كنت جالسا بمفردي في غرفة نومي، يعتريني الخوف، كنت أبلغ في ذلك الوقت 12 عاما، تساورني حالة ارتباك ورعب، بعد أن بدأت أدرك أنني مثلي الميول الجنسية. كان والدي يشاهد التلفزيون في غرفة المعيشة، وكان كل ما يستحوذ على تفكيري هو خيبة أمله حينما يكتشف الأمر.
نشأت في حي يسكنه الأتراك في برلين بألمانيا، عائلتي مسلمة محافظة، وكان والدي صارما جدا على الدوام، لكننا كنا قريبين ونلعب معا كرة القدم في الشارع يوميا تقريبا. كان والدي مولع بكرة القدم، حتى أطلق عليّ اسم لاعب تركي شهير، لكنني لم أستطع أن أخبره بعدم حبي للرياضة بالفعل.
كان أبي أول من جعلني أشعر بأن شعوري بميولي المثلية جنسيا غير مقبول. لم يخبرني صراحة أنه لا يمكن لي أن أكون مثلي الجنس، وربما لم يتطرق فكره إلى ذلك على الإطلاق أو إلى إمكانية حدوثه لطفله.
نشأ أبي في تركيا وهي، بحسب مؤشر "رينبو يوروب" لإحصاءات المثلية الجنسية، تأتي في مرتبة تلي دولا أوروبية مثل ألمانيا وبريطانيا من حيث الميول المثلية الجنسية (وتحتل المرتبة 47 على قائمة تضم 49 دولة). وكانت الحكومة التركية قد حظرت منذ عام 2015 تنظيم مهرجان لمثلي الجنس.
وحينما قاربت سن العاشرة، كان كل ما أعتقده هو أن الشخص "مثلي الجنس " لابد أنه "سيء"، وذلك ما تكون لدي من انطباع من والدي عندما أمسكت ذات مرة بمقبض في عربة الخيل بطريقة ما، فنهرني والدي وقال لي إنها طريقة توحي بالمثلية الجنسية.
لم يكن موقف والدي هو الشيء الوحيد الذي جعلني أشعر أنني بحاجة لإخفاء حياتي الجنسية. كنت خائفا أيضا مما سيقوله الأشخاص عني في مجتمعي. لقد سمعت أناسا يقولون أشياء سيئة عن المثليين جنسيا على شاشة التلفزيون. لكنني كنت أعرف أنني لست مثل الصبية في مدرستي، الذين يتحدثون عن مواعدة الفتيات، كنت انجذب إلى الأولاد وهو أمر جعلني أشعر بالذنب والخجل.
لم أرغب في أن يظن الناس أنني لست رجلا حقيقيا أو مسلما حقيقيا.
وعندما بلغت سن 13 عاما، فقدت والدي بسبب إصابته بمرض سرطان المعدة، وقد عانى من المرض لنحو عام، لكن وفاته كانت ولا تزال أشبه بصدمة. أنهكني الحزن، وأصبح الدين طريقا للتأقلم، ومنحني الدين شعورا بالأمان، كما دفعتني اضطراباتي الداخلية بشأن ميولي الجنسية وفقدان والدي إلى الاستغراق في الاكتئاب.
كانت عائلتي محافظة لكنها لم تكن متدينة بشكل خاص، وكنت أبحث في ذلك الوقت باستماتة عن شيء يمنعني من أن أصبح مثلي الجنس. اعتقدت أن تكريس جُل اهتمامي لإيماني سينسيني ميولي الجنسية. كنت أخاف من أن يقودني الأمر إلى عذاب "جهنم"، وأعتقدت أن ديني قادر على إنقاذي.
وهكذا بدأت اتباع نهج متشدد في الإسلام.
كنت أبحث سرا على الإنترنت عن مدونات ومقاطع فيديو عن الإسلام "المتشدد"، واستمع بسماعات الرأس بينما كان الجميع نائمين. أوصلتني عمليات البحث التي أجريتها إلى مقاطع فيديو على موقع يوتيوب لـ "دعاة عبر الإنترنت" يلقون خطبا مليئة بالكراهية، كانوا يتبعون في الغالب شكلا متشددا للإسلام السني. شاهدتهم وهم ينظرون إلى الكاميرا، ويقولون إن مثلي الجنس سيُحرقون في جنهم، وأقنعت نفسي بأنه لابد أن أتخلص من هذا الجزء من حياتي.
وبينما كان أطفال آخرون في مثل سني يشاهدون لاعبيهم المفضلين، أو مدوني الفيديو، كنت أشاهد مقاطع فيديو لهؤلاء الدعاة المتشددين، كانوا يتحدثون عن أشياء مثل ضرورة أن لا تكون هناك مساواة بين الرجال والنساء، ولابد من قتل أي شخص يؤمن بإله آخر.
