تحوّلٌ كبير في موقف دونالد ترامب الرئيس الأمريكي السابق والمرشح القوي لخلافة بايدن في البيت الأبيض حول قضية العملات المشفرة بين عهدته السابقة 2017-2021 وأجندته الحالية، إذ تعهَّد في حملة الانتخابية الاستباقية بتقنين تعدين وتداول العملات المشفَّرة وأن يكون الأمر متاحا في أمريكا، بل قد يكون للعم سام احتياطيٌّ فيدرالي منه معتمدا على ما ضبطته الحكومة الأمريكية في العمليات الإجرامية، فما سبب هذا التحوُّل المفاجئ؟
تخيَّل أنك تملك مالًا تساهم في إنتاجه لجهة مجهولة من دون أن تعلم لماذا أنتج ولا النشاط الذي تقوم به من أجل إنتاجه؟ والحديث هنا عن أشهر عملة مشفَّرة في العالم وهي بيتكوين، هذه العملة التي وُجدت في 2009 على يد شخص مجهول، وتُبنى هذه العملة على وجود 21 مليون وحدة تُصكُّ وفق جدول وُضع في بدايتها من خلال شبكة الند للند (p2p) بلا مسؤول أو سلطة حاكمة، وتقوم الشبكة كل 10 دقائق بتحديث وفق التحولات الجديدة التي تتم من خلال عملية تسمى (التعدين)، والتعدين هو حل معادلة رياضية معقَّدة غير معروفة تحتاج إلى طاقة كبيرة وكمبيوتر جد متطور، وحلّها يضيف إلى حسابك الذي تتحكم فيه من خلال مفتاح رقمي عددا من العملات المشفرة.
إن أهم قاعدة موجودة في “بيتكوين” هي قاعدة التنصيف والتي تجعل عائدات عملية التعدين تتراجع كل 04 سنوات، ففي 04 سنوات الأولى كانت تصدر 50 وحدة كل عشر دقائق، بعدها أصبحت 25، وصولا إلى 12.5، وحسابيا وما دمنا في 2024 فإنها الآن تقدّم 6.25 وحدة خلال 10 دقائق لتصبح في حدود 2028 تعادل 3.125 وحدة خلال كل 10 دقائق، ومنه فحسابيًّا إلى حد الآن أنتِج نحو 19 مليون بيتكوين ولن يبقى إلا نحو 2 مليون ستُنتج في القرن القادم.
بين الدائرة الحقيقية والوهمية للاقتصاد
إن المعروف عن الولايات المتحدة الأمريكية أنها أكثر الدول طباعة للنقود، فيكفي أن نقول إنها في أزمة الرهن العقاري طبعت نحو نصف تريليون دولار (1 تريليون دولار يساوي ألف مليار دولار) لإنقاذ المؤسسات المالية من أزمة كادت تعصف بالاقتصاد الأمريكي، وأنها في أزمة الكوفيد طبعت تريليون دولار لإنقاذ اقتصادها، وبهذا يكون الاقتصاد الأمريكي صاحب أكبر دائرة وهمية عالميا، والسبب الأساسي الذي يُبقي قوة هذا الاقتصاد هو قوة الدولار كعملة صعبة عالمية يجري طلبها وتداوها في كل دول العالم، وتُستعمل إجباريا في تداول العديد من السلع على غرار النفط، يضاف إلى ذلك العمليات الاجرامية بأنواعها وفي مجالات كالأسلحة والمخدرات نظرا للموثوقية الكبيرة في هذه العملة، وهو ما يجعل جلّ ما يجري طباعته في الاقتصاد الأمريكي يتسرب خارج السوق الأمريكية، وهذا ما جعل إحتمالية حصول التضخم شبه مستحيلة.
