الرياص - اسماء السيد - "الخليج 365" من طهران: الأمر لا يتعلق فقط بالمصدقية أمام الرأي العام المحلي في إيران، والرأي العام الشرق أوسطي والعالمي، بل إنه يتعلق ببديهيات الوعي السياسي، فكيف تختفي شخصية مهمة مثل قائد قيلق القدس ولا تعلن إيران؟
فقد مرت 10 أيام على آخر ظهور لإسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. لم يظهر قاآني في صلاة الجمعة التي أُقيمت في 4 تشرين الأول (أكتوبر) برئاسة المرشد علي خامنئي، ولم يحضر مراسم تسليم الوسام لقائد القوة الجوفضائية أمير علي حاجي زاده.
ورغم أن المسؤولين في إيران يؤكدون أن قاآني لا يزال على قيد الحياة، إلا أنهم يفتقرون إلى سجل موثوق في تقديم معلومات دقيقة في أحداث مشابهة.
آخر مرة ظهر فيها قائد فيلق القدس كانت في 29 أيلول (سبتمبر) 2024، عندما ذهب إلى مكتب حزب الله في طهران لتقديم التعازي بمقتل الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، وفقاً لتأكيدات "إيران انترناشيونال"
لا داعي لبيان رسمي!
في 6 تشرين الأول (أكتوبر) صرح إيرج مسجدي، نائب قائد فيلق القدس، خلال مؤتمر تكريمي لخدام "أربعين الحسين": "كثيرون يسألون عن حالة الجنرال قاآني، أود أن أطمئنهم أنه بخير ويواصل عمله".
وأضاف معلقاً على الدعوات لإصدار بيان رسمي: "لماذا نصدر بياناً؟ لا داعي لمثل هذا الإجراء".
ومع ذلك، أثارت هذه التصريحات، نظراً لتاريخ النظام الإيراني في مثل هذه الأحداث، مزيداً من الشكوك حول حالة قاآني.
الغياب الأول.. 4 تشرين الأول (أكتوبر)
في صلاة الجمعة التي أَمَّها خامنئي في 4 تشرين الأول (أكتوبر)، حضر عدد كبير من كبار المسؤولين الحكوميين، لكن غياب قاآني لفت انتباه وسائل الإعلام. وسرعان ما ردّ رسول سنائي راد، نائب المكتب السياسي للمرشد الإيراني، قائلاً إن غياب قاآني كان "علامة على العقلانية الثورية" ويدل على "الاستعداد العسكري".
كما كتب روزبه علمداری، رئيس تحرير موقع "جماران" المرتبط بعائلة روح الله الخميني، على منصة "X" أن غياب القادة العسكريين يشير إلى حالة تأهب قصوى "للرد السريع على أي تحرك إسرائيلي".
ومع ذلك، تظهر الصور أن قادة آخرين مثل حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، ونائبه علي فدوي، وعبد الرحيم موسوي، قائد الجيش، وأحمد رضا رادان، قائد الأمن العام، كانوا حاضرين في صلاة الجمعة.
هل أصيب في هجوم على بيروت؟
في اليوم التالي، أفادت "القناة 12" الإسرائيلية بأن قاآني ربما يكون قد أصيب في هجوم إسرائيلي على بيروت. وأشارت القناة إلى أن الهدف الرئيس لهذا الهجوم كان هاشم صفی الدین، رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله، وحسين الهزيمة، رئيس استخبارات الحزب، ولم تتوفر معلومات حول مصير هذين القياديين أيضاً.
في الوقت نفسه، قال مصدر أمني لبناني لوكالة "رويترز" إن الاتصال بهاشم صفي الدين انقطع منذ الهجوم الجوي الإسرائيلي على بيروت في 4 أكتوبر.
وفي 6 أكتوبر (تشرين الأول)، وصف عباس كلرو، عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، التقارير التي تشير إلى وجود قاآني في موقع الهجوم الإسرائيلي في بيروت بأنها "شائعات"، مضيفاً أن هذه التقارير جزء من "حرب الفضاء الإلكتروني"، وأكد أن قاآني في حالة صحية جيدة.
الغياب الثاني.. 6 تشرين الأول (أكتوبر)
في 6 أكتوبر، أقيمت مراسم لتكريم أمير علي حاجي زاده، قائد القوة الجوفضائية للحرس الثوري الإيراني، من خلال منحه وسام "فتح" من قبل خامنئي. إلا أن الصور من هذا الحفل أظهرت غياب قاآني، رغم حضور عدد كبير من القادة العسكريين البارزين.
وفي الوقت ذاته، نقل مصدر مقرب من "إيران إنترناشيونال" أن أفراد عائلة قاآني لا يعلمون شيئاً عن مصيره، وهم قلقون بشأنه.
وكذلك أفادت "رويترز" نقلاً عن مصادر مطلعة في إيران أن قاآني سافر إلى لبنان بعد مقتل نصر الله، وأنه منذ الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على بيروت لم ترد أي أخبار عنه.
ووفقاً لهذه التقارير، كان قاآني في جنوب بيروت وقت الهجوم الإسرائيلي، لكنه لم يكن في اجتماع مع هاشم صفي الدين.
ورداً على سؤال حول حالة قاآني، قال محمود قماطي، عضو المجلس السياسي لحزب الله: "ليس لدي أي معلومات حول هذا الأمر"، وأضاف: "نحن أيضاً نسعى لمعرفة الحقيقة".
وفي غضون ذلك، انتقد موقع "تابناك"، الذي يرتبط بمحسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري، طريقة التعامل الإعلامي مع غياب قاآني، وطالب بنشر مقطع فيديو يظهر قاآني إذا كان في حالة صحية جيدة.
من هو إسماعيل قاآني؟
إسماعيل قاآني، المعروف أيضاً بإسماعيل أكبرنزاد، كان نائباً لقاسم سليماني لسنوات في قيادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وُلِد قاآني في مدينة مشهد، وانضم إلى الحرس الثوري الإيراني في عام 1980 عندما كان في العشرين من عمره.
بعد التحاقه بالحرس، ذهب إلى طهران لتلقي تدريبه العسكري في معسكر سعد آباد، الذي يُعرف الآن بمعسكر "الإمام علي". وكان زملاؤه في التدريب محمد مهدي خادم الشريعة، مؤسس لواء "إمام رضا 21"، وولي الله جراغجی، نائب قائد اللواء ذاته.
بعد انتهاء تدريبه، عاد قاآني إلى مشهد وبدأ العمل في أحد مراكز تدريب الحرس الثوري. وفي منتصف عام 1980، تم إرساله إلى منطقة كردستان عقب اندلاع اضطرابات هناك.
في عام 1982، تعرف على قاسم سليماني، وأدى هذا التعارف إلى شراكة استمرت لسنوات طويلة في قيادة العمليات الخارجية للحرس الثوري.
سجل الإعلام الإيراني في أحداث مشابهة
على الرغم من تأكيدات المسؤولين في إيران بأن قاآني لا يزال على قيد الحياة، لم ينفِ أي منهم بشكل قاطع وجوده في بيروت وقت الهجوم. وسجل الإعلام الإيراني في التعامل مع أحداث مماثلة، مثل استهداف حسن نصر الله أو تحطم طائرة الهليكوبتر التي كانت تقل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، يُظهر نمطاً من التأخير في الاعتراف بالحقائق أو تشويهها.
وعادةً ما يعتمد النظام الإيراني ووسائل الإعلام الرسمية سياسة النفي أو التعتيم على الحقيقة، إما بدعوى "المصلحة الوطنية" أو لكسب الوقت قبل الكشف عن التفاصيل الفعلية.