محمد اسماعيل - القاهرة - كتب- محمد سامي:
عقد اليوم الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بمقر الحكومة بمدينة العلمين الجديدة، جلسة حوارية مُطولة ضمت عدداً من رؤساء التحرير والإعلاميين، وشهدت حواراً مفتوحاً حول العديد من القضايا الوطنية والإقليمية التي تشغل الرأي العام، واستعراض البرامج والرؤى الخاصة بالحكومة تجاه معالجة المُشكلات، ومواصلة جهود النمو الاقتصادي والتنمية.
وفي مُستهل الجلسة الحوارية، رحب رئيس الوزراء بالحضور، مُعتبراً أنهم يمثلون جزءاً مهماً جداً من بناء الوعي للمواطن المصري، ونقل كل الأخبار والمستجدات له، لافتاً إلى أنه يحرص يومياً على متابعة كل ما يُنشر في وسائل الإعلام والصحافة، كما يصلُ إليه رصد لكل ما يتم تناوله بالبرامج الحوارية من قضايا، وما يُكتب من مقالات رأي في الصحف، وأيضاً ما يُنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يستقي من تلك المنابع توجهات الرأي العام، والوقوف على ما إذا كان هناك إدراكٌ كامل لحقائق الموقف أم لا، حيثُ يجد أحياناً أن بعض التوجهات التي يتم تداولها تُظهر غياب بعض الحقائق، ولذا عندما يعقد المؤتمر الصحفي الأسبوعي، فإنه يتحدث عن هذه النقاط تحديداً لتوضيحها، وبالتالي حرص أيضاً على عقد هذا اللقاء، الذي يتيح ـ بخلاف المؤتمر الصحفي النمطي ـ فرصة للحوار مع الحضور بما لهم من تأثير قوي في تشكيل الوعي، وإعطاء الصورة للمواطن المصري بطريقة أشمل.
وأشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أنه برغم ما تشهده إجازة الصيف من استراحة بعض البرامج الحوارية، ولكنه سيحرص على عقد هذه الجلسة الحوارية بشكل شهري، من أجل تحقيق الفكرة الأهم وهي الإستماع منهم إلى الرؤى المختلفة، ووجهات النظر، لنصبح جميعاً على أرضية مُشتركة من الحقائق الراهنة التي تواجه الدولة، إلى جانب التعرف أيضاً على تصورهم لمسارات حركة الدولة خلال الفترة المقبلة، والملفات التي تتطلب تركيزاً أكبر من جانب الحكومة، لكونهم ينقلون جزءاً كبيراً من نبض الشارع المصري.
وأكد رئيس الوزراء أن الحكومة غير منفصلة عن الشارع، وتعرف أن الفترة الماضية كانت شديدة الصعوبة مصحوبة بأزمات غير مسبوقة، ولسان حال المواطن هو التساؤل حول توقيت الخروج من هذه الأزمة، والشعور بأن الأمور استقرت وهدأت، وأن الأسعار بدأت تنخفض والتضخم أصبح في اتجاه نزولي، كما يقول البعض أن الحكومة تُلقي عبء المشاكل التي تواجهها على الأزمات الخارجية، دون اعتراف بأنه كان هناك نوع من القصور والمشاكل الداخلية.
وأوضح أن الحكومة ـ كبشر ـ ليست منزهة عن الخطأ والتقصير، ولكنها تحاول أن تجتهد حتى لو كان هناك نوعٌ من الأخطاء والقصور، فلا توجد حكومة تُنفذ خططها بنسبة 100%، ومن الطبيعي أن يحدُث قصور وخطأ مع حجم العمل وبالتالي لا نُعزي كل شيء لظروف الخارج، على الرغم من أن الخارج كان تأثيره على مصر غير عادي وغير مسبوق، مطالباً الاستعراض بصورة حيادية للمواقف والأحداث التى وقعت على مدار السنوات الأربع الماضية، وماهي تداعيات وانعكاسات هذه الأحداث على مصر، وماذا لو لم تقع هذه الأحداث والأزمات، وما هو وضع مصر فى هذا التوقيت هل كانت ستعانى من حدة الأزمات والمشكلات الحالية أم لا.
وعن رؤية الدولة المصرية للخروج من الأزمات والتحديات الحالية، أشار رئيس الوزراء إلى أن الدولة حرصت على اتخاذ ما يلزم من إجراءات وخطوات للخروج مما اسماه بـ"النفق المظلم" الذي كانت تعاني منه منذ نحو أربعة أو خمسة شهور مضت، قائلاً: "المواطن كان يعتقد أنه ليس هناك أى أمل فى فترة ما لحل مشكلة الدولار.. مع وصول سعر الصرف لأرقام كبيرة بلغت نحو 60 و70 جنيها مقابل الدولار الواحد، وحدوث ارتفاعات كبيرة في أسعار السلع، ووجود أسعار مختلفة للسلعة الواحدة... وكل هذه الأمور تم تجاوزها مع ما تم اتخاذه من إجراءات".
وأكد أن صفقة رأس الحكمة ليست وحدها التى ساهمت في حل هذه المشكلات، بل هناك مجموعة من الإجراءات المتكاملة التى تم اتخاذها والعمل عليها، ومن بين هذه الإجراءات ما تم ابرامه من مسارات تعاون مع عددٍ من الموسسات الدولية.
