الارشيف / اخبار الرياضه

أولمبياد طوكيو 1964.. اليابان تدخل من الباب الكبير

الرياص - اسماء السيد - نيقوسيا : قصد الأولمبياد الثامن عشر طرفا بعيداً من العالم، فاتجه عام 1964 نحو العاصمة اليابانية طوكيو التي كان مقرّرا أن تستضيف ألعاب 1940، لولا الحرب الصينية اليابانية التي نزعتها منها وأعطيت لهلسنكي وقبل أن يقضي جنون الحرب العالمية الثانية على الصورة الجميلة من المنافسات ويوقد نيران القتل والدمار.

وبدلاً من أن يقف الإمبراطور هيروهيتو ليعلن افتتاح أولمبياد 1940، تأجلّت كلمته المقتضبة 24 عاماً لتعود طوكيو وتحتضن أوّل دورة آسيوية.

استعادت الولايات المتحدة المركز الأوّل في ترتيب الميداليات من الاتحاد السوفياتي مع 36 ذهبية مقابل 30، وحلّت اليابان ثالثة (16).

وكانت الدورة باب الدخول الكبير للدول الإفريقية إلى "العالم الاولمبي" في ضوء استقلال غالبيتها معزّزة حجم العالم الثالث والمحور الجديد في المواجهات والمجابهات بين الشمال والجنوب. حضور انطلق خجولاً ولا سيما أن عدداً كبيراً من الوافدين الجدد تمثل ببعثات قليلة العدد.

وحضرت الجزائر وساحل العاج والكاميرون والكونغو برازافيل ومالي والنيجر والسنغال وتانجانيكا وزنزيبار وترينيداد وتوباغو وتشاد ومنغوليا والدومينيكان وماليزيا ونيبال.

وحُرمت جنوب إفريقيا من الحضور بسبب سياستها العنصرية، وغابت الصين غير المرتاحة للجار الآسيوي الذي استعاد الوقوف على قدميه، وكانت تحضّر لتجربتها النووية الأولى.

وكانت ألعاب طوكيو مناسبة لتضع اليابان في مسرح الأمم، وأرادتها حكومتها فرصة ذهبية للعلاقات العامة ولتظهر قدرتها وقوّتها في التنظيم على رغم تقاليد شعبها وعدم تفاعله وإظهار حماسته، علما بأن كل فرد فيه كان معنياً بالألعاب "لأنها واجب وطني"، وبوادر الود والضيافة والتهذيب تجلت في حلة زاهية.

وأنفقت اليابان 3 مليارات دولار لتجديد عاصمتها التي دُمّرت في الحرب العالمية الثانية. وشُيّدت منشآت تتخطى زمنها من حيث العصرية والمظهر الهندسي غير المألوف، وحمل الشعلة نحو المرجل الكبير لإيقاد نيرانه في افتتاح الألعاب يوشيموري ساكاي (19 عاما) الذي ولد في 6 آب/أغسطس 1945 يوم إلقاء القاذفة "بي 29" المسماة "اينولا غاي" قنبلة "ليتل بوي" (الولد الصغير) على هيروشيما.

تقنيات جديدة
وبفضل شبكة "موندوفيزيون"، تابع 600 مليون شخص الدورة، فضلاً عن ظهور تقنيات جديدة في التصوير الفوتوغرافي وعدساته والنقل التلفزيوني، واستخدم المضمار الترابي (الصلصال) في ألعاب القوى للمرّة الأخيرة، كما راج استعمال الزانة المصنوعة من الألياف الزجاجية.

ونافست السباحة الأسترالية دون فرايزر الإرادة الشخصية فحصدت ذهبية 100 م حرة للمرة الثالثة على التوالي، وعلى رغم اقترابها من سن الثلاثين.

وودّعت السوفياتية الناعمة لاريسا لاتينينا صالات الجمباز بذهبيتين أضافتهما إلى 7 أخريات هي نتاج دورات سابقة، ورفعت مجموع ميداليتها في الألعاب إلى 18 ميدالية.

وبكت اليابان عندما فاز الهولندي أنتون غيسينك "متعلّم الكار" على أيدي مواطنيها، وذلك عندما أسقط أكيو كاميناغا في نهائي الوزن المفتوح للجودو.

ويصف النقاد والمؤرخون الرياضيون "طوكيو 1964" بأنها خلت من المضايقات والمشكلات الجانبية.

غيسينك يفاجىء اليابانيين
منذ دخولهم "الكبير" الاستاد المكتظ بمئة ألف متفرج، أراد اليابانيون أن يفرضوا وجودهم أمة رياضية قوية تساير نظيراتها الدول الصناعية في هذا العالم، لكن الهولندي غيسينك تماهى في إنجاز غير مألوف بالنسبة لرياضيي بلاده، فهو لم يتوّج في لعبة شمالية كالتزلّج أو التزحلق بل في "مقدّسة" عند "العرق الأصفر" هي الجودو.

