي تقدمها اليابان على كافة الجبهات. وحتى الدول التي كانت تؤيد موقف كوريا الجنوبية والصين غيرت وجهة نظرها وأعلنت أخيرا دعمها لموقف اليابان.

ومن المرجح أن تتكرر هذه المناقشة طالما استمرت عملية تصريف المياه المعالجة، ومع ذلك، فإن الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الحكومة اليابانية حظيت بدعم المجتمع الدولي.

قام السفير الأمريكي لدى اليابان رام إيمانويل ”علي اليسار“ بزيارة مدينة سوما بمحافظة فوكوشيما خلال جلسة الخروج الأولى. وأثناء وجوده هناك، تذوق الفاكهة المحلية واشترى المأكولات البحرية المحلية في هاما نو ايكي ماتسوكاوارا في 31 أغسطس/آب 2023. (© رويترز)

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: مضخة تسحب مياه البحر لتخفيف المياه المعالجة من محطة فوكوشيما دايئيتشي للطاقة النووية التابعة لشركة تيبكو. التقطت الصورة في 27 أغسطس/آب 2023. © جيجي برس)