وفي هذا السياق، أكد رئيس الوزراء أن وجود برامج وتعاون مع المؤسسات الدولية، إنما يعطي رسالة ثقة في اقتصاد الدولة المصرية، مشيراً إلى أن نجاح الحكومات في أي دولة يُقاس بقدرتها على جذب استثمارات أجنبية مباشرة، قائلاً:" لا يُقدم أي مستثمر خارجي على الاستثمار في أي دولة، إلا عندما يطمئن على أن مسار هذه الدولة يؤمن استثماراته، وإلا يُحجم عن الاستثمار فى هذه الدولة"، ويعتمد المستثمر فى هذا الشأن على ما يتم نشره من خلال المؤسسات الدولية، هذا إلى جانب الإجراءات المُطبقة بالفعل على أرض الواقع فى هذه الدولة تسهم في جذب الاستثمارات لها من خلال حل المشكلات وإزالة العوائق واتاحة التيسيرات والحوافز، وأن المستثمر الداخلي يكون سفيراً لمصر، ويكون جزءا من الرسالة الإيجابية للمستثمر الخارجي.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي إن المستثمرين الأجانب الذين يرغبون في ضخ استثماراتهم في مصر يطمئنون عندما يرون أوضاع المستثمرين مشجعة، وهذه نقاط توضح أسباب حرصنا على وجود تعاون وشراكة مع مؤسسات دولية مثلما هو سائد في مختلف دول العالم، فيوميا تحرص تلك المؤسسات على نشر تقارير لها عن اقتصادات الدول، وهذه التقارير تؤثر على تصنيف الدول، كما أن مؤسسات التصنيف الائتماني تقيم تصنيفاتها بناء على هذه التقارير، بالإضافة إلى الجهات الاستثمارية الكبرى ومختلف المؤسسات الدولية، أو المستثمرين الأفراد الذين يعتمدون على مثل هذه التقارير لاتخاذ قرار بشأن ضخ استثماراتهم في بلد معين أو الانصراف عن ذلك.
وأضاف رئيس الوزراء أن هذا الأمر يواجه الدولة المصرية من الخارج قبل الداخل، لأن ذلك جزء كبير يشكل تركيبة القرارات التي تتخذها الحكومة، وكذا المواءمات التي نجريها، مشيرا في هذا الصدد إلى انشغال فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بالملف الخارجي، ودوما هناك تواصل من جانب سيادته مع جميع دول الجوار، ونطاق المنطقة، وكذا النطاق الأشمل مع القوى العظمى في العالم، لأننا نسير " على حد السيف"، نراعي مصالحنا كدولة ونحتفظ بقوة مصر ومكانتها وريادتها في هذه المنطقة، وهذا وضع حقيقي نلمسه بالفعل؛ فمصر لها ثقل سياسي، ومهما شهدنا من أزمات وأوقات تعثر في بعض الأحيان ستظل الدولة المصرية قوة إقليمية لها وزنها وتأثيرها على مستوى الدول.
وقال: نكون حريصين كل الحرص في قراراتنا في خضم الأحداث العصيبة، وتصارُع القوى الذي نشهده، على الالتزام بالتوازن وأن نتخذ قراراتنا بما يخدم الصالح العام وحماية أمن مصر القومي، وهو أمر مهم للغاية؛ لأن أي إجراء يتم اتخاذه يكون هدفه المصلحة العامة للدولة، ولكن لابد أيضا أن نقيس في الوقت نفسه رد فعل القوى العظمى، وتداعيات ذلك على الإقليم، ولذا يتعين علينا أن نعي أن أي قرار يتم اتخاذه وفقا لهذا المنطق، بخلاف ما يشاع في بعض الأحيان في وسائل الإعلام حول ضرورة اتخاذ قرار بأسلوب معين، أو أن يقال إنه لا يتعين الصمت عن تجاوزات بعض الدول في ملفات بعينها.
وفي هذا السياق، ضرب الدكتور مصطفى مدبولي مثالاً بقضية المياه، موضحاً أن هذا الملف له حسابات بالغة الدقة، فكل خطوة يتم اتخاذها يتم حساب تداعياتها جيدا، ولذا فأي قرار يتم اتخاذه يكون في إطار سيناريوهات عديدة تراعي مسألة الحفاظ على مصالح الدولة المصرية، وأنه مهما حدث من خلافات لا بد من اتباع سياسة حُسن الجوار مع هذه الدول، فنحن لا يمكننا أن ننسلخ عن الدول التي تقع في محيطنا.
ولفت الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إلى أنه من المهم أيضاً النظر إلى قدرة الحكومة على كسب ثقة المواطن، لافتاً إلى أنه كانت هناك بعض المقالات التي كتبها كتاب مثل الأستاذ أكرم القصاص، والأستاذ عماد الدين حسين، في الأسبوع الأول من الشهر الحالي، ومقالات أخرى في هذا الخصوص، مؤكداً أنه وفق تقديره الخاص فإنه لا توجد حكومة تريد اتخاذ قرارات تُنقص من شعبيتها في الشارع، وأي قرارات بتحريك أسعار تكون آخر القرارات التي تبتغي الحكومة اتخاذها، لافتاً إلى أن الحكومة أحياناً تُرجيء اتخاذ مثل هذه القرارات ليس خشية تأثر شعبيتها، وإنما لعدم الرغبة في تحميل المواطن أعباء اضافية، لكونها تُدرك جيداً الأعباء التي يتحملها، فإذا كان لدى الحكومة مساحة لتحمل بعض الأعباء لفترة ما فإنها تبادر بذلك، وقامت بهذا في فترات عديدة مُؤخراً في أوقات الأزمات، وذلك على أمل إنتهاء الازمات، وكانت ترجئ اتخاذ قرارات لبضعة شهور على أمل ان تتحسن الأمور، ولكن تزداد تعقيداً وتضطر للإرجاء لفترة جديدة.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن تراكم الأعباء على الدولة في النهاية يجعلها غير قادرة في توقيت ما على الإستمرار بهذا الوضع، فتضطر لاتخاذ الإجراء بزيادة بعض السلع والخدمات، وذلك دون الوصول إلى السعر الحقيقي الذي تتحمله الدولة، حيث تقوم فقط بتمرير جزء من هذا العبء على المواطن، أو اتخاذ القرار بصورة تدريجية، تماماً كما أعلنت عن زيادة أسعار المواد البترولية، معتبراً أن الأرقام كبيرة والفجوة كبيرة، وكل يوم يمر على مصر فإن الدعم الخاص بالمواد البترولية يكون في حدود 450 مليون جنيه يومياً، وتتحمله الدولة، إلى جانب المواد البترولية التي يتم جلبها بالعملة الصعبة، متسائلاً: هل تستطيع الدولة الاستمرار في تحمل ذلك وإلى متى؟
وفي هذا الصدد أشار رئيس الوزراء إلى أنه لم يكن بالإمكان أن تظل الحكومة تتحمل على هذا المنوال، وأوضح أن الزيادة في قيمة دعم المواد البترولية اضطرت الدولة إلى تقليل حجم الانفاق على خدمات أخرى هامة، مثل: الصحة، والتعليم، والبنية الأساسية ، لتدبير قيمة هذا الدعم ، لافتا إلى أنه في عام ٢٠٢١ استطاعت الدولة أن تحقق التوازن، ولم يكن هناك دعم موجه للمواد البترولية سوى فقط للبوتاجاز والمازوت الخاص بالأفران، الأمر الذي أتاح للدولة توفير مبالغ كبيرة لتنفيذ مشروعات البنية التحتية ومشروع حياة كريمة، وغيرها من الخدمات الأخرى التي يحتاجها المواطن.
