لحظة مانغا شونين المثالية

أولا، ارفع كلتا يديك. أبقِهما مرتخيتين لبرهة. ثم أدر إحداهما نحو السماء والأخرى نحو الأرض. قم بتقريب راحتي الكفين من بعضهما البعض واهمس ”كا. . . مي . . “ لتجعل جسدك مفعما بالطاقة.

لكن انتظر! لا تطلقها بعد.

يجب أن تكون راحتا الكفين منتشرتين على نطاق واسع وتتلامسان عند الرسغين. الآن، اسحبهما نحو الخصر: ”ها. . . مي . . .“، انتقل إلى الجزء التالي. أنت تتحكم الآن بشكل كامل في الطاقة بداخلك. تبدأ حرارة جسمك في الارتفاع. استعد للتأثير من خلال إرجاع ساق واحدة للحصول على الدعم. ومع إطلاق صيحة المقطع الأخير ”ها!“، حرر تلك الطاقة تجاه خصمك.

أجهد نفسك أكثر من اللازم، وسوف تزيلا جبلا. هذا ما يقوله المعلم روشي، المعروف باللغة اليابانية باسم ”كامي سينّين (السلحفاة المتنسكة)“، عن تقنية ”كاميهاميها“ التي أتقنها.

كانت هذه هي الحركة الختامية المميزة في مانغا ”دراغون بول (كرة التنين)“، لكن ليس من المبالغة القول إن كل رجل تقريبا من جيل معين قام بتقليد الوضعية مرة واحدة على الأقل. لا بدك أنك حقا من بينهم. إن روح شونين مانغا – تُعرف بأنها مانغا للأولاد باللغة اليابانية – تسري بقوة في ”دراغون بول“، ولهذا السبب استحوذت على قلوب الكثير من القراء.

ماركوس جونيور (يمين) وزملاؤه في فريق يوكوهاما مارينوس يحتفلون بإحراز هدف في 12 أغسطس/آب عام 2021 في ملعب نيبّاتسو ميتسوزاوا بمحافظة كاناغاوا. إن وضعية كاميهاميها المحبوبة تتجاوز الأجيال والحدود (© جيجي برس).

في 1 مارس/آذار عام 2024 توفي أكيرا تورياما مبتكر هذه التحفة الفنية إثر إصابته بورم دموي حاد تحت الجافية عن عمر ناهز 68 عاما. تصدر خبر وفاته عناوين الأخبار في جميع أنحاء العالم، ما دفع المعجبين والمبدعين المذهولين على حدٍ سواء إلى تقديم كلمات التعزية والإشادة.

نشر الموقع الرسمي لمجلة شونين جامب التي ظهرت فيها أولى أعمال توريياما، حيث نشر فيها سلسلة من الأعمال الناجحة من بينها ”دكتور سلامب (مغامرات رنا)“ و ”دراغون بول“، نشر تعازي أولئك الذين عملوا بشكل وثيق مع توريياما. فقد كتب فنان المانغا أودا إيتشيرو مبتكر سلسلة ”ون بيس“:

لقد أمسك ”عصا“ عصر كان يعتقد فيه الناس أن المانغا ستجعلك غبيا، وخلق عالما حيث يمكن للأطفال والكبار الاستمتاع بالمانغا؛ لقد أظهر لنا الحلم بأن المانغا لديها تلك القوة للانطلاق إلى العالم. بالنسبة لي، كان الأمر أشبه بمشاهدة بطل يشق طريقا.

كما أعرب الدوري الإيطالي لكرة القدم من الدرجة الأولى – Serie A – عن تعازيه على حسابه الرسمي على موقع X (تويتر سابقا) في رسالة قال فيها ”تربينا على كرة القدم ودراغون بول“.

