«لم أتمكن من شراء الخبز منذ 4 أيام»، عبارة قالها أحد المتظاهرين السودانيين لوكالة رويترز، تكفي لوصف الحال السيئ الذي وصل إليه السودانيون، وتنذر بتصعيد أكبر في الأيام القادمة. وتتصاعد وتيرة الأحداث في السودان بصورة سريعة، ويتصاعد معها الغضب الشعبي ليصل إلى العاصمة الخرطوم، خاصة بعد سقوط 8 قتلى، أمس الخميس 20 ديسمبر/كانون الأول 2018، وما سبقها من إعلان لحالة الطوارئ في بعض المدن.
وبتسليط الضوء أكثر على الوضع الاجتماعي للسكان، نجد أن الحالة التي يعيشها السودانيون بها جميع العناصر الأساسية التي تدفع الشعب للثورة على الوضع القائم، فما هي هذه الحالة؟
الخبز كان سبب اندلاع التظاهرات
رغم أن بداية مظاهرات السودان كانت مفاجأة للسلطات السودانية، إلا أن «الوضع الحالي في السودان والتظاهرات الكبيرة التي خرجت في الأيام الماضية، كان متوقعاً حدوثها، بسبب الأزمات المتراكمة التي يمر بها السودان، خاصة في الجانب الاقتصادي، من ندرة في الوقود وندرة في دقيق الخبز، والغاز، والحصول على الكاش من البنوك، كلها دعت الناس تعيش ضائقة»، بحسب مصدر خاص لـ «عربي بوست» داخل السودان.
فطوال عامين كاملين منذ إعلان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما تعليق العقوبات الاقتصادية الأميركية على الخرطوم المفروضة منذ 20 عاماً، والاقتصاد السوداني يعيش أسوأ أيامه وسط انكماش حاد، وتضخم كبير، وانهيار في قيمة العملة الوطنية أمام الدولار.
ويواجه اقتصاد السودان صعوبة بالغة للتعافي بعدما فقد ثلاثة أرباع إنتاجه النفطي، وهو المصدر الأساسي للعملة الصعبة، منذ أن انفصل الجنوب في عام 2011، آخذاً معه معظم حقول النفط.
لكن كثيراً من المستثمرين يعزفون عن العمل في السودان الذي لا يزال مدرجاً لدى واشنطن كبلد راع للإرهاب، رئيسه مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية في تهم بتدبير إبادة جماعية في إقليم دارفور.
وينفي البشير هذه الاتهامات. دخلت البلاد في «كابوس اقتصادي»، فالبنوك تعجز عن توفير السيولة النقدية لمودعيها بسبب سحب المواطنين لمدخراتهم وتحويلها إلى دولار. لا توجد سوى بضعة صرافات آلية تعمل بصورة متقطعة في عاصمة البلاد، بينما البنوك في الولايات تسمح للمواطنين بسحب 10 دولارات يومياً فقط مهما كان نوع الحساب وحجمه.
في النهاية وصل الأمر إلى عجز الدولة عن توفير الدقيق لصناعة الخبز والوقود للسيارات ولوسائل المواصلات العامة، ارتفعت أسعار كل شيء بعد أن باتت السوق السوداء هي الطريق للحصول على هذه المستلزمات.
الحكومة زادت المشكلة
وبحسب مصادر خاصة لـ «عربي بوست»، فإن الحكومة السودانية ارتكبت خطأً كبيراً عندما قللت حصص الخبز والوقود في الولايات على حساب الخرطوم، قرابة 50% من حصصهم انتقلت للعاصمة.
ارتفع سعر الخبز في بورتسودان مثلاً (وهي من أبرز نقاط الاحتجاج) إلى 3 جنيهات كاملة للرغيف الواحد أي بزيادة 300%. وفي بعض المناطق وصل سعر الرغيف إلى 4 جنيهات سودانية.
المشكلة ليست في ارتفاع السعر فقط، لكنه غير متوفر من الأساس. فطلاب المدارس الذين تفاجأوا بعدم وجود خبز، شاركوا في المظاهرات، التي تصاعدت لإحراق مقر الحزب الحاكم.