ونوه إلى أنه على الرغم من زيادة موارد الدولة، لكن احتياجاتنا أيضا تزيد، خاصة مع الزيادة السكانية، لذلك كان لابد للدولة أن تضع إطارا لضبط الانفاق .
وحول ما يثار عن موضوع الدين العام، أشار رئيس الوزراء إلى أن الدولة إذا قامت بتلبية كل الاحتياجات سوف يؤدي هذا إلى زيادة قيمة الدين بأرقام غير مسبوقة قد تكون خارج نطاق السيطرة في المستقبل، لذلك عملت الحكومة على اتخاذ اجراءات تضمن إحكام السيطرة على الدين.
وفيما يخص دور الإعلام أكد الدكتور مصطفى مدبولي على أهمية توضيح الصورة كاملة، مشيرا إلى أن بعض التقارير الإعلامية أحيانا تتضمن معلومات مغلوطة يتم تناولها من بعض ما يطلق عليهم "خبراء"، وهم يفتقرون إلى المعلومات الأساسية عن حقيقة الوضع الحالي، بما يعطي انطباعا خاطئا عن وضع الدولة، من خلال تداول أرقام غير دقيقة أو قديمة، أو أرقام مصدرها وسائل التواصل الاجتماعي والتي ليس بالضرورة أن تكون أرقاما حقيقية، وهنا يأتي دور الدولة فنحن نحاول قدر الامكان أن نعرض الصورة الشاملة، مؤكداً حرص الحكومة على اطلاع المواطنين على مختلف الحقائق حتى يعرف المواطن بصورة مستمرة مختلف الأمور، لافتاً فى هذا السياق إلى دور وسائل الاعلام المختلفة فى عرض الرأى والرأى الأخر، وذلك تحقيقاً للتوازن، قائلا:" لا نطلب فقط عرض وجهة نظر الحكومة.. بل نريد اتاحة الفرصة للحكومة عرض وجهة نظرها مثلما يتم عرض وجهة نظر وآراء المستقلين وفى بعض الاحيان بعض التوجهات الاخري، وذلك سعيا لأن يستمع المواطن إلى مختلف الآراء، ويكون له الحكم والتقييم".
وأشار رئيس الوزراء إلى الحجم الهائل من الأكاذيب والشائعات التى يتم مواجهتها يومياً، قائلا:"التعامل مع الأكاذيب والشائعات أصبح جزءاً من العمل الحكومي اليومي"، لافتاً إلى أن مختلف الأكاذيب والشائعات التى يتم إطلاقها هي مدروسة ويقف خلفها من يريد هدم الدولة، وذلك بالنظر لتداعيات تلك الأكاذيب على المستويين المحلي والدولي، ذاكراً فى هذا السياق ما أثير عن قيام صندوق النقد الدولي بإلغاء مناقشة الملف الخاص بمصر، منوها إلى أن هذه الشائعة كان من الممكن أن تكون لها تداعيات هائلة على مصر، حيث تم اطلاق هذه الشائعة يوم أحد بالقصد وهو أجازة في الخارج، حتى لا يتمكن الصندوق من إرسال التوضيح والرد على هذه الشائعة، وكذا ما يتعلق بفروق التوقيتات، وهو الذي من شأنه أن يسهم فى خروج المستثمرين أو حدوث هزات فى البورصة المصرية، مؤكداً أنه لسرعة التعامل مع هذه الشائعة تم التواصل مع الصندوق فى نفس اليوم "يوم الأحد" وتم اصدار التوضيح والتصحيح للمجتمع والرأى العام، حيث تم التأكيد على شمول جدول الاعمال ملف مصر وانه لا يوجد أى الغاء.
وأشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أن الشائعات تتزايد يومياً، وكلها مقصود بها خلق حالة سلبية لدى الشارع المصري، وهز الثقة في وضع الدولة المصرية، وإثارة تداعيات في الخارج على رؤية الدولة المصرية، مُعتبراً أن ذلك يتم باحترافية ويكون له تبعات شديدة السلبية، ويكون دور الكتاب والاعلاميين من المهم جداً في توضيح الحقائق، والخروج بصورة عاجلة إلى جانب الدولة لتوضيح الحقائق، دون تبني رؤية الحكومة، فهو يحرص على الاستماع لكل ما يثار حتى من انتقاد للحكومة، لأنه يستقي من ذلك التوجهات المختلفة.
وأوضح في هذا الخصوص أنه أثير مؤخراً موضوع تم مناقشته في اجتماع الحكومة اليوم، وهو ما يخص حالة المطارات المصرية، والمشاكل التي يثار أنها تشهدها، وتم تداول ذلك في بعض البرامج الحوارية والمقالات، ووسائل التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أنه كانت هناك مناقشة مستفيضة في اجتماع الحكومة اليوم مع وزيري الطيران المدني، والمالية، من اجل موضوع الجمارك، ووزيري الداخلية والخارجية فيما يخص موضوع التأشيرات، وبحث كيفية التحرك بصورة سريعة لتحسين الإجراءات داخل المطارات المصرية، موضحاً أنه سبق أن أعلنت الحكومة عن فكرة طرح إدارة وتشغيل المطارات ككل مطارات العالم وجُوبه ذلك بالنقد، واعتبره البعض بيعاً لاصول، مؤكداً أن الفكرة تتمثل في طرح إدارة وتشغيل المرافق العامة لمصر للقطاع الخاص لتوفير خدمة أفضل بتلك المرافق تحقق عائداً للدولة، والاستفادة بشكل أمثل من هذه الاصول، معتبراً أن هناك شركات محترفة في هذا الخصوص يمكنها تغيير صورة تلك المرافق، وطرح فكرة شراكة مع هذه الشركات تستهدف تعظيم أصول الدولة بالشراكة مع القطاع الخاص.