لقاء مع محرر أسطوري

ولد توريياما عام 1955 في محافظة آيتشي، وكان يحب الرسم منذ نعومة أظافره. في ذلك الوقت، كان هناك متجر في الحي يعلم فيه رجل مسن الأطفال كيفية الرسم، وأقام مسابقة رسم لشخصيات من فيلم ديزني بعنوان ”المائة مرقش ومرقش“. وقد قال توريياما الذي كان يبلغ من العمر 6 سنوات فقط آنذاك، إنه صدم من مهارة فناني ديزني. قدم الرسوم التوضيحية الخاصة به إلى المسابقة، وتم اختيارها. عكف على رسم الصور بشغف ودخل في المسابقة. وقد تملكته سعادة غامرة عندما قُبلت، وأصبح مهووسا بالرسم.

كان توريياما قارئا نهما لقصص المانغا في المدرسة الابتدائية. ولكن عندما دخل المرحلة الإعدادية، تحولت اهتماماته إلى الأعمال الدرامية والسينمائية الحية بدءا من سلسلة المؤثرات الخاصة اليابانية ”توكوساتسو“ مثل ”أولترا كيو“ و ”أولترامان“، وأفلام السباغيتي الغربية، وأفلام أخرى مثل ”حرب النجوم“. وقد ذكر في إحدى المقابلات ”سأشاهد أي شيء غير الأعمال الرومانسية“.

عند التفكير في الأمر، نجد أن ”دكتور سلامب“ يحتوي على شخصيات تشبه أولترامان أو مشاهير العالم الحقيقي مثل ”هاري القذر“ للمخرج كلينت إيستوود. المحاولة الثانية لتوريياما لرسم سلسلة كانت عبارة عن محاكاة ساخرة لحرب النجوم. كما أن الرومانسية لها دور صغير في أعمال توريياما.

التحق توريياما بمدرسة ثانوية فيها قسم تصميم، وخطط بعد التخرج لممارسة مهنة تتعلق بمجال التصميم التصويري، وحصل على وظيفة في وكالة إعلانات. أمضى ساعات طويلة في إبداع رسوم توضيحية وفي ساعات العمل الإضافي، وتعرض للتوبيخ بسبب وصوله متأخرا إلى المكتب. كان عمله ينطوي على رسم أدوات يومية مثل الجوارب ومنتجات الأطفال للنشرات الإعلانية. لكنه يعزو الفضل إلى هذه التجربة في مساعدته على فهم ”أشكال الأشياء“، والتي أثبتت أنها أساسية في تطوير أسلوبه في رسم المانغا.

صورة لتوريياما. التي على اليسار هي الأحدث، وقد رسمها أثناء إنتاج مسلسل الرسوم المتحركة ”دراغون بول دايما“ الذي سيصدر هذا الخريف (© بيرد استوديو/ شويشا/ تويي أنيميشين).

ترك توريياما وكالة الإعلانات بعد ذلك بعامين، وذلك عندما خطرت له فكرة تقديم عمل مانغا إلى شونين جامب. وقد قال موضحا ”كنت على وشك الإفلاس آنذاك، لذا تقدمت بطلب للحصول على جائزة جامب الشهرية على أمل الفوز بالجائزة المالية. أعتذر عن دوافعي غير النقية“.

لم يفز العمل الذي قدمه أول مرة، لكن في المرة الثانية لفت انتباه توريشيما كازوهيكو، والذي كان محررا مبتدئا في قسم التحرير بمجلة جامب. كان توريشيما – الذي اكتسب شهرة كبيرة لاحقا كمحرر مانغا أسطوري – في عامه الثاني فقط من العمل في الشركة. أسس الشابان شراكة تهدف إلى ”إنشاء مانغا جديدة“.

لكن النجاح لا يأتي بسهولة. إن ”التدريب“ الصارم الذي تلقاه توريياما موثق جيدا، حيث يقال إن توريشيما رفض نحو 500 صفحة من أفكار توريياما في السنوات الأولى من تعاونهما. ولكن على مدار عامين من التدريب المكثف، صقل توريياما مهاراته وأنجز أول سلسلة له. كان العمل بعنوان ”دكتور سلامب“، وقد حقق نجاحا فور ظهوره لأول مرة في عام 1980 وبعد إطلاقه على شكل رسوم متحركة في العام التالي.