انفجار في المدن السودانية
ويبدو أن السودانيين لم يعودوا قادرين على تحمل كل هذه التداعيات السلبية، ليخرج مواطنون في مظاهرات ذات طابع عفوي بدت صغيرة جداً يوم الجمعة 14 ديسمبر/كانون الأول، وغير مؤثرة ولم تتبناها أي جهة سياسية. لكن ما لا يتوقعه الكثيرون، هو أن هذه التظاهرات الصغيرة كانت بمثابة عود ثقاب يقترب من مخزن بارود، لتنفجر مدينتان من أهم مدن البلاد وهي عطبرة و بورتسودان بتظاهرات غير مسبوقة، الأمر الذي أشعل حماسة بقية المدن.
وبحسب مصادر «عربي بوست»، كان تعامل قوات الأمن مع المتظاهرين لطيفاً في البداية، لكن عندما تواصلت المظاهرات لليوم التالي، تعاملوا بالعنف، ما أدى لسقوط قتلى. ثم انتقلت المظاهرات للخرطوم، بدأت بالأحياء، ثم انتقلت للمراكز الرئيسية وللجامعات، واليوم الجمعة لا أحد يعلم ماذا سيحصل.
الحكومة تحاول التهدئة
الحكومة السودانية تراجعت عن عدد من القرارات الهامة، بعد أن كانت تنوي رفع الدعم عن الخبز والمحروقات. الرئيس السوداني عمر البشير كان موجوداً في بورتسودان في وقت اشتداد وتيرة التظاهرات، حيث كان من المفترض أن يحضر مناورات عسكرية، لكنه لم يستطع ذلك وعاد للعاصمة، بحسب مصادر خاصة لـ «عربي بوست».
أكثر ما فاجأ الحزب الحاكم هو عفوية المظاهرات من خلال التنظيم والشعارات، وأنها خرجت من مناطق تعتبر من معاقل الحزب الحاكم.
ولاية نهر النيل والتي تعتبر مدينة عطبرة من أبرز مدنها في الولاية التي ينحدر منها الرئيس السوداني وأبرز أقطاب حزبه وأبرز أصحاب المناصب الحساسة في مؤسسات الدولة. كذلك خرجت معها الولاية الشمالية التي ينحدر كثير من أبنائها في صفوف المؤسسات الأمنية والعسكرية، وهو ما خلط كثيراً أوراق الحزب الحاكم الذي يتهمه معارضون باستغلال أبناء هاتين الولايتين، وهو ما كانت تنفيه الحكومة باستمرار.
ليس هذا فقط، فبحسب مصادر «عربي بوست» فإن عضوية حزب المؤتمر الوطني الحاكم أو عضوية الحركة الإسلامية، استقبلت الحراك بشيء من الشماتة وببعض الرضى، حتى أن بعض هؤلاء ليس عنده أي رغبة لصد هؤلاء المتظاهرين.
منذ عام 2011، لم تتوقف دعوات التظاهر ضد الرئيس السوداني عمر البشير، والتي يطلقها نشطاء معظمهم يقيم في المهجر ولم تكن دعواتهم تلك تتلقى سوى استجابة محدودة من الشعب وتأييد نسبي من طلاب الجامعات. عضوية الحركة الإسلامية من خلال الطلاب ذوي العضوية الفئوية كانوا يواجهون المتظاهرين ويسدون الطرقات أمامهم، كان هؤلاء أداة أكثر فعالية من قوات الأمن، بحسب مصادر «عربي بوست».
الآن هذا غير موجود، بالعكس هناك بعض الشماتة، لأن حكومات البشير المتعاقبة خلال فترة الحكم الطويلة هذه قامت بـ»تهميش أي صوت غيور حريص على المشروع الإسلامي، وأصبح الناس غريبين على الحركة وعلى المشروع ويبحثون عن مصالحهم»، على حد تعبير المصدر.
هل فقدت المؤسسات الأمنية والعسكرية الحماسة للدفاع عن النظام؟
كان ملفتاً للأنظار ما حدث في عطبرة. فقد حمت قوات الجيش المتظاهرين هناك من قوات الشرطة والأمن، وهو ما ظهر في فيديوهات منتشرة على الإنترنت.
تواجدت فرق من الجيش بأكثر من منطقة ومنعت الشرطة من التعامل العنيف مع المتظاهرين، بل في بعض الأحيان حمت المتظاهرين، في عطبرة والقضارف. بل إنه في ظنكلة، جزء من الشرطة انضم للمتظاهرين.
