ابوظبي - سيف اليزيد - هدى الطنيجي (أبوظبي)
أكد عدد من الأطباء والمختصين أن إدراج الاختبار الجيني، كجزء أساسي من برنامج فحوصات ما قبل الزواج للمواطنين كافة، يسهم في الكشف المبكر عن الطفرات المشتركة بين الطرفين التي قد ينقلانها لأطفالهما مستقبلاً، وقد تسبب أمراضاً يمكن الوقاية منها، وذلك من باب حماية صحة وعافية أجيال المستقبل، واتخاذ قرارات واعية لمستقبلهم ومستقبل أسرهم مبكراً.
وقد أعلنت وزارة الصحة ووقاية المجتمع، بدء التطبيق الإلزامي للاختبار الجيني، ضمن برنامج فحوصات ما قبل الزواج لجميع المواطنين المقبلين على الزواج على مستوى الدولة، اعتباراً من بداية يناير 2025، وذلك بناء على قرار «مجلس الإمارات للجينوم» الذي جاء ضمن الاجتماعات السنوية لحكومة الإمارات.
فيما اعتمدت دائرة الصحة – أبوظبي، الجهة التنظيمية لقطاع الرعاية الصحية في الإمارة، القرار في الأول من أكتوبر الماضي بعد المرحلة التجريبية التي انطلقت في عام 2022، بالتعاون مع مركز أبوظبي للصحة العامة، والتي حصل خلالها نحو 800 زوج على الدعم اللازم وقاموا بالاختبار الجيني لتمكينهم من اتخاذ قرارات واعية حول مستقبل صحة أسرهم، حيث أظهرت بيانات البرنامج أن 86% من الأزواج نجحوا بالتحقق من التوافق الجيني، في حين احتاج 14% منهم فقط لتدخل إضافي ووضع خطة مناسبة لتأسيس أسرتهم بناءً على نتائجهم الجينية، حيث تتوفر خدمات الفحوصات الجينية في 22 مركزاً للرعاية الصحية الأولية منتشراً في مناطق أبوظبي والظفرة والعين، وينصح جميع المقبلين على الزواج بضرورة إجراء الفحوصات، مع مراعاة الفترة اللازمة لصدور نتائج الاختبار الجيني التي تستغرق 14 يوماً.
ويغطي الاختبار الجيني 570 جيناً لأكثر من 840 حالة طبية، ويعزز القدرة على اكتشاف المخاطر الجينية أو الحالات الوراثية المحتملة، من خلال استشارة اختصاصي الرعاية الصحية ومستشاري الأمراض الوراثية الذي يُعد إجراءً أساسياً لتحقيق فهم شامل حول المخاطر المحتملة والخيارات العلاجية.
تقليل الأعباء
قالت الدكتورة حبيبه الصفار بروفيسور في علم الجينوم عميد كلية الطب والعلوم الصحية في جامعة خليفة: يعد الفحص الجيني ما قبل الزواج خطوة مهمة لضمان مستقبل صحي للأزواج وأسرهم، حيث يساعد في تحديد الأمراض الوراثية والمخاطر المحتملة التي قد تؤثر على الأطفال، ومن خلال فهم هذه المخاطر مبكراً يمكن للأزواج اتخاذ قرارات مستنيرة والحصول على الإرشادات الطبية من المختصين في هذا المجال والتخطيط لعائلة سليمة، وهنا الأمر لا يقتصر على الوقاية من المشكلات الصحية فحسب، بل يتعلق ببناء أساس قوي لمستقبل سعيد وأمن معاً.
وأضافت: «إن هذا الاختبار يسهم كذلك في تعزيز الصحة العامة والتقليل من معدلات الأمراض الجينية والوراثية في المجتمع، ويساعد في الكشف عن الطفرات والاضطرابات الوراثية التي يمكن أن تنتقل من الآباء إلى الأبناء، وهذا الفحص يجعل الأزواج يتخذون قرارات صحيحة بناء على النتائج الظاهرة بعد إجراء الفحص الجيني».
