الرياص - اسماء السيد - في جولة الصحف اليوم، إضاءة على "ورطة عميقة" للرئيس الروسي فلاديمير بوتن بسبب سوريا، بحسب الصحافة الأوكرانية، وفي الصحف الصينية قراءات لمستقبل المصالح الدولية في ظل الوضع الجديد في دمشق، فيما ترى الصحافة الأمريكية أن تراجع النفوذ الإيراني مع سقوط نظام الأسد يضع واشنطن وإسرائيل أمام خيار طارئ.
البداية من صحيفة "كييف بوست" الأوكرانية، والتي كتب فيها جيفري كارجل مقالاً يتناول تداعيات الأحداث في سوريا على روسيا وإيران، بالإضافة إلى تأثير هذه الأزمة على النظام العالمي والشرق الأوسط.
يشير الكاتب، وهو عالم كبير في معهد علوم الكواكب في ولاية أريزونا الأمريكية، إلى أن سقوط الأسد و"إهانة روسيا" قد فتحا شروراً للأحداث غير المتوقعة في المنطقة، وأشار إليها بمصطلح "صندوق باندورا".
ويوضح الكاتب: "لقد ضعفت العديد من القوى ــ فقد دُمر نظام الأسد؛ وأُهينت روسيا؛ وخسرت إيران خطوط إمدادها اللوجستية لصالح وكيلها حزب الله"، ويرى أن دولتين فقط تحققان مكاسب من ذلك، هما "إسرائيل التي تستفيد من ضعف حزب الله،" وأوكرانيا التي تستفيد من "إذلال" روسيا، وفق تعبيره.
ويضيف الكاتب أن هروب الأسد إلى موسكو يُعد إهانة مباشرة لروسيا، التي تظهر وكأنها غير قادرة على حماية حليفها الأساسي في المنطقة، وهذا يعكس أيضاً أن النظام العسكري الروسي كان يعاني من نقاط ضعف كبيرة على الأرض، بما في ذلك نقص الدعم الشعبي والوهن العسكري، بحسب رأيه.
ويعتقد كارجل أن هناك ثلاثة ردود فعل فورية من روسيا وإيران وهي: الصدمة، الخوف، والبحث عن سبل لتقليص الأضرار.
ومن أبرز النقاط التي يناقشها كارجل هو كيف أن الأزمة في سوريا قد عززت موقع أوكرانيا على الساحة الدولية.
فبعد "إهانة روسيا" في سوريا، يرى الكاتب أن أوكرانيا قد تزداد قوة في مواجهة روسيا على جبهتها الشرقية، مشيراً إلى أن الهيمنة الروسية باتت مهددة في العديد من المناطق، بما في ذلك إفريقيا حيث تكبدت قوات فاغنر الروسية هزائم متتالية.
ويعتقد كارجل أن هذا يمكن أن يؤدي إلى انسحاب روسي كامل من أفريقيا، مما يفتح المجال أمام الدول الغربية لتعزيز نفوذها في تلك المنطقة.
ربما تكون النقطة الأكثر إثارة في مقال كارجل هي التأثيرات المحتملة على دول آسيا الوسطى مثل كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان.
إذ يتوقع الكاتب أن هذه الدول، التي كانت تاريخياً ضمن نطاق النفوذ الروسي، قد تبدأ في تحدي هيمنة موسكو بشكل أكبر، خاصة بعد تفكك صورة القوة الروسية في سوريا.
ويشير كارجل إلى أن هذه الدول قد تصبح أكثر ميلاً للاستقلال عن روسيا بسبب ضعف الأخيرة، بحسب رأيه، وخاصة إذا استمرت في الانخراط في الحروب الإقليمية والفشل العسكري.
علاوة على ذلك، يلفت كارجل الانتباه إلى التأثير الذي قد يحدثه هذا الوضع على العلاقات بين روسيا والصين، مشيراً إلى أن الصين، "التي تراقب عن كثب ما يحدث في المنطقة" قد ترى في ضعف روسيا تهديداً استراتيجياً، ويتوقع أن تستغل الصين هذا الوضع لزيادة تأثيرها في تلك المنطقة، مما قد يعيد تشكيل التحالفات الإقليمية في آسيا الوسطى.
ويختتم كارجل مقاله بالتأكيد على أن الأزمة في سوريا قد تؤدي إلى تغييرات جذرية في السياسة العالمية، حيث ستكون الخريطة الجيوسياسية في عام 2025 مختلفة تماماً عما هي عليه اليوم، فـ"لن يكون ديسمبر/كانون الأول 2025 مثل ديسمبر/كانون الأول 2024"، بحسب كارجل.
"هل تتمكن سوريا أخيرا من تحقيق الاستقرار بعد عقود من الحرب والقمع؟"
إلى الصين، وصحيفة "ساوث شاينا مورننغ بوست" الصينية، التي اخترنا منها مقالاً للكاتب أوداي بهسكار، يرى في مقدمته أن "الشكوك لا تزال قائمة بشأن أجندة الحكومة السورية الجديدة ومصالح القوى الأجنبية".
ويشير الكاتب إلى أن سقوط الأسد وتعيين محمد البشير كرئيس وزراء مؤقت قد أحدث "تحوّلاً كبيراً" في سوريا، وهو ما يعكس تغييراً جذرياً في نظام حكم استمر لعقود طويلة.
"هذا التغيير السريع والمفاجئ، الذي أدى إلى فرار الأسد إلى روسيا بعد انتصار القوات المعارضة في دمشق، يثير العديد من التساؤلات حول مصير سوريا ومستقبل شعبها، الذي عانى لسنوات طويلة من الحرب والصراع"، بحسب الكاتب.