وجدد الدكتور مصطفى مدبولي التأكيد على أننا تجاوزنا الفترة الأصعب على الإطلاق التي مرت بها مصر فيما يخص الوضع الاقتصادي، وأكدنا بوضوح شديد أن العام المالي الحالي الذي بدأ هذا الشهر يمثل مرحلة التعافي الكامل للاقتصاد المصري عام 2024/2025، ومؤشرات ذلك هو التركيز على أن يظل التضخم في المسار النزولي له، وأن يزيد الاحتياطي النقدي، وهذا يتحقق، ويقل حجم الدين، ويتزايد دور القطاع الخاص ونسبته في حجم الاستثمارات، وأن تزيد نسبة النمو للاقتصاد المصري، وكل ذلك سيكون السبيل للخروج من هذه الحالة.
ونوه إلى أننا في هذا العام سنستطيع أن نقول أننا عدنا إلى وضع التعافي الحقيقي الذي كنا فيه قبل الأزمات الكبيرة التي حدثت، مُذكراً الحضور بأن الدولة المصرية قبل الأزمات الاخيرة كانت تنمو بمعدلات بلغت 6% واقتربت من 7%، حتى في بدايات ازمة كورونا وكنا ضمن أعلى الاقتصاديات بالنسبة لمعدل النمو، مدفوعين بإجراءات الإصلاح الاقتصادي التي تحققت، والاستثمارات التي ضختها الدولة خلال هذه الفترة للابقاء على معدل النمو الاقتصادي، إلا أن الصدمات التي بدأت بأزمة كورونا وتوالت بأزمات أخرى أدت الى تباطؤ نسب النمو، وتستهدف الحكومة في العام القادم العودة للمعدلات المعهودة، وهدفها أن تحقق خلال السنوات الثلاث القادمة من برنامج عملها متوسطات تصل إلى 5.5% على الأقل وتأمل تحقيق الأفضل.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن التحدي الحقيقى يتجسد فى حالة وجود اقتصاد كبير تتحقق به معدلات نمو عالية، قائلا:" نستهدف ذلك في الاقتصاد المصري، على الرغم مما حدث من أحداث اقتصادية مؤخراً، فمصر مازالت واحدة من أكبر الاقتصاديات فى المنطقة"، لافتا إلى أن التقديرات وتقارير المؤسسات العالمية تشير إلى أن مصر ما بين 15 إلى 20 سنة على الأكثر ستكون من أكبر عشر اقتصاديات على مستوى العالم، وذلك يرجع لحجم الدولة وتأثيرها وحجم اقتصادها وتنوعه حتى مع الأزمات الموجودة، فإن العالم يرى مصر فى هذا المكان فى المستقبل، موضحاً فى هذا الصدد أن تحقيق نسب نمو عالية لمثل هذه الاقتصاديات، تكون ليست بالسهولة مقارنة بغيرها من الاقتصاديات التى تكون لدول فى بداية مسارها الاقتصادى، وذات اقتصاد محدود، فبالتالي من السهولة لها تحقيق نسب نمو عالية.
ولفت رئيس الوزراء إلى أن برنامج الحكومة الذي حاز مؤخراً على ثقة أغلبية البرلمان، تضمن الأخذ بمختلف ما تم طرحه من جانب الأصوات المعارضة، بحيث يتم العمل على وضع برامج زمنية تفصيلية لمختلف بنود البرامج، هذا إلى جانب الأخذ بكافة الملاحظات التى أثيرت على البرنامج من جانب المتحفظين عليه، والعمل عليها خلال الفترة القليلة القادمة.
وقال: هناك تساؤلٌ يُثار مفاده: كيف تعمل الحكومة في إطار موازنة وضعتها حكومة سابقة، موضحًا أن الدستور المصري ينصُ على ضرورة تقديم الموازنة الخاصة بالحكومة قبل نهاية شهر مارس، وبالتالي فلا بد من تقديم برنامج الحكومة قبل 31 مارس.
وأكد رئيس الوزراء في هذا الشأن أنه إذا قدمت الحكومة برنامجها لعام مالي قادم، وجاءت حكومة جديدة بعد بداية هذا العام المالي، فتعمل تلك الحكومة الجديدة وفق برنامج ذلك العام المُحدد مسبقًا من حيث المستهدفات والمؤشرات العامة، مع إمكانية تغيير بعض التفاصيل. بمعنى أن الموازنة قد حددت بالفعل حجم إنفاق وزارة معينة، ولكن هناك مرونة في أولويات الإنفاق بحسب كل وزير وبناء على رؤيته ومستهدفاته، حتى لو لم يكُن ذلك الوزير حاضرًا بصورة مباشرة في وضع الموازنة.
وأوضح الدكتور مصطفى مدبولي أن السياق العام للحكومة يتمثل في: رؤية مصر 2030، وبرامج الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية الموجودة والمُعلنة للدولة المصرية، إلى جانب مسار الإصلاح الاقتصادي القائم، وكذا توصيات الحوار الوطني، وكل الاستراتيجيات الوطنية المُعلن عنها؛ مثل استراتيجيات: التغيرات المناخية، الاقتصاد الأخضر. فكلها ثوابت يُبنى عليها برنامج الحكومة المصرية.
وتابع: بالتالي نحن نعمل في هذا السياق، وملتزمون بتقديم برامج تفصيلية لإنجاز برنامج الحكومة، أو تقارير تفصيلية واضحة للبرلمان، كما نضع أيضًا آلية متابعة شهرية لكل وزارة كي نطمئن على الالتزام بالمسار، وتصويب أي حيود عن التنفيذ، وهذا يؤكد وجود منظومة لمتابعة الأداء في هذا الشأن.