وأشارت إلى أن الاختبار يساعد كذلك على الحد من الأمراض مثل الكشف المبكر عن الجينات والطفرات الوراثية التي يحملها الأفراد، ويمنح الأزواج خيارات منها الاستشارات الوراثية أو استخدام تقنيات الإخصاب المخبري لتجنب بعض الأمراض أو انتقالها، والوقاية تساعد على التقليل من مخاطر ولادة أطفال يعانون من أمراض وراثية، ويحسن من جودة الحياة ويقلل من العبء الصحي والمالي على المجتمع، لافتة إلى أن من الأمراض والطفرات التي يمكن أن يصاب بها الأبناء في حال وجود الأبوين لديهم طفرات مشتركة، تكون احتمالية ذلك بنسبة 25% لنقل الطفرة بشكل كامل إلى الأبناء، وبالتالي تكون هناك أمراض وراثية من أبرزها الثلاسيميا، وهو مرض وراثي يتسبب في فقر الدم المزمن وفقر الدم المنجلي الذي يؤثر على شكل ووظائف خلايا الدم الحمراء والتليف الكيسي الذي يتسبب في مشاكل تنفسية وهضمية مزمنة والضمور العضلي، وهي اضطرابات تؤثر على الجهاز العصبي والعضلات وغيرها.
التقنيات المعتمدة
وتحدثت الدكتورة حبيبه الصفار، عن أهم التقنيات المعتمدة في عملية الفحص الجيني التي تشهد تطوراً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، وتقدم نتائج عالية الدقة وبأقل وقت ممكن، وذلك خلال أيام معدودة بعد أن كانت في السابق تأخذ عدة أشهر، منها: الاستعانة بتقنية التسلسل الجيني الكامل الذي تظهر النتائج خلال أيام منها في اليوم الثالث أو الرابع، وكذلك تقنية التحليل الجيني الذي يركز على مجموعة من الجينات التي يمكن أن تظهر خلال ساعات قليلة والتقنية الثالثة كريسبر المتخصصة في تعديل الجينات بدقة عالية جداً لبعض الأمراض، والتي غيرت مفهوم الجينات التي تسبب الأمراض، حيث أصبحت هناك تقنيات تساهم في تعديل الجينات لبعض الأمراض وليس لكل الأمراض بحسب الحالة، وهناك العديد من الأبحاث على غرار هذه التقنية أثبتت فاعليتها في ذلك، وهناك الكثير ممن يعتمد على عملية تعديل الجينات، وكذلك لدينا الفحص الجيني تحليل الأجنة خلال عملية التلقيح الصناعي لاكتشاف الطفرات الجينية والآباء لديهم خيار اعتماد الغير مصابة والخالية من الطفرات الوراثية، وهناك العديد من التقنيات الأخرى التي تقدم معلومات دقيقة شاملة تساعد الأزواج على اتخاذ قرارات صحيحة مبينة على العلم والأبحاث، وكل ذلك من أجل تكوين أسر صحية ومستقرة.
خلل جيني
أوضح البروفيسور أيمن الحطاب، استشاري طب الأمراض الوراثية في مدينة برجيل الطبية، أن الأمراض الجينية والوراثية تشمل مجموعة كبيرة من الاعتلالات والمتلازمات التي تظهر بأعمار مختلفة ولها أعراض متنوعة، ولكن العامل المشترك فيها أن سببها خلل في أحد الجينات أو الكروموسومات، وقد تكون هذه الأمراض مورثة من الأبوين أو قد تنتج عن طفرة حدثت عند الشخص المصاب، وتشمل أمراض الجينات أمراض العيون منها: اعتلال الشبكية الصباغي وأمراض القلب - اعتلال عضلة القلب الوراثي، والأعصاب - اعتلال الأعصاب الطرفية الوراثي والأورام السرطانية الوراثية والعديد من المتلازمات متعددة الأعراض في الأطفال التي قد تترافق مع ضعف بالنمو وتأخر التطور والتشوهات الخلقية وغيرها.
