ابوظبي - سيف اليزيد - سامي عبد الرؤوف (دبي)
شهدت الحالة الجوية التي مرت بها دولة الإمارات، الكثير من النماذج الملهمة والرائدة في التلاحم المجتمعي والتعاون بين أفراد المجتمع والجهات الحكومية من جهة وتعاون أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين مع بعضهم بعضاً من جهة ثانية.
وأظهرت نتائج الأمطار الاستثنائية، تحلي جميع فئات ومكونات المجتمع بالمسؤولية المجتمعية التي أكدت وعي الجمهور ودوره الإيجابي خلال فترة المنخفض الجوي، مما أسهم بإيجابية كبيرة في حماية الأرواح والممتلكات وتعزيز الاستقرار والسلامة في المجتمع. وأكد مواطنون ومقيمون في الدولة، أن الجهات الحكومية نجحت باحترافية في التعامل مع تداعيات الأمطار الأخيرة التي تعد الأكبر في تاريخ البلاد منذ 75 عاماً، منذ بدء تسجيل البيانات المناخية في عام 1949، وشددوا على أنهم كانوا على ثقة كبيرة ومتناهية بقدرة الجهات الحكومية على تجاوز تأثيرات المنخفض الجوي المعروف بـ«منخفض الهدير» بكل سهولة ويسر وسرعة، وذلك بناء على التجارب السابقة والتحديات المختلفة التي استطاعت بامتياز التعامل معها.
التلاحم المجتمعي
رصدت «الاتحاد» أبرز مظاهر وملامح التلاحم المجتمعي والتعاون الشعبي والثقة في قدرة الجهات المختصة والمعنية الاتحادية والمحلية على التعامل بحرفية قبل وأثناء وبعد المنخفض الجوي.
وتفصيلاً، تخللت الحالة الجوية في الأيام الماضية، مواقف وطنية نبيلة، من بينها ما قام به مواطن من أفراد الشرطة، خلال تأديته عمله وسط الأمطار فإذا به يرى عَلَم الدولة، وقد سقط بفعل الرياح الشديدة، فيأخذه من ساريته ويقبله ويضعه في مكان مناسب يليق بذلك الرمز الوطني الغالي.
وخلال هذه الأيام، حفلت طرقات الدولة بالكثير من قصص التعاون الشعبي، حيث قام أشخاص بمساعدة آخرين علقت سياراتهم في الشوارع، فقاموا إما بجرها جانباً بعيداً عن الطرق أو بمساعدتهم بأيديهم لتنحية هذه المركبات من عرض الطريق.
وعلى مستوى التعاون مع الجهات المختصة، تلقت أرقام الطوارئ التابعة للشرطة أو الدفاع المدني والبلديات وفرق الإنقاذ والإسعاف في كل إمارة بلاغات من مواطنين عن مناطق تجمع مياه الأمطار أو تعطل سيارات أو وجود عالقين في إحدى المناطق الجبلية أو الأودية التي تجمعت بها مياه الأمطار.
التعليمات
كما شهدت أحداث الأمطار، التزام النسبة الأكبر من أفراد المجتمع وشرائحه بالتعليمات الصادرة عن الجهات المختصة على مستوى الدولة، فيما يتعلق بأخذ الحيطة والحذر وعدم الخروج إلا للضرورة والالتزام بالتعليمات المتعلقة بالسير في طرق محددة وتجنب أخرى تعرضت للإغلاق بسبب تراكم المياه.
وساعد هذا التعاون المجتمعي في سرعة تجاوز تداعيات الحالة الجوية التي مرت بها الدولة خلال الأيام الماضية، إلا أن ذلك النجاح يستلزم الاستمرار في التقيد بالإرشادات والتعليمات الصادرة من الجهات الرسمية وخاصة فيما يتعلق بالابتعاد عن أماكن جريان الأودية وتجمعات المياه.