وانتقل الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إلى الحديث عن ملف الدعم، موضحًا أن آخر ما تُفضل الحكومة التحرك فيه هو زيادة الأسعار؛ ولكن أعلنا اعتزامنا على التحرُك بصورة متدرجة بشأن زيادة أسعار البنزين والسولار حتى نهاية ديسمبر من العام القادم 2025؛ مع وضع معدلات التضخم في الإعتبار، حيث لا يُمكن تحريك الأسعار بصورة مبالغ فيها، وبالتالي كانت الدولة حريصة على تخفيض الدعم بصورة متدرجة، لأننا ندرك تداعيات ذلك على زيادة الأسعار، خاصة أسعار وسائل النقل التي ترتفع بصورة مباشرة، وتعمل الدولة على مواجهة ذلك من خلال تحديد تعريفة محددة لوسائل النقل يتم التوافق عليها على مستوى المحافظات، وفي نفس الوقت يتم التحرك بالتعاون مع اتحادات الغرف واتحاد الصناعات لضمان عدم زيادة أسعار السلع بحجة زيادة أسعار وسائل النقل.
ونوه إلى أن الأجهزة الرقابية على مستوى الدولة تتحرك لإحكام السيطرة على الأسعار ، مؤكدا أن الدولة لم يكن لديها بديل سوى التحرك بصورة تدريجية في مجال خفض الدعم عن المواد البترولية منعا لتأثير ذلك على معدل التضخم بصورة كبيرة.
وفيما يتعلق بالدعم الموجه للكهرباء، أوضح رئيس الوزراء أنه كان من الصعب أيضا أن تقوم الحكومة بتحرير أسعار الكهرباء بصورة مباشرة ، لذلك تم وضع خطة لخفض الدعم الموجه للكهرباء على مدار ٤ إلى ٥ سنوات، لافتا إلى أن شرائح استهلاك الكهرباء التي يقع فيها ما يقرب من ٨٠% من المواطنين تعد هي الشرائح الأقل في تطبيق زيادات أسعار الكهرباء، بينما يتم تطبيق الزيادات الأكبر على الشرائح الأخرى والأنشطة غير السكنية، لتخفيف الأعباء قدر الامكان عن المواطن البسيط والأسر متوسطة الدخل.
وفي سياق متصل، أوضح الدكتور مصطفى مدبولي أن الفاتورة الشهرية التي تدفعها وزارة الكهرباء لوزارة البترول والخاصة بقيمة المواد البترولية اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء تتعدى الـ ١٦ مليار جنيه ، وتتحمل وزارة الكهرباء ٤ مليارات جنيه فقط من هذه القيمة، بينما تتحمل الدولة باقي القيمة.
وأضاف: نحاول اليوم تقليل الفجوة، حيث نبدأ تحريك الفجوة بين الـ 16 و الـ 4، كي تتمكن وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة من دفع جزء اكبر قليلاً لوزارة البترول والثروة المعدنية، ورؤية الحكومة أن نتحرك على مدى زمني 4 سنوات على الأقل، وحتى بعد السنوات الأربع، ستظل الشرائح الخاصة بمحدودى الدخل ومتوسطي الدخل مدعومة، ودائماً سنحرص على ان تكون بعض الانشطة غير السكنية والشرائح العليا هي التي تتحمل قليلاً لصالح الشرائح الأخرى.
وأوضح رئيس الوزراء أن لدينا مشكلة كبيرة في الفاقد في الشبكة الكهربائية، موضحاً أن المشاكل الفنية قد يكون لديها نسبة معينة، حتى في البلدان المتقدمة، إلا أن لدينا فاقدا تجاريا ناجما عن موضوع السرقات، ومعدله ليس قليلاً، ولذا كان احد القرارات المهمة تركيب عدادات كودية لكافة المنازل حتى في المناطق العشوائية، وغير المقنن وضعها، وحتى المنشآت غير الرسمية، لكي اتمكن كدولة من استيداء مستحقاتها، وتقوم الدولة بتكثيف الحملات، فنحن دولة كبيرة، وحجم السرقات الذي نواجهه كبير، ولابد أن نتنبه إلى أن هذه السرقات تؤثر على جوانب أخرى ترتبط بالخدمات المُقدمة وهو ما يجب إدراكه من جانب المواطن، وأرقام السرقات اذا قلت سيساهم ذلك في تخفيف وطأة الفاتورة التي تحملها الدولة لتدبير الموارد البترولية، وبالتالي كانت فكرة تخفيف الاحمال، وإذا كان بامكاننا الوصول إلى تحصيل مستحقات الدولة من الكهرباء بشكل كامل، كان بالامكان عدم اللجوء إلى عملية تخفيف الاحمال، قائلاً: "إذا كانت الحكومة مسئولة فان المواطن شريك لها، وكلما قلت الأعباء ستتمكن الدولة من تحسين الخدمة بشكل أفضل".
وأوضح رئيس الوزراء أنه لتخطى فترة الصيف الحالية تحملت الدولة مليار و200 مليون دولار، تم ضخها كأرقام إضافية على موازنة الدولة، سعياً لوقف قطع الكهرباء وتخفيف الاحمال خلال هذه الفترة، مشيراً إلى أن فترة الصيف تشهد استهلاكاً بشكل أكبر، لكن المتوسطات على مدار العام تصل إلى حوالي 4 مليارات للعمل على وقف هذا الموضوع، مضيفاً: أنه بتطبيق أساليب الترشيد المختلفة، إلى جانب ايقاف سرقات التيار الكهرباء، كل هذه الأمور تسهم فى عدم تحمل الدولة هذه الأرقام الهائلة للتعامل مع ملف انقطاع الكهرباء.
وأكد رئيس الوزراء فى هذا السياق أنه مع النمو الطبيعي للسكان وزيادة حجم اقتصاد الدولة، فإن احتياجاتنا من الطاقة تزيد، وهو الذي دعا إلى الإسراع فى إدخال مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، مشيراً إلى أنه مع الوصول لارقام معقولة ومنافسة لشراء الطاقة من مثل هذه المشروعات الخاصة بالطاقة الجديدة والمتجددة، فهناك امكانية للتوسع فى اقامة هذه المشروعات من خلال مؤسسات وشركات القطاع الخاص، وهو ما يسهم فى الحصول على الطاقة الكهربائية لمواجهة احتياجاتنا من الطاقة وخاصة خلال فترات الصيف، هذا إلى جانب الجهود الخاصة بزيادة الانتاج من المحطات الكهربائية التقليدية لدينا.