نشرت سلسلة دكتور سلامب من عام 1980 حتى عام 1984، وقد أسرت القراء منذ بدايتها بعالم شخصياتها الفريد (© بيرد استوديو/ شويشا).

دكتور سلامب هو عمل كوميدي تدور أحداثه في قرية البطريق المثالية. تتمحور القصة حول مغامرات فتاة روبوتية صغيرة تدعى نوريماكي أراري. ومن المثير للاهتمام أن توريياما كان ينوي منح مبتكر هذا الروبوت – العالم نوريماكي سينبي – دور البطولة. وسرعان ما أدرك توريشيما إمكانات أراري، وطلب من توريياما تحويل التركيز إليها. لكن توريياما رفض الفكرة. وعندما استفسر توريشيما عن السبب، أجاب توريياما ”لأنها مانغا للأولاد!“.

جلبت أعمال توريياما الفنية والتي صُقلت عبر سنوات من التصميم التصويري، إحساسا جديدا ملونا إلى عالم المانغا الذي أسر القراء. لقد كان ذلك النوع من الفن الذي لا يبدو جيدا على الورق فحسب، بل في العالم الحقيقي، كما هو الحال عند طباعته على القمصان. برز دكتور سلامب كنوع جديد من أيقونات الثقافة الشعبية، بين الصغار والكبار على حد سواء.

وقد انتشرت بين الناس عبارات شهيرة من هذا العمل مثل ”إن تشا!“ و ”باي تشا“ لأراري، ما جعله أكثر من مجرد نجاح، حيث بات ظاهرة اجتماعية.

إعادة تصور رحلة إلى الغرب

بعد أن أنهى توريياما سلسلة دكتور سلامب الناجحة في عام 1984، أخذ إجازة لمدة 3 أشهر قبل إطلاق سلسلته التالية بعنوان ”دراغون بول“.

تبدأ القصة كمحاكاة ساخرة للرواية الصينية الكلاسيكية التي تعود إلى القرن السادس عشر بعنوان ”رحلة إلى الغرب“، وتتخذ شكل مغامرة مرحة للعثور على ”كرات التنين“ السبع والتي إذا جُمعت معا، فإنها ستمنح مالكها أمنية من ”شينلونغ (التنين الأبدي)“.

ومع مرور الوقت تطورت إلى قصة أكثر تركيزا على المعارك، واستمرت شعبيتها في التزايد. كان توريياما الذي كان من أشد المعجبين بفيلم ”دخول التنين“ لبروس لي وأفلام جاكي تشان، موهوبا في رسم مشاهد الحركة التي لقيت صدى لدى القراء.

يظهر على أغلفة إصدارات مجمعة خصوم آسرون، وهم – في اتجاه عقارب الساعة من أعلى اليسار – بيكولو، فيغيتا، فريزا، ماجين بو، أندرويد سييل، بالإضافة بالتأكيد إلى البطل سون غوكو الذي يصبح سوبر سايان (© بيرد استوديو/ شويشا).

كما تم تحويل ”دراغون بول“ إلى مسلسل رسوم متحركة، كما هو الحال في دكتور سلامب. وعلى الرغم من انتهاء سلسلة المانغا في عام 1995، إلا أن الأنمي استمر حتى عام 1997، واكتسب معجبين في جميع أنحاء العالم. وفي عام 2009، صدرت نسخة فيلم حركة حية بعنوان ”دراغون بول إيفولوشين“. كانت آراء الجمهور حولها مختلطة، ولكن في عام 2013، انضم توريياما إلى الإنتاج لإنشاء فيلم رسوم متحركة بعنوان ”دراغون بول زيد: باتال أوف غادز“ وصل إجمالي إيراداته إلى ما يقرب من 500 مليون دولار في جميع أنحاء العالم، ما يثبت شعبية السلسلة المستمرة ويظهر أن توريياما لم يفقد أيا من براعته كمبدع.