ثقة بالحكومة
ولم يخل الأمر من ثقة مجتمعية بقدرة الجهات المختصة على التخلص من تأثيرات وتداعيات الأمطار الغزيرة في أقرب وقت ممكن، وهو ما حدث بالفعل حيث تم التعامل بسرعة فائقة في تجاوز أهم الآثار خلال ما يتراوح بين 24 ساعة و36 ساعة، لتعود الحياة إلى طبيعتها بنسبة كبيرة جداً.
وتعد الأمطار الغزيرة التي شهدتها الدولة مؤخراً، هي الأكبر منذ نحو 75 عاماً، وعادلت كمية الأمطار التي تساقطت في 12 ساعة خلال ذروة المنخفض الجوي، ما تشهده الدولة من كمية أمطار خلال عام كامل، مما يجسد حجم المطر الذي شهدته الدولة في غضون الأيام الماضية.
ملحمة مجتمعية
وتمثل الجهود الكبيرة والمتواصلة من الأفراد العاملين في الجهات المختصة، واحدة من أبرز معالم الملحمة المجتمعية التي تجسدت خلال التعامل مع تداعيات المطر، فالموظفون في الشرطة والبلديات والدفاع المدني وغيرهم، واصلوا الليل بالنهار والعمل الدؤوب بما يعبر عن حبهم وتعاملهم مع الأمر ليس من باب الوظيفة وتأدية الواجب، بل من منطلق الحب والتضحية في سبيل الوطن وضمان سلامة أهله والعمل على راحتهم.
وخلال الأيام الماضية قام الأشخاص العاديون بإرسال الرسائل النصية لأقربائهم وأصدقائهم وذويهم، حول تحديث تعليمات وتوجيهات الجهات المختصة فيما يتعلق بكل الأمور الخاصة بالتعامل مع نتائج المنخفض الجوي، مما أسهم بإيجابية كبيرة في حماية الأرواح والممتلكات وتعزيز الاستقرار والسلامة المجتمعية.
كما قام عدد من المواطنين بالتنبيه من خلال فيديوهات أو رسائل نصية عبر برامج التواصل المجانية أو وسائل التواصل الاجتماعي، فيما يتعلق بأماكن جريان المياه والأودية ومخارج السدود والتصدعات البسيطة التي شهدها عدد محدود من الطرق.
إنقاذ قطة
اللافت أيضاً أن الاهتمام بتخفيف آثار المنخفض الجوي، شملت كذلك الحيوانات عن طريق حمايتها والاهتمام بتوفير المأوى المناسب والآمن لها، ومن ذلك قصة القطة التي كانت متشبثة بمقبض باب إحدى السيارات وسط ارتفاع منسوب مياه الأمطار، فيأتي أحد أفراد الدفاع المدني لينقذها ويأخذها برفق إلى مكان بعيد عن مياه الأمطار، ويقوم بتهدئة مخاوفها.
استمرارية الخدمات
وفي لقاء مع عدد من المسؤولين في الجهات الحكومية الاتحادية والمحلية في دبي، قال الدكتور محمد سليم العلماء، وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية: «الخدمات الصحية مستمرة بكفاءة وفاعلية وسلاسة دون توقف أو انقطاع خلال الأيام الثلاثة الماضية التي شهدت مرور الدولة بمنخفض جوي».
«لقد نجحت مختلف المؤسسات المعنية في الدولة في التعامل باحترافية تامة في مواجهة تداعيات الحالة الجوية التي تشهدها الإمارات منذ عدة أيام».
وأضاف: «طريقة التعامل التي حدثت، تقدم تجربة نموذجية تثبت بها الإمارات كفاءة أجهزتها في مواجهة مختلف التحديات وفق أعلى المستويات، وقد رأينا التكامل الكبير في أداء الأجهزة الرسمية سواء على المستوى المحلي أو الاتحادي، مما أسهم بدور كبير في احتواء آثار حالة عدم الاستقرار الجوي».
