عشية الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، تداولت وسائل الإعلام الدولية قصة لافتة عن فيلم وثائقى يشرح كواليس الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب، وهو الفيلم الذى أظهر الرئيس (المرشح الرئاسى آنذاك) جالسا إلى جانب مساعدته ناتالى هاربى، التى تأخذ تعليقاته المباشرة على صور وتصريحات من حملة منافسته كاملا هاريس، لتكتبها سريعا، قبل أن يُلقى عليها نظرة أخيرة، ويعقبها بإيماءة بالموافقة، لتقوم بنشرها على «تروث سوشيال».
و«تروث سوشيال» ليست سوى منصة لـ «التواصل الاجتماعى» أطلقها ترامب بنفسه فى أعقاب خسارته الانتخابات الرئاسية أمام جو بايدن، وبعدما تم استبعاده من منصة «تويتر» («إكس» حاليا)، بداعى مخالفته لاشتراطاتها وقواعد الاستخدام الخاصة بها.
يشير ذلك بوضوح إلى آلية الاتصال السياسى التى يعتمدها سيد البيت الأبيض الذى عاد من جديد إلى سدة أخطر منصب فى العالم، وهى آلية تعتمد على «السوشيال ميديا» اعتمادا جوهريا، كما يمكن وصفها بصفتين: الفورية، وعدم الاحتراز.
فبدلا من صياغة السياسات الاتصالية لقائد مثل ترامب بواسطة فرق من الخبراء المتخصصين، بما يضمن سلامتها وانضباطها وتعبيرها عن مواقف رسمية محسوبة بدقة، فإنه يُطلق العنان لنفسه لتحديد تلك السياسات وتفعيلها فى لحظات معدودة.. من دون تروٍ أو حسابات.
ويبدو أن المرارات المتراكمة التى يشعر بها ترامب تجاه وسائل الإعلام «التقليدية»، واقتناعه البادى بأنها عاندت مشروعه السياسى، و«تلاعبت» لتقليص حظوظه، أقنعته بعدم الاهتمام بالتعاون معها خلال ولايته الجديدة، بل إنه أيضا يُمعن فى إدانتها، وتحقيرها، والنيل منها، ومن العاملين بها. وبسبب عدم ثقته فى معظم الشبان، الذين يديرون منصات «التواصل الاجتماعى» البارزة، باستثناء إيلون ماسك- الذى بات أحد أركان فريقه وأبرز داعميه- فإنه سيظل يُعول على منصته الخاصة «تروث سوشيال»، ويبث عليها أخباره الحصرية، وانطباعاته الفورية، وهجماته الحادة على نقاده ومعارضيه.
وبينما سيستمر ترامب فى فعل ذلك بكل شغف ونهم، فإنه لن يتوقف عن مطاردة وسائل الإعلام المؤسسية، والإغراء بها، بينما سيُمجد حليفه إيلون ماسك وسائل «التواصل الاجتماعى»، وسيُخاطب مستخدميها ومؤثريها بوصفهم «يمثلون الإعلام الآن». أما الإشكال، فهو أكبر من ذلك بكثير، فالحديث لا يجرى فقط عن رئيس دولة عظمى قرر أن يستبعد آليات التواصل مع الجمهور عبر وسائل الإعلام «التقليدية» لمصلحة التواصل عبر «السوشيال ميديا»، أو المنصات التى يتأكد من ولائها له وخضوعها التام لسلطته، ولكنه يجرى أيضا عن صيغة جديدة للاتصال السياسى تعتمد الوسائط الجديدة فى معظم مراحلها.
والدليل على ذلك يكمن فيما عرفناه، خلال الأسبوع الماضى، حين راجت الأنباء عن فضيحة «سيجنال»، التى هزت الوسط السياسى فى واشنطن، بعدما تبين أن عددا من أبرز المسؤولين الأمريكيين، مثل وزير الخارجية، ووزير الدفاع، ومستشار الأمن القومى، ومدير الاستخبارات المركزية، ومديرة الاستخبارات الوطنية، ناقشوا خططا عسكرية تتعلق بتوجيه ضربات للحوثيين فى اليمن، فى محادثة جماعية على هذا الموقع، ضموا لها عن طريق الخطأ محرر مجلة «أتلانتيك» جيفرى جولدبرج.
لقد كانت فضيحة قياسية، لم يكن لها مثيل فى تاريخ الاتصال السياسى على الأرجح، إذ يجتمع كل هؤلاء المسؤولين ذوى المناصب الرفيعة والخطيرة فى مجموعة على وسيلة «تواصل اجتماعى»، ويناقشون مثل هذه المسائل المُصنفة سرية والحساسة من دون احتراز. والأنكى من ذلك أن مستشار الأمن القومى مايكل والتز، الذى يبدو أنه هو من دعا جولدبرج للانضمام للمجموعة على سبيل الخطأ، لم ينتبه لخطورة المجموعة، والموضوعات التى تناقشها، وطبيعة الأشخاص الذين يوجه الدعوة لهم للانخراط فى النقاش.
تعطينا تلك الواقعة الدالة الكثير من الانطباعات عن الحالة السياسية والاتصالية السائدة فى واشنطن فى تلك الأثناء، وهى حالة تماثل بالضبط الأجواء السائدة على مواقع «التواصل الاجتماعى»، فيما يتعلق بنزعتى: الفورية، وعدم الاحتراز. ورغم أن تورط قادة أقوى دولة فى العالم فى مثل هذه الحادثة المؤسفة، يعكس حالة غارقة فى التدنى على الصعيدين الأمنى والسياسى، فإن الطريقة التى تعاطت بها الإدارة الأمريكية مع تداعيات تلك الحادثة لاحقا تعكس درجة أكبر من الخطل وعدم المسؤولية.
لقد كان من الصعب إنكار حدوث هذا الخطأ بطبيعة الحال، ومع ذلك فإن الرئيس ومستشار الأمن القومى ووزير الدفاع لم يعتذروا أو يعبروا عن الأسف، وعوضا عن ذلك، فإنهم شنوا هجمات حادة ولاذعة على المجلة، والمحرر، ووجهوا لكليهما اتهامات خطيرة، وراوغوا فى شأن قيمة المعلومات الحساسة التى تسربت نتيجة هذا الخرق الخطير. تشرح تلك الحادثة، وما تلاها من تعامل غير مسؤول من قبل الإدارة الأمريكية، طبيعة عملية الاتصال السياسى فى عهد ترامب، وهى عملية تتسم بالكثير من الغرق فى الإنكار، والزهو الزائف، والاستحقاقية المُدعاة، وعدم الاحتراز.
د. ياسر عبدالعزيز – المصري اليوم
كانت هذه تفاصيل خبر هكذا سيكون الاتصال السياسي في عهد ترامب لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.