لا تزال سلسلة دراغون بول تحظى بشعبية كبيرة حتى يومنا هذا. ومن المقرر أن تبدأ أحدث سلسلة بعنوان ”دراغون بول دايما“ في خريف عام 2024. كما يشتهر توريياما بعمله في سلسلة الألعاب ”مسعى التنين“ التي صمم شخصياتها. تمتعت سلسلة الألعاب هذه بشعبية كبيرة منذ إصدارها لأول مرة في عام 1986، ولا يزال الإصدار الثاني عشر من السلسلة قيد التطوير حاليا.

طُرح فيلم ”دراغون بول زيد: ريزوريكشين إيف“ في دور العرض عام 2015، وكانت المرة الأولى التي يشارك فيها توريياما في كتابة نص أحد أفلام دراغون بول. كان هذا هو الفيلم التاسع عشر في السلسلة (© بيرد استوديو/ شويشا، © لجنة إنتاج دراغون بول زيد 2015).

الإبداع بإحساس طفولي

يقول هوريي نوبوهيكو رئيس تحرير مجلة شونين جامب الأسبوعية التي تصدرها دار النشر شويشا ”إن أعمال توريياما تصور بلا كلل أحلام ورغبات الأولاد الصغار، دون اللجوء إلى الوعظ. أنا أعتبره مثالا لمانغا الأولاد“.

يتذكر مصمم اللعبة ساكوما أكيرا تفاعلاته مع الشاب توريياما أكيرا. كان ساكوما أحد نقاد المانغا آنذاك، وكتب ”يبدو وكأنه ظل طفلا حتى عندما كان بالغا“. لكنه كان يقصد بذلك المبالغة في كيل المديح، لأن ”الحفاظ على مثل هذه الحساسية الطفولية أمر صعب للغاية في الواقع“.

ولكن بسبب هذه الحساسية على وجه التحديد، تمكن توريياما من تحويل الاتجاه السائد لمانغا الأولاد في اليابان.

ولكن ما هو الاتجاه السائد في مانغا الأولاد؟ ربما يمكن تسميته ”مغامرة“.

عندما تفكر في الأمر، تجد أن الفيلم الأصلي لحرب النجوم الذي أُنتج عام 1977 والذي أعجب به توريياما كثيرا، هو قصة مغامرة، حيث ينطلق الشاب لوك الذي يعيش بهدوء في منطقة ريفية في رحلة اكتشاف. ومانغا دراغون بول تنحو ذات المنحى إلى حد كبير.

الانطلاق في مغامرة، عوالم جديدة، لقاءات جديدة، أصدقاء جدد. إن إثارة الاكتشاف هي ما يمنح أعمال توريياما قوة.

عندما سُئل توريياما عما يعتقد أنه الأكثر أهمية فيما يتعلق برسم مانغا للأولاد، أجاب ”الأمر كله يتعلق بالإثارة والترقب. عندما أرسم، أتذكر المشاعر التي شعرت بها تجاه العالم عندما كنت طفلا“.

إذن هي الإثارة والترقب، لقد كانت مهمة حينها، وستكون مهمة أيضا في المستقبل.

أعتقد أن هناك حكاية تجسد تماما هذا الشعور بالفضول الطفولي. يقال إن توريياما ابتكر تقنية كاميهاميها من خلال اتخاذ أوضاع مختلفة بنفسه عندما لا يكون هناك أحد بجواره. وفي حين أن هذا قد يبدو وكأنه حكاية صغيرة ضمن إنجازاته الهائلة، إلا أن هذه التفاصيل الصغيرة هي التي تسلط الضوء حقا على عبقريته.

كان فيلم ”أرض الرمال“ لعام 2023 – وهو مستوحى من مانغا لتوريياما تحمل نفس الاسم – إحدى قصص مغامراته الأخرى (© بيرد استوديو/ شويشا، © لجنة إنتاج أرض الرمال).

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: صورة لأكيرا تورياما ملتقطة أثناء نشر سلسلة دكتور سلامب في عام 1982. ويُشتهر عن هذا الفنان إحجامه عن الظهور في وسائل الإعلام. © جيجي برس)