القاهرة - بواسطة ايمان عبدالله - الرئيس الصيني شي جين بينغ
لا تكاد تخلو دراسة في العالم كله، سياسية كانت أم اقتصادية، من المرور بتعمق على التجربة الصينية في جميع المجالات، وهذا ما فرضه واقع هذا العملاق العالمي لما تتمتع به الصين من مكانة متقدمة في الجغرافيا والديموغرافيا والسياسة والاقتصاد.
ويكفي القول إن من كل 5 أشخاص على هذا الكوكب هناك صيني، فيما تحتل مساحتها المركز الثالث عالميا، وأصبحت ثاني أقوى اقتصاد بعد الولايات المتحدة بغضون سنوات قليلة بمعدلات نمو هي الأسرع في العالم، فيما تخطط بلاد التنين إلى القضاء على الفقر نهائيًا مع نهاية عام 2021، والانتقال بالمليار ونصف المليار إنسان من مواطنيها إلى العيش الرغيد وفق ما يعرف بسياسة الاكتفاء المتوسط.
كل ماسبق يغريك لأن تعرف سر هذه التجربة الفريدة والمعقدة، وكيف استطاعت الصين تحويل مشاكلها إلى وقود للنهضة الكبرى، وهو ما يفسر تلك المبيعات الضخمة التي نالها كتاب الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ، حول الحكم والإدارة، وذلك للوقوف على الخطوات التي مشتها الصين نحو الألف ميل وسماع التجربة وقراءتها من أحد صانعي وعرابي هذه السياسة، والذي عايش فترتي التأسيس والإصلاح والانفتاح، بل وقفزت الصين بعهد سنواته الخمس الأولى التي بدأت عام 2013 كرئيس للبلاد، وحققت نموا سنويا يزيد عن 21% لتسبق الجار الياباني وتحلق بميزانية البلاد نحو تريليونها التاسع.
كتاب حول الحكم والإدارة للرئيس الصيني صدر لأول مرة في أكتوبر من العام 2015، في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في ألمانيا، لتتزاحم دور النشر على ترجمته إلى جميع اللغات، وهي ترى ملايين الباحثين والقراء والهيئات الأكاديمية والتعليمية تتسابق على اقتنائه حينها، في تجربة تشبه اهتمام العالم في خمسينيات القرن الماضي بما صدر عن ماو تسي تونغ، مؤسس التجربة الصينية الحديثة وقائد ثورتها.
الرئيس شي جين بينغ، وضع في الكتاب وجبة معرفية دسمة أخذت القارئ في رحلة بالذاكرة إلى تفاصيل مقاطعات الصين وبناء النظام المؤسساتي للبلاد، والمقاربة الكبيرة في الدمج ما بين القوانين والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تحقق إصلاحًا مرنًا يتناسب مع العولمة ويأخذ بعين الاعتبار خصوصية الصين وشعبها، وقد شارك شي جين بينغ الناس أفكار اللجان الصينية وآلية عملها خطوة بخطوة، وصولا إلى ما بعد ثلاثين عامًا من الآن، بسرد التجربة في استشراف المستقبل بشكل واقعي ومدروس، يلحظ الحلم الصيني ولكن دون أن يكون حالما غير قابل للتطبيق.
كتاب حول الحكم والإدارة يعالج فيه الرئيس الصيني 18 موضوعًا، من خلال تلخيص 99 كلمة وخطاب ألقاه خلال مسيرته الحزبية ضمن الحزب الشيوعي، وما انبثق عنه من مؤتمرات ولجان كان له دور مؤثر فيها، خاصة تلك الحقبة الإصلاحية التي ساعدت بإغراء كبريات الشركات وأعظم المستثمرين للدخول إلى السوق الصينية، كما أضاف الرئيس شي جين بينغ هوامش تساعد الباحثين والدارسين في دعم مشاريعهم وتعميق فهمهم لخفايا الأمور وخباياها، لتتحول 505 صفحات إلى إرث معرفي قد يشكل دستورًا ملهما لتجارب مماثلة، خاصة وأن الاقتصاد العالمي لاينفك بشكل من الأشكال عن الاقتصاد الصيني والأيدي العاملة الهائلة، إضافة إلى استلهام الحلول المجتمعية في إدارة الموارد البشرية وتطويع الديموغرافيا المليارية بما يتناسب مع الإمكانات المتاحة وخلق الحلول بدلا من انتظارها.