كذلك ما تداوله مستخدمو الشبكات الاجتماعية من صور قيل إنها لقائد الفرقة الثانية مشاة في مدينة القضارف اللواء الركن محي الدين أحمد الهادي وهو يقف في صفوف المتظاهرين، وهو ما يعني أنه يوفر لهم الحماية.
هذا الأمر أوحى لبعض المراقبين أن المؤسسة العسكرية تضع مسافة بينها وبين قائدها الأعلى المشير عمر البشير الذي يهتف المتظاهرون بسقوطه، بينما رأى آخرون أنها تكهنات غير صحيحة ومجرد خطوة لتهدئة المواطنين الغاضبين، خصوصاً أنه لم يصدر من هؤلاء الأشخاص أو مؤسسة الجيش أي بيان رسمي يفيد بأنها لم تعد تلتزم بقرارات الرئيس السوداني.
أين الأحزاب السياسية من ثورة الخبز؟
لم تتبن الأحزاب السياسية مظاهرات الخبز في البداية، ربما لاعتبارات قانونية ونأياً بالنفس عما صاحب هذه التظاهرات من أعمال تخريب قام بها البعض.
ورغم أن السيد الصادق المهدي إمام طائفة الأنصار جاء إلى البلاد والمظاهرات في أوجهاـ فإنه لم يعلن بوضوح تبنيه لشعارات إسقاط النظام الذي ترفعه المظاهرات، بل دعا لتكوين حكومة قومية انتقالية وهي دعوة متكررة تصدر عن الإمام باستمرار.
لكن تطورات الوضع على الأرض مؤخراً، وخروج مدن بأكملها عن سيطرة الحزب الحاكم، وفرض حظر التجول في القضارف وعطبرة ربما يشجع حزب الأمة (التابع للسيد الصادق المهدي) على تغيير موقفه، وهو ما ظهر من دعوة رسمية أطلقها لأعضائه للانخراط في المظاهرات، وتوعده للنظام باللحاق بما وصفه بأسلافه من النظم الديكتاتورية.
القوى السياسة بدأت تتحرك، كما أن عامة الناس يوجد لديهم تعاطف كبير مع هذا الحراك، لأن المعاناة كبيرة جداً.
كيف بدأت المظاهرات وكيف هو الحال الآن؟
بدأت المظاهرات كبؤر تجمعات صغيرة في بعض أطراف العاصمة السودانية في منطقة البراري ومنطقة الشجرة وبعض شوارع أم درمان عقب صلاة الجمعة 14 ديسمبر/كانون الأول، ولكنها لم تحظ بتغطية كبيرة بسبب الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس السوداني إلى دمشق، والتي شغلت وسائل الإعلام طوال الإسبوع الماضي.
لم يتم الانتباه لهذه التظاهرات إلا عندما وصلت مدينة عطبرة وبورتسودان، وعندما صاحب التظاهر أعمال تخريب رمزية كإحراق مقرات الحزب الحاكم.
كان يوم الخميس 20 ديسمبر/كانون الأول هو اليوم الأكثر دموية والذي سقط فيه عدد من القتلى عندما وصلت المظاهرات إلى مدينة القضارف المجاورة لإثيوبيا، وعندما تحمس عدد من طلاب الجامعات لعمل أول تجمع رمزي في مدينة الخرطوم في ميدان جاكسون أحد أشهر ميادين العاصمة والقريب من جامعتي النيلين والسودان للعلوم والتكنولوجيا.
حسب الصحافي السوداني المقيم في أميركا والذي يعمل لصحيفة نيويورك تايمز إسماعيل كشكش، فإن عدد القتلى في مدينة القضارف بلغ 6 قتلى، وقتيلين في مدينة كريمة في الولاية الشمالية وقتيل في مدينة العبيدية وقتيل في مدينة بربر.
بينما تحدث مسؤول سوداني لمحطة محلية حسب وكالة رويترز وقال إن عدد قتلى القضارف بلغ 8 قتلى، ولم يتم الاعتراف حتى الآن بالقتلى الذين سقطوا في المدن الأخرى حتى تاريخ كتابة هذا التقرير.
المصدر: عربي بوست
أخبار متعلقة :