شكرا لقرائتكم خبر عن آكلو الكتب وآكلو البطاطا والان نبدء باهم واخر التفاصيل
متابعة الخليج 365 - ابوظبي - رفيف
آكلو الكتب وآكلو البطاطا
تاريخ النشر: 30/08/2018
يوسف أبولوز
هل بعض الكتب تؤكل؟ هل تبعث قراءة كتاب ما على الشعور بالجوع أو العطش أو الرغبة في تناول الطعام، بخاصة إذا كان منقوعاً في التوابل؟
قد تتبادر إليك مثل هذه التساؤلات؛ بعد قراءتك كتاب «التوابل - التاريخ الكوني» تأليف: فريد كزارا، وترجمة: ايزميرالدا حميدان، والصادر ضمن منشورات مشروع كلمة في أبوظبي 2010. وهو ليس الكتاب الأول من هذا النوع، الذي يتناول موضوع التوابل والبهارات، التي اندلعت من أجلها حروب ولها تاريخ، كما للملح تاريخ الذي كان في مثل قيمة الذهب ذات يوم أو ذات حضارة، ويبدو أن بطل «التوابل» في هذا الكتاب هو الفلفل، وبخاصة الفلفل الحارّ، الذي يعود إلى آلاف السنوات قبل الميلاد، ولم ينقرض إلى اليوم «هناك دلائل تشير إلى أن السكان الأصليين في أمريكا «أو ما نسمّيه اليوم المكسيك قد بدؤوا بأكل الفلفل الحارّ منذ 7000 سنة قبل الميلاد». وهكذا، وعلى عكس ما نظن أن موطن الفلفل هو آسيا «الحارّة»، الهند مثلاً، فإن كزارا يرى أن الفلفل الذي يسود العالم اليوم انتقل من الغرب إلى الشرق.
نتعرّف في هذا الكتاب، أيضاً، إلى طيور عملاقة تبني أعشاشها من أعواد القرفة، وتخيل هنا أنك عثرت على عش من هذا النوع تنام فيه فراخ صغيرة هشّة ملمومة على بعضها، وتنبعث من العش رائحة قرفة، صورة شعرية، أليس كذلك؟ ولكن لن نذهب بعيداً ها هو المؤلف يدلّنا على قصيدة للشاعر الإيرلندي توماس مور، قصيدة بنكهة القرفة:
«هذه الطيور الذهبية التي تهبط في وقت التوابل
في الحديقة ثملة بهذا الطعام العذب
الذي جذبهم عطره فوق فيضان الصيف
وتلك الطيور تحت أشعة الشمس العربية الرقيقة
تبني أعشاشها المبطنة بالقرفة».
إذاً، بعض الكتب لا تؤكل كالخبز أو الفاكهة فقط؛ بل لها أيضاً رائحة عطرية أو رائحة ورقية عتيقة، فهي تُشمْ، وَتُلمس، وتُرى، وتُحمل؛ بل وتهرّب أحياناً.
وكنّا في شبابنا البعيد الصغير ذاك نهرّب رسائل زهرية مبلّلة بالعطر، وأحياناً، مبلّلة بالدموع إلى بنات الإعدادية آنذاك، وهن ذاهبات في صباحاتهن المبكرة بالمراييل الخضراء إلى المدرسة التي كانت تعشش في نوافذها طيور صغيرة لا تبني أعشاشها من أعواد القرفة؛ بل من خصلات شعر منسية على مقاعد المدرسة.
ولكن هل الكتب وحدها تفعل فعلها هذا في ذاكرة الإنسان وفي معدته؟ لا، فلو أخذت طفلاً إلى لوحة «عبّاد الشمس» للعبقري فان جوخ، لكان مدّ يده ليقطف الوردة المدوّرة الصفراء من اللوحة.
بعض اللوحات تؤكل أيضاً مثل الكتب، وإذاً كنت جائعاً فلا تحرّص على جوعك أكثر وأنت تحدّق في لوحة «آكلو البطاطا» حتى لو كانت البطاطا طعام الفقراء.
الموسيقى أيضاً تؤكل ولها لون ورائحة ومذاق؛ بل كل فن إنساني عظيم يشعرك بالجوع والعطش إلى الحياة: الألفة، والمحبة، والجمال.