الرياص - اسماء السيد - "الخليج 365" من الرياض: كشفت بعثة أثرية عن موقع استثنائي في السعودية يعود إلى العصر البرونزي، قرية تدعى "النطاة"، بلدة محصَّنة تمتد على مساحة تبلغ نحو 2.5 هكتار (0.025 كيلومتر) بُنيت تقريباً في الفترة بين 2400 و2000 قبل الميلاد، واستمرت حتى 1500 قبل الميلاد، وربما حتى 1300 قبل الميلاد مع فترات توقف محتملة.
وأعلنت الهيئة الملكية لمحافظة العلا بالمملكة العربية السعودية السبت، اكتشاف قرية أثرية من العصر البرونزي في واحة خيبر شمال غرب المملكة، ضمن بحث أثري جديد تم نشره في مجلة "بلوس ون" العلمية.
وتقع واحة خيبر على أطراف حقل حرة خيبر البركاني، وتشكلت عند التقاء ثلاثة أودية في منطقة جافة، ووجدت قرية "النطاة" في الأطراف الشمالية للواحة تحت أكوام من صخور البازلت حيث كانت مدفونةً لآلاف السنين.
وأظهرت الحفريات أن بلدة النطاة، التي يعود تاريخها إلى ما بين 2400 و1500 عام، تضمنت منطقة مركزية وأخرى سكنية محاطة بسور دفاعي، كما ضمَّت البلدة مقبرة تبرز فيها ممارسات دفن تشير إلى تفاوت اجتماعي بسيط.
عدد سكانها 500 شخص
ويقدر الباحثون عدد سكان البلدة بنحو 500 شخص، حيث تتمتع بتصميم وتنظيم مشابه لمواقع أثرية أخرى من العصر نفسه في شمال الجزيرة العربية، ولكنها أقل تعقيداً اجتماعياً وسياسياً من المواقع المعاصرة لها في بلاد الشام، وبلاد الرافدين.
وتُعتبر نتائج الدراسة الخاصة بهذا الكشف الأثري، إشارة إلى مرحلة انتقالية تُعرف بـ"التحضر المنخفض"، حيث كانت الجزيرة العربية خلال العصر البرونزي المبكر والمتوسط موطناً لعدد من البلدات الصغيرة المحصَّنة.
"مراكز حضرية مهمة تدعم استقرار مجتمعاتها"
وقاد فريق البحث عالم الآثار جيوم شارلو، من المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا، والذي أشار في الدراسة الخاصة بهذا الكشف إلى مراحل الانتقال من المجتمع الرعوي المتنقل إلى المستوطنات الحضرية المعقدة.
وتشير الدراسة إلى أن مناطق مثل خيبر كانت مراكز حضرية مهمة تدعم استقرار مجتمعاتها بشكل دائم، وخاصة مع ظهور الزراعة فيها، فضلاً عن كونها مراكز للتجارة والتعاملات مع المجتمعات المتنقلة. وكان لظهور هذا النمط الحضري أثر كبير على النموذج الاقتصادي الاجتماعي في المنطقة.
كما تُظهر الأدلة أنه على الرغم من وجود عدد كبير من المجتمعات الرعوية المتنقلة في شمال غرب الجزيرة العربية في العصر البرونزي، إلا أن المنطقة كانت تضم عدداً من الواحات المسوّرة المتصلة مع بعضها، والمنتشرة حول المدن المحصنة مثل تيماء.
نمط حضري متطور
وترسم الدراسة صورة أولية لملامح حياة سكان قرية "النطاة"، حيث كانوا يقيمون في مساكن تقليدية من عدة طوابق، وكانوا يخصصون الطابق الأرضي للتخزين في الغالب، بينما كانت معيشتهم في الطابقين الأول أو الثاني، وكانت الطرقات بين المساكن ضيقة تقود إلى مركز القرية.
كما كانوا يدفنون موتاهم في مدافن ومذيلات برجية متدرجة. وكان سكان القرية يستخدمون الخرز في ملابسهم، ويصنعون الفخار ويتاجرون به، وكانوا يعملون بالمعادن ويزرعون الحبوب، وكان النظام الغذائي المحلي يعتمد بشكل كبير على الأغنام والماعز، ويظهر تعاون السكان لتعزيز أسوارهم بالحجارة والطين.
وتتميز البلدة بتخطيط مديني منظم، حيث تتصل المنازل عبر شوارع صغيرة، مما يسهل الحركة والتواصل بين السكان، ويشير هذا التخطيط إلى وجود نمط حضري متطور نسبياً في ذلك الوقت، مع وجود أسس للتخطيط العمراني الذي قد يكون متأثراً بالممارسات في المناطق المجاورة.
ويمتاز الموقع بالتحكم في مسارين رئيسيين للتواصل: الوادي الذي يمتد على المحور الشرقي الغربي، وقطاع من الطريق المؤدي إلى تيماء، وربما العلا شمالاً، والمدينة جنوباً، ويُظهر المسار المحدد حالياً بواسطة الطريق الإسفلتي الحديث الذي يمتد على الجانب الشرقي من الموقع.
وتحتوي المنطقة اليوم على أراض زراعية مهجورة، وقليل من المزارع بارتفاع متوسط يتراوح بين 710 إلى 715 مترا.
وقد تم تحديد العديد من الآبار ومصادر المياه في هذا القطاع، بما في ذلك 3 آبار تقع في قاعدة المنحدر بالقرب من الموقع، ما يشير إلى وجود إمدادات جيدة من المياه.