الرياص - اسماء السيد - "الخليج 365" من دبي: برزت ملامح أخطر تحذير مباشر يصدر عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض مطلع هذا العام: "إما الاتفاق النووي... أو الرد المدمر"، بهذه الصيغة التي لا تحتمل التأويل، رسم ترامب سقف المواجهة المقبلة مع إيران، مانحًا قادتها مهلة لا تتجاوز شهرين قبل أن تبدأ – بحسب تعبيره – "أشياء سيئة جدًا" بالحدوث.
الرسالة الأصلية: تهدئة مشروطة بتهديد
كل شيء بدأ برسالة وجّهها ترامب، منذ ثلاثة أسابيع، إلى المرشد الإيراني علي خامنئي عبر وساطة إماراتية.
الرسالة، التي نُشرت لأول مرة باللغة العربية دون تعديل عبر حساب المحلل الإيراني محمد صالح صدقيان، تضمنت عرضًا لفتح صفحة جديدة من العلاقات، عبر إزالة العقوبات، وتمكين الاقتصاد الإيراني، والتعاون من أجل استقرار المنطقة، لكنها ترافقت أيضًا مع تهديد صارم: "إذا اختار النظام الإيراني مسار التصعيد والدعم المستمر للتنظيمات الإرهابية، فإن الرد سيكون حاسمًا وسريعًا".
في تلك الرسالة، شدد ترامب على أن "السلام ليس ضعفًا، بل خيار الأقوياء"، مضيفًا أن الشعب الإيراني "يستحق مستقبلًا أفضل بعيدًا عن العزلة والفقر"، ودعا إلى التفاوض فورًا، محذرًا من أن "التاريخ سيسجل أنكم فوّتّم فرصة عظيمة" إذا رفضت طهران اليد الممدودة.
الرد الإيراني: هدوء مشوب بالحذر
لكن التطور الأخطر جاء لاحقًا، حين كشفت مصادر أميركية مطلعة لموقع Axios أن إيران ردت رسميًا على الرسالة الأميركية عبر سلطنة عمان، التي أبلغت بدورها واشنطن بمضمون الرد، وتستعد لتسليمه رسميًا إلى البيت الأبيض خلال أيام.
وزير الخارجية الإيراني السابق عباس عراقجي صرّح أن بلاده اختارت مسار عمان لأنها "وسيط موثوق" سبق أن لعب دورًا حاسمًا في وساطات سابقة بين طهران وواشنطن. وأكد عراقجي أن طهران لا ترغب في حوار مباشر حاليًا، لكنها منفتحة على مفاوضات غير مباشرة، مشروطة بالندية وتوازن القوة، بعيدًا عن الإملاءات.
وفي أول تصريح إيراني رسمي حول فحوى الرد، قال علي شمخاني، مستشار المرشد الأعلى وأمين مجلس الأمن القومي الإيراني سابقًا، إن "رد إيران استند إلى ضبط النفس"، مشيرًا إلى أن بلاده جاهزة لبدء مفاوضات غير مباشرة واتخاذ خطوات لاحقة، لكن فقط "إذا كانت المفاوضات على أرضية متكافئة".
ترامب للعلن: “أشياء سيئة جدًا ستحدث”
ردّ ترامب لم يتأخر. وفي تصريحات علنية أدلى بها الجمعة، أكّد تصعيده العلني:
"إيران تحت المراقبة... هي على رأس قائمة أولوياتي. علينا أن نتحدث ونتفاوض. وإذا لم ننجح في ذلك، أشياء سيئة جدًا، سيئة جدًا، ستحدث لإيران. وأنا لا أريد أن يحدث ذلك."
ورغم أنه قال إن "الخيار المفضل لديّ هو التوصل إلى اتفاق"، إلا أن نبرته كشفت بوضوح أن الصبر الأميركي له حدود زمنية صارمة، حدّدها ترامب بشهرين، وهو ما يمثل تهديدًا ضمنيًا باستخدام القوة العسكرية إذا لم تتجاوب طهران.
وسطاء في الواجهة: الإمارات وعُمان
ما بين الرسالة والرد، لعبت الإمارات دور الناقل الأول للرسالة الأميركية إلى إيران، وهو ما يكشف عن محاولة أميركية لزجّ حلفاء الخليج في معادلة التهدئة أو الضغط السياسي، بينما تولّت سلطنة عمان، التي لطالما أدت دور الوسيط الإقليمي المحايد، نقل الرد الإيراني، في تكرار لأدوار سابقة أدّتها خلال محادثات الاتفاق النووي الأصلي عام 2015.
بين الخطين: العودة إلى نقطة الانفجار؟
تحذير ترامب الحالي ليس معزولًا عن سياق تاريخي. فالرئيس الأميركي كان قد انسحب في 2018 من الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما مع طهران. ومنذ ذلك الحين، تسارعت خطوات إيران النووية، وباتت – وفقًا لتقارير أميركية – أقرب من أي وقت مضى إلى امتلاك قدرات عسكرية نووية.
في المقابل، ظل المرشد الأعلى علي خامنئي يكرّر منذ سنوات أن انسحاب أميركا الأحادي من الاتفاق يثبت أنها "لا تُؤتمن"، وأن "التفاوض معها مضيعة للوقت". ومع ذلك، فإن الرسائل الأخيرة قد تعني تحولًا ما في الحسابات الإيرانية، على الأقل في شكل القبول بوساطة إقليمية تمهّد لمفاوضات غير مباشرة.
سيناريوهات مفتوحة ومهلة تنفذ
الواضح أن واشنطن هذه المرة ترفع السقف وترسم خطًا أحمر زمنيًا واضحًا. فالرسالة تم إرسالها، والرد وصل، والمهلة بدأت.
وفي ظل التحركات العسكرية الأميركية الأخيرة في المنطقة، والتوتر المستمر في ملفات أخرى مثل اليمن والعراق وسوريا، فإن شهرين من الآن قد يحددان شكل المنطقة لعقد مقبل: اتفاق يعيد ضبط التوازن... أو مواجهة لا تبقي ولا تذر.