كان هؤلاء الدعاة يتمتعون بشخصية جاذبة من حيث طريقة عرض هذه الآراء، لدرجة أنني شعرت بأنني اتشبع بها. شعرت بأن شخصيتي تتغير، وعلى مدار عامين تقريبا، شاهدت مقاطع فيديو سرا. وبدأت أشعر عندما بلغت سن 15 عاما، كما لو كنت أريد أن أكون مع أشخاص آخرين يشتركون في نفس الآراء الدينية التي كنت أشاهدها.
قدّمني صديق في المدرسة إلى مجموعة من المسلمين، وبدأت التسكع معهم في مقهى تركي محلي. كنا نخوض في أحاديث مسيئة لغير المسلمين، ونتحدث عن كيفية عذابهم في جهنم لأنهم كافرون. كنا نسمع أكثر عن صعود ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، وتحدثنا عن الانضمام إليه. كنت ساذجا، اعتقدت بالخطأ أن تنظيم الدولة الإسلامية يمثل قوة تسعى للخير، وستجمع المسلمين من جميع أنحاء العالم للعيش تحت الحكم الإسلامي واستعادة "أرضنا".
كان هؤلاء الصبية الآخرون يشعرون مثلي بالعزلة لأسباب مختلفة، وكانوا يبحثون عن شيء يمنحهم هدفا. فكرنا جميعا في أن الحل هو تكريس أنفسنا للإسلام المتشدد.
وبينما لم يذهب حديثنا عن الانضمام لجماعة متطرفة إلى أبعد من ذلك، كنت أتغير داخليا وخارجيا. نمت لحيتي وتوقف شعوري بالحنين لعائلتي. كانت أمي تناديني وأنا طفل صغير باسم ألماني معناه "الدب المحبوب"، كانت تقول إن سبب ذلك هو أنني كنت إنسانا لطيفا.
في يوم من الأيام عدت من المدرسة إلى منزلي وذهبت إلى غرفة نومي دون التحدث إلى أي شخص، تبعتني أمي وقالت: "توغاي، أنا خائفة مما أصبحت عليه الآن. لم تعد دبي المحبوب".
كنت أعلم أنني كنت أتصرف بشكل سيء تجاه الأشخاص الذين أحببتهم، كنت باردا وعدوانيا، وأتشاجر مع أختي. لكنني لم أشعر بذنب. كنت مهووسا بفكرة أنني "المسلم الصالح" وأتبع تعاليم الدعاة عبر الإنترنت حتى لا أذهب إلى جهنم لأنني مثلي الجنس.
وبعد عامين، كنت أعرف في أعماقي أنني مثلي. أنهكني إخفاء الأمر، وفي إحدى الليالي، كنت أتحدث مع صديق قديم، ليس من بين مجموعة الأصدقاء المتشددين، وأخبرني أن تنظيم الدولة الإسلامية يقتل الأبرياء.
لم أصدق ذلك في البداية، كان كل ما شاهدته على الإنترنت منذ عام 2015 وحتى الآن دعاية لهم. وقد وصلني فيديو غيّر كل شيء، كان يصور عملية قطع رأس مدني. شعرت بإعياء، كيف يمكن أن أكون قد أخطأت إلى هذه الدرجة؟
كما غير سطر مكتوب في برنامج إخباري على يوتيوب بعنوان "الشباب الأتراك" مسار حياتي. سأل مقدم البرنامج سؤالا : "لماذا تؤمن بدين أو إله إذا كان هذا الإله يكرهك، إذا كان هذا الإله سيقذفك إلى جهنم ويسمح بإحراقك إلى الأبد؟".
جعلني هذا السؤال أفكر. أنا لم أختر لنفسي أن أكون مثليا، فلماذا يعاقبني الله على ذلك، لاسيما بعد أن بذلت قصارى جهدي لتغيير حياتي الجنسية؟ سألت نفسي إن كنت لا أستطيع أن أكون مثليا ومسلما، فهل يصح أن أكون مسلما؟
تعلمت منذ ذلك الوقت أن هذا الصراع غير مألوف في مجتمع المثليين من المسلمين. يقول خاكان قريشي، وهو مسلم مثلي الميول الجنسية، ومؤسس مشارك لمجموعة تهدف إلى دعم المثليين ومقرها المملكة المتحدة: "من الشائع أن يشعر الشباب المسلمون بأنهم مخطئون لأنهم مثليون، ويخشون من جهنم".
ويضيف قريشي : "تعليمك من تكون قد يكون له أثر سلبي على الصحة العقلية للناس. وقد ينتهي الأمر ببعض المسلمين المثليين إلى الابتعاد عن الإسلام لأنه لا يتناسب مع معتقداتهم الشخصية".