ويركز الكاتب على السرعة التي تمكنت بها "هيئة تحرير الشام" التي كانت في البداية مرتبطة بتنظيم القاعدة، من السيطرة على العاصمة دمشق دون مقاومة تذكر من جيش الأسد، "وهو ما يعكس حالة الانهيار الداخلي في قوات النظام السوري".
ويشير الكاتب إلى أن هذه التطورات جاءت نتيجة لعوامل عدة مثل ضعف الروح المعنوية داخل الجيش السوري، وفقدان الدعم العسكري والسياسي من روسيا وإيران، فضلاً عن الدور الكبير لبعض القوى الخارجية مثل تركيا والولايات المتحدة التي دعمت فصائل المعارضة.
و "رغم أن سقوط الأسد كان محل ترحيب من بعض السوريين الذين هربوا من قمع نظامه، إلا أن القلق حول المستقبل يظل قائماً"، بحسب بهسكار.
و يعكس المقال المخاوف من أن هيئة تحرير الشام قد تفرض نظاماً دينياً صارماً على غرار ما يحدث في أفغانستان تحت حكم طالبان، مما يثير القلق بشأن حقوق الإنسان، خصوصاً فيما يتعلق بحقوق المرأة.
يتناول المقال أيضاً التأثيرات الإقليمية لهذا التغيير على القوى الكبرى مثل إيران وتركيا وروسيا. حيث يشير إلى أن إيران، التي كانت الداعم الرئيسي لنظام الأسد عبر حزب الله، قد تجد نفسها في "موقف ضعيف بعد سقوط الأسد"، بينما خرجت تركيا كأحد المستفيدين الرئيسيين من هذا التغيير.
ويشير بهسكار إلى أن روسيا، التي كانت قد استثمرت بشكل كبير في دعم الأسد عسكرياً وسياسياً، قد خسرت الآن نفوذها في المنطقة بعد سقوط النظام، و "هذا سيؤثر على وجودها العسكري في سوريا، بما في ذلك القواعد البحرية في البحر الأبيض المتوسط".
كما يلفت الكاتب إلى أن الصين، التي كانت قد استثمرت أيضاً في سوريا خلال حكم الأسد، ستواجه تحديات في تعديل سياساتها الإقليمية بعد التغييرات السياسية في دمشق.
وفي الختام، يطرح بهسكار تساؤلاً حيوياً حول كيفية تعامل القوى الكبرى مع هذه التطورات، ويرى بأن العالم بحاجة إلى "سياسة منسقة" لضمان استقرار المنطقة وتجنب تصاعد العنف والجماعات الإرهابية، بحسب تعبيره.
"مع تراجع حذر إيران، الولايات المتحدة وإسرائيل تواجهان خياراً طارئاً"
في مقاله في صحيفة "واشنطن بوست"، يناقش ديفيد أغناطيوس "اللحظة الحرجة" التي تمر بها إيران بعد سلسلة من الضغوط العسكرية والسياسية.
الهجوم الإسرائيلي في أكتوبر/تشرين أول 2024، الذي استهدف دفاعات إيران الجوية ومنشآتها الصاروخية، كشف عن ضعف كبير في النظام الإيراني، بحسب أغناطيوس، ويرى أن هذا الضعف قد يثير تساؤلات حول الخيارات المستقبلية: هل ستسعى إيران إلى الحصول على أسلحة نووية لحماية نفسها، أم ستلجأ الولايات المتحدة وإسرائيل إلى التصعيد العسكري لمنع ذلك؟
ويسلط المقال الضوء على تصاعد التوترات بين القوى الكبرى في المنطقة، ويعزز الحذر في التعامل مع إيران في ظل هذه الظروف.
ويقول أغناطيوس: "أدى الهجوم الإسرائيلي الذي شاركت فيه 120 طائرة حربية، إلى تدمير أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية ومرافق إنتاج الوقود للصواريخ الباليستية، مما أسفر عن تقليص قدرة إيران على الرد على الهجمات المستقبلية. وتعتبر إسرائيل أن إيران لن تتمكن من تحسين قدراتها الصاروخية خلال العام المقبل، في حين تضررت دفاعاتها الجوية بشكل كبير، ما يفتح الطريق أمام إسرائيل لاستهداف مواقع داخل إيران بسهولة أكبر".
هذا الضعف العسكري الإيراني يتزامن مع تطورات أخرى في السياسة الأمريكية والإسرائيلية، حيث يشير المقال إلى أن إدارة بايدن كانت تأمل في التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران قبل تصعيد الوضع في غزة، بينما يرى العديد من المسؤولين الإسرائيليين أن هذا الضعف يمكن أن يكون فرصة للضغط على إيران لتقليص برنامجها النووي.
وفيما يخص العلاقة مع الولايات المتحدة، يرى الكاتب أن إدارة ترامب القادمة ستكون أمام خيار صعب، "إذ سيتم النظر في اتخاذ إجراءات حاسمة ضد إيران إذا فشلت الدبلوماسية القسرية".
وبحسب الكاتب فإن التحديات لا تقتصر على إيران فقط، بل تشمل أيضاً القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، التي تأثرت بشكل غير مباشر بتراجع النفوذ الإيراني في المنطقة.
وبالنظر إلى هذا الوضع، يتساءل الكاتب عن خيارات القوى الكبرى للتعامل مع إيران، خاصة في ظل التصعيد العسكري الإسرائيلي والتحولات السياسية المتوقعة مع تولي ترامب السلطة.
وفي الختام، يؤكد المقال أن "الوقت يمضي بسرعة في إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، وعلى الرغم من كل الصراعات التي سيرثها ترامب، فإن المواجهة الوشيكة بين إسرائيل وإيران قد تكون الأكثر إلحاحاً وخطورة".
أخبار متعلقة :