وأوضح الدكتور مصطفى مدبولي أن مصر كان انتاجها في مرحلة ما من الزيت الخام 650 ألف برميل، إلى جانب الغاز الذي تمتلكه، وتراجعت الأرقام الى 550 ألف برميل، وكذلك الغاز انخفضت الأرقام الخاصة به، لافتاً إلى أنها موارد تنضب، والبئر الذي يُكتشف لا يظل إلى مالا نهاية، فهناك نسبة تراجع كل سنة، وهذا الأمر يتم تعويضه بأن تزيد الاستثمارات كل عام، وتزيد الاستكشافات، ويرتبط ذلك بان يحصل الشريك الأجنبي على حصته المدرجة في عقوده مع الدولة.
وأضاف أن حصص الشركاء الأجانب تأثرت نتيجة الأزمة الاقتصادية وتراكم رقم من مستحقات الشركاء الأجانب، الأمر الذذي أدى الى تباطؤ الاستكشافات، لانه كان يحصل على مستحقاته ويضخ المزيد من الاستثمارات في استكشافات جديدة ودفع المعدلات في هذا القطاع، مشيراً إلى أن هذا الملف تم العمل عليه في الفترة الأخيرة، عندما تم حل أزمة الدولار، حيث تم التواصل مع الشركاء الاجانب وتم جدولة مستحقاتهم، مؤكداً أن كل هذه الملفات ترتبط بأن يكون لدى الدولة الموارد المالية التي تُسدد الحصص وقيمة الشُحنات الني تريد جلبها لتشغيل محطات الكهرباء، ولايمكن على هذا النحو، الاستمرار في الدعم وتحمل هذه الأرقام الكبيرة جداً، حيث أن الأرقام أصبحت خارج قدراتنا، ولابد أن نعي أننا مضطرون تدريجياً لزيادة الأسعار، من أجل تقليل الفجوة فقط، وليس إنهاء الدعم، ليكون الامر في اطار نطاق قدرة الدولة وتحملها.
ولفت رئيس الوزراء إلى أن الخبراء الاقتصاديين في كافة المناقشات يدفعون نحو التحول للدعم النقدي، وهو له محاذير وشروط مهمة، مشيراً إلى أنه إذا كان الكل مقتنعاً بفكرة التحول للدعم النقدي، فلابد من التوصل إلى المعايير الخاصة به، معتبراً أن ذلك يعدُ دورا للكتاب والإعلاميين أيضاً، وأن للإعلام دورا في مناقشة هذا الموضوع بكل شفافية وانفتاح، والاستماع إلى مختلف الآراء، وصولاً للمطلوب من الحكومة تنفيذه فى هذا الشأن، وذلك بما يضمن وصول الدعم لمستحقيه من خلال تطبيق مجموعة من الآليات والإجراءات التى سيتم التوافق عليها.
وأكد في هذا الصدد استعداد الحكومة لزيادة الأرقام التى سيتم تخصيصها للأسرة الواحدة سنويا، وذلك لمواجهة الارتفاعات التى من الممكن أن تحدث فى أسعار السلع، لافتا إلى أهمية أن يكون هناك منظومة محوكمة تضمن عدم حدوث أى تلاعب من الممكن أن يحدث، ضاربا المثل بمنظومة السماد وما يحدث بها الآن نتيجة لتأثر مصانع السماد بموضوع الغاز، وقلة المعروض من السماد، منوهاً إلى أن الوضع الحالي يشير إلى أن هناك كميات كبيرة من السماد المدعوم يتم بيعه للفلاحين فى السوق السوداء، وهو ما يسهم في عدم الاستفادة المثلى من منظومة الدعم وعدم وصوله لمستحقيه من الفلاحين.
وأوضح رئيس الوزراء أنه فى حالة وجود الدعم النقدي، وان يتم بيع مختلف السلع بسعرها الطبيعى، فإن المستهدفين من الحصول على الدعم سيكون فى مقدرتهم الحصول على تلك السلع من خلال ما يتم اتاحته من دعم نقدي لشراء احتياجاتهم فى السلع.
وأكد رئيس الوزراء فى هذا الصدد أهمية وجود رؤية شاملة ومتكاملة للتعامل مع هذا الملف، مشيراً إلى أنه طلب من ممجلس أمناء الحوار الوطني المساعدة فى هذا الملف، من خلال قيادة المناقشة والحوار فى هذا الشأن، وصولا لرؤية واضحة بنهاية هذا العام، حيث أنه من الممكن أن يبدأ التطبيق لما يتم التوافق عليه مع موازنة الدولة لعام 2025/2026، والبدء فى وضع مختلف الآليات والإجراءات، التى من الممكن تنفيذها على مراحل.
ورجوعاً لملف التعامل مع المسار الاقتصادي، وما أثير حول أن صندوق النقد الدولي هو الذي يُحرك مصر اقتصادياً، وأنه يُملي شروطه، أكد رئيس الوزراء أن هذا لا يحدث، مشيراً إلى أن الدولة تضع مستهدفات واضحة، وتتفق مع الصندوق على برنامج معين تستهدف من خلاله تحقيق فائض أولي في الموازنة العامة للدولة برقم محدد، أو أن نستهدف أن يكون المسار النزولي للدين في نهاية هذا البرنامج برقم معين، أو أن نستهدف خفض منظومة الدين الخارجي برقم معين، فضلا عن حجم أو زيادة مساهمة القطاع الخاص برقم معين، فنحن نقوم بوضع هذه الأرقام والمستهدفات، ونبدأ في التعاون مع الصندوق في آليات تنفيذها، مشيراً إلى انه قد يحدث خلاف في التوقيتات، فمن الممكن أن يطلب الصندوق تنفيذ مستهدفات خلال فترة قصيرة، بينما ترى الحكومة أنه لا يمكن ذلك في ظل ظروف معينة تمر بها الدولة، وتقترح فترة أخرى حتى لا يكون هناك تداعيات لاتخاذ هذا القرار، معتبراً أن هذه هي المساحة من التفاوض يحدث فيها توازن حتى يكون الأمر مقبولاً، إلا أن المستهدفات الأساسية تضعها الدولة ولا يمليها عليها أحد أو جهة، إلا أن التفاوض يكون على خطوات أو آليات التنفيذ فقط؛ حتى نصل إلى التوازن في الأرقام المستهدفة.
