ياسر رشاد - القاهرة - تتلألأ أضواء الأوبرا بالكثير من النجوم من جميع أنحاء الوطن العربى، يجمع خشبة المسرح نجوم متنوعة، تجتمع جميعا على الأصالة والرصانة والإخلاص، بينهم النجم القدير لطفى بوشناق الذى يكرمه المهرجان فى دورته الـ 32، لفنه الراقى الأصيل، فهو ذائع الصيت يعرفه العرب من المحيط إلى الخليج، عندما يغنى يطرب، وعندما ينطق يقول كلمة حق، يعرف نفسه بالمواطن، وكل بلاد العرب أوطانه، صوته ذاكرة للتاريخ، وفنه مرآة لما عاشه ويعيشه العرب من مآسى وخيبات وأحلام وثورات، وعبر عن ثورة العالم بأغنية «خدوا المكاسب والمناصب.. بس خلونى الوطن.. أنا حلمى بس كلمة أن يظل عندى وطن».
أمتع «بوشناق» جمهور مهرجان الموسيقى العربية بأغنية أعدها لسيد درويش الذى يرى أنه صاحب مدرسة تخرج منها كل النجوم.
تقول كلماتها: «أنا حبيت واتحبيت.. وداريت واتمنيت روحى تعيش.. فى كلامى شجن عطش للفن عطش الجناحين للريش.. فينك يا عبد الحى سلامة فينك يا سى سيد درويش»
حول تكريمه بالمهرجان واختياره لاغنياته، ودوره الوطنى الذى يعتبر الفن خلاله سلاحه الذى يقف به أمام العالم، حاورناه فقال:
< فى البداية سألته.. كيف استقبلت تكريمك بمهرجان الموسيقى العربية؟
- اختيارى وتكريمى فى دورة تحمل اسم سيد درويش هذا شرف كبير لى، وهذا التكريم يزيدنى ثقة فى نفسى، وشرف لى أن أكرم من مؤسسة لها تاريخ مثل دار الأوبرا المصرية، وهو مهرجان له مكانته فهو صاحب فضل كبير فى انتشارى فى الوطن العربى وهو وسام وشرف فى تاريخى، وأتمنى أن أكون دائما عند حسن ظنكم.
< كيف ترى إهداء الدورة الحالية لروح الموسيقار سيد درويش؟
- هذا الفنان العظيم، سجل اسمه من ذهب فى تاريخ الأغنية العربية، و تتلمذنا على يديه وتتلمذ على يده آلاف الفنانين فى العالم العربى، ولذلك قدمت له أغنية من كلمات الشاعر التونسى آدم فتحى، ومضمونها يحمل رسالة هامة جدا، وهى أننا لابد أن نقتدى بأساتذتنا ونحافظ على الهوية العربية وإيقاعاتها والقوالب العربية الاصيلة، لأن سيد درويش رمز من تاريخ الأمة العربية فى الموسيقى.
< كيف ترى دور مهرجان الموسيقى العربية فى حفظ التراث؟
- هو المهرجان الوحيد الذى لازال يسعى إلى الحفاظ على الهوية العربية والنكهة العربية فى الغناء العربى بالموشحات والأدوار والقوالب الموسيقية العربية الاصيلة، ويشهد لإدارته بالمجهود الكبير تاريخيا فى الحفاظ على ترسيخ الهوية العربية فى الموسيقى، وتحية لكل الرؤساء الذين تولوا مسئوليته بقيادة الراحلة رتيبة الحفنى.
< لماذا تقل فى حفلاتك فى مصر؟
- مصر هى وتد الأمة العربية على كافة الأصعدة فى الثقافة وفى التاريخ وكل شئ، وأنا تحت الطلب وفى أى وقت يتم دعوتى لمصر ألبى النداء، ولا أنكر أن دار الأوبرا المصرية كانت بالنسبة لى نقطة تحول كبيرة فى تاريخى، ولها دور فى الحفاظ على الهوية العربية وفى الفنون بشكل عام، من الرقص والتمثيل وهى من أهم الأشياء التى ظلت فى يد العرب لتوصيل الرسالة، وأدعو الله أن يوفق كل من يخدم لمستقبل هذه الامة من خلال الفن والثقافة، ودائما ندعو للمحافظة على الهوية العربية بالقوالب الغنائية القديمة.
< كيف ترى دور الفن فى التألف بين الشعوب؟
- الفن هو اللغة المشتركة بين الجميع، التى تجمع السعودى والمصرى والكويتى والغربى على لحن وكلمة واحدة، فالفن هو السحر الذى يجذب إليه المستمع يؤلف بين الناس ويفهمه الجميع أيا كانت اختلافاتهم، والدليل أن اختياراتى ومبادئى كفنان تنجح رغم اعتمادى على نجاحى فى حفلاتى فقط، و أحييت حفلات فى جميع دول العالم بما فيها اليابان والهند وتركيا ومصر والعراق والقدس، وأثبتت نجاحا وشهرة فى تلك البلدان، وهنا أصالتى الفنية وبحثى عن الكلمة الجيدة واللحن المتميز كانت السبب فى تنقلى بين كل تلك الدولة، إذن فالفن هو الطائر الذى يسبح فى سماء العالم ولا يتوقف.
الفن هو الجسر الذى يوحد الصفوف ويوحد الشعوب ولذلك لى الشرف دائما أن أكون فى المهرجانات المصرية وأن يجمع مهرجان الموسيقى العربية كل أنحاء العالم ليكون الصوت الواحد أمام كل شئ.