وأكد أن تشخيص هذه الأمراض أهمية بالغة لتحديد المسبب وإعطاء التسمية الدقيقة للمرض، مما يؤدي إلى الحصول على المعلومات الصحيحة عن المرض الذي يساعد الطبيب في بناء الخطة العلاجية المناسبة، ويُمكّن المريض وذويه فهم المرض وكيفية التعامل معه، كما أن التشخيص الجيني لهذه الأمراض يمكن من معرفة طريقة الوراثة، مما يسمح بعمل الفحوصات الجينية لأفراد العائلة لمعرفة الحاملين والمصابين.
وأشار إلى أن الأمراض الجينية قد تكون متوارثة بشكل سائد، حيث يكون أحد الأبوين مصاباً مع 50% احتمال انتقال المرض الوراثي للأبناء أو متوارثة بشكل متنحي، وبسبب زيادة نسبة زواج الأقارب في مجتمعاتنا، فإن الأمراض المتنحية أكثر شيوعاً في منطقتنا وتكون احتمالات أن يكون الزوجان حاملين لنفس المرض المتنحي أكثر مع وجود صلة القرابة، ومن الأمراض المتنحية المنشرة في منطقتنا أمراض الاستقلاب «نقص الأنزيمات» المتنوعة وفقدان السمع الوراثي، والعديد من المتلازمات العصبية التي تظهر عند الأطفال وتسبب تأخر التطور والقصور الذهني وأعراض عصبية منها تشنجات وضعف العضلات.
وذكر الحطاب أن مستويات الرعاية الصحية لمرضى الأمراض الجينية والوراثية، شهدت تطوراً في دولة الإمارات، حيث تتوفر الفحوصات الجينية في مختبرات الدولة وسعت الهيئات الصحية توفير العلاجات للمصابين، موضحاً أنه من الممكن تجنب انتقالها ضمن فحص ما قبل الزواج، كما أن هناك فحوصات جينية موسعة قد يختار الأزواج عملها، مشيراً إلى أن الغالبية العظمى من أمراض الجينات تعد نادرة، وبسبب ندرتها فإن هناك نقصاً كبيراً بالمعلومات والمعرفة بها بين مقدمي الرعاية الصحية والمرضى وجميع أطياف المجتمع.
صحة الأجيال
قال دكتور شريف مفيد، رئيس قسم المختبر في المستشفى السعودي الألماني: إن إدراج الاختبار الجيني ضمن فحوصات ما قبل الزواج يعد خطوة حيوية في تعزيز صحة الأجيال المقبلة، وهذا النوع من الفحوصات يساعد على الكشف عن العديد من الأمراض الوراثية التي قد تؤثر على صحة الأطفال، مما يمكننا من اتخاذ التدابير اللازمة لتفاديها.
وذكر أنه من بين الأمراض التي يمكن تجنبها باستخدام هذا الاختبار، منها أمراض الدم الوراثية، وتعد الطفرات الوراثية التي تؤدي إلى مثل هذه الأمراض شائعة في المنطقة، خاصة بين الأزواج الذين يحملون الصفات الوراثية نفسها وتصل نسبة انتشار الأمراض الوراثية في الدولة إلى نسب مرتفعة مقارنة ببعض الدول الأخرى، مما يجعل هذه الفحوصات أكثر أهمية لضمان تجنب انتقال الأمراض للأجيال القادمة، مشيراً إلى أن التقنيات المستخدمة للكشف عن هذه الطفرات تتطور باستمرار، ومن بين أكثر التقنيات فاعلية اليوم تقنيات الفحص الموجه للطفرات المعروفة، وعلم الجينوم يلعب دوراً محورياً في فهم الأمراض الوراثية وتحديد كيفية الوقاية منها، مما يعزز من صحة الأفراد والمجتمع ككل.