وفي هذا السياق، أشار رئيس مجلس الوزراء إلى أن مجلس إدارة صندوق النقد الدولي وافق، في اجتماعه أمس، على المراجعة الثالثة في إطار البرنامج الاقتصادي المصري، لكن قيل إنه تم ذلك بعد أن تم تحريك أسعار الوقود، وفنّد الدكتور مصطفى مدبولي ذلك، مؤكدا أنه تم التوافق والإعلان في وقت سابق عن خطة تحريك الأسعار خلال عام ونصف العام، فالحكومة هي التي أعلنت ذلك سواء كان هناك برنامج مع الصندوق أو لا، وذلك انطلاقا من تخفيف أعباء دعم المحروقات التي تزيد عاما بعد عام، ويتم حوكمة هذا الأمر، وذلك لكي تكون الدولة قادرة على توجيه الوفرة في هذه الزيادات ليتم ضخها في برامج أخرى يحتاجها المواطن؛ كالتعليم، والصحة، ومشروعات المبادرة الرئاسية "حياة كريمة" لتطوير الريف المصري، والصرف الصحي في القرى، وكان يثار دوما طلبات بوقف إنشاء كباري جديدة، إلا أن الحكومة كانت مطالبة من عدد من نواب البرلمان بضرورة الانتهاء من الكباري التي يتم إنشاؤها.
وفيما يتعلق بجهود إنشاء الطرق والكباري، قال: بدون شبكات الطرق التي نفذتها الدولة لم يكن أي مستثمر ليأتي للاستثمار في مصر ، موضحا أن المستثمر يهتم بحجم البنية الأساسية بالدولة ومدى قدرتها على تدبير احتياجاته من الطاقة كالكهرباء والغاز، والمياه، والصرف الصحي والصناعي، والطرق، مجددا التأكيد على أهمية البنية الأساسية لأي مستثمر إلى جانب جهود تبسيط الاجراءات.
وتطرق رئيس الوزراء إلى وضع البنية الأساسية في مصر قبل عام ٢٠١٤، وساق مثالا على ذلك بقطاع الكهرباء، حيث أوضح أنه لم يكن لدى الدولة شبكات أو قدرات توليد أو موارد لتوفير المواد البترولية اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء، بينما في الأزمة الاخيرة كان لدينا شبكات ومحطات توليد، ولكن بسبب الأزمة الاقتصادية لم نتمكن من تدبير كل احتياجاتنا من الوقود اللازم لتشغيل المحطات، لافتا إلى أن المستثمر يعلم جيدا أنه لدينا إمكانات لتوفير أي قدر من الطاقة بمجرد تجاوز هذه المشكلة المؤقتة.
وفي ذات الإطار، أضاف رئيس الوزراء أن لدينا طُرقاً تمكننا من التحرك من مصنع في مدينة العاشر من رمضان إلى ميناء السخنة في نصف ساعة، ونمتلك قطارات وشبكات السكك الحديدية اللازمة لنقل البضائع، بالإضافة إلى الموانىء، منوهاً بأن هذا هو ما يصنع الفارق بين الدول وأن مصر تمكنت من أن تكون دولة جاذبة للاستثمارات، وقال: حان الوقت لنستفيد من عوائد هذه البنية الأساسية خلال الفترة القادمة، فهذه الموضوعات لا تتم بين عشية وضحاها، بل تحتاج إلى فترات طويلة، قائلًا: فمع حجم الأرصفة التي تمت في الموانئ، استطعنا اجتذاب كل الشركات العالمية للعمل على تشغيل تلك الأرصفة والموانئ، وأصبحت مصر -كما كنا ندرس في مدارسنا، أنها مركز لوجستي للعالم ومركز للنقل ومكان جغرافي متميز- قادرة على الاستفادة بحق من موقعها الجغرافي.
وأضاف الدكتور مصطفى مدبولي: نحن نعمل وفق مستهدفات، ومعدل التضخم بدأ في الهبوط. وأكد أن تراجع حجم الدين من 168 مليار دولار في 31 ديسمبر إلى 153 في 6 أشهر، يُعد تراجعًا كبيرًا جدًا. كما أن زيادة احتياطي النقد الأجنبي إلى 46 مليار دولار مهم أيضًا.
وأوضح أن المستثمرين ومؤسسات التصنيف لا تنظر فقط إلى حجم الدين، وإنما أيضًا "صافي الأصول الأجنبية الخاصة بالبنوك المصرية في الخارج"، مؤكدًا أن صافي الأصول الأجنبية للبنوك المصرية في الخارج كان سالب 27 مليار دولار، بمعنى أن الدولة المصرية كان يقع عليها التزامات بقيمة 27 مليار دولار، واليوم أصبح هناك فائض 10 مليارات دولار.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن كل ذلك يبعث رسائل ثقة حول قدرة الدولة على الاستمرار، والوضع الاقتصادي لها برغم التحديات والكوارث، حيث استطاعت الدولة المصرية تحقيق ذلك في خلال 6 أشهر.