غيسينك (1.98 م و120 كلغ) هو أساساً خرّيج المدرسة اليابانية فاز على معبود الجماهير الذي "لا يقهر" كاميناغا وكان أمامه جبلاً من العضلات اللينة.

زار اليابان للمرّة الأولى عام 1956، ثم صار يتردّد عليها سنوياً ويمضي نحو أربعة أشهر في ربوعها، "خبرت العادات والعقلية والطباع اليابانية، وكنت أعرف أن منافسي يهاجم دائما من الجهة اليسرى، ومفتاح فوزي عليه يكمن في تفوّقي البدني، وهذا ما سعيت اليه وتحقّق". فتحوّل اليوم التالي إلى يوم حداد في اليابان في حين كرّمت ملكة هولندا غيسينك وحملت شوارع عدة اسمه.

انه "البربري" الذي حطّم أسطورة الجودو اليابانية في غضون 30 ثانية، بعدما شلّ قدرة كاميناغا وقطع أنفاسه وشاهد الملايين "الفاجعة" على الهواء مباشرة.

وفي ألعاب القوى، برز الاميركيون في سباقات "غير مألوفة"، أو تقليدية بالنسبة أليهم لكنهم ظلوا على عهدهم في المسافات القصيرة، وفي مقدمة نجومهم بوب هايز الذي كسر حاجز الثواني العشر في نصف نهائي 100 م مسجلا 9.9 ثوان، غير أن الرقم لم يُسجّل بسبب سرعة الريح.

بلغ نهائي سباق 100 م ستة عدائين سود وأبيض واحد، وانصبّ اهتمام الجميع على معرفة الفائز بالمركز الثاني، لأن هايز كان لا يمسّ في هذا الاختصاص. وسجّل زمنا مقداره 10 ث.

واخترق سباق الماراثون جادات وشوارع مدينة طوكيو الملوّثة بغبار الصناعة ودخانها وغازاتها وسمومها. وعاد "الجندي الإثيوبي" أبيبي بيكيلا ليجدّد فوزه لكنه انتعل حذاء وسجل رقماً مقداره 2:12:11.2 ساعة. وبات أوّل من يحتفظ بلقب هذا السباق الصعب، واستقبل في بلاده استقبال الفاتحين.

وباتت آن باركر أوّل بريطانية تحرز ذهبية في ألعاب القوى الأولمبية، إذ توجت بطلة لسباق 800 م وعززت انتصارها برقم عالمي أيضا (2:01.1 د)، وسبقتها إلى تقلد الميداليات مواطنتها ماري راند التي حلت ثانية في الخماسي الحديث.

وسعى الفرنسيون إلى نفض خيبات دورة روما عن كاهلهم، لكنهم ظلّوا بعيدا من اعتلاء منصة المركز الأول، حتى أن عداءهم ميشال جازي الشخصية الأكثر شعبية بعد الجنرال شارل ديغول، وحامل ثلاثة أرقام عالمية، أخفق في سباق 5 ألاف م الذي عاد لقبه الى الاميركي روبرت شول. والسبب المباشر لهذا "السقوط" الضغط الكبير على كاهله، سوء التكتيك الميداني ومعاناته من هطول المطر نقطة الضعف التي طالما عرقلت مشاركاته.

وفي السباحة، تبارت كريستين كارون (16 عاماً) نجمة الحوض في فرنسا وأوروبا وحاملة الرقم القياسي العالمي في 100 م ظهرا، أمام 20 ألف متفرّج وحلّت ثانية خلف الأميركية كايتي فيرغسون (1:07.7 د رقم عالمي جديد) وأمام الألمانية روث دونكل. وفي العام التالي تغلبت "كي كي" على البطلة الاولمبية في عقر دارها.

ووصف بيتر دالاند مدرب فيرغسون السباحات الثلاث بأنهن من مستوى واحد، "لكن الفارق يبقى في مصلحتنا بفضل العدد الكبير للخامات الجيدة في الولايات المتحدة".

وكانت "كي كي" تحظى بشعبية فائقة، وتصلها يومياً إلى القرية الاولمبية ثلاثة طرود كبيرة من البطاقات البريدية تحمل تمنيات المشجعين والمحبين وعدداً من طلبات الزواج.

وفي الختام، أنقذ الشرف الفرنسي الفارس جان جونكير أوريولا بطل دورة هلسنكي 1952 في قفز الحواجز، الذي جدّد تألقه في الجولة الثانية تحديدا على صهوة "لوتور". فكان محارباً بكل ما للكلمة من معنى.

وضعت الألعاب أوزارها في 24 تشرين الأول (اكتوبر)، ومهّد الوداع لاولمبياد مقبل سيحتفل به في مكسيكو. حملت سنواته الأربع حرب فيتنام وتفتق الثورة الطلابية في العالم وربيع براغ ووداع نيكيتا خروتشيف وجون كينيدي.

Advertisements

قد تقرأ أيضا