وأشار إلى أن أبرز ما يمكن استخلاصه والتأكد من وجوده كحقيقة في دولة الإمارات، هو سرعة وكفاءة والجاهزية القصوى والاستعداد الكامل لجميع الجهات بكل القطاعات في إطار منظومة فعالة وتنسيق ميداني واسع النطاق مع التزام مجتمعي أصيل بالتوجيهات والتعليمات الرسمية.
العيادات الافتراضية
من جانبه، كشف الدكتور يوسف محمد السركال، المدير العام لمؤسسة الإمارات للخدمات الصحية، أن نحو 500 موعد طبي في المرافق التابعة للمؤسسة، تم تحويلها إلى مواعيد إلكترونية، حيث تم إنجاز الكشف وتوفير العلاج والرعاية الصحية اللازمة لأصحابها من خلال العيادات الافتراضية التابعة للمؤسسة.
وأشار السركال، الذي قام بجولات ميدانية على المرافق الطبية التابعة للمؤسسة على مدار الأيام الماضية، إلى أن المؤسسة اتخذت قراراً بضرورة استمرار تقديم الخدمات من دون التأثر بتداعيات المطر، فعملت على 3 أمور بالتوازي، هي: تقديم الخدمة في المرفق الطبي للأشخاص الذين تمكنوا من الوصول إليه، والثاني الذهاب إلى منازل وبيوت الحالات الضرورية وغير القادرة على الوصول إلى المرفق الطبي، بالإضافة إلى العيادات الافتراضية.
وأكد أن الاستثمار في القطاع الصحي الاتحادي الذي حدث خلال الفترة الماضية، هو ما ساعد بشكل كبير في عدم تأثر تقديم خدمات الرعاية الصحية للجمهور.
البنية الإلكترونية
من جهته، نوه عوض صغير الكتبي، المدير العام لهيئة الصحة في دبي، بقدرة البنية التحتية لدولة الإمارات على مواجهة مثل هذه التحديات المناخية غير المسبوقة، مشيراً إلى أن النتائج المترتبة على الأمطار الغزيرة كانت محدودة جداً، ولم ينتج عنها أي خسائر في الأرواح وهذا هو الأمر الأهم والمقياس الأبرز في مثل هذه الحالات.
وأشار إلى أن ما حدث هو أضرار طفيفة للغاية في عدد بسيط من الممتلكات، وهي نتائج يمكن التعامل معها والتخلص منها في أسرع وقت وبسهولة ويسر كبيرين، لافتاً إلى أن جاهزية المؤسسات جعلتها تستجيب في وقت قياسي لنتائج المنخفض الجوي. وأكد أن الاستعداد المسبق والتفكير الاستباقي لمثل هذه التحديات، جعل المؤسسات والمجتمع يخرجون من الأمر بأقل تداعيات ممكنة، مشيراً إلى أن البنية التحتية الإلكترونية المتميزة جعلت كل الجهات الحكومية الاتحادية والمحلية على مستوى الدولة تمارس عملها عن بُعد بشكل طبيعي وتلقائي من دون تأثير على مصالح الجمهور.
البعد الإنساني
وعن البعد الإنساني والاجتماعي لتعامل الجهات الحكومية مع تداعيات الأمطار، أكد سعيد مبارك المزروعي، نائب المدير العام لجمعية بيت الخير، أن الاهتمام بالإنسان هو واحد من المكونات الأساسية لدولة الإمارات منذ نشأتها وهو من الجوانب الجلية التي ظهرت في التعامل مع نتائج الأمطار. وقال: «الخدمات والاستجابة تمت لصالح المجتمع ككل، سواء المواطنين أو المقيمين، فالجهود بذلت من دون ككل أو ملل وشملت الجميع، فعملت كافة الجهات على قدم وساق لاحتواء كافة الأمور الناجمة عن المنخفض الجوي». وأشار إلى أن الجهات الحكومية، أخذت الأمر بعناية واهتمام حتى من قبل بدء المنخفض الجوي، وكانت مستعدة قبل حدوث الأمطار، وهو ما ساعدها على التعامل في الحال مع كل المستجدات التي رافقت سقوط الأمطار الغزيرة.