ونوّه إلى مستهدفات الفترة القادمة، موضحًا أنها تتمثل في استمرار الانضباط المالي، للحفاظ على المسار الهبوطي لحجم الدين، بحيث يصبح إجمالي حجم الدين أقل من 80% بحلول سنة 2027، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاستثمارات العامة ليصبح 50% بدلًا من نحو 27 أو 30%، ويتعدى نسبة 65% و70% بحلول عام 2027.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن مصر الدولة الوحيدة فى نطاق منطقتنا التى أعلنت عن تنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة، منوهاً كذلك إلى ملف الطروحات، مؤكداً أنه لا يعدُ بيعاً بل تعظيماً من الاستفادة من أصول الدولة المُعطلة، وذلك من خلال إشراك مؤسسات القطاع الخاص، وهو ما يحقق عائداً للدولة بخلاف مواردها من الضرائب وخلافه، لافتاً إلى أن تحرك الدولة في هذا الشأن يُعدُ أمراً ايجابياً، وهناك العديد من المؤسسات الدولية تثني على التحركات المُتخذة في هذا الصدد، مع التأكيد على استمرار تطبيق هذا النهج، قائلاً:"نجدد التأكيد على التزام الدولة بالاستمرار في تنفيذ هذه السياسات، تعظيماً للاستفادة مما نمتلكه من أصول، وتحقيقاً لمشاركة أكبر لمؤسسات القطاع الخاص، وخاصة فى مجالات الصناعة والسياحة، ومختلف المجالات، ووصولاً لدور أكبر للقطاع الخاص فى هذه المجالات".
وأوضح رئيس الوزراء أن مختلف الآراء الواردة من المستثمرين تؤكد عدم إجراء تعديلات تشريعية فيما يتعلق بالاقتصاد، حيث أن مصر لديها قوانين جيدة جداً، بل الأهم هو العمل على تبسيط الإجراءات، وتوضيح المنظومة الضريبية، مؤكداً أن الشغل الشاغل خلال المرحلة القادمة هو العمل علي كيفية تبسيط الإجراءات وتوحيدها والاتجاه بشكل أكبر إلى رقمنتها والتعامل من خلال المنظومات الرقمية، هذا إلى جانب الاعلان عن السياسة الضريبية لمصر خلال السنوات العشر القادمة، وذلك بما يطمئن مناخ الاستثمار الداخلي قبل الخارجي.
وأشار رئيس الوزراء في هذا الصدد إلى أن التفكير في وجود وزارة للاستثمار وضم ملف التجارة الخارجية لها، كان مهماً خلال هذه الفترة، لقيام الوزارة بقيادة وتنفيذ مختلف هذه الأمور التى تتعلق بالاستثمار، وذلك بالتعاون والتنسيق مع مختلف الجهات المعنية فى هذا الشأن.
وفيما يتعلق بملف الصناعة، أشار رئيس الوزراء إلى أن التركيز خلال الفترة القادمة سينصب على العمل على أن تسهم الصناعة فى نمو الاقصاد المصري، بحيث يتنامى الاقتصاد بصورة كبيرة جداً خلال الفترة المقبلة، من خلال جذب استثمارات خارجية في قطاعات بعينها، وتشجيع المستثمر المحلي على التوسع في هذه القطاعات، ليكون شغلنا الشاغل زيادة الصادرات المصرية، واذا حققنا معدل نمو 15% سنوياً سنصل الى أرقام كبيرة جداً في الصادرات المصرية.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن الدولة مستمرة في ملف الإصلاحات وملتزمة بسداد الديون، حيث لم تتأخر عن السداد للديون الرئيسية على الدولة المصرية حتى في ظل الأزمات السابقة، في توقيت أعلنت فيه بلدان اخفاقها في سداد الالتزامات، حيث كانت مصر حريصة في هذا الملف، حتى وإن أثر ذلك على تباطؤ في توفير بعض السلع والانتاج، ولكن الدولة أعلنت خطة للتعافي من هذا الموضوع، وكُل هذه التحركات ستتم خلال الفترة المقبلة، حيثُ قمنا بحل مشكلة الدولار، ثم الكهرباء، ثم الأسعار لتظل مُستقرة على هذا المنوال، حيث يمنح كُل ذلك المواطن رسالة اطمئنان بأن الامور مستقرة، وعندها يصاحب ذلك مُعدل نمو كبير، وفرص عمل تتيحها الدولة من خلال هذا النمو.
وأكد أن من كان يوجه انتقاداً للدولة للتوسع في المشروعات خلال مرحلة ما، لابد أن يدرك أننا كُنا في فترة عصيبة منذ 2011 و2013 و 2014 وكانت الدولة في وضع صعب، وكان القطاع الخاص قد أحجم عن الاستثمار في الدولة لعدم استقرار الأوضاع والظروف غير المواتية، وكان البديل أن تدخل الدولة وتضخ الأموال، وتُعوض هذا التباطؤ، وإلا كانت أرقام البطالة ستزيد بشكل كبير، وكانت ستصل إلى 25% أو 30%، متسائلاً: كيف كان سيكون شكل الشارع حينها؟
وقال رئيس الوزراء : كان يمكن أن نتخيل حال شبابنا في الشارع في حال زيادة البطالة لمعدلات أكبر، مشيرا إلى أن معدل البطالة وصل الآن إلى 6.7% ونستهدف الوصول إلى أقل من 6.5%، ولم يكن يحدث ذلك إلا عن طريق زيادة الاستثمارات، بعضها قد يكون رفع الدين بنسبة معينة إلا أنه ساهم في حل مشكلة بطالة كان من الممكن أن تهدد الدولة إذا وصلت إلى الأرقام التي نتحدث عنها، فالدولة المصرية لديها تصور محدد للأزمة وكيفية الخروج منها في ظل وضع غير مستقر على الإطلاق، فلا أحد يمكنه التأكيد أن يتسع الصراع الدائر حاليا أو لا، أو تتسع رقعته.
واختتم رئيس الوزراء حديثه، بالإشارة إلى أنه لم يكن لدينا تصور أن تصل إيرادات قناة السويس 300 مليون دولار، بعد أن كانت 800 مليون دولار وأكثر، ومعنى ذلك أن هناك خسائر تقدر بما يتراوح بين 500 إلى 550 مليون دولار، فإذا زادت الأزمة الحالية ماذا سيكون الوضع حينذاك، فكل هذه صدمات خارجية تؤثر علينا ومضطرون أن نتعامل معها، فمع عدم الاستقرار الشديد ليس لدينا إلا أن نتوقع السيناريوهات الأسوأ والمتحفظة، إلا أننا نفاجأ بصدمات جديدة تزيد علينا العبء.
وأضاف رئيس الوزراء : نحن نسعى إلى أن نخرج من جميع هذه الأزمات، ونتطلع إلى أنه مع نهاية العام المالي الحالي تكون الدولة المصرية قد خرجت في سبيل التعافي.