لكن ظهور العملات المشفّرة استحدث أداة جديدة جعلت جزءا مهما من المعاملات التي كانت تجري بالدولار تتحول إلى هذه العملات الهلامية الجديدة التي لا يمكن تقفّي أثرها، نظرا للأنظمة التكنولوجية المعقَّدة التي تستخدمها خاصة من خلال النظام الذي سبق وجرى شرحه في بداية المقال. ومنه، فإن الطلب على الدولار في هذه المرحلة بدأ في التراجع وبشكل كبير، خاصة أن قطاع العملات الرقمية بصفة عامة يشكل ما قيمته 2.5 تريليون دولار أمريكي، مما جعل البنك الفيدرالي يبقي على أسعار الفائدة مرتفعة بشكل غير متوقع ولمدة تعدّ طويلة جدا مقارنة بما كان متوقعا، لسحب ما يمكن من السيولة، والأكيد أن الحجة هي إرتفاع نسبة التضخم، لكن السبب الرئيسي للتضخم في بلاد العم السام هو تراجع الطلب على الدولار عالميا، نظرا لتحول دوائر الإجرام العالمية لمعاملاتها من الدولار إلى العملات المشفَّرة والرقمية، ولعل أكبر خطر يخشاه الاقتصاد الأمريكي هو التوقف التام عن استعمال الدولار في هذه الممارسات مما سيكلف الاقتصاد الأمريكي فقْدَ سيطرته على الاقتصاد العالمي لفقْدِه السيطرة على الدائرة الوهمية، ويضاف إلى ما سبق محاولات من دول كالصين والهند وروسيا التخلي عن الدولار كعملة أساسية في التعاملات البينية وتعويضها بالعملات المحلية، ويمكن أن تتوسع القائمة إلى دول أخرى مستقبلا.
ترامب يريد السيطرة
يريد ترامب -بعقلية الكاوبوي- السيطرة على مجال العملات المشفّرة وجعلها مهيكلة وفق منطق يمنح الولايات المتحدة الأمريكية القوة التي تمكّنها من العودة إلى الحالة ذاتها التي كان فيها الدولار الأمريكي العملة الأقوى في العالم، في حين أن الديمقراطيين يريدون محاربة هذه النقود من خلال تجريم التعامل بها بل وتدمير منظومتها إذا اقتضى الأمر، وهنا يمكنني أن أذكّركم بما قام به الكونغرس الأمريكي مع الفايس بوك حين طلب منه نهاية 2019 التوقف عن تطوير عملته الرقمية “Libra” وكانت الحجة طبعا مزيد من الوقت لدراسة الآثار المترتبة عنها، لكن الأكيد أنهم لم يسمحوا لما أصبح اليوم يعرف بشركة “بيتا” بالقيام بتطوير مثل هذه العملات لأنها ستكون منافسا مباشرا للدولار نظرا للحجم المهول من البشر الذين يستعملون تطبيقات زوكربارغ، وهو ما يعني تراجع عدد من يتعاملون بالدولار.
ورغم أن الجمهوريين بقيادة ترامب هم من أوقفوا مشروع زوكربارغ للعملة الرقمية، إلا أن عودتهم المحتمَلة للحكم في انتخابات الرئاسة في نوفمبر القادم ستجعل المشروع يعود للواجهة، لكن بتحكم كامل من سلطة الضبط التي يراد إنشاؤها، والتوجه سيكون جعل الولايات المتحدة الأمريكية المتحكّم في كل العملات الرقمية والمشفَّرة الموجودة في العالم، ومن يخالف هذا القرار بالتأكيد سيتعرض لعقوبات ومتابعات وإختراقات تجعل عملته تفقد قوتها وقابليتها للتداول بفقدها للأمان، وهو مشروع يبدو صعبا لكن أصبح أكثر من ضرورة وفق المعطيات المتاحة.
التوجُّه نحو تقنين العملات المشفَّرة والرقمية وضبطها بسلطة فيدرالية تسهر على تنظيمها وإعتبار كل من لا يخضع لها “إرهابا اقتصاديا”، سيعيد للولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على الدائرة الوهمية في الاقتصاد العالمي، والتي بدأ ينفكّ عقدها لصالح أطراف غير معروفة أثّرت بشكل مباشر على قوة الاقتصاد الأمريكي، وجعلت السيطرة على التضخّم مستحيلة فيه، بل وستكبِّد الأمريكيين خسائر كبيرة، فيكيف سيكون مستقبل هذه العملات في ظل كل ما سبق؟.
د. عمر هارون – الشروق الجزائرية
كانت هذه تفاصيل خبر لماذا يريد ترامب لأمريكا السيطرة على العملات المشفَّرة في العالم؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.