أنا فنان أعيش لأغنى ولا أغنى لأعيش، أبحث أن أعيش بعد وفاتى بفنى.
< هكذا وصفت فنك، فكيف ترى دور الفنان فى المجتمع؟
الفنان دوره أكبر من السياسى، يحمل الرسالة سواء كان ملحناً أو شاعراً أو ممثلاً، فإذا غابت السياسة، ثقلت عليه المسئولية ولذا أتمنى على الله أن أحمل عن جدارة لقب فنان، أخاطب الناس بما يفهمونه، فطبعى السلام.
< كيف ترى مستقبل الفن فى ظل تلك التقلبات السياسية الخطيرة؟
- العالم العربى كله يعانى من تقلبات، بأغنياتى الحماسية السياسية أشحذ الهمم وأنادى بالسلام، فى كل أغنية مما كتبت لى رؤية خاصة للنهوض بالمجتمع والوقوف فى وجه كل غادر.
< فى كل حفل تقيمه فى دوله تختار أغنية مختلفة لشعبها.. لماذا؟
- لأن الأوضاع السياسة مختلفة من دولة لأخرى، وكما نوهت أن الفن لا ينفصل أبدا عن السياسة، فعندما قدمت أغنية فى القدس كانت عن الدماء الفلسطينية الطاهرة، وفى مصر قدمت لهم أغنية جديدة بعنوان «شعب واحد» للأقباط والمسلمين وكانت هادفة فى وقتها فى ظل الاحتقان الطائفى، فأنا غنيت للعدوان فى العراق والحرية فى لبنان، والثورة فى الجزائر، فالفنان جزء من الوطن الذى يعيش فيه ويتغناه ولا يمكن أن ينفصل عنه سياسيا، فالفنان شاهد على العصر، والتاريخ يهتم بالأغانى لانها تفصيل للحقبة الزمنية التى خرج فيها، وعندما أقدم حفلا فى أى دولة أعتمد فى اختيارى على ما يميزنى فى هذا البلد حتى يتذكرنى الجمهور وأحقق نجاحا بها.
< تختار أغنياتك بعناية شديدة ما بين كلمات عنترة، وأخرى لأحمد فؤاد نجم، فعلى أى أساس تختار أغانيك؟
- تجذبنى الكلمة القوية التى تحتوى على مغزى كبير وعظيم لا أتوقف كثيرا أمام الكلمات التافهة، فأنا أحفظ القرآن عن ظهر قلب وأحفظ كل المعلقات وأغلب الشعر العربى، أستمتع وأنا أدلى بأشعار قديمة بها إسقاط على الواقع الحديث، أرى أن رومانسية عنترة وابن كلثوم هى قمة العشق، والتصوف هو قمة الإيمان، أعشق ابن الفارض وابن الرومى وأحفظ الأشعار الجديدة التى تتناسب مع فكرى، فالفنان مسئول عن اختياراته وهى التى تحقق نجاحه وهى التى تحقق مسئوليته أمام الله، عندما أشارك فى مهرجان أو حفل لا أقدم أغنيات قديمة لأم كلثوم وفريد الأطرش وعبدالحليم لكنى أقدم أغنيات لـ لطفى بوشناق التى وضعت له علامة فالعالم كله يعرفنى من خلال حفلاتى وليس من خلال الألبومات والكليبات المصورة.
< ألحانك أيضا أكثر تميزا.. فهل تبحث عن الصعوبة فى الالحان؟
- أبحث عن الإحساس وليس عن الصعوبة يجذبنى قوة المشاعر ولا يهمنى صعوبة اللحن، فأنا قدمت أغنية على موسيقى تشايكوفسكى وموتسارت وبيتهوفن وشتراوس وشوبان بالعربى، وقدمت 600 بيت شعر لأبى مسلم البهلانى، فى أسماء الله الحسنى، وأغنى مع الأطفال أدواراً وموشحات، ولدى 30 ابتهالا دينيا، وأخرى خيالية، فقدمت أغنية لجنين فى بطن أمه، وأخرى اجتماعية للمهن للخباز والمحامى والطبيب وغيره من الأعمال، فهذا ما يهمنى الإحساس.
< تتعمد استخدام الآلات الشرقية فقط؟
آلة العود تنقلنى إلى عالم آخر، ونحن مجتمع شرقى يستمتع بموسيقى شرقية ويتشوق لها ويستمع إلى كلمات يتحمس لها ويتفاعل معها، وأنا أعيش مع الجمهور، إحساسه يصلنى لدرجة الإبداع.
< كثيرا من الأغنيات التى حققت نجاحا كبيرا على مستوى الدول العربية، لكن تبقى اغنية «خدوا المناصب» الأكثر نجاحا.. لماذا؟
- فى كل أغنياتى شعارى الوحيد هو الصدق فهو سر نجاح أى شىء، كلمات الأغنية كانت وجعا فى قلب كل عربى شعر بها، كل من يحمى بلده ويحافظ عليها وكل من يحمل لواء الوطنية، والوضع السياسى كان سببا رئيسيا فى انتشارها عن غيرها، فقوبلت بدعاية كبيرة خاصة «خذوا المناصب والمكاسب لكن خلولى الوطن» وجدت الكثيرين الذين استغلوها فى ألفاظهم دلالهم على وطنيتهم، ولدى أغنيات أقوى منها فى الكلمات والمعانى لكنها لم تحظ بنفس الدعاية والاهتمام الذى حظيت به تلك، وأتمنى أن يكون هناك دعاية قوية لكل أغنية بهذا الشكل.