وعلى الرغم من أن مثل هذه الأفكار كانت بالتأكيد بمثابة بداية تعلمي كيف أتقبل نفسي، جعلتني التجربة في البداية أشعر بالأسوأ. كنت في الثامنة عشرة من عمري، وحوصرت في أجواء الحيرة والارتباك، لم أكن أتصالح تماما مع فكرة كوني مثلي الجنس، وشعرت في ذات الوقت أنه لا يوجد مكان لي في الإسلام.
سمعت وقتها عن مسجد ليبرالي جديد في برلين اسمه "ابن رشد-جوته"، به سيدة تؤم الصلاة، ويسمح للمسلمين من جميع الأجناس بالصلاة معا، ويقبلون المثليين والمثليات والمتحولين جنسيا. تسبب هذا المسجد في إثارة جدل في العالم الإسلامي، وانتقدته منظمات تركية، كما صدرت بشأنه فتوى من مصر، لكنه كان بالنسبة لي بمثابة ضوء في الظلام.
عندما زار إمام مثلي الجنس من مرسيليا بفرنسا المسجد وعقد حلقة نقاش، بدأت أدرك أن كون المرء مثليا ومسلما في نفس الوقت يعد شيئا طبيعيا. والتقيت منذ ذلك الوقت بمصلين آخرين مثليين أيضا.
بدأت أحضر صلوات في المسجد وبدأت تدريجيا أشعر بارتياح داخلي. ورأيت لأول مرة طريقة للتوفيق بين ديني وحياتي الجنسية. كان هذا المسجد بالنسبة للأشخاص الأكثر محافظة في مجتمعي متطرفا. وتركني أصدقائي القدامى من المتشددين عندما علموا أنني أذهب إلى هناك، لكنني شعرت بحرية لم أشعر بها من قبل. تحسنت صحتي العقلية، وأخيراً وجدت الشجاعة التي جعلتني أخبر أسرتي بحياتي الجنسية.
كانت بالفعل أكثر اللحظات رعبا في حياتي.
قررت أن اتخذ مثل هذه الخطوة في يوم الاحتفال بالسنة الجديد عام 2017. لم تحتفل عائلتي بعيد الميلاد، لكنه وقت يجمعنا معا، قلت لنفسي: "ستكون هذه هدية لن ينسونها أبدا"، حاولت أن أبتسم وأسيطر على أعصابي.
جلست على طاولة العشاء أمام أمي وأختي وعمتي، وقلت بصوت عال لم أعتده منذ أن كان عمري 13 عاما إنني مثلي الجنس. توقفت للحظات وشعرت بالرعب، حتى كسرت عمتي حاجز صمتي وقالت : "كنت اعتقد دائما أنك مثلي الجنس يا توغاي". وانفجر الجميع بالضحك، عانقتهم جميعا وشعرت بارتياح شديد يغمرني.
أصبحت أمي وعمتي وأختي داعمات لي بالكامل منذ ذلك الوقت، وكان يعني ذلك الكثير بالنسبة لي، لكن للأسف، لم يشعر الجميع بنفس الشيء، وقال بعض أفراد الأسرة الآخرين إنهم لا يريدون التعامل معي، لكن الناس الأكثر أهمية بالنسبة لي كانوا معي.
كانت أمي سعيدة لأن المسجد دعمني عندما كنت في حاجة إليه، والآن نذهب جميعا للصلاة معا هناك. عندما اكتشف أصدقائي القدامى المتشددين أنني ابتعدت، بدأوا يرسلون لي رسائل كراهية. ولم تستطع كلماتهم أن تخرق سعادتي. ندمت على كثير من الأشياء التي فعلتها عندما كنت صغيرا، مثل مشاهدة مقاطع الفيديو هذه والإساءة إلى غير المسلمين.
تنتهي قصتي لحسن الحظ بنهاية سعيدة، لكن الآخرين الذين يمضون في الطريق ويصبحون متشددين بالكامل يسلكون طريقا مختلفا تماما. كان عمري 15 عاما عندما بدأت الأحداث بالنسبة لي، وهو نفس عمر شميمة بيغوم عندما ذهبت إلى سوريا. لو لم أجد مكانا شعرت فيه بذاتي، لخشيت ما كنت سأصبح عليه.
أبلغ من العمر حاليا 21 عاما وأصبحت علاقتي بعائلتي أفضل من أي وقت مضى، وأنا الآن أدرس في الجامعة مع مجموعة من الأصدقاء يقبلونني تماما. وجدت سلاما داخليا لم أكن أعرفه مطلقا. ساعدني المجتمع في جامعتي الليبرالية على إدراك أنني لا أحتاج إلى إدارة ظهري للدين من أجل أن أكون مثليا، ولم أكن بحاجة إلى العزوف عن كوني مثلي الجنس